أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين - المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق على الموضوعات السياسية















المزيد.....



المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق على الموضوعات السياسية


الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

الحوار المتمدن-العدد: 7946 - 2024 / 4 / 13 - 19:18
المحور: القضية الفلسطينية
    


■ أجاز المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في جلسة له ، على حلقات ، الموضوعات السياسية ، المقدمة له من اللجنة المركزية ، وأقر توزيعها على الرأي العام مساهمة من الجبهة الديمقراطية في إغناء النقاش والحوار السياسي في لحظة فلسطينية شديدة التعقيد ، تتطلب من الجميع بدون استثناء المساهمة المسؤولة في رسم المبادرات والخطط والآليات الكفيلة بتوفير الصمود والانتصار لشعبنا في معركته الطويلة .
وفيما يلي النص الكامل للموضوعات السياسية الصادرة عن المؤتمر الوطني العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين :





الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
المؤتمر الوطني العام الثامن


موضوعات سياسية


■ مقدمة
1- زلزال «طوفان الأقصى»
2- تداعيات «طوفان الأحرار»
3- النظام السياسي الفلسطيني – 1/2
4- النظام السياسي الفلسطيني – 2/2
5- قضية اللاجئين
6- الوضع الإسرائيلي – 1/2
7- الوضع الإسرائيلي – 2/2




آذار (مارس) 2024



























مقدمة
(1)
■ قامت إسرائيل على التطهير العرقي، واستمرت مع الفصل العنصري، وفي الحالتين كانت غايتها «الإعدام السياسي» للفلسطينيين، مزاوجة ما بين الترانسفير السياسي والترانسفير المادي، فيكون الأول بالقضاء على الكيانية الوطنية بتعبيراتها السياسية، واختزالها بالبقاء المعيشي للشعب الفلسطيني، باعتباره مجموعات سكانية تُدار شئونها بالحكم الإداري الذاتي تحت المطرقة الإسرائيلية. أما الترانسفير المادي فيكون بانتزاع الأرض من شعبها بترحيله عنها، وإن تعذر الأمر، فبمحاصرته في معازل على أضيق رقعة فيها.
■ من هذه الزاوية، نجد أن الإتجاه المركزي القائم في الحركة الصهيونية، أي الإتجاه المقرر فيها، يلتقي بكل مركباته على توطيد أركان كيانه السياسي وتوسيعه على أنقاض الوجود المادي والكيان السياسي للشعب الآخر، أي للأصلانيين من أبناء الأرض. من هنا، فإن الخلافات القائمة بين هذه المركبات – فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني – لا تشمل طبيعة المشروع الصهيوني، أي الأصل فيه، بل هي تباينات تطول المدى الذي يُمكن أن تصل إليه تطبيقات هذا المشروع بثنائية الترحيل والإحلال، إنطلاقاً من نسبة القوى السائدة في كل مرحلة من مراحله، أي ضمن ما قد تسمح به، أو تحول دونه. هذا ما يميّز دينامية المشروع الصهيوني في تعاطيه مع الشأن الفلسطيني، عدواناً بشكل غالب، أو مهادنة في بعض الأحيان، إنما دائماً – وفي الحالتين معاً – بخلفية نفي، إنكار الآخر، وجوداً، وحقوقاً وكياناً.
■ في هذا الإطار، وفيما خص الإتجاهات التي تتجاذب فيما بينها حالياً في العمق المجتمعي والسياسي الإسرائيلي، نلاحظ أن ثمة من يُغلِّب الإعتبار الأيديولوجي القائم على ضرورة التسريع بحسم موضوع «يهودية الأرض» كأساس لاستكمال «يهودية الدولة»، مقدراً إنعقاد الشرط لذلك، وثمة من يعتقد أن «يهودية الدولة» قد قطعت شوطاً كافياً، لم يَعُدْ يُضطر معتنقيه إلى إستعجال الإنتقال بسياسة حرق المراحل إلى «يهودية الأرض»، القادمة – بحسب تقديره - لا محالة، والذي قد لا تستجيب له تماماً نسبة القوى المتوفرة في مختلف دوائر الصراع، إلى جانب ما يمكن أن يتسبب به هذا الإستعجال من إحتكاك مع أولويات السياسة الأميركية في الإقليم، ينعكس سلباً عليها.
■ إن وجود هذين الإتجاهين وتجاذباتهما في قلب الحياة السياسية والمجتمعية في إسرائيل، لا يُسقط وجود إتجاهات أخرى، لسنا بوارد تناولها في هذا المكان، الذي يركز على الإتجاهات الرئيسية التي تحسم بالنتيجة بالسياسات الإسرائيلية المعتمدة حيال الوضع الفلسطيني، لنؤكد أن الفروقات الحقيقية بين الإتجاهين آنفي الذكر، لا تسمح باستخلاص مساحة تُبنى عليها سياسة تُستثمر لصالح الإتجاه الأقل «عنصرية» وعداءً متأصلاً للشعب الفلسطيني. إن هذه المساحة شديدة الضمور في واقع الحال، فالإتجاه الأيديولوجي يقيم سياسته على تواتر وقائع «البنية التحتية» - أي «يهودية الأرض»، وكذا الأمر بالنسبة للإتجاه الآخر المشبع أيضاً أيديولوجياً، الذي ينظر إلى «البنية الفوقية» - أي «يهودية الدولة» - كرافعة من أجل تقدم مشروع «يهودية الأرض» على كامل ترابنا الوطني.
■ ما يجمع بين هذين الإتجاهين أيضاً هو «القلق الوجودي» الشائع «تحت الجلد» في المجتمع الإسرائيلي، الناجم عن شعور عميق بعدم القدرة على إدامة إغتصاب الأرض لمجرد وجود «الآخر» الذي يُذكِّر بأصلانيته المتجذرة في التراب الوطني، كما وبـ«الخطيئة الأصل» الملازمة للتأسيس. وعندما يبدأ هذا «الآخر» بالتعبير عن حقوقه المشروعة، ويجسدها مقاومة، يتحول «القلق» إلى «ذعر وجودي» يبرر إرتكاب المجازر كالتي شهدها قطاع غزة منذ حرب تشرين/ أكتوبر 2023 بعد الإختراق الاستراتيجي الذي حققته عملية «طوفان الأقصى»، بانعكاساتها المباشرة على أوضاع الضفة الغربية.
■ إلتقاء سيكولوجيا «القلق الوجودي» مع أيديولوجيا «التفوق العنصري»، واليقين بحيازة الحق الحصري والمطلق بالأرض المؤسس على حرفية النص الموروث، «الخلاصي» بطبيعته، معطوفاً على امتلاك أدوات القهر والإخضاع، متعددة الأشكال والتشكيلات، مع توفر الشرط الخارجي المؤاتي لاستخدامها – إن بفعل الضعف أو التواطؤ أو التشجيع – يقود إسرائيل إلى اعتماد سياسة الحلول المطلقة، حلول الإلغاء والاستئصال، بواسطة «الحرب الشاملة» التي لا تبقي ولا تذر، ليتمخض عنها «الحل النهائي»، أي الحل التصفوي للمسألة الفلسطينية.
■ في هذا السياق تتداخل، لا بل تزول الحدود الفاصلة بين مختلف الإستراتيجيات المتبناة إسرائيلياً، سواء قُدمت بمسمى «تقليص الصراع»، أو «مشروع الحسم»، أو «الحل الإقتصادي»، أو «الإندماج الإقليمي»،.. فمهما تباينت النصوص فيما بينها، فهي تلتقي وتتوحد على إنكار الحقوق الوطنية لشعبنا، كما تُعَرِّفها قرارات الشرعية الدولية، والقانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي.
■ هذا هو الخط الرئيسي الموجه لحرب الإبادة التي تديرها حالياً حكومة نتنياهو، التي فشلت في تحقيق أهدافها السياسية رغم تمتعها بعناصر القوة (إن لم يكن التفوق في عديد المجالات)، لاصطدامها بأداء فلسطيني نضالي مبهر، بلغ درجة الإعجاز لتضافر جهود وتضحيات ثالوث المقاومة + وحدة الشعب + صمود المجتمع.
إن تحويل فشل العدو إلى هزيمة، وصمودنا (الذي يساوي إنتصاراً نسبياً) إلى نصر مؤزر، بات معلقاً على تقدمنا نحو إنجاز شرطين متلازمين: «الوحدة والمقاومة»، أي الوحدة الداخلية على قاعدة مشتركة لحركة تحرر وطني واضحة المعالم مؤسسياً، ومحددة الأهداف برنامجياً + إستمرار المقاومة وتصعيدها بكل الأشكال والصيغ المتاحة، فما نحن بصدده هو حرب متدحرجة، إن توقفت لحين، فسوف تُستأنف، وإن دارت في مكان، فستنتقل إلى أمكنة أخرى...
■ هذا التحديد لا يعني البتة عدم إدراك للأهمية الفائقة لدور وتأثير جبهات المساندة التي تقدم أبلغ التضحيات وأغلاها نصرة لشعبنا؛ ولا يعني عدم تقدير لأهمية الدور الذي تضطلع به الحركة الجماهيرية المتضامنة مع شعبنا في كل مكان؛ بقدر ما يرمي إلى إبراز الأهمية الفائقة للإرتقاء بالدور الخاص، رافعة لجميع الأدوار المذكورة، وغيرها... سيما إذا أخذنا بالإعتبار أن الحرب الدائرة رحاها على ترابنا الوطني في الضفة والقطاع، بتداعياتها الميدانية والسياسية في مدى الإقليم، وبما يتجاوزه، إنما تسجل محطة مفصلية فارقة في المآل الجيوسياسي للأوضاع في المنطقة بأسرها، ما بعدها يختلف نوعياً عما قبلها..■
(2)
■ ثمة إجماع، أن ما بعد 7 أكتوبر 2023 ليس كما قبله، وأن الحدث في ذلك اليوم لم يكن مجرد معركة، أو فاتحة حرب فحسب، بل وكذلك، وبالمنطق الجيوسياسي كان منعطفاً تاريخياً، شكل المحطة الفاصلة بين مرحلتين، ليس على الصعيد الفلسطيني والإسرائيلي فحسب، بل وكذلك عبر تداعياته الكبرى، كانت له بصماته الواضحة والجليَّة، على امتداد الإقليم، وعلى عناصر مهمة في السياسات الدولية، وعلى الأخص في الغرب الأطلسي وما يتخطاه من بلدان، لجهة تعزيز القناعة بكون الإستجابة للحقوق الوطنية لشعب فلسطين هو الشرط اللازم لضمان الإستقرار في غرب آسيا.
■ ففي إسرائيل، قبل 7/10، ساد اطمئنان، ولو نسبي، إلى الهدوء الضبابي الذي هيمن على قطاع غزة، بعد معركة «القدس/ سيف القدس»- 2021، وهو ما أثار العديد من التساؤلات، وقاد إلى تقديرات رسمت علامات إستفهام حول حقيقة ما يدور في القطاع، ما عَتَّم إلى حد كبير على التحضير لإطلاق «طوفان الأقصى»، وأوقع الدوائر الأمنية الإسرائيلية (وحتى العربية والدولية) في تقديرات متناقضة، قادتها إلى مغالطات حول مستقبل القطاع، وما سوف تؤول إليه علاقته بما يجري في الضفة الغربية، حيث إنصرفت دولة الاحتلال عملياً، إلى التفرغ لتهيئة مسرح الأحداث في عموم الضفة، وفي القدس بشكل خاص، لشق الطريق أمام ما أسمته بـ «مشروع الحسم»، أي الضم الشامل، وإعادة رسم خرائط توزع السكان في الضفة عبر عمليات تهجير صامتة لأحياء وقرى وبلدات، بما في ذلك اللجوء لاستخدام القوة المفرطة في محاولة اقتلاع جذور الظاهرة المسلحة التي برزت بشكل رئيس في شمال الضفة (جنين + نابلس + طوباس + طولكرم + سلفيت، وكذلك أريحا) بما يربط بين مشاريع الاستيطان شمالاً، ويجعل منها خطاً استراتيجياً دون أن يشغل الحكومة الإسرائيلية في الوقت نفسه عن متابعة مشاوراتها مع الولايات المتحدة بشأن تعميم مشروع الإندماج في الإقليم، وإعادة رسم خريطة معادلاته السياسية.
■ في الولايات المتحدة مضت الإدارة الأميركية قدماً في استكمال خطة «صفقة القرن» لكن بأدواتها هي، وطابعها هي، إبتداء من تجديد التحالف الاستراتيجي الثابت مع إسرائيل، تحديداً مع حكومة بينيت – لابيد من خلال المعاهدة الثنائية المسماة «إعلان القدس المشترك للشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل»( (- 14/7/2022، ورسم الخطوات والآليات لسد أبواب الإقليم أمام النفوذ الروسي والصيني والإيراني، عبر الجهود التي لم تتوقف من أجل تعميم التطبيع العربي – الإسرائيلي، والشروع بالتحرك من أجل جذب السعودية إلى شرك التطبيع، باعتبارها قاطرة رئيسة لخطوات تطبيعية عديدة، عربية وإسلامية، تتستر خلف التطبيق المطلوب لمبادرة السلام العربية- 2002، بحيث يتقدم التطبيع والاعتراف بإسرائيل على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وقيام الدولة الفلسطينية. وإن كانت الرياض قد حاولت أن تداري سياستها، ببعض الشروط المحدودة، فلسطينياً، سقفها لا يتجاوز الاعتراف المبهم بالدولة الفلسطينية التي ما زالت تحت الاحتلال، مقروناً بتسهيلات إقتصادية.
أما بالنسبة لوعود إدارة بايدن للفلسطينيين، فإنها لم تتجاوز التعهد اللفظي بمكذبة «حل الدولتين»، مع الانتظار طويلاً، إلى أن يطل هذا الحل برأسه، وضاعت سدى نداءات الرسمية الفلسطينية إلى واشنطن المطالبة بفتح «أفق سياسي» يؤشر إلى أن «حل الدولتين» قادم، وإن طال الزمان.
■ أما أوروبا، الغارقة حتى الأذنين في ثنايا ملف الحرب في أوكرانيا، فقد أدارت ظهرها للقضية الفلسطينية وتراجع إهتمامها في المنطقة عموماً، وسَخَّرت جهودها لدعم نظام كييڤ، وفرض الحصار على موسكو، والبحث عن حلول للأزمات الاقتصادية، التي اجتاحتها، تحت وطأة حرب أوكرانيا، بما في ذلك التضخم المالي الذي أَرَّقَ شعوب القارة العجوز، ودعاها للسؤال عن أسباب وضرورة دفع هذا الثمن الباهظ من استقرارها ورفاهيتها بديلاً عن الولايات المتحدة الأميركية.
■ وفي العودة إلى المنطقة العربية، بدا واضحاً حال الترهل السياسي الذي أصاب منظومتها الرسمية، وانتقال مركز الثقل في رسم السياسات إلى منطقة الخليج، واتساع دائرة الدول المطبعة فيها مع إسرائيل بدفع وتشجيع من واشنطن. أما على المقلب الآخر من الحالة العربية، فقد توزعت الأنظمة بين من يعاني من أزمات اقتصادية حادة، شَلَّت قدرته على الفعل السياسي، وأضعفت إلى حد كبير من نفوذه الإقليمي، وبين من يعاني من إنقسامات داخلية ونزاعات محلية، ظاهرها جغرافي، لكنها في المضمون صراعات على النفوذ، دون أن يغيب عن البال دول ما زالت تعيش حُمَّى الانقسامات والتشرذم المحلي، بإيحاءات وتدخلات إقليمية منذ أكثر من ربع قرن؛ هذا كله أسهم في تهميش الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وإن كان الخطاب السياسي اللفظي في جامعة الدول العربية، لم يكف عن الإدعاء أن القضية الفلسطينية هي «قضية العرب الأولى».
■ أما السلطة الفلسطينية، فقد أربكتها الأوضاع الإقليمية، حيث تتعايش المشاريع وتتصارع في آن معاً، وليس من بينها مشروع يخدم القضية الفلسطينية بشكل فعلي، وفي ظل حصار إسرائيلي، يزداد شدة يوماً بعد يوم، في تهميش متزايد لدور السلطة، إلا في جانب واحد هو التزاماتها واستحقاقاتها الأمنية، التي تضعها في مواجهة الحركة الشعبية، ونهوض مظاهر المقاومة المسلحة؛ غير أن «قوانين التحرر الوطني» - السارية موضوعياً – بمفاعيلها الوقائية/الحمائية، أفشلت مثل هذا التوجه وأضعفته؛ وبالنتيجة، فإن كل ما يتم الإقدام عليه لا يقي السلطة الفلسطينية، ولا يحميها من خطر التهميش، والإنزواء السياسي، طالما ساد التمسك بالوعود الأميركية الخُلَّبية عن «الأفق السياسي» و«حل الدولتين»■

