|
سعادة الجنرال في حفل زفاف موظفه البسيط بسلدومينوف دون أن يوجه له الأخير دعوة .
عزيز باكوش
إعلامي من المغرب
(Bakouch Azziz)
الحوار المتمدن-العدد: 8106 - 2024 / 9 / 20 - 15:09
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
كان سعادة الجنرال ماشيا في ليلة مقمرة بعد أن خذله الحوذي سائق عربته الشخصية. وصمم في قرار نفسه أن يجعل من الخذلان متعة للمشي انتقاما من السائق وإيذانا بمعاقبته. وهي آليه دفاع نفسي يعتمدها إثر كل انتكاسة غير متوقعة . أما الوجهة، فلم تكن محددة للوهلة الأولى. ومضيت في المشي والليلة بديعة ساكنة الريح حقا وفجأة وسط السكون سمع موسيقى وأصوات قوم يرقصون على أنغامها واتجه إلى الشرطي مستفسرا ليؤكد له إنه عرس موظف بسيط . إنها الصدفة وحدها تفعل وتقود حيث ما تشاء. وفي لحظة، وجد نفسه بالقرب من بيت يشهد حفل زفاف لأحد مرؤوسيه. إنه الكاتب النحيل بسلدومينوف .أما العروس فلم تكن سوى نسخة طبق الأصل لبسلدونيموف . فهي نحيفة صغيرة الحجم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها شاحبة اللون ،صغيرة الوجه لها أنف صغير حاد وعيناها الصغيرتان المتحركتان بسرعة من هذا الجانب إلى ذاك الجانب ليس فيهما أي أثر للارتباك ، بل على العكس، كان في تعبيرهما شيء قليل من الحصافة والخبث. وكان الجنرال قد عقد العزم على مجرد الحضور لدقائق في الحفل بصفته العسكرية الرسمية، ومفاجأة العريس بصفته موظف بمكتبه. في هذه الأثناء وهو في طريقه، انبثق في ذهنه شيء غريب وعجيب ما يشبه تحد أقرانه الجنرالات ومعارضي طروحاته. وسرعان ما صاح هائجا كالمجنون محدثا نفسه بصوت مسموع "لكني أيها المشلولون الرجعيون، سأمضي في هذا النهج حتى النهاية .سأحول عملا " يقصد هذه الزيارة المباغتة لحفل مرؤوسه "سيبدو في الظاهر جنونيا إلى عمل سوي أبوي سام وأخلاقي في آن واحد. هكذا حدث سعادة الجنرال نفسه وزاد قائلا " سأمكث معهم في الحفل حوالي نصف الساعة أو أقل وسأنصرف طبعا قبل العشاء مباشرة". ولما كان الكلام مع النفس يساعد على تخفيف الأعراض العاطفية وتقليل القلق والصدمات المتوقعة، فقد استرسل سعادة الجنرال في تحرير قيود عقله " سيتدافعون نحوي ويتوسلون إلي وينحنون إلى الأرض. ولكني لن أقبل سوى احتساء كأس واحدة ثم أهنئهم وأنصرف قبل العشاء . وسأقول لهم "عندي عمل هام . يغمرني اليقين في هذا الاعتقاد متى تفوهت بهذه الكلمة ،ستتغير سحناتهم جميعا ويبدو الاحترام والجد هكذا أشعرهم بالتلميح اللطيف أن ثمة فارقا كبيرا بيني وبينهم . هذا هو الانطباع الذي أريد أن اقدمه لهم. وختم تخميناته "وغدا سيكون صنيعي هذا معروفا في الديوان طولا وعرضا . ولكني في الغد أعود كالعهد بي صرامة ودقة وحزما لا يلين . وبدا كمن يواجه مشكلة حقيقية " أتحداك يا صاحب السعادة الجنرال ستيبيان نيكيفوروفيتش أن تستطيع الإقدام على صنيع مثل هذا؟ أتدرك أن بسلدومينوف سوف يروي لأبنائه كيف جاء الجنرال بنفسه إلى بيته ليشاركه أفراحه؟ وكيف شرب في عرس أبيهم ؟ وهؤلاء الأبناء سيخبرون أبناءهم وتصبح القصة أسطورة وتراثا ثقافيا. ألم يشرف موظف عالي المقام قدر أبيهم ؟ ألم أرفع من خسيسه الوضيع معنويا طبعا وأعيده إلى نفسه .هكذا تقريبا كان ايفان ايليتش يقول لنفسه في لحظات . وفجأة اندفع الدم كله في رأسه ونزل على الطوار وعبر الشارع إلى بيت مرؤوسه العريس المسجل بسلدومينوف ص.132 لكن ما حدث لم يدر في خلد سعادة الجنرال ولم يجر ضمن تكهناته قط . لقد قاده نجمه المنحوس ضد كل التنبؤات الوردية. فبعد أن صعد ثلاث درجات متهدمة إلى المدخل الصغير لبيت العريس. كانت هناك بقايا شمعة ترسل ضوءا خافتا. فوطئ بقدمه اليمنى ماعونا كبيرا به ما لذ وطاب وهو كل رأسمال العريس للاحتفاء بضيوفه .و سرعان ما تدفق اللحم على الأرض مثل بركان ينفجر وتتمدد لافاته وتنتشر على الأرض منهكة فائرة . وفكر الجنرال للتو على الانسحاب بشرف تفاديا للفضيحة بعد أن يزيل الآثار والبقع الزيتية العالقة بحذائه . صدقوني والحق لا بد أن يقال. لو فعل ذلك لحصل أمر مختلف تماما. في الداخل ،كانت الحفلة شاخذة و الراقصون ذكورا وإناثا يدقون الأرض بأقدامهم كأنهم سرية من الخيالة . وفوق هذا الصخب الجحيم من الأصوات ارتفع صوت قائد الرقصة لتنظيم حركات الراقصات. وكانت فرصة كي يتخلص الجنرال ايفان ايليتش من معطفه وحذائه بشيء من الارتجاف. وأمسك بقبعته في يده ودخل الحجرة دون أن ينتبه إليه أحد وكف عن التفكير في أي شيء. وفجأة تقدم على استحياء شاب شعره كستنائي ملبد وأنفه معقوف تقدم متهدل الكتفين محملقا في الضيف غير المتوقع تماما على نحو ما ينظر الكلب إلى سيده إذا ما ناداه كي يجلده على ذنب اقترفه. وقال له إيفان ايليتش " كيف حالك يا بسلدومينوف ...أتعرفني ؟ لقد جئت اليك بمحض الصدفة . لا أتخيلك تطردني؟ وغمغم بسلدومينوف الذي لم يكن في حالة تسمح له بإدراك شيء على الإطلاق: يا صاحب السعادة . وجحظت عيناه وهو في أقصى حالات الارتباك. وبعد دقيقة انتهت الرقصة. وبدأ يتحقق على الفور ما إذا كان إيفان ايليتش قد تخيله وحلم به عندما كان في خارج البيت. وإن هي إلا لحظة حتى تراجع الجميع جاذبين من ملابس من لم يفطنوا لوجوده. فظلوا في أماكنهم لينبهوهم إلى الموقف الذي لم يخطر لهم على بال. إن سعادة الجنرال في بيت موظفه البسيط بسلدومينوف دون أن يوجه له الأخير دعوة . وسرعان ما راودت الجنرال فكرة مصارحة بسلدومينوف للتو .ونزلت عليه مثل هدية من السماء. كان الجميع مسمرا كما على رؤوسهم الطير . إنه يحب الظهور والتلذذ بحكاية سهرته لدى الجنرال ستيبان نيكوفوروفتش رغم وخيبة أمله عندما لم يجد خادمه حوذي العربة ترفيون. ولكن بسيلدومينوف جعل الموقف يزداد سوءا ،لأنه لم يفق بعد من الشلل الوقتي الذي أصابه يا إلاهي الجنرال يحضر حفل زفافي من دون أن أتجشم عناء توجيه دعوة شخصية لسعادته ؟ يا للعار ومضى يحملق في ايفان ببلاهة تامة. لكنه في لحظة استرد وعيه وهو ينحني في انحناءة كبيرة جدا احتراما وإجلالا :أوه يا صاحب السعادة ، إنه لشرف كبير لي هلا تفضلت بالجلوس؟ لكن صاحب السعادة " بادر بالقول تصور يا بسلدومينوف ، إنني خرجت الآن لتوي من زيارة الجنرال ستيبان نيكوروفيتش .ولعلك سمعت باسمه . إنه مستشار بالمجلس الخاص. وهو صديق ظل يحلم طول عمره بشراء مسكن خاص به. وقد اشترى أخيرا قصرا صغيرا لابأس به. واتفق أن اليوم ايضا عيد ميلاده الذي لم يحتفل به قط من قبل . بل كان يخفي موعده عنا لفرط تقتيره وشحه. لكنه هذه المرة كان بالغ السرور ببيته الجديد حتى أنه دعانا أنا وسيميون ايفانوفيتش الجنرال أظنك تعرفه؟ ولكن هذا ليس بيت القصيد. لقد انصرفت من عنده في منتصف الثانية عشرة. لأن هذا الصديق العتيق يلتزم عادات منتظمة لا يحيد عنها لأي سبب ومنها الإيواء إلى فراشه مبكرا. وخرجت وإذا حوذي مركبتي الخاصة تريفون قد اختفى. واستبد بي الضيق ورحت أسأل كل من أراه أين ذهب ترفون بمركبتي ؟ ويبدو أنه كان يتوقع أن أتأخر فذهب في عربتي إلى عرس قريبة أو أخت له لست أدري هنا في هذه المنطقة من بطرسبورغ. آه لقد أخذ اللعين عربتي معه....139 وقال ايفان ايليتش في نفسه ، أهو معتوه؟ لماذا لا يبتسم هذا الحمار ولو مرة واحدة ؟لكن كيف يمكن أن يخطر لك يا جنرال أنك مصدر إزعاج ؟ وفجأة ظهرت على المدعوين أول بوادر الانفراج واسترخاء الأعصاب وبدأوا يتحركون. ولا حظ الجنرال ان جميع السيدات قد جلسن فوجد في ذلك علامة طيبة . أما الرجال فمعظمهم من صغار الكتبة والطلبة، فتبادلوا النظرات كأنما كل واحد يدعو الآخر إلى الاسترخاء. ووجه الجنرال ايفان ايليتش كلامه إلى بسلدومينوف : ذكرني باسمك بالكامل... فأجابه بسلدومينوف الذي انحنى مرة أخرى وظل لا يفتر فمه عن ابتسامة واحدة وكأنه صنم من خشب .وقد جحظت عيناه وخرج صوته بنباح " بريفير بيتروفيتش يا صاحب السعادة " ألا تنوي أن تقدمني لعروسك يا برو فيري بتروفيتش همس الجنرال في وجه بسلدومينوف .. وتابع بلهجة آمرة " خذني إليها . وهم بالقيام لكن بسلدونيموف اندفع مسرعا إلى حجرة الجلوس. وكانت العروس واقفة بالباب ولكنها ما إن سمعت اسمها يذكر حتى توارت في خجل متكلف. ولم يلبث بسلدونيموف أن عاد بها يجرها من يدها وأفسح الجميع لهما الطريق ونهض ايفان ايليتش بكل جد ووقار والتفت نحوها بابتسامة عريضة مهذبة وقال وهو ينحني رأسه بكل رشاقة : ما أسعدني بلقائك ولا سيما في مثل هذا اليوم .." ودمدم الجنرال في خلوة عابرة "لابد أن بسلدومينوف اختارها لملاحتها . كان عنقها معروقا وجسمها كأجسام الطيور وعظامها بارزة ولم تستطع أن تقول أي شيء ردا على تحيات الجنرال الذي قال عنها :إنها جميلة .هنا وجه الجنرال كلامه إلى الحاضرين جميعا قائلا: سيداتي وسادتي أتمنى أن لا أكون قد أفسدت عليكم سروركم ومرحكم.."