انتصاراً لفنزويلا البطلة
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن
-
العدد: 5614 - 2017 / 8 / 19 - 13:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تسارعت في الأيام القليلة الماضية ، التهديدات العسكرية الأميركية لفنزويلا، وذلك اثر فوز الرئيس " نيكولاس ما د ورو " وحزبه ، في انتخابات الجمعية التأسيسية الفنزويلية . ما أدى لدى " ترامب " على أن يحسم أمره في المواجهة مع الشعب الفنزويلي، الذي أكد خياره لليسار والتقدم .. وأكد أن ما زرعه تشافيز ، قد أثمر ثواراً ، وقيادات ، وتحالفات ، لن تتخلى عن سيرورته الخالدة . ولأن " التشافيزية " هي نظرية .. وثورة المقهورين والمهمشين ، فإن صراعها مع الإمبراطورية مستمر . باعتبارها كما قال تشافيز أن " أكبر خطر على كوكب الأرض هو أميكا " . من هنا تأتي أهمية الزعامة التي مثلها تشافيز .. وتأتي مضامين القيم النبيلة ، التي أسسها وناضل تشافيز من أجلها .
لقد جاء " هوغو تشافيز " إلى الحكم في فنزويلا ، عام ( 1998 ) في مرحلة ساخنة ، كانت مستحقة ، في أميركا اللاتينية ، لمواجهة الانحدار الاجتماعي المتزايد ، وانتشار مأساوي .. للفقر .. والقهر .. وبيوت الصفيح . وجاء في الزمن المفصلي ، بين قرنين ، وعالمين . حيث كان الناس يأملون أن يرحل القرن العشرين ، حاملاً معه ، بؤسه ، وأزماته ، وحروبه . ويتفاءلون بالقرن الواحد والعشرين ، أن يكون قرن المتغيرات، التي تلبي أمنياتهم وأحلامهم .
بيد أن .. بعد أن حكم الواقع .. والعقل .. والمنطق ، وظهر الثابت والمتحول ، في مسار القرن الجديد .. لم يعد رحيل قرن ، واستقبال قرن ، يستحق كل هذا التفاؤل ، سيما لدى المراقبين والمحللين التاريخيين ، وتم فرز الاحتمالات ، والشخصيات الجديدة ، المرجحة ،التي ستعمل إيجابياً على ملاقاة استحقاقات الحاضر ، في التخلص من القهر والبؤس والفقر ، وفي فتح آفاق جديدة لصالح الإنسانية كلها ..
كان تشافيز أحد الأشخاص الأبرز .. والأكثر ثورية .. وشعبية .. وأممية . وكان أحد حملة مفاتيح نهوض اليسار في القارة .. ونهوض الجماهير الفقيرة .. المقهورة .. المهمشة .. لدى شعوب .. هي أبعد من القارة .. ومفاتيح أبواب التاريخ ، التي أغلقها فلاسفة .. وعتاة الرأسمالية .. بوجه البؤساء .. ولمنع تواصل الكون نحو الأفضل .
لقد افضى مجيء الزعيم الشعبي اليساري " هوغو تشافيز " إلى الحكم ، إلى تصدره المشهد السياسي ، في بلد محوري ، اقتصادي ، وسياسي ،في القارة .حاملاً رسائل عدة إلى شعوب أميركا اللاتينية .ز وإلى الشعوب في قارات البؤس ، التي فجعت بخسارة الاتحاد السوفييتي .. وانهيار معظم اليسار العالمي . وبدأت تكابد من هيمنة النظام الرأسمالي على العالم .
كانت الرسالة الأولى ، هي إلى الرفيق فيدل كاسترو .. في كوبا المحاصرة .. وإلى قيادات اليسار في أميركا اللاتينية ، تتضمن معان مميزة شاملة . وهي أن قوى اليسار لن تموت .. ولن تنثر . إنها حين تضرب جذورها في عمق الجماهير الشعبية المقهورة .. تبقى حية .. وقادرة .. مهما كانت الظروف الداخلية قمعية .. والظروف الإمبريالية شرسة .. قادرة على التجدد .. وكسر قيود الاستغلال والقهر .. وعلى الانتصار .
وقد أثمرت هذه الرسائل ، في انتصار اليسار ، في بوليفيا ، والإكوادور ، ونيكاراغوا . وفي تقدم شعبية اليسار في كافة بلدان أميركا اللاتينية . وأثمرت ثقة واعتماد البلدان المتمردة على الإمبريالية بالدولة الفنزويلية .
وأظهر تشافيز أنه مثقف يساري ، ومحرض ثوري أممي . بدلالة الانفتاح الأممي على الطبقات الشعبية ، وقوى اليسار ، في البلدان المقهورة ، بما فيها بلدان عربية . فاتحاً لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وسوريا ، ومصر ، ولبنان ، مجالات تؤمن لها الدعم المادي والمعنوي ، سيما في حروبها ضد الكيان الصهيوني العنصري ، والضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارس عليها . وكان تشافيز الرئيس الذي زار بغداد أثناء الحصار شبه الشامل على العراق .