(3)
[■ تُرى، هل من خَطَطَ لفجر الرعب الإسرائيلي – الأميركي الكبير، في 7 أكتوبر، كان يدرك حجم وحقيقة ما كان يخطط له، وأن هذا الفجر من شأنه أن يمحو ويعيد صياغة المشاهد كلها دفعة واحدة، تاركاً النهاية مفتوحة على غير إحتمال، لا احتمال بالنسبة لنا، ولن يكون، سوى انتصار الحقوق الوطنية لشعبنا؛]
■ ...فإسرائيل التي استهلكت في بنائها عشرات الخطط والمشاريع، ومئات المليارات، من «وعد بلفور» 1917 حتى «قرار التقسيم»- 1947، وصولاً إلى عشرات الحروب الكبرى والصغرى، على مدى 76 عاماً، تجد نفسها في لحظة غير متوقعة، وفي فجر غير منتظر، تعيش زلزالاً سياسياً وأمنياً ونفسياً.
وككل مشروع يفتقر إلى العمق الفكري والسياسي، كانت القوة والعنف هما السلاح الوحيد لإنقاذ إسرائيل في حرب كلها مجازر ومذابح وحمامات دم وإبادة جماعية، وتدمير شامل، مما وضع إسرائيل في حسابات التاريخ على ملفات الفاشية العلنية، وأدرجها في السجل الأسود لمن تحملوا وزر تدمير مدن بكاملها، كهيروشيما وناغازاكي وغيرها ...
إسرائيل المنتشية في مشاورات تعميم التطبيع مع عديد الدول العربية والمسلمة، تعيش الآن حالة قلق عميق، حول كيف يمكن أن تختم حربها وتنهيها، وكيف تقطف ثمارها السياسية، التي لن تكون حلوة المذاق. وأخيراً، وهذا هو الأهم، ما هو مستقبل الدولة في ظل التداعيات الكبرى لـ«طوفان الأقصى»، الذي تحوَّل إلى «طوفان الأحرار».
■ أما في البيت الأبيض، فقد وجد الرئيس الأميركي جو بايدن، أن مساعديه أزاحوا جانباً الملفات المعنية بحرب أوكرانيا، والتجارب النووية في كوريا الشمالية، وغيرها من الأمور، للتشويش على مشروع «الحزام والطريق» وتعطيله، حيث ما أمكن، وتعزيز نفوذ ما يسمى مجازاً بـ«الناتو الآسيوي» في إشارة إلى التحالفات العسكرية مع عديد الدول في جنوب غرب وشرق آسيا التي تسعى واشنطن من خلالها إلى تطويق الصين عسكرياً، وحل محلها في موقع متقدم ملف «طوفان الأقصى»، وتداعياته اليومية المتلاحقة، وعشرات المذكرات للتوقيع عليها لمواصلة إمداد إسرائيل بالعتاد المطلوب، ومشاريع قرارات إلى مجلس الشيوخ، بتقديم عشرات المليارات إلى «المحمية» في تل أبيب وإلى «المحميين» في كييڤ، حفاظاً على هيمنة الولايات المتحدة ونفوذها، وتماسك جبهة حلفائها، وحماية «شركائها» في أوروبا، كما في الشرق الأوسط.
■ أما أوروبا، التي أصابتها الحميّة، وسارعت إلى الدعوة، لتحالف دولي ضد الإرهاب الفلسطيني، وتجاوزت حتى الموقف الأميركي الرسمي المتحيِّز لإسرائيل، فقد صدمها الواقع المستجد، لتكتشف أنها أمام فاشية جديدة، وإرهاب دولة منظم، لا يستوي معه الحديث عما يسمى – تجنياً - إرهاباً فلسطينياً، فدعت بعضها بخجل، وآخرون بوضوح، إلى وقف الحرب، ونجدة المدنيين، ووقف المجازر، في مراعاة لنبض الشارع الأوروبي، الذي قدم مثلاً يُحتذى في تحركات واسعة تحت شعار وقف الحرب، وإنقاذ الأطفال والنساء، دون أن يعني ذلك أن مخازن السلاح في ألمانيا وبريطانيا قد أُقفلت في وجه جيش العدوان المتمادي.
■ وفي إقليمنا، عادت لتصحو الملفات النائمة، حين تحركت جبهات الإسناد والدعم للفلسطينيين في قطاع غزة، وأظهرت التطورات أن معظم دول الإقليم تعيش أوضاعاً قلقة، إن في بنيتها الداخلية، أو مع جوارها الشقيق، أو في إطار معادلات ما زالت الفرصة سانحة أمامها لإعادة التشكل في نزعة إنقلابية مكشوفة ذات أبعاد دولية، وكلما تقدمت الحرب في القطاع خطوة نحو التصعيد، كلما اقترب الإقليم من الاحتمالات المفتوحة لحرب قد تكون متسعة، بهذا القدر أو ذاك من الشمول.
■ وحدها المقاومة شقت طريقها بكل بسالة وجدارة، تقف جداراً صلباً في محاولات الخروج عن الإتجاهات المجدية؛ وحده الشعب صامد في عرينه في قطاع غزة وفي الضفة الغربية بما فيها القدس، يقدم ضريبته بالدم، والعرق والدموع، دون أن ينسَ للحظة أن ثمن الضريبة، والمكافأة عنها، هي الدولة، وهي العودة إلى الديار.
وهكذا، وحده الشعب، مرة أخرى، يصنع المعادلات التي تتعامل مع السؤال الأهم: فلسطين إلى أين؟ ليجيب عليه بثقة راسخة، رسوخ جبل «الجرمق» في فلسطين: إلى الإستقلال الناجز مهما بلغت التضحيات■
(1)
زلزال «طوفان الأقصى»( )
حرب من نوع آخر
■ لم يكن «طوفان الأقصى» في 7/10/2023 مجرد معركة، نجح فيها المقاتلون الفلسطينيون في اختراق العمق الإسرائيلي وصولاً إلى مستوطنات «غلاف غزة»، بل شكل هذا «الطوفان» حرباً بكل ما في الكلمة من معنى، لم يشهد الإقليم لها مثيلاً، منذ حرب تشرين (أكتوبر) 1973، بآثارها الكبرى على العدو الإسرائيلي، وتداعياتها المزلزلة لكيانه، وردود الفعل الإقليمية والدولية، وقدرتها على خلط الأوراق في الحسابات السياسية، للولايات المتحدة بخاصة، كما ولعواصم الغرب الإمبريالي، حتى أنها أعادت رسم خارطة النزاعات الكبرى، التي إنتقل تركيزها من حرب أوكرانيا، لتحل إلى جانبها – وأحياناً محلها- بكل اقتدار القضية الفلسطينية، وارتدادات زلزالها على أوضاع الإقليم. وغني عن الذكر، ما سوف يكون لهذه الحرب من تداعيات ونتائج على الحالة الفلسطينية وحركتها الوطنية عموماً.
■ وقع العدو الإسرائيلي في ارتباك كبير، بل عاش في حالة من الفوضى السياسية والعسكرية والأمنية، إلى أن استدرك الموقف، واستطاع أن يلم شتاته، ليتصدى للهجمة الفلسطينية غير المرتقبة، والتي تم التحضير لها بعيداً عن أنظار العدو وحلفائه. وفي إسرائيل وصفت عملية «طوفان الأقصى» بـ«الإخفاق الكبير»، الذي لا يساويه خطورة سوى الإخفاق التاريخي في حرب تشرين (أكتوبر) 1973، الذي دخل التاريخ بمسمى «التقصير» (المحدال)، ما استدعى – كما غيرها من الإخفاقات العسكرية – التوجه لتشكيل لجنة تحقيق قضائية وعسكرية وأمنية، لفك طلاسم «الطوفان» لجهة تفسير وقوعه.
■ فضلاً عن ذلك، كانت ردات الفعل الصاخبة في إسرائيل، الانتقامية والثأرية، فائقة البدائية، فتمخضت عن الشروع بشن حرب على القطاع بعد إعلان التعبئة العامة. في هذه الحرب إستعمل العدو كل ما امتلكه من أسلحة دمار، في الجو والبر والبحر، بهدف «محو المقاومة في القطاع»، واستعادة أسراه بالقوة، وتدمير بنيته التحتية والمؤسسية، وتهجير سكان القطاع، وإفراغه وتحويله إلى عمق أمني للكيان الإسرائيلي، وتحولت الحرب الثأرية الإسرائيلية إلى مسلسل من المجازر وحمامات الدم، في ظل فشل واضح عن تحقيق أياً من الأهداف المعلنة، إلا إذا اعتبرنا «الإبادة الجماعية» هدفاً تم تحقيقه وفقاً لمواصفات ثقافة العنصرية الإسرائيلية المتجددة والنازعة نحو التحول، لا بل باتت تفرض نفسها كأيديولوجية فاشية تتبناها الدولة وتسعى إلى ترجمتها بسياسات ملموسة.
■ الهزة الارتدادية الكبرى بلغت واشنطن، وباقي عواصم الغرب الاستعماري، التي سرعان ما تبنت ومنذ اللحظة الأولى الرواية الإسرائيلية عن «الإرهاب» الفلسطيني المزعوم، وأصدرت أحكامها بالإعدام السياسي لحركة حماس، والقضاء على جناحها العسكري: «كتائب القسام»، وسرعان ما تحركت الأساطيل الأميركية إلى المنطقة، فازدحم بها شرق حوض البحر المتوسط، مدعوماً من قبل بريطانيا وفرنسا، في عرض للعضلات، وتظهير قوة الردع الأميركي - الأطلسي، تحسباً لأي تداعيات عسكرية في مدى الإقليم، فأمدَّا إسرائيل بكل ما تحتاجه حربها الهمجية من أسلحة دمار.
■ كشفت حرب 7 أكتوبر 2023، حقيقة الأزمة الوجودية لدولة الاحتلال الإسرائيلية، فقد ظهر جلياً، وبما لا يترك مجالاً للشك، أن الجيش الإسرائيلي الذي عُدَّ رابع جيش في العالم، أنه وعكس الإدعاءات الشائعة، التي حاول الإعلام أن يرسخها في الوعي العربي بشكل خاص، ليس الجيش الذي لا يقهر؛ كما أن الأمن الإسرائيلي يمكن اختراقه، ولا يتمتع بالتفوق المهني الذي كان يُنسب إليه؛ كما كشفت حرب «الطوفان» أن قوة الردع الإسرائيلية ليست مصانة دائماً، إذ تهاوت عند السواتر والحواجز التي اخترقها المقاتلون الفلسطينيون فجر 7 أكتوبر؛ كل هذا أحدث شرخاً في تماسك المجتمع الإسرائيلي، الذي عُبيء على أنه محاط بالأعداء، وأعادت تذكيره بغياب حالة الاستقرار في المكان، وأن إسرائيل على خلاف كل الادعاءات الصهيونية، ليست هي الوطن والملاذ الآمن، لا لمواطنيها ولا ليهود العالم، كما يدعي المشروع الصهيوني، بل أثبتت حرب «الطوفان» أن إسرائيل مع تداعيات الحرب وتطوراتها، هي المكان الأكثر خطورة على اليهود، ما لم تعترف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وأن الأمن يكون في مكان آخر، طار إليه الآلاف من مواطني إسرائيل، بعد أن حمى وطيس المعركة.
■ وبعيداً عن الإنجازات التي سطرتها المقاومة بجميع فصائلها في تلاحمها مع الشعب الفلسطيني، فإن هناك تداعيات أخرى لا تقل أهمية عن إنجازات الميدان، وسوف تبدأ نتائجها بالظهور مع توقف العدوان، ومن أهمها: إنحسار الثقة بالمؤسستين الأمنية والعسكرية في إسرائيل وفقدان الثقة بهما نتيجة عجزهما عن توفير الأمن للإسرائيليين + التغيير النسبي في إتجاهات الرأي العام في الغرب الإجمالي (أي الغرب السياسي) عموماً لصالح الحقوق الفلسطينية، خاصة في دول تعتبر داعماً رئيسياً لإسرائيل + الضرر الكبير الذي لحق بقطاعات إقتصادية رئيسة في إسرائيل؛ هذا دون أن ننسى الأرقام المرتفعة للهجرة المعاكسة الناجمة عن تردي الحالة الأمنية■
حرب 7/10 والتداعيات الدولية
■ بسبب من طبيعة العلاقة العضوية التي تربط في المنطقة بين إسرائيل، وبين مصالح الولايات المتحدة والغرب الأطلسي عموماً، أدركت واشنطن حجم المخاطر وحجم النقلة الاستراتيجية، غير المسبوقة، لحرب «طوفان الأقصى»، فضلاً عن آثارها المستقبلية على مآل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وأثر ذلك على «المشروع الأبراهامي» لتعميم التطبيع العربي – الإسرائيلي، لدمج إسرائيل في المنطقة، واستكمال هيكلة الإقليم، وفقاً للهندسة الأميركية، وبما يخدم مصالحها الإمبريالية، ويضعف فيها النفوذين الروسي والصيني، وكذلك الإيراني؛ بل بالإضافة إلى ذلك الدفاع عن مصالح القوى الإستعمارية في المنطقة، بعد إهتزاز الوظيفة الأمنية لإسرائيل في مدى الإقليم، كونها «ركيزة ثابتة لفرض هيمنتها في المنطقة العربية وأداة ضاربة لقمع وإضعاف حركة التحرر الوطني العربية»، كما يشير إلى ذلك البرنامج السياسي للجبهة الديمقراطية. إن نجاح الشعب الفلسطيني في المعركة التي نخوض، سيفتح الباب واسعاً أمام حركات التحرر في المنطقة لتنتفض وتطرح مسألة الوجود الأميركي أصلاً، ناهيك عن مصير المصالح الغربية.
■ إلى جانب تدارك الموقف عسكرياً بحشد الأساطيل، وإنشاء الجسر الجوي مع الجيش الإسرائيلي، كما وتبني الرواية الإسرائيلية في شيطنة المقاومة الفلسطينية (داعش الجديدة)، جددت الولايات المتحدة فرض رعايتها لإسرائيل، إذ سرعان ما تَحَوَّلت إلى محطة للزيارات الدورية لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي زارها بصفته العقيدية أكثر منه وزيراً للخارجية، وكذلك رئيسه بايدن الذي أكد ضرورة وجود إسرائيل، وأنه «لو لم تكن لعملنا على وجودها»، تبعه في ذلك رؤساء أوروبيون (فرنسا، ألمانيا، إيطاليا...)، مما وضع إسرائيل التي فقدت صوابها في «غرفة العناية الفائقة»، قُدمت لها الوعود في الوقوف إلى جانبها بكل الوسائل، ليس للانتصار على «المعتدي» الفلسطيني فحسب، بل وكذلك لمنع أية أطراف إقليمية أخرى من التدخل في حربها على الفلسطينيين، وهذا ما بررته عملية التحشيد البحري والجوي في المنطقة للولايات المتحدة وحلفائها الأطلسيين، بما في ذلك دعم الجيش الإسرائيلي بالمستشارين الأميركيين والمقاتلين من أصحاب الخبرة في الحرب «ضد الإرهاب» (تجربة الموصل في العراق)، وإغلاق سماء القطاع بطائرات التجسس البريطانية.
■ وهكذا نجحت حرب 7 أكتوبر 2023 في إرغام الولايات المتحدة، والغرب عموماً، على إعادة النظر في أولوياته على الصعيد العالمي والإقليمي، فانحسر الإهتمام – كما جرت الإشارة - بملف «دعم أوكرانيا»، جزئياً بأقله، وجرى طوي (وإن بشكل مؤقت) مشروع الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا، مروراً بدول الخليج والأردن وإسرائيل، الذي ينافس ممرات إقتصادية أخرى، وبخاصة مبادرة «الحزام والطريق»، والممر الشمالي (بين روسيا/ آسيا الوسطى إلى بحر العرب والمحيط الهندي مروراً بإيران...)، وتم إبطاء وتيرة ملف «تعميم التطبيع» العربي – الإسرائيلي (ولو إلى حين) من بوابة السعودية، ودمج إسرائيل في الإقليم، وإعادة صياغة علاقات التحالف والتخاصم والعداوة■
حرب «الطوفان» وارتداداتها الإقليمية
■ فشلت قوة الردع الأطلسية التي استحضرت إلى المنطقة، في لجم الارتدادات الإقليمية لحرب «الطوفان»، إذ سرعان ما التقت قوى «محور المقاومة» حول ضرورة دعم قطاع غزة، من كل طرف من أطراف المحور بما يملكه من قوة، تبعاً لظروفه، وبما ينسجم مع أوضاعه. لقد أكدت القضية الفلسطينية مرة أخرى، محوريتها في توفير (أو عدم توفير) الأمن والاستقرار في المنطقة، وأن حلها هو المدخل لبناء إقليم مستقر وآمن، تتمتع فيه شعوبه بالازدهار، عبر تنمية ثرواته الوطنية، ووقف النهب الاستعماري.
