مصير الدولة السورية في عهدة بشار الصغير


برهان غليون
الحوار المتمدن - العدد: 4181 - 2013 / 8 / 11 - 10:38
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

لا أعتقد أن هناك صاحب عقل، ولا أريد أن أقول صاحب ضمير، يقبل باستمرار ما يجري في سورية من تدمير منهجي مقصود للمدن السورية، وقتل الآمنين من أهلها، أطفالا ونساءا وشيوخا وشبانا، لا لذنب إلا لأنهم رفضوا أن ينصاعوا لإرادة حاكم أخرق، أصابه مس من الجنون، وقرر إما هو أو حرق البلد.

يقول البيان الذي صدر للمرة الألف عن اجتماع وزيري أكبر دولتين، روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، أنه لا يوجد للمسألة السورية حل سوى الحل السياسي. فهو وحده الذي يضمن الانتقال المنظم أو المتفق عليه مع الاحتفاظ بالدولة ومؤسساتها.


:أقول لهؤلاء الذين يخافون التضحية بالأسد حفاظا على الدولة، من السوريين والعرب والاجانب

كل السوريين الطبيعيين متفقين على الحفاظ على الدولة والمؤسسات وعلى تدعيمها. لكن هل يقوم نظام الاسد بشيء آخر غير التدمير الممنهج والمنظم للدولة ومؤسساتها عندما يسيل دماء السوريين أنهارا، ويفجر كل الثوابت الوطنية، ويقسم الشعب طوائف ومذاهب واديانا، ويدفع ملايين الناس إلى النزوح واللجوء من دون مأوى، ومن دون موارد، ومن دون مستقبل؟ ولو كان نظام الأسد نظام دولة، ومؤسسات، هل كان الجيش الذي وجد للدفاع عن سيادة البلاد، وحماية الشعب، وضمان الأمن والاستقرار، يفرط بكل هذه الاهداف، فيترك الحدود سائبة، ويوجه حرابه إلى شعبه، ويقبل باستخدام وسائل الإبادة الجماعية في القمع، من إطلاق الصواريخ الباليستية التي تدمر الأخضر واليابس إلى استخدام الغازات السامة والاسلحة الكيماوية، كل ذلك من اجل الدفاع عن مستقبل فرد، وقعت السلطة في يده بالمصادفة، لا يعرف إدارتها ولا يستحق أن يكون فيها؟ وما هي هذه الدولة التي تقبل بأن يقودها شخص قاصر، لا ثقافة ولا خبرة ولا وعي، وأن يدافع عنها شبيحة مجرمون جعلوا من بوطهم العسكري عقيدتهم، وأقاموا له، منذ أيام فقط، نصبا في ساحات مدنهم، يعلنون فيه برنامج عملهم وطريقة حكمهم لبلدهم، ويعكسون فيه أخلاقياتهم "العالية"و"حداثتهم" و"تقدميتهم"، والمستقبل الذي يخبؤونه لأولادهم وأبناء وطنهم "أعداءهم"!!؟


كل من عاش في سورية، وكل الدوائر السياسية والدبلوماسية الدولية، بل حتى أصحاب الحكم، يعرف أنه لا يوجد في سورية دولة، بمعنى أجهزة متخصصة تعمل حسب القانون، وبعيدا عن نزوات الحاكمين ورغباتهم الشخصية، من أجل ضمان الحياة الطبيعية، الاخلاقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية لجميع الأفراد، بصرف النظر عن مذاهبهم وأديانهم وافكارهم، وفرض احترام القانون وتطبيق العدالة والمساواة، والعمل على رفع مستوى حياة السكان وثقافتهم وتعليمهم، وتحسين مشاركتهم في الحياة العامة، ووضع الخطط لضمان مستقبل البلاد وأمنها واستقرارها ومستقبل الأجيال القادمة.


ما يوجد في سورية هو حكم عصابة لا تهتم إلا بمصالحها، ولا تخطط إلا لنهب موارد البلاد واستملاكها، ولا تنشيء من المؤسسات والأجهزة الأمنية والعسكرية إلا تلك التي تساعدها على كسر إرادة الشعب وتركيعه وإخضاعه واستعباده لتكون هي الوحيدة السيدة، وكي لا يستطيع بشر ولا إنسان أن يسائلها أو يحاسبها على أي جرم تقترفه في حق الشعب، أو أي فرد فيه. وككل سارق، لا تتردد في قتل الأهالي وحرق البلد بأكمله لإخفاء معالم الجريمة عندما تخشى أن تضبط بالجرم المشهود..


يحتاج السوريون بالفعل إلى دولة تحميهم وتحترم إرادتهم وتثمر تنوعهم وتعدد مذاهبهم ومنابتهم ومشاربهم. دولة تسهر على أمنهم، وتعمل من أجل سعادتهم، وتساوي بينهم، وتحكم بالقانون الذي يصوغه ممثلوهم ونوابهم بحرية ونزاهة في مجالسهم التشريعية المنتخبة. يحتاجون إلى مؤسسات مدنية وعسكرية وعلمية من صنعهم، وتعمل لتوسيع هامش خياراتهم وتحسين فرص تقدمهم، وتخضع لإرادتهم المشتركة العامة، تكون إطارا يعمل على تعزيز تواصلهم وتعاونهم وتضامنهم، مؤسسات لهم، لا عليهم، ولا أداة في يد أعدائهم، لا هدف لها سوى سلبهم، ووضع القيود في معاصمهم، وشل إرادتهم لتأبيد سلطة متمردة خارجة على القانون والسياسة وكل المعايير الانسانية، ومرتهنة لإرادة دول الحماية والوصاية الأجنبية.


دولة السوريين يبنيها السوريون أنفسهم. ولا يمكن أن يكون شريكا فيها من قوض أركانها وهو مصر كل يوم على تدمير ما تبقى منها.