وقد عبر تشافيز ، وموراليس ، وكوريا ، وأورتيغا ، وكاسترو ، ورفاقهم في بلدان أميركا اللاتينية ،التي اختارت مسار اليسار ، عن تضامنهم مع الشعب اللبناني ، ضد العوان الإسرائيلي على لبنان ( 2006 ) . وعن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني ، أيام الغزو الإسرائيلي لغزة ( 2008 ـ 2009 ) . واتخذوا ، مواقف مبدئية تحررية ، وقاموا بطرد السفير الإسرائيلي ، من بلدانهم . ووقفا إلى جانب الشعب الليبي أثناء تعرضه لعدوان حلف الناتو ( 2011 ) . وقد تجاوزوا بذلك سياسياً وأخلاقياً معظم الحكام العرب .
وكرس تشافيز قبل رحيله ( 5 ـ 3 ـ 2013 ) نهجاً ومبادئ للحكم المدعوم من الشعب ، والمرتبط وموضوعياً بقضاياه المشروعة . حيث صارت مواقفه الشعبية المكرسة لتقديم الخدمات الاجتماعية ، ورفع مستوى معيشة الطبقات الشعبية ، وحل أزماتها ـــ قدم (200 ) ألف بيت للفقراء مجاناً بدلاً من بيوت الصفيح ــ تشكل أسساً ملزمة للحكومة الفنزويلية . وتشكل خلفية مبدئية " نظرية " لحركة اليسار في فنزويلا ، وغيرها من البلدان التي تسلك خط اليسار . وجعل من فنزويلا منارة متجددة لليسار الشعبي المكافح . وأمـد فوائد التحرر اليساري إلى عموم القترة بأشكال مختلفة .
وقد أثارت الإنجازات اليسارية في فنزويلا ، وانعكاساتها القارية ، أثارت الذعر لدى الإمبراطورية الأميركية ، التي عملت على تحريض القوى الفنزويلية الموالية لها . وقدمت لها الدعم غير المحدود لإسقاط تشافيز ، والدولة الفنزويلية
وجاء " نيكولاس ما د ورو " الذي انتخبه الشعب بعد رحيل تشافيز في ( 15 ـ 4 ـ 2013 ) ، ليتابع المسار الذي بدأه وقاده تشافيز . وليتابع التصدي للتآمر الأميركي ، الذي استخدم الحرب التجارية ، وقام بالتواطؤ مع المملكة السعودية ، بتخفيض سعر البترول إلى النصف ، ضارباً مصالح فنزويلا وإيران وروسيا في آن .
وقد ازدادت أميركا سعاراً لنجاح " ما د ورو " وحزبه في غمرة الصراع معها ، في الجمعية التأسيسية الفنزويلية في الشهر الماضي . فبدأت باتخاذ إجراءات الهجوم العسكري على فنزويلا . وقد صرح الناطق باسم البنتاغون ، أن الجيش الأميركي بانتظار أوامر " ترامب " ليبدأ الهجوم على فنزويلا .
وإذا ألقينا نظرة على السياسة العدوانية الأميركية الدولية ، في الوقت الراهن ، نجد أن " بنك ط أهداف عدوانها ،يحتوي على أهداف في بلدان عدة في وقت واحد . ويمكن اعتبار فنزويلا ، الهدف الأكثر عرضة ، في أي وقت للحجوم الأميركي . فضلاً عن كوريا الديمقراطية ، وسوريا ، وإيران ، وربما روسيا . وهذا العدد من الدول المستهدفة بالعدوان الأميركي ، له وجهان .. سيء .. وأسوأ .. وإن كان له فسحة من الإيجابية حسب العقلية السياسية " الترامبية " . فإنه من الصعوبة بمكان ، أن تدخل أميركاً حرباً متعددة الجبهات والقارات ، وقد تتحول في أي لحظة ، إلى حرب نووية لا يمكن السيطرة عليها .
إن أبسط المراقبين يستبعدون تماماً ، أن يقوم " ترامب " مهما بلغ من الهيستيريا ، بضرب فنزويلا ، وكوريا الديمقراطية ، وسوريا ، وإيران ، في آن واحد ، ويحقق في هكذا حرب أي فوز لأميركا . وإنما المتوقع .. الأقرب إلى المؤكد .. أن هناك هزيمة أميركية تاريخية ستحصل .. ولا عودة للإمبراطورية بعدها .
كاراكاس .. وبيونغ هما في المقدمة .. على خط التماس الناري مع أميركا . لكن الشعوب الغاضبة . على هكذا حرب تملأ القارات .. ومفاعيل اليسار ستنهض .. وتتحرك ضد أميركا .. إن اشتعلت الحرب .
لقد ولى زمن العدوان الاستعماري على الشعوب وقهرها .
إن فنزويلا البطلة بقيادة " ما دو رو " واليسار الفنزويلي .. والقوى الوطنية الفنزويلية .. وكوريا الديمقراطية صانعة سلاح التحدي النووي للاحتكارات النووية الإمبريالية .. قد أعلنتا قبول التحدي الأميركي .
والسؤال في اللحظة التاريخية الراهنة هو .. هل ستنجح أميركا بحل المعادلة الأميركية المتعجرفة ( نحن / أو العالم ) لصالحها .. أم ستحلها الشعوب بوسائل نضالية مبدعة .. لصالحها هي .. وإلى الأبد .