■ إذن، أثبتت القضية الفلسطينية أنه بدون حلها، سيبقى الإقليم عالقاً في أكثر من خندق قابل للاشتعال في أية لحظة؛ ففي لبنان، تطورت قضية إسناد حزب الله للشعب الفلسطيني ومقاومته في القطاع، التي وجدت إمتدادها الجغرافي الطبيعي في جبهة الجولان/سوريا، تطورت إلى مسألة إسرائيلية – لبنانية، تتعلق بما بقيت تحتله إسرائيل من أرض في جنوب لبنان، وبما يتعلق في الوقت نفسه بـ13 نقطة خلاف حدودية بين لبنان وإسرائيل، وبالتالي ربط هذه القضايا بالوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على القطاع، وفي الوقت نفسه فتح على إعادة صياغة جديدة لمعادلة الردع المتبادل على جانبي الحدود.
أما في العراق، فقد تحول دعم وإسناد المقاومة العراقية لقطاع غزة، إلى فتح ملف الاحتلالات الأميركية للعراق ولسوريا وضرورة إنهائها.
أما في اليمن، فإلى جانب القضية اليمنية العالقة، في ظل إستمرار التدخلات الخارجية، فقد تحول إسناد صنعاء لقطاع غزة إلى فتح ملف أمن البحر الأحمر، ومرجعية ذلك بالصلة مع الدول المشاطئة له، في ظل التدخل الفظ للولايات المتحدة وأوروبا، باعتبار البحر الأحمر ممراً حيوياً في خدمة التجارة العالمية، وبشكل خاص المصالح الأميركية والأوروبية الغربية، كما والمصالح الصينية.
وبالتالي، فقد إتسع نطاق التداعيات الإقليمية لحرب 7/10، ما ينطوي على احتمال تحوّلها إلى حرب متسعة الدوائر بكل ما يمكن أن يترتب على ذلك من إحتمالات، بصرف النظر عن المحطات الوسيطة التي قد يجتازها الوضع في المديين القريب والمتوسط؛ إنها بحق حرب متدحرجة فتحت باب الصراع على مصراعيه حول ملفات رئيسية تشكل محاور صراع حقيقي في الإقليم، وفي المقدمة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ما بات يستوجب – من الجانب الفلسطيني – أن يعيد النظر، أو يراجع، بأقله، لعديد القضايا المتصلة بالنظام السياسي، واستراتيجية التحرر الوطني المعتمدة، والعلاقات مع الدول والقوى، وصولاً إلى التحالفات، الخ...■
سيناريو الهزيمة بمسمى «اليوم التالي..»
■ مع بداية شن إسرائيل حربها الدموية على قطاع غزة، أخذت الدوائر السياسية الغربية والإسرائيلية في الحديث عما أسمته بـ «اليوم التالي..» الذي يفترض هزيمة المقاومة وتسليمها لسلاحها وسقوط خيار الصمود وتركيع الشعب الفلسطيني وتدمير إرادته الوطنية. وفي هذا السياق تعددت المشاريع والسيناريوهات، ومنها السيناريو الإسرائيلي الذي توزع بين الحديث عن بقاء دائم لقوات الإحتلال في غزة، وبين إعادة الإنتشار حول القطاع في حزام أمني يستقطع أجزاء واسعة منه شمالاً وشرقاً، فضلاً عن الحصار البحري والرقابة الجوية.
■ كذلك تداولت الدوائر الغربية بمشروع لإعادة الإنتداب الإستعماري إلى غزة بوظيفة محددة هي استكمال مالم يحققه العدوان من تجريد الشعب ومقاومته من السلاح وفرض أحكام عسكرية توفر شروط «الإستقرار الأمني»(!) وتحويل القطاع إلى جار «صديق لإسرائيل»(!)، بما في ذلك الحديث عن نفي قادة المقاومة والحركة الوطنية إلى خارج الأراضي الفلسطينية. غير أنه من الواضح أن هذه الأمور لن يُقيّض لها النجاح، طالما إستمرت المقاومة بكل أشكالها في الضفة والقطاع، واستمر المدد من الشعب الفلسطيني في كل مكان، وإلى جانبه ومعه حركات التحرر الوطني في المنطقة، والحركات الشعبية التضامنية في كل أنحاء العالم. هذا ما تؤكده الوقائع ومجريات الأحداث على أية حال، والحرب تتقدم بخطى حثيثة نحو تجاوز شهرها السادس، مؤكدة طابعها المديد، الذي نادراً ما تتسم به الحروب في عصرنا، دليلاً قاطعاً على جوهرية الأمور التي يدور الصراع حولها.
■ حددت الجبهة الديمقراطية موقفها حيال ما يتم تداوله من مشاريع، كما يلي: إن الحديث عن «اليوم التالي»، إنما هو ترويج إنهزامي يقوم على إنكار المقاومة وكسر إرادة الشعب الفلسطيني في غزة وفرض شروط الإسرائيلي المنتصر (زعماً) ليس على القطاع وحده، بل على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، كمقدمة لفرض شروطه السياسية بمضمونها التصَّفوي.
وعليه، فإن كافة المشاريع والسيناريوهات التي تندرج في هذا السياق مرفوضة رفضاً قاطعاً، أياً كان شكلها، وأياً كان مصدرها، فليست إسرائيل ولا الولايات المتحدة ولا بريطانيا، ولا أياً من الأطراف الإقليمية يملك الصلاحية في تحديد ورسم مستقبل غزة لا الآن، ولا في ما يسميه «اليوم التالي..».
إن مستقبل غزة وأي بقعة من ترابنا الوطني المحتل والمغتصب، ترسمه الآن وفي كل أوان، المقاومة والصمود البطولي لشعبنا، ولا شيء سواهما، خاصة إذا ما سُوِّرت بالوحدة الداخلية، وفي كل الأحوال لن يكون إلا مستقبلاً وطنياً فلسطينياً■
«الرؤية السياسية للتعامل مع التحديات الراهنة»
■ على هذه الخلفية، أطلقت الجبهة الديمقراطية بعد شهر من إندلاع الحرب، أي في 5/11/2023 بالتحديد، مبادرة سياسية بعنوان «رؤية سياسية للتعامل مع التحديات الراهنة»، دعت فيها إلى إعادة النظر بالواقع الفلسطيني المستجد بعد 7/10 على قاعدة أن معادلات الصراع ما بعد 7 أكتوبر هي غيرها ما قبلها، ما يفترض إعتماد مبادرة وطنية شاملة ترتقي بالمسؤولية الوطنية إلى ما يستجيب للإستحقاقات الحالية والقادمة. وهذا ما أعادت الجبهة الديمقراطية التأكيد عليه في المذكرة التي وجهتها إلى القمة العربية/الإسلامية التي إنعقدت في الرياض – 11/11/2023، واستعادت موضوعاته في الرؤية التي أطلقتها في 9/1/2024 بعنوان «في ضوء ملحمة «طوفان الأقصى»... الرؤية البرنامجية الوطنية الجامعة».
■ من هنا، وعلى يد جميع هذه المبادرات معززة بالتصريحات والمواقف المتداولة يومياً، دعت الجبهة الديمقراطية إلى حوار وطني شامل وملزم لكافة الأطراف يقود بنتائجه إلى تشكيل إطار قيادي موحد تحت سقف منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، مدخلاً لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني لحمل أعباء استراتيجية كفاحية جديدة وبديلة تربط بين مستقبل الضفة الغربية – بما فيها القدس – ومستقبل القطاع باعتبارهما معاً، ودون أي إنتقاص أو إقتطاع، يشكلان التراب الوطني الذي ستقام عليه الدولة الفلسطينية المستقلة.
■ تضمنت هذه المبادرة بعنوان «رؤية سياسية للتعامل مع التحديات الراهنة» - 5/11/2023 جميع الإجراءات والخطوات المباشرة الناجمة عن «وقف إطلاق نار شامل ومستدام»: فك الحصار وتزويد المواطنين باحتياجاتهم كافة + بدء مفاوضات لتبادل المحتجزين والأسرى + رفض التهجير القسري للسكان + البدء الفوري بعملية إعادة الإعمار + الوقف الكامل للأنشطة الاستيطانية وإجراءات تهويد القدس، قبل أن ننتقل إلى تحديد الإطار السياسي للتسوية بالفقرات التالية:
«7- عقد مؤتمر دولي تحت إشراف الأمم المتحدة، وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بهدف التوصل إلى حل سياسي شامل يكفل إنهاء الإحتلال وإنجاز إستقلال دولة فلسطين وممارستها سيادتها الكاملة على أرضها وعاصمتها القدس بحدود الرابع من حزيران (يونيو) 67، وحل قضية اللاجئين على أساس القرار الأممي الرقم 194، الذي يكفل لهم حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ عام 1948.
8- منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، هي التي تمثل دولة فلسطين في المؤتمر الدولي، وسوف تشكل وفدها بالتوافق بين الفصائل الفلسطينية كافة ومشاركتها على قاعدة برنامج م.ت.ف القائم على الإلتزام بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، التي تضمن إنهاء الإحتلال وإنجاز إستقلال دولة فلسطين بعاصمتها القدس بحدود الرابع من حزيران (يونيو) 67 وضمان حق اللاجئين وفق القرار 194 في العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ عام 1948 .
9- ينجز المؤتمر الدولي مهمته خلال سقف زمني لا يتجاوز العام.
10- خلال هذا السقف الزمني، فإن إدارة قطاع غزة هي شأن داخلي فلسطيني يتم حله على أساس إتفاقيات المصالحة المبرمة بين الفصائل الفلسطينية كافة»■
(2)
تداعيات «طوفان الأحرار»
[■ إذ نلجأ لاستخدام تسمية «طوفان الأحرار» على حرب تشرين/ أكتوبر 2023 التي أطلقتها عملية «طوفان الأقصى» في 7/10، فمن أجل التأكيد على ما انطوت عليه هذه العملية ذات الأبعاد الإستراتيجية من مضامين، تفاعلت معها أوساط واسعة من «الغرب السياسي»، ولم تبقَ بمعزل عنها – على تواضعها – الحِراكات الشعبية العربية، وأفضت من بين أمور أخرى إلى إطلاق عجلة العدالة الدولية:]
أولاً- عن تحولات الرأي العام في الغرب السياسي
تحّولات ملموسة
■ شهد الرأي العام الشعبي بتأثيره على الموقف الرسمي، في الغرب السياسي (أوروبا + كندا + الولايات المتحدة + أستراليا + نيوزلندا..)، دون أن ننسى القارة اللاتينية، تحولاً ملموساً إزاء ما يجري في قطاع غزة من تطورات عاصفة، إنطلقت شراراتها مع معركة «طوفان الأقصى». ففي الأيام الأولى، توحدت الرسميات الغربية، إلى جانب صف واسع من ممثلي الرأي العام، وراء دولة الاحتلال، باعتبارها دولة معتدى عليها، وتبنت هذه الرسميات، ودوائر إعلامية وحزبية، الأكاذيب الإسرائيلية حول جرائم مزعومة، إرتكبها المقاتلون الفلسطينيون، حتى أن دولة كفرنسا، دعا رئيسها إلى بناء تحالف دولي ضد «إرهاب» حركة حماس، كما أصدرت الداخلية الفرنسية سلسلة قرارات، تحرم على أي متظاهر، رفع عبارة مقاومة، لوصف دفاع شعبنا عن نفسه ضد المعتدي الإسرائيلي، ما أَشّرَ كنموذج إلى حجم الإندفاع الغربي في تبني أطروحات إسرائيل، وأكاذيبها، والإدعاء بحقها المشروع في الدفاع عن نفسها، وفي تجاوز للقانون الدولي، الذي يعتبر الاحتلال عدواناً، وأن حق الدفاع عن النفس، مكفول لمن يرزح تحته.
■ لكن، سرعان ما بدأ الرأي العام الغربي، الرسمي والشعبي، يتلمس الحقيقة، مُقراً بوقائعها، وبدأت التحولات في النظر إلى ما يجري في القطاع، تعبر عن نفسها، وإن بتفاوت بين دولة غربية وأخرى، إلى أن باتت معظم عواصم الدول الغربية، ومدنها الرئيسة مسرحاً لتظاهرات ضخمة، ترفع شعارات واضحة وصريحة، تدحض الأكاذيب الإسرائيلية، وتدين المجازر الدموية ضد الشعب الفلسطيني، والتي تحوَّلت إلى حربٍ للإبادة الجماعية، كما تدين سياسة القتل بالتجويع والتعطيش والحرمان من الدواء.
■ لم تخلُ عاصمة غربية واحدة من هذه التظاهرات، بما في ذلك واشنطن نفسها التي تحولت فيها المظاهرات إلى إستفتاء إحتجاجي على سياسة الإدارة الأميركية، لانحيازها الفاقع لدولة الاحتلال، ومشاركتها لها في حرب الإبادة الجماعية.
وبفعل ديناميات الحياة السياسية في الغرب، القائمة على أسس ديمقراطية ليبرالية ، تُمكّن المواطن من مساءلة حكومته وبرلماناته، بدت التحولات تشق طريقها نحو مواقف الرسميات الغربية، خاصة في أوروبا، التي باتت تُجمع على الوقف الفوري للحرب، وإعادة النازحين إلى أماكن سكناهم، وإمداد القطاع باحتياجاته الإنسانية، وإطلاق مشروع دولي لإعادة إعمار ما دمره العدوان، والأهم من هذا، الربط بين «اليوم التالي» لغزة، وضرورة حل المسألة الفلسطينية، بالإعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة في الضفة والقطاع، كما أن الإدانات الغربية للمجازر الإسرائيلية لم تقف عند حدود القطاع، بل امتدت إلى الضفة الغربية، حيث إضطُرَّت دول، كالولايات المتحدة وفرنسا(!)، تحت ضغط الرأي العام، لاتخاذ إجراءات عقابية بحق مجموعات من المستوطنين الموغلين بتطرفهم، لارتكاباتهم.
■ ومع أن التحول في الرأي العام الشعبي، أسهم في تطوير موقف أهم حكومات الغرب من الوضع في القطاع، إلا أن حكومات ألمانيا وبريطانيا، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ما زالت تدعم العدوان بإمداده بالسلاح والذخيرة، وإن كانت، على سبيل المثال، لَوَّحت بضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية. كما أن هذا التحول فرض نفسه على الاتحاد الأوروبي، الذي صوّت برلمانه بالإجماع، ما خلا صوت واحد، مع وقف إطلاق النار، ومع أن هذا القرار سقط بفعل آلية التصويت في البرلمان الأوروبي، فإنه تعبير واضح عن طبيعة التحول الإيجابي لصالح شعبنا وصون حقوقه■
عوامل إحداث التحول في الراي العام الغربي
■ تضافرت عوامل عدة لإحداث هذا التحول الشعبي والرسمي في الغرب:
1- الصمود الأسطوري لشعبنا ومقاومته في القطاع، الذي أعاد وضع القضية في نصابها الصحيح، باعتبارها قضية شعب تحت الاحتلال، يناضل من أجل حقوقه الوطنية المشروعة، ويبذل في سبيل ذلك كل التضحيات اللازمة، متمسكاً بأرضه، ما فرض (مرة أخرى) إحترامه على المجتمع الدولي.
2- بالمقابل وحشية الاحتلال، ومجازره الدموية التي طالت بشكل بارز النساء والأطفال، والارتفاع المهول في أعداد الشهداء والجرحى والمشردين من منازلهم المدمرة، وتدمير الاحتلال للبنية التحتية في القطاع، بما في ذلك مؤسسات الأمم المتحدة لوكالة الغوث، والمستشفيات والجامعات، وغيرها ... بحيث بدا، ما يقال أنه حق لإسرائيل في الدفاع عنها، أنه في الحقيقة حرب إبادة جماعية، باتت تقف أمامها محكمة العدل الدولية.
3- الدور المتقدم الذي لعبته المقاومة في إبراز حسّها المسئول وإنسانيتها، من خلال أسلوب تعاملها مع الأسرى الإسرائيليين، و«أصحاب الجنسيات المزدوجة» وإدارة معركة المفاوضات حول مصيرهم.
4- الدور المتقدم الذي لعبته الجاليات الفلسطينية والعربية والمسلمة، فضلاً عن القوى الديمقراطية والليبرالية واليسارية، في تعبئة الشارع الغربي، وتنظيم شعاراته الصائبة.
5- الدور المتقدم الذي لعبته وسائل الإعلام، وشبكات التواصل الإجتماعي وغيرها، ما وضع الرأي العام في الغرب أمام ضرورة الاعتراف بالواقع، والتفاعل معه، وعدم تزييفه لصالح إسرائيل■

