أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد الإله بسكمار - مشور تازة : دلالات عمرانية وتاريخية















المزيد.....


مشور تازة : دلالات عمرانية وتاريخية


عبد الإله بسكمار

الحوار المتمدن-العدد: 8178 - 2024 / 12 / 1 - 15:35
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لاشك أن كلمة " المشور " ذات جذر اشتقاقي عربي من شاور يشاور مشاورة، ومنه الآية القرآنية الحكيمة " وشاورهم في الأمر " واصطلاحا فهو مجال ارتبط بالمخزن كجهاز حاكم بالمغرب الأقصى منذ عهد السعديين على الأقل وبوجه خاص فقد ارتبط بالسلطان، والحاشية والمقربين من دوائر القراركالحاجب السلطاني والصدر الأعظم وصاحب التشريفات وصاحب الصلاة وصاحب المظلة علاوة على العديد من الخدام أو الخدم الذين ارتبطوا بالمشور .
يوجد هذا الفضاء في المدن السلطانية كفاس والرباط ومكناس ومراكش وتلمسان فهل مدينة تازة قد أخذت نفس الصفة ( السلطانية ) مادام يوجد بها حي يسمى المشور ؟ سؤال يكتسي أهمية بالغة بالنسبة لخصوبة وغنى وتشعب تاريخ هذه المدينة التي طالما احتضنت بيعات السلاطين ( خاصة خلال العهد المريني كبيعة السلطان أبي سعيد عثمان والبيعة الصغرى للسلطان أبي الحسن ) وقد ارتبط الفضاء أيضا بالمولى الرشيد المؤسس الفعلي لدولة الأشراف العلويين، حيث مكث بتازة حوالي ثلاث سنوات إلى حدود 1666 م، وهناك أمن من تحرشات أخيه مولاي امحمد ( فتحا ) وحظي بدعم زاوية عبد الله اللواتي وذلك إلى حين بسط سيطرته على فاس .
إلى جنوب المدرسة الحسنية المرينية على اليمين نحو دار المخزن وزنقة الأندلس يمكن مشاهدة ثلاث مصطبات يرجح أنها تعود إلى عصر المولى الرشيد، غير أن هذا الفضاء اكتسى أيضا صبغة مشور كامل في عهد فتنة الجيلالي الزرهوني الملقب بالروغي " بوحمارة " التي استمرت بين خريف 1902 وصيف 1909 منتحلا أسم وصفات الأمير مولاي امحمد الابن الأكبر للمولى الحسن ( الأول ) مدعيا أن أخاه المولى عبد العزيز وقع تحت سيطرة الأجانب بل تم تسفيره إلى انجلترا، واستغل حادث الحرم الإدريسي حيث أعدم السلطان أحد المغاربة يقال له الشريف العلمي الذي اغتال مبشرا إنجليزيا بعد أعمال الاستفزاز التي أقدم عليها.
يضاف إلى ذلك أن الروغي أخذ على السلطان مولاي عبد العزيز تسليم مناطق توات وتدكيلت وكورارة لفرنسا وفقا لاتفاق باريس سنة 1901 والذي وقعه عن الجانب المغربي وزير البحر / الخارجية عبد الكريم بن سليمان، وكان داعي رفض الروغي لهذا الاتفاق تخلي السلطان عن الجهاد لطرد الأجانب والمسيحيين، والتصدي لتوسعهم في التراب الوطني ونفوذهم المتزايد، مشروع الروغي هذا يمكن وصفه بالمحافظ عموما لاسيما مع ما تواتر عن احترامه للمناسبات الإسلامية كرمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى، مما عزز صيته بين قبائل الشرق والشمال الشرقي، يرفد كل هذا بعض مظاهر الشعوذة التي أضفت على الرجل هالة من الكرامات المزيفة يخلب بها العقول الساذجة البسيطة .
لا يستبعد أن ترتبط كلمة المشور المخزنية بهذه المرحلة أيضا نقصد ثورة الجيلالي الزرهوني، خاصة مع ادعائه بأنه المولى امحمد الابن البكر للحسن الأول متهما الحاجب باحماد باغتصاب العرش لصالح المولى عبد العزيز الأخ الأصغر لولي العهد الأصلي، ومن جهة أخرى فقد استغل الروغي جيدا نسبه الإدريسي ( مع ما في الأمر من تخبط بحسبان ادعائه النسب العلوي الشريف أيضا باسم مولاي امحمد ) ومن هنا يمكن تفسير بعض الدوافع التي جعلت غياثة خاصة يلتفون حوله باعتباره شريف المحتد، وقد شهد هذا المشور الكثير من محطات " حكم " الروغي هذا كالفصل في النزاعات وضبط الأمن، خاصة وأن ساكنة تازة عانت كثيرا قبل ذلك من التعديات والمداهمات المختلفة وانعدام الأمان، ومما يدل على حيوية هذا المكان الصورة التي تعود إلى بداية عصر الحماية بتازة لجنود فرنسيين يحيطون بمدفع من نوع كروب بالمشوركان في ملكية جيش الروغي وذلك في موضع السقاية المائية بالضبط .
