تأملات / ليس بتبويس اللحى !
رضا الظاهر
الحوار المتمدن
-
العدد: 3402 - 2011 / 6 / 20 - 16:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تمضي البلاد في دروب آلامها كأنها ابتليت بنوائب تعقب إحداها الأخرى على يد من شاء حظها العاثر أن ينصّبهم "محررين" أو حكاماً متصارعين !
كيف، إذن، لا يحق لمحللين أن يشعروا بخيبة أمل جراء انحدار سياسيين متنفذين الى درك عميق من انعدام الشعور بالمسؤولية، وهو ما تجلى في الأيام الأخيرة خصوصاً حيث اشتد صراع الامتيازات وتعالت لغة الاتهام وتصريحات الابتزاز والتهديد ؟
ويواصل المتصارعون تشبثهم بنهج المحاصصات وتمسكهم بالمصالح الضيقة ومسلك الاستحواذ والاستئثار وتهميش"الآخر" وإقصائه، وسعيهم الى التسقيط السياسي وشراء السكوت المتبادل مع المتنفذين "الخصوم" و"الحلفاء" للتستر على ما يرتكب من مخازٍ قلّ نظيرها.
ويتوافق هذا النمط من السلوك مع العقل الذي يستبد بأهل السلطة وشهواتهم الى النفوذ والمال في الحاضنة المثالية لهذه الممارسات المقيتة، ونعني الأزمة الاجتماعية العميقة التي تعصف بالبلاد.
إنه لمما يثير الأسى أن نشهد هذا الفصل الجديد من معركة التشبث بالمصالح الضيقة وتخندق المتنفذين وإشهارهم أسلحتهم من وراء المتاريس في أجواء ينذر استمرارها بعواقب لا تحمد عقباها، على الرغم مما يمكن تحقيقه من تهدئة يسعى اليها جميع الحريصين حقاً على وضع العملية السياسية في مسارها الصحيح، ذلك أن العقل الذي أنتج هذه الأجواء يسود في الحياة السياسية ويهدد بالعودة الى الخنادق من جديد.
فبعد طائفة من التوترات بين كتلتي "العراقية" و"دولة القانون" احتدمت حرب الاتهامات المتبادلة. ووصل الأمر الى مهاجمة رئيس الوزراء "مسؤولين يرتبطون بعلاقات مع إرهابيين يحمونهم" وكان هدف هجومه واضحاً، وتوجيه رئيس الكتلة العراقية اتهاماً لرئيس الوزراء باعتباره "قائد خفافيش الظلام" وسط استثمار مغرضين يسعون الى مزيد من التصعيد بين الكتلتين الرئيسيتين كسبيل لاجهاض العملية السياسية برمتها.
وفي سياق هذا المناخ المشحون هدد رئيس القائمة العراقية باستجواب رئيس الحكومة برلمانياً، فيما هددت دولة القانون بسحب الحصانه البرلمانية منه. وكان مظهر اشتباك نائبين من الكتلتين بالأيدي نموذجا للتدهور المريع في صيغ التعامل السياسي.
وفي غضون ذلك أعلن ناطق باسم ائتلاف دولة القانون بأن زعيم القائمة العراقية "لم يعد شريكاً مقبولاً" في وقت علق فيه وفد "العراقية التفاوضي" لقاءاته مع "دولة القانون".
ومما يلفت الانتباه أنه الآن فقط راح البعض يثيرون ما كانوا ساكتين عنه بحكم التواطؤ المتبادل، ومن بين ذلك حديثهم عن أن على السيد علاوي "أن يؤدي اليمين الدستوري ليصبح نائبا أولاً". ومن الطبيعي أن هذا مسلك "تسييس" بات معروفاً، ذلك أنه اذا ما جرى لاحقاً اتفاق بين الطرفين فسيكون علاوي قد أدى اليمين وما هو أكثر من اليمين، ولبدأت مرحلة جديدة من "التحالف" الذي لا يستبعد أن يصفه "ناطقون" و"محللون سياسيون" بأنه "تحالف مصيري".
وفي ظل منهجية التواطؤ المتبادل لا يندر أن ينقلب "الخصوم"، وبقدرة قادر، الى "حلفاء" ويتحول الحنظل الى سمن وعسل مادامت المصالح الضيقة وجدت ضمانات لها.
والصراع بين السيدين المالكي وعلاوي يدور، في الظاهر، حول تفسير اتفاقية أربيل وتطبيقاتها، لكنه، في الجوهر، صراع مصالح سياسية واجتماعية. والحق أن اتفاقية أربيل ليست سوى تسوية مؤقتة للصراع بين حكام متنفذين اعتماداً على تقاسم غنائم في إطار منهجية محاصصات وفي ظل تفاقم أزمة الحكم العميقة.
وتكشف وسائل الاعلام عن تحركات محمومة في إطار سيناريوهات مختلفة ومتناقضة غالباً، وبينها الحديث عن إحياء "التحالف الرباعي" بين الحزبين الكرديين الرئيسيين وحزب الدعوة والمجلس الأعلى. ويشير محللون الى أن هذا التحالف لا يراد منه عزل السيد علاوي حسب وانما تخفيف الضغوط على الحكومة وعلى السيد المالكي على وجه التحديد، وخشية كتل سياسية من ابتزازها عبر تهديد بعودة المليشيات الى الشارع العراقي.
إن السعي الى "ترطيب" الأجواء وتهدئتها شيء إيجابي وضروري بالطبع، لكنه مجرد "تسكين" مؤقت لآلام مزمنة يمكن أن تعود، وربما بصورة أفظع، بعد انتهاء مفعول "المسكنات" التي تتخذ أشكالاً مختلفة بينها "المبادرات"، وتتسم كلها بتجاهل الحل الذي يعالج جذر المشكلة الاجتماعي والسياسي متمثلاً في منهجية المحاصصات الطائفية والاثنية.
ومن ناحية أخرى لا يعرف المرء كيف يمكن لرئيس الوزراء تقليص الوزارات مع الحفاظ على التوزازن السياسي الهش أصلاً، إذ يصعب تحقيق "التوازن القلق" في حكومة مشلولة عبر الاكتفاء بالترشيق الذي سيخل بالتوازن السياسي ويصطدم برفض جميع ركاب "قطار التسوية" المحاصصاتية التنازل عن المغانم.
* * *
يقال إن التاريخ يعيد نفسه مرة على شكل مأساة وأخرى على شكل ملهاة. ومن الجلي أننا الآن في حقبة الملهاة.
يا لتعاسة حظ هذه البلاد التي تنزل رزاياها مثل مطر مدرار ! فالناس الذين تطحنهم رحى المعاناة يبحثون عن حمائم ولا يجدون سوى صقور.
ليس بتبويس اللحى ولا بالابتزاز ولا بشراء السكوت المتبادل يمكن إخراج البلاد من أزمتها العميقة .. عودوا الى العقل الراجح أيها السادة المتنفذون عبر سبيل المصداقية والتخلي عن المصالح الضيقة والاستهانة بآلام الناس. فربما كانت هذه آخر فرصكم .. ولات ساعة مندم !