ثانياً- الحِراكات الشعبية العربية على خلفية الحالة الرسمية
في الحالة الرسمية
■ داهمت حرب 7 أكتوبر الحالة العربية، الرسمية والشعبية، وهي تعاني من صعوبات وتعقيدات وأزمات سياسية واقتصادية ومؤسسية، بعد الحِراك الواسع الذي شهدته المنطقة خلال العشرية المنقضية، عبر ما سمي بـ «الربيع العربي»، وهو ما فتح الباب أمام دوائر عربية وخارجية للتدخل في الشأن الداخلي لعدد من الدول العربية، أدى إلى مفاقمة أزماتها الداخلية، بدلاً من الإسهام في تقديم حلول لها، وأجهض أية تغييرات ذات طابع متقدم، من شأنها أن تعزز مبنى الدولة القائمة على الديمقراطية والمساواة والعدالة الإجتماعية، وصون الثروة الوطنية، وإطلاق التنمية المتوازنة، والتحرر من الهيمنة الغربية.
■ إنطلاقاً من هذه الخلفية نسجل ما يلي: لقد فشلت المنظومة العربية الرسمية – باتجاهها الغالب – في تحمل مسئولياتها القومية والأخلاقية نحو قضية فلسطين، دفاعاً عن شعبها في مواجهة العدوان الصهيوني المتمادي، خاصة بعد أن تعرضت هذه المنظومة خلال ولاية الإدارة الأميركية السابقة، إدارة دونالد ترامب – 2017/2021 إلى إختراقات استراتيجية فاقمت إنكشافها على الضغوط الخارجية، عندما نجحت واشنطن في بناء «تحالف أبراهام» - 2020، وفي امتداده «منتدى النقب السداسي» (الإمارات + المغرب + البحرين + مصر إلى جانب واشنطن وتل أبيب)، باعتبارهما الإطارين السياسي والإستراتيجي للإقليم، المسخرين في خدمة سياسة الهيمنة الأميركية على الإقليم، ودمج إسرائيل فيه وإعادة صياغة المعادلات الحاكمة للسياسات العليا، بما يجعل من إسرائيل حليفاً، والجمهوية الإسلامية في إيران عدواً.
■ لقد أضعفت هذه التطورات – ببعديها آنفي الذكر – مناعة النظام الرسمي العربي وخلخلت تماسك الموقف من القضية الفلسطينية، بما في ذلك الإبتعاد عن التمسك بمضمون وآلية تطبيق «مبادرة السلام العربية»- 2002، ما عنى تغليب الإستجابة لمصالح الأنظمة وارتباطها التبعي بالاستراتيجية الأميركية في الإقليم على حساب القضية الفلسطينية وحقوق شعبها.
إن أقصى ما نجحت المنظومة العربية الرسمية في تحقيقه هو الدعوة إلى قمة عربية – إسلامية في الرياض- 11/11/2023، إنبثقت عنها لجنة متابعة لم تتجاوز تحركاتها حدود «عرض الحال» التي تفتقر إلى القدرة على طرح مبادرة ذات مغزى تستند إلى عناصر القوة للدول التي تُمثل، وهي كثيرة، ما أحالها إلى هوامش الحِراكات السياسية الرسمية الجارية في أكثر من مكان، لم يكن بمقدورها أن توظف ثقل «منظمة التعاون الإسلامي» النوعي، أي وزن كتلة دولها الـ 57، للجم العدوان■
الحِراكات الشعبية العربية
■ إنتصرت هذه الحِراكات للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وعبَّرت بذلك عن تمايزها عن السياسات الرسمية العربية، وعكست حالة غضب عارم أمام العجز الرسمي العربي، عن وقف العدوان على الشعب الفلسطيني، كما عكست إحساساً عميقاً بعمق ومدى تهديد الكيان الصهيوني لمصالح الشعوب العربية، وللخطورة المتعاظمة للمشروع الإسرائيلي التوسعي، وإدراكاً عميقاً لما سوف يحدثه من تداعيات سلبية إنتصار إسرائيل على الشعب الفلسطيني، وكسر إرادته ومقاومته. لقد جاءت الحِراكات الشعبية العربية للتعبير بصدق عن طبيعة الصراع القائم، ولتضع أنظمتها أمام واجبات تمس المصلحة القومية بالصميم، إذا لم يتم الأخذ بها، فالمصالح العربية كلها ستكون في خطر.
■ نقطة الضعف في هذه الحِراكات الشعبية، التي – على أهميتها – بقيت دون مستوى ما يتطلبه الوضع من زخم وتواصل في هذه الحِراكات، تكمن بافتقارها إلى العنصر الضروري للتنظيم، الضامن لاستدامتها، لأسباب تعود – إضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه – إلى الطبيعة السلطوية أو النازعة إليها، للنظام الرسمي العربي بشكل عام، التي تحد من تمكين المواطن من ممارسة دوره الحر في المساهمة بصناعة وتقرير مصير وطنه. إن إفتقار الأنظمة العربية في جملتها إلى أقنية التواصل الديمقراطي بين الحاكم والشعب عطَّل كثيراً من قدرة الحِراكات الشعبية على التأثير في مسار حرب 7/10، وتلك ظاهرة تحتاج المزيد من القراءة والدراسة والتأمل وصولاً إلى بناء المعادلات الصائبة والمستخلصات المفيدة■