بعد أول ظهور له بأحد أسواق قبائل الحياينة اتجه الروغي نحو تازة التي دخلها بعد مفاوضات وأخذ ورد وفرار عاملها عبد السلام ولد الشكرة وأعلن من هناك سلطانا للبلاد واتخذ دار الحجوي ( عائلة وزير المعارف محمد بلحسن الحجوي ) المقابلة للمسجد الأعظم مقرا مؤقتا له، في نهاية سنة 1902 ثم دار المخزن بمجاورة مع المشور، وناصرته قبيلة غياثة ثم البرانس والتسول وجزناية وصنهاجة وبدرجة أقل قبيلة مكناسة التي اتضح فيما بعد أنها موالية للمخزن الشرعي وعبر أراضيها استطاع وزير الحربية أو العلاف الكبير المهدي المنبهي الدخول إليها في07 يوليوز 1903 على رأس قوات مخزنية بعد معارك استمرت شهرين، حين كان الروغي في وجدة عاصمته الأخرى فعاث الجيش المخزني فسادا وإجراما في حق ساكنة تازة التي لا علاقة لها بهذه الأحداث المؤلمة، نُهب المشور والملاح كما هو الشأن بالنسبة لباقي أحياء المدينة وأزهقت أرواح عدد من المسلمين واليهود وعلق عبد الوهاب بن منصورعلى الواقعة قائلا : حدثني بعض من حضر هذه الوقائع أن أهل تازة كانوا يرمون بناتهم في الآبار خوفا عليهن من شراسة العسكر" وفيما بدا أنه دفاع عن شرف العائلات المعنية .
سرعان ما أعاد جيش الروغي السيطرة على تازة بعد حصار خانق محكم فرضه على القوات المخزنية بها، فرتب " مخزنه " مجددا كما شهد المشور نوعا من التجديد لمرافقه، ويذكر أن حاشية الروغي اعتمدت على أشخاص معظمهم من تلمسان أو الجزائر مع المهندس الفرنسي دولبريل، ويشير عدد من ساكنة تازة إلى أن المدرسة المرينية كانت هي دار الروغي، الشيء الذي يعد مجافيا للأحداث التاريخية، باعتبار أن هذه الدار( أطلق عليها دار المخزن وما زالت نفس التسمية موجودة لحد الآن رغم تحويرها إلى دوار المخزن ) توجد في الحقيقة جنوب المشور وتدل على ذلك الصور المأخوذة لدخول الجيش الفرنسي وعثوره على العديد من مقتنيات الروغي كالدربوز ومدفع كروب السابق الذكر وكرسي يشبه العرش المخزني، وكان المشور ككل فضاء هذه الكشوفات الفرنسية .
ظل مشور تازة يحضن مرافق " السلطان " مولاي امحمد أي الجيلالي الزرهوني الروغي طيلة فترة تشغيبه وصراعه مع السلطان م عبد العزيز ثم م عبد الحفيظ أي ما بين 1902 و1909 مع تسجيل فترات ممتدة ترك فيها دار ملكه لأهداف سياسية واستراتيجية كمرحلة إقامته بوجدة باعتبارها مقرا أخر للملك ثم تواجده أخيرا بقصبة سلوان وفي تلك المنطقة تم القبض عليه صحبة مئات من أنصاره واقتياده إلى العاصمة فاس، حيث وقع التنكيل بالقوم في مشاهد فظيعة اهتزت لها الصحافة الأجنبية المتمركزة بطنجة العاصمة الديبلوماسية والمهم هنا أن فترات إقامة الروغي بالمشور ومن ثمة بتازة كانت متقطعة ولم تسترسل تماما في أي وقت من الأوقات .
من المرافق الأساسية لمشور تازة المدرسة الحسنية المرينية التي تأسست سنة 724 هــ/ 1323م من طرف أبي الحسن المريني، يوم أن كان ولي عهد أبيه السلطان أبي سعيد عثمان، ضمن سلسلة المدارس التي أسسها المرينيون بكل من فاس وسلا ومكناس وتازة، كما أن هناك بوابة أثرية تتوسط المكان يرجح أنها تعود إلى نفس العصر، وفي جهة اليسار توجد بناية فسيحة يذكر الأهالي أنها تمثل مارستان تازة خلال العصرالمريني ثم تحولت إلى سجن احتضن زعماء الحركة الوطنية سنة 1930 ومنهم علال الفاسي ومحمد بلحسن الوزاني اثر احتجاجات الظهير البربري، كما تحول جزء من نفس المدرسة المرينية إلى مؤسسة للبنات أواخر عهد الحماية، ويذكر من جهة أخرى أن الجهة الشرقية من المشور وبالضبط فوق دار الكولالي بني صهريج كبير منذ عهد المولى اسماعيل سمي ب " بيت الجبوب "، وقد اختفى أثره في الوقت الحالي ولم تكن تخفى أهمية هذا الصهريج في أوقات الأزمات وأثناء فترات قطع المياه من طرف أحد فروع غياثة إلى الجنوب، حيث الأطلس المتوسط ومنبع واد تازة أو واد الهدار، فتتأذى المدينة كثيرا، إذ يضطر السكان إلى شراء الماء من غياثة أوقد يصل الطرفان إلى اتفاق يضمن حقوقهما ويحل السلام ومن ثمة يعاد الماء إلى المدينة، وهذا موضوع هام ومتشعب يتداخل فيه المجالي بالسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ولنا عودة إليه في مستقبل الأيام بحول الله .
عرف حي المشور أو زنقة سيدي علي الدرَّار ( هكذا كتبت في تشوير الحي على عهد الحامية ) أو العرَّار كما تم إثباتها في الاُسطرلاب المنسوب إليه، وهو فقيه وعالم من أصل أندلسي عاش بتازة خلال فترة المرينيين، قلت عرف هذا الحي تحولات سكانية وعمرانية هامة، حيث تم تعويض أغلب الدور العتيقة بأخرى من النمط التقليدي المتجدد Néotraditionnel خاصة منذ الأربعينات وحتى نهاية عقد الحماية، وقطنته أسر تازية ذات أصول تلمسانية أو فاسية أو فجيجية أو أندلسية أومنحدرة من قبائل المنطقة كعائلات أبي عبد الله وبلكاسم وبوحجاروالجقي وشيبوب وبلغازي والكولالي والحلواط وحدو ولحازمي ومهدي وديدي وبلحسين وغيرهم .