لا تشغل نفسك بهذا يا صاحب السعادة.رد بسلدومينوف بفرح مستعجل. وفجأة ، فسح الجميع الطريق لامرأة بدينة قصيرة تجاوزت سن الشباب. وقد ارتدت شالا مشبوكا بدبوس عند حلقها وقلنسوة من الواضح أنها لم تتعودها. وكانت تحمل صينية صغيرة مستديرة عليها زجاجة شامبانيا مفتوحة. واتجهت إلى الجنرال مباشرة وقالت وهي تنحني : أسألك العفو يا صاحب السعادة .ولكن ما دمت قد تنازلت بإيلاء نجلي بسلدو شرف حضور عرسه ،فتكرم بعدم رفض احتساء نخب سعادة العروسين . حتى أن ايفان اليتش انشرح صدره وانتعش وبدأ الرجاء يدب إليه وقال وهو ينهض واقفا: إذن فأنت والدة ابنك .عندئذ غمغم بسلدومينوف مادا رقبته الطويلة وأنفه البارز : الوالدة يا صاحب السعادة.146 يتبع
#عزيز_باكوش (هاشتاغ)
Bakouch__Azziz#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تخزين الأحلام رغبة مستحيلة
-
توجعني الرطوبة ..
-
في رواية -حادث مؤسف للغاية -للكبير دوتويفسكي لا تندثر المتعة
...
-
- ساحرة بوربوبيلو - للكبير باولو كويلو : كيف اختفت أثينا الف
...
-
خطاب الكراهية ومناهضة العنف من الرصد إلى التقييم
-
التعليقات على السوشل ميديا مقاربة ملغومة
-
انجرافات
-
خطاب الكراهية على الميديا من الرصد إلى التقييم
-
كامليون تبعث الروح في فن الخط العربي والزخرفة بفاس
-
حوار شفيف مع الدكتور عزيز زروقي حول علاقة السينما بالأدب الم
...
-
غياب الجمهور ناتج عن ضعف التسويق أم هزالة المنتوج؟ الفنان وا
...
-
- لا نَمْلكُ إلا أرضاً واحدة، ويُمكننا معاً حمايتها-
-
رواية -رجوع إلى الطفولة- للكاتبة المغربية ليلى أبوزيد استرجا
...
-
ترانيم ذاكرة جديد الشاعرة المغربية فريدة عدنان
-
الصراع في السينما تجذيف جميل بين الأيديولوجيات والمرجعيات وا
...
-
المسرح والتربية أية علاقة ؟ محور ندوة فكرية بفاس
-
المهرجان الدولي للسينما والفلسفة بفاس جائزة ابن رشد الكبرى م
...
-
كتاب -أوراق كرزية- لإدريس معزوز دحض لخرافات الأمس وترميم تره
...
-
رئاسة جلسة
-
تقديم كتاب عبد الفتاح أبطاني - العشق هامش للخطإ- أساطير ما ب
...
المزيد.....
-
شاهد انفجار ألعاب نارية يلتهم منزلين بالكامل في ماساتشوستس
-
مصر.. تفاصيل محاولة سرقة في عمق البحر لمئات القطع الأثرية وا
...
-
-xAI- تختبر تطبيقا لأجهزة iOS يعمل بالذكاء الاصطناعي
-
اختراق طبي يمهد الطريق لعلاج الملايين من مرضى ألزهايمر
-
وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية يحذر طهران من -
...
-
إسرائيل تعترض صاروخا أطلق من اليمن قبل أن يخترق مجالها الجوي
...
-
أسباب وعواقب السمنة عند الأطفال
-
روسيا تبتكر جهازا لتقييم الحالة النفسية للأشخاص
-
المقاتلون السوريون يغسلون سمعتهم
-
التحذير الأخير لرئيسة جورجيا زورابيشفيلي
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|