ثالثاً- الحرب الإسرائيلية أمام محكمة العدل الدولية
مغزى الإحالة إلى المحكمة
■ تعتبر إحالة إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية، بتهمة إنتهاك «إتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها» ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، خطوة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، وفي تاريخ دولة الإحتلال نفسها. ففي 29/12/2023، رفعت دولة جنوب إفريقيا دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية تختصم فيها إسرائيل بسبب إرتكابها أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين + توافر النية لدى إسرائيل وانعقاد عزمها المبيَّت على إرتكاب هذه الجريمة النكراء، وهي المرة الأولى التي تقف فيها إسرائيل، مباشرة، كدولة مخالفة للقانون الدولي، والدولي الإنساني، أمام أعلى مؤسسة قضائية في العالم، هي واحدة من أهم مؤسسات الأمم المتحدة.
أثارت هذه الخطوة إسرائيل، كما الولايات المتحدة، بعد أن تجرأت، للمرة الأولى، دولة، كجنوب إفريقيا، على اختراق خطوط الحماية التي تفرضها الولايات المتحدة حول إسرائيل، لمنع مساءلتها أمام القانون، بما في ذلك توفير الغطاء لجرائمها، ولحروب التدمير ضد الشعب الفلسطيني، باللجوء لاستخدام حق النقض في مجلس الأمن، لإجهاض أي مشروع قرار ترى فيه الولايات المتحدة إدانة لسياسات تل أبيب العدوانية■