#عبد_الإله_بسكمار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ....ويحدثونك عن تصنيف مدينة تازة تراثا وطنيا
- قبة السوق بتازة : قبس من ذاكرة ممتدة
- المدارس المرينية بتازة من الوظيفة الأيديولوجية إلى الدور الس ...
- تازة التي لم تخضع للاحتلال الروماني
- المنتزه الوطني لتازكة : مكونات متنوعة تحتاج إلى تنمية مندمجة
- أبواب تاريخية بتازة بين الإصلاح والإهمال
- كيف انتقل اسطرلاب تازة من المغرب إلى إيطاليا ؟
- متى تتم إعادة فتح مغارة فريواطو بتازة ؟
- العودات بتازة بين البعدين التدجيلي والتطبيبي
- عن أسرة التازيين بفاس
- تاريخ تازة : أسرارملتبسة وبالجملة
- عن زمن الانتهازية والانتهازيين
- حول زمن الانتهازية والانتهازيين
- إضاءات جديدة حول الرتاث التازي : نمذج العلامة علي بن بري
- بعض مظاهر الصراع من خلال الإشكالية المائية بتازة
- بيان إلى الرأي العام الوطني : الفساد قي قطاع الصحة بركة في ب ...
- معركة غزة ضمن مسار صراع تاريخي
- الزلازل في المغرب بين التفسيرالقدري والبعد المأساوي
- جوانب من تاريخ مكناسة تازة
- في سبيل الرقي بالعمل الثقافي لجماعة مكناسة الغربية / تازة


المزيد.....




- الصين تكشف عن أحدث قطعها الحربية.. واحدة من أكبر سفن الهجوم ...
- تسجيل أقوى الزلازل في تاريخ هلسنكي يوم عيد الميلاد
- مصر.. الفيشاوي يثير الجدل بتصريحات عن التاتو والحلق ويؤكد: و ...
- موسكو: الاستخبارات الأمريكية والبريطانية تحضران لاستهداف الق ...
- إيران تتجه نحو أزمة وعلى روسيا الاستعداد لذلك
- وفاة أكبر معمرة في إيطاليا
- صحيفة: الجيش التركي سيدرب الجيش التشادي بعد قطعه التعاون مع ...
- الإمارات تدين حرق مستشفى كمال عدوان: عمل شنيع ينتهك القانون ...
- شولتس: لدي انطباع بأن ترامب يشاركنا قناعتنا بشأن إنهاء النزا ...
- مقتل ضابط في الحرس الرئاسي الفلسطيني باشتباكات جنين (صورة)


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد الإله بسكمار - مشور تازة : دلالات عمرانية وتاريخية