جبهة عالمية ضد إسرائيل
■ لم تقف الدعوى المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية، أمام حدود تبني دولة جنوب إفريقيا لها وحدها، فقد أعلنت أكثر من 80 دولة في أنحاء العالم (أوروبا + آسيا + إفريقيا + استراليا + الأميركيتين) تبنيها لدعوى دولة جنوب إفريقيا، الأمر الذي شكل ما يمكن وصفه، بمثابة جبهة عالمية بناء على مبادرة بريتوريا، في مواجهة دولة الاحتلال، خاصة بعدما إتخذت المحكمة الدولية قراراها بقبول شكوى ضد إسرائيل، لانطباق المعايير الدولية عليها، ولتوفر المعطيات التي تؤكد أن إسرائيل قد إنتهكت إتفاقية الإبادة الجماعية، ما يعني – في الوقت نفسه – إنتهاكاً للقانون الدولي، والدولي الإنساني.
في 24/1/2024، وبناء على طلب دولة جنوب إفريقيا، وأمام أنظار العالم كله، وفي خطوة شكلت إنتصاراً سياسياً ومعنوياً لشعبنا الفلسطيني، ولكل الأطراف الدولية التي تسانده وتدعم صموده، أصدرت محكمة العدل الدولية سلسلة «قرارات إحترازية»، تدعو إسرائيل لالتزامها، لضمان عدم انتهاكها لاتفاقية الإبادة الجماعية، بانتظار صدور الحكم النهائي في القضية، وطلبت المحكمة من إسرائيل، أن تقدم لها خلال شهر من تاريخه تقريراً، تعرض فيه مدى تقيّدها بالإجراءات اللازمة■
قرارات إحترازية وجدل سياسي
■ نَصَّت «القرارات الإحترازية» آنفة الذكر على مايلي:
1- إتخاذ إسرائيل الإجراءات لمنع جميع الأفعال، بما فيها القتل والتسبب بضرر بدني، وبالظروف التي تؤثر على الحياة والدمار المادي.
2- إتخاذ إجراءات لضمان توفير الاحتياجات الإنسانية الملحة للفلسطينيين في غزة.
3- إتخاذ إجراءات فورية، للتأكد من منع تدمير الأدلة حول إرتكاب إبادة جماعية.
4- تقدم إسرائيل تقريراً للمحكمة حول كل التدابير خلال شهر واحد من تاريخ إصدار القرار.
■ أثارت هذه القرارات جدلاً سياسياً وفقهياً قانونياً، حول مدى إلزاميتها لإسرائيل، وكيفية تطبيقها، ودوماً على خلفية سياسية، تعكس حقيقة الموقف من قرارات الشرعية الدولية. وفي هذا الإطار أكدت أغلبية أعضاء مجلس الأمن، إلزامية قرارات المحكمة الدولية لإسرائيل ما عدا الولايات المتحدة، وتهربت فرنسا وبريطانيا من تحديد موقف واضح، وإن كانتا قد أكدتا في السياق على ضرورة توفير حل دائم للقضية الفلسطينية من خلال «حل الدولتين».
ومع أن إسرائيل إستجابت لقرار تقديم تقرير في غضون شهر إلى المحكمة، إلا أنها أخَلَّت بباقي القرارات، وواصلت سياستها التدميرية الشاملة، مستندة إلى الغطاء السياسي والدعم العسكري غير المحدود من الولايات المتحدة، ما دعا المحكمة لأن تصدر في 28/3/2024 أمراً إلزامياً يدعو إسرائيل إلى اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية والفاعلة، لضمان تدفق المساعدات الإنسانية، من دون عوائق إلى قطاع غزة، لتجنب المجاعة، في تدخل مباشر من المحكمة، بعد أن أكدت المؤسسات الدولية وفي مقدمها وكالة الغوث (الأونروا) وباقي المؤسسات الإنسانية، وقوف قطاع غزة على حافة المجاعة■

أية خلاصة يمكن الوصول إليها؟
■ أكدت شكوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، أهمية الدور الذي تؤديه المؤسسات الدولية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وأعماله العدوانية؛ كما أكدت أهمية قرارات الشرعية الدولية في المعركة السياسية التي يخوضها شعبنا إلى جانب مقاومته الميدانية؛ بالمقابل، أكدت ما ألحقته سياسة الإنضباط لقيود أوسلو من أضرار بمصالح شعبنا في هذا الميدان، بسبب تلكؤ الرسمية الفلسطينية من دخول المعترك السياسي في المؤسسات الدولية، إن في محكمة العدل الدولية، أو في المحكمة الجنائية الدولية، أو مجلس حقوق الإنسان، أو في تنسيب دولة فلسطين إلى الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة، (كوكالة حقوق الملكية الفكرية، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة التنمية الصناعية الدولية، ومنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية،..)، أو متابعة الجهود بدأب لتوفير الحماية الدولية لشعبنا في الأراضي المحتلة، دون أن تغيب المسألة الأكبر، أي تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي، والرهان على المقاومة بكل أشكالها، بدلاً من الإعتماد على الوعود الفارغة بـ «حل الدولتين» والتي لا تعدو كونها – في أفضل الحالات – تطبيقاً بائساً لما تبقى من «إتفاق أوسلو» و«صفقة القرن»■
(3)
النظام السياسي الفلسطيني - 1/2
مقدمة
■ على مر السنوات الماضية، إزداد النظام السياسي الفلسطيني ضعفاً في ظل افتقار القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية/الرسمية الفلسطينية لإرادة التغيير السياسي والديمقراطي، وتجاوز إستحقاقات «إتفاق أوسلو» وإملاءاته، وإصرارها على المراوحة في المكان، في رهان على الوعود المخادعة للإدارة الأميركية، آخرها ما صدر عن إدارة جو بايدن، رغم أن الوقائع الدامغة، أثبتت للجميع بمن فيهم قيادة السلطة الفلسطينية، أن هذه الإدارة وضعت الملف الفلسطيني في أسفل إهتماماتها، حين عبرت عن ذلك بالقول «أنها تتعهد بحل الدولتين لكن ليس الآن، بل على المدى الطويل».
في هذا السياق، يمكن التأكيد على ضعف النظام السياسي الفلسطيني، وغياب الإرادة السياسية لإعادة بنائه على أسس جامعة وطنياً وبعلاقات ديمقراطية حقاً، ووفق توجهات سياسية كفاحية بديلة لمسار أوسلو، الأمر الذي تأكد بشكل واضح عندما ألغت الرسمية الفلسطينية الدعوة للانتخابات التشريعية في 29/4/2021، بذريعة أن حكومة الاحتلال ترفض إجراءها في القدس، رغم توفر أكثر من صيغة لحل وطني لإجراء الانتخابات، يتجاوز عملياً العقبات التي يضعها الاحتلال أمامها.
■ بعد 9 شهور على قرار إلغاء الانتخابات العامة، إنعقدت الدورة 31 للمجلس المركزي الفلسطيني في 6/2/2022، لكنها لم تنجح في استئناف عملية تجاوز الانقسام، وقد سبقتها نقاشات على الملأ، قدمت خلالها الجبهة الديمقراطية في 16/1/2022 مبادرة – ما زالت محافظة على راهنيتها بآلياتها المُحكمة - لإنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة الداخلية.
ومع أن مبادرة الجبهة الديمقراطية لم تُفلح – بشكل مباشر - في لم الشمل الفلسطيني، الأمر الذي كانت تتوقعه أصلاً، إلا أن مشاركتها في دورة المجلس المركزي، نجحت – بأقله – في تأكيد مخرجاته على تجديد الالتزام بقرارات الدورة 23 للمجلس الوطني، بفك الارتباط عن «إتفاق أوسلو»، وضبط إنتظام إجتماعات المجلس المركزي (دورة كل 3 أشهر)، وكذلك اللجنة التنفيذية. غير أن هذا كله لم يجد طريقه إلى الحياة، فلم تنتظم إجتماعات المجلس المركزي، ومازالت اللجنة التنفيذية تعيش حالة من التهميش.
■ إنكفأت السلطة على نفسها، وعاشت حالة من إنعدام المبادرة سياسياً؛ وبالمقابل حاولت العمل – ما أمكن - لتلبية الإستحقاقات، التي تُفرض عليها جرّاء إحتدام الصراع بين المقاومة بأشكالها، وبين جيش الإحتلال وميليشيات المستوطنين، آخرها تمثل باستعادة آليات أوسلو في التنسيق الأمني المحدثة في إطار تفاهمات «العقبة/ شرم الشيخ»- 26/2 و19/3/2023، لمواجهة الضغوط الإسرائيلية التي تزايدت، بعد أن فشلت في مواجهة حالة من النهوض الجماهيري الملموس في الضفة الغربية، تمثل في اتساع ظاهرة العمل المسلح إنطلاقاً من المخيمات بشكل خاص، قابل ذلك على الصعيد الإسرائيلي تصعيد، برفع وتيرة الإقتحامات العسكرية، رافقها شن حملة إعتقالات واسعة وغير مسبوقة، وبتعاظم هجمات المستوطنين وتعدياتهم، ما نجم عنه حالة من عدم الاستقرار، تسببت بحالة من القلق السياسي لدى أوساط واسعة، وبخاصة لدى واشنطن، التي تدرك تماماً تداعيات الحالة الفلسطينية، على أوضاع المنطقة بأسرها، لجهة تعميم حال عدم الاستقرار على شعوبها.
■ في ذروة إحتدام المواجهة بين المقاومة بكل أشكالها، وبين قوات الاحتلال وميليشيات مستوطنيه، تمت الدعوة لاجتماع الأمناء العامين في العلمين- 30/7/2023. لم يخرج هذا الاجتماع بنتيجة تذكر سوى تشكيل لجنة متابعة لغرض البحث بأسلوب تجاوز الإنقسام واستعادة الوحدة الداخلية، غير أن هذه اللجنة لم ترَ النور بسبب الإختلاف على أسس تشكيلها، ما جعل مخرجات لقاء العلمين تساوي صفراً، وجعل الحالة الفلسطينية تواجه بهذا الوضع المنقسم المحطة المفصلية الكبرى التي مثلتها الحرب، التي فجرتها عملية «طوفان الأقصى» في 7/10/2023، والتي وضعت الإقليم بأسره، وليس الوضع الفلسطيني وحده، أمام أوضاع وتحديات غير مسبوقة■
الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية
■ شكل الإنقسام على مدى 17 عاماً، جرحاً نازفاً، ألحق أضراراً فادحة بالأوضاع الفلسطينية، وفَوَّت على المسيرة الوطنية العديد من الفرص، التي كان يمكن أن توفر لها دعماً وإسناداً، وأن تشكل عنصراً يدفع بالمسيرة خطوات كبرى إلى الأمام، على غرار الفرصة الضائعة في أعقاب معركة «القدس/سيف القدس»– 13/4 إلى 21/5/2021.
وكان من المتوقع أن تشكل حكومة اليمين واليمين العنصري الفاشي الإسرائيلية، فرصة وحافزاً للحالة الفلسطينية للعمل الجاد من أجل تجاوز الإنقسام، ومن أجل الجلوس إلى طاولة الحوار للتوافق على استراتيجية كفاحية تتصدى لمشروع حكومة نتنياهو، القائم على الضم والترحيل، تحت شعار «أرض إسرائيل (فلسطين التاريخية) هي ملك للشعب اليهودي حصراً»، غير أن شيئاً من هذا لم يحصل فلسطينياً.
■ شكلت عملية «طوفان الأقصى» وما تلاها من عدوان إسرائيلي همجي، محطة إنعطافية في تاريخ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، لا تقل تأثيراً عن محطات كانت لها تداعياتها وبصماتها الاستراتيجية على الحالة الفلسطينية، فإذا كانت حرب حزيران (يونيو) 1967 العدوانية، قد قرعت أجراس تكريس خيار المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، وحرب تشرين (أكتوبر) 1973 قد أظهرت إلى حد بعيد، توفر شروط «إزالة آثار العدوان» على الجبهات العربية، والتقدم نحو تحقيق «البرنامج المرحلي» فلسطينياً، فإن حرب تشرين (أكتوبر) 2023 وضعت مجمل الحالة الفلسطينية على بساط البحث الجدي، خاصة وأن رد الفعل الإسرائيلي والأميركي رفع سقف التحدي في المواجهة مع الشعب الفلسطيني إلى حده الأقصى، بوجهة حسم الصراع، وشطب القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، وهذا ما يفسر – كما سبقت الإشارة في المقطع السابق - إسراع الجانبين الأميركي والإسرائيلي إلى طرح مسألة «اليوم التالي» لغزة، في الأيام الأولى للقتال، ومن المؤسف أن بعض الأوساط المتنفذة في السلطة قد تساوقت مع هذا الطرح، بطموح حجز مقعد لها في قطار التسوية الذي – إفترضت واهمة – أنه سينطلق في «اليوم التالي».
■ أكثر من نصف عام من القتال والصمود، ليس في غزة وحدها، بل وكذلك في الضفة الغربية، والقدس، وعشرات آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين، وآلاف الأسرى الجدد في زنازين الاحتلال ...، كل هذا لم ينجح في دفع الرسمية الفلسطينية لضرورة الدعوة إلى الحوار الشامل للإتفاق على استراتيجية إدارة معركة الحسم، التي افتتحتها حكومة الفاشية الإسرائيلية ضد شعبنا، وبقيت المواقف الغالبة تدور في فلك المناورات، والمناورات المضادة، دون أن يُقْدِمْ أي من قيادتي حركتي فتح وحماس على كسر الحاجز، وتَحَمُّلْ مسؤوليته التاريخية بالتقدم إلى الخطوة الحاسمة نحو الشروع في إنهاء الانقسام، إلى أن حانت فرصة تجديد البحث باستعادة الوحدة الداخلية مع الدعوة الروسية إلى لقاء وطني فلسطيني في موسكو، في 29/2/2024■
الحوار الوطني في موسكو
■ تستمد هذه الدعوة أهميتها كونها تندرج في سياق ما سبق أن أعلنه لاڤروڤ، وزير خارجية روسيا الإتحادية، أن موسكو عازمة على وضع حد للإنفراد الأميركي بقضية الشرق الأوسط، عبر 3 خطوات تنوي إتخاذها: 1- دعوة الفصائل الفلسطينية إلى إستئناف حواراتها في موسكو؛ 2- دعوة اللجنة الوزارية العربية السداسية (مصر + الأردن + السعودية + الإمارات + قطر + فلسطين) إلى اجتماع يعقد في العاصمة الروسية لبحث الوضع في المنطقة؛ 3- العمل على إعادة إحياء اللجنة الرباعية (الأمم المتحدة + الإتحاد الأوروبي + روسيا الإتحادية + الولايات المتحدة) التي أماتتها واشنطن لتنفرد وحدها بالموضوع الشرق أوسطي. ومن ضمن توجهات موسكو أيضاً طرح لاڤروڤ دعوة الرئيس الفلسطيني إلى العاصمة الروسية للتشاور.
■ تشكل مخرجات حوار موسكو، قاعدة مقبولة لمواصلة الحوار نحو خطوات عملية، تقود إلى إنهاء الانقسام، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس جديدة، وفي ظل توازنات جديدة، تملي على نفسها برنامج العمل الوطني، وأشكال المجابهة مع المشروع الصهيوني بنواحيه المختلفة، فضلاً عن إعادة بناء معادلات إقليمية ودولية، تحت وطأة النتائج المتوقعة للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ولعل أهم ما في مخرجات لقاء موسكو، أنه أكد على تنحية كل الدعوات إلى قيادات بديلة أو مؤقتة، أو طارئة، وأجمع بالمقابل على ثوابت الكيانية الفلسطينية بأعمدتها المعروفة: وحدانية التمثيل + الدولة والعودة + الإستناد في كل هذا إلى القرارات الدولية ذات الصلة.
■ يعتبر ما تم تحقيقه في حوار موسكو أساساً للتقدم على طريق تجاوز الإنقسام وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، باستعادة ما تم الإتفاق عليه في حوارات سابقة، أهمها «حوارات القاهرة- 2021»، بتنظيم الانتخابات العامة، وفق نظام التمثيل النسبي الكامل، تشكل بمحصلتها الإطار الجامع لكل مكونات الحالة الفلسطينية، على قواعد الائتلاف الوطني، والشراكة الوطنية.
■ غير أن معاجلة الرسمية الفلسطينية إلى تكليف رئيس جديد لحكومة جديدة إستناداً إلى صلاحيات رئيس السلطة الفلسطينية بحسب القانون الأساسي، لا يمكن إعتبارها سوى أنها خطوة غير منتجة وخارج إطار مخرجات وروحية لقاء موسكو، لم تراعِ الظروف السياسية التي تحيط بقضيتنا الوطنية، فضلاً عن كونها فوتت فرصة لحوار وطني يشكل نقلة في البناء على ما تحقق من مواقف وطنية في اللقاء المذكور، علماً أن الصلاحية المنسوبة لرئيس السلطة تبقى منقوصة في ضوء غياب المجلس التشريعي، المالك وحده لسلطة منح الثقة أو سحبها من الحكومة المشكلة.
■ ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه النكسة التي منيت بها مخرجات لقاء موسكو التوافقية، لا يسعنا سوى التأكيد على أن النتائج التي توصل لها لقاء موسكو، تضع مجمل أطراف الحالة الوطنية الفلسطينية، على الأخص حركتي حماس وفتح، أمام واجبات كبرى، وبالتالي فإن صون هذه النتائج، والتأكيد عليها في كل مرة، والثناء عليها في كل خطوة محققة مسألة شديدة الأهمية، الأمر الذي يتطلب التحوط المسبق لأية محاولة لانتهاك ما تم التوصل إليه في لقاء موسكو.
■ التحوط هنا، لا يمكن أن يكون إلا بالتقدم خطوات إلى الأمام، من أجل ترجمة ما تم التوصل إليه من خلال البحث عن آليات وخطط تضع الجميع على عتبة الاستحقاق الكبير (الشروع في إعادة بناء المؤسسات الوطنية على أسس ديمقراطية)، مع الأخذ بالاعتبار، الوضع الاستثنائي في قطاع غزة (مع التأكيد بالمقابل أن الشروع في إعادة بناء النظام السياسي، من شأنه أن يفتح الطريق لمعالجة الوضع في قطاع غزة)، وهذا ما يملي على الرسمية الفلسطينية، تحمل مسؤولياتها، والدعوة إلى حوارات وطنية شاملة، تترافق مع دور إسنادي من موسكو، التي تعهدت بتكرار الدعوة إلى مواصلة الحوار، وكذا الأمر من القاهرة، المكلفة رسمياً من جامعة الدول العربية بإدارة ملف الخلاف الفلسطيني الداخلي■

(4)
النظام السياسي الفلسطيني- 2/2
الآلية المقترحة لإنهاء الإنقسام
■ نؤكد – من جديد - على أن التصور الأكثر نضجاً واكتمالاً لآلية إدراك الوحدة الداخلية وتجاوز الإنقسام، هو ما دعت له الجبهة الديمقراطية في مبادرة 16/1/2022 إلى «أن يصار على طاولة الحوار الوطني الشامل، إلى التوافق على خطة وطنية متكاملة، تترجم إلى خطوات مجدولة زمنياً تنفذ، بما يضمن التوازي والتزامن في التحرك على مسارين متداخلين: مسار ضمان التمثيل الشامل والشراكة الوطنية، في كافة مؤسسات م.ت.ف، ومسار إنهاء الإنقسام في مؤسسات السلطة الفلسطينية تتوج بمرحلة الانتخابات التشريعية والرئاسية واستكمال تشكيل المجلس الوطني». وفي هذا الإطار تعتمد الآلية التالية:
1- الدعوة إلى دورة خاصة للمجلس المركزي لـ م.ت.ف، تشارك فيها المكونات كافة في الحركة الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك حركتا حماس والجهاد الإسلامي، والطيف الواسع للفعاليات المجتمعية النقابية والمستقلة، بما يعكس المشهد المجتمعي في نواحيه السياسية المختلفة، مع التأكيد على أن المجلس المركزي (وإلى أن يتشكل المجلس الوطني القادم) يتمتع بصلاحية المجلس الوطني بموجب تفويض المجلس له في الدورة 23- 2018.
2- ينتخب المجلس المركزي، وعلى قاعدة الائتلاف الوطني الجامع، وبمشاركة جميع القوى الفاعلة، لجنة تنفيذية وهيئة رئاسة المجلس الوطني الجديدتين، تمارسان صلاحياتهما بموجب نظام عمل المجلس الوطني، وبما يكفل أن تشكل اللجنة التنفيذية، القيادة اليومية للشعب الفلسطيني، وأن تدعو رئاسة المجلس، وبشكل منتظم لدورات المجلس المركزي.
3- على قاعدة الائتلاف الوطني، تتشكل حكومة توافق وطني، تكون معنية بتوفير الشروط الضرورية لإدارة الشأن العام في مناطق السلطة الفلسطينية، من خدمات وغيرها، وعلى قاعدة أن الشأن السياسي هو من صلاحيات اللجنة التنفيذية وحدها، بما يتطلب إعادة النظر بالمناصب الحكومية، منعاً للإزدواجية مع دوائر اللجنة التنفيذية في م.ت.ف.
4- بالتعاون والتنسيق بين اللجنة التنفيذية وحكومة السلطة الفلسطينية، وأخذاً بالاعتبار الظروف المستجدة، تنظم الإنتخابات العامة، بالترابط والتتالي، الرئاسية، وللمجلسين التشريعي والوطني، بنظام التمثيل النسبي الكامل، حيث أمكن، وبتوافقات وطنية حيث يتعذر ذلك.
5- بعد الإنتخابات، تقدم الحكومة إستقالتها ويتم تشكيل حكومة جديدة، تحت رقابة المجلس التشريعي ومساءلته.
6- كذلك تقدم اللجنة التنفيذية إلى المجلس الوطني المنتخب إستقالتها، فيصوغ برنامجاً للمرحلة القادمة، بما يحقق الأهداف الوطنية بتقرير المصير والدولة المستقلة، وحق العودة، كما ينتخب لجنة تنفيذية جديدة، تمارس صلاحياتها وفقاً للنظام الداخلي لـ م.ت.ف■
إستدراكان ضروريان
1- إن مثل هذه الآلية الواقعية، والتي من شأنها أن تكرس دور وموقع المؤسسة الوطنية، إطاراً لإنهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الداخلية، تعزيزاً للوحدة الوطنية، يتطلب بالضرورة إطلاق حوارات وطنية ذات مغزى، تقوم على توفر الإرادة في تجاوز الحالة الراهنة، خاصة في ظل الحرب الإسرائيلية – الأميركية الشرسة، على شعبنا وحقوقه الوطنية، وأن تجربة حوار موسكو- 1/3/2024 تشكل نموذجاً لما يمكن التوافق عليه وطنياً عبر الحوار، في حال توفرت الإرادة والقناعة بضرورة الحل.
2- إن المعيار الرئيس لمثل هذه الآلية، هو ما يستخلص من تجارب حركات التحرر الوطني في العالم، والقائمة على اعتبار الوحدة الوطنية والتوافق الوطني، هما الأساس في تنظيم الصفوف لتحقيق أهداف النضال، والتوافق هنا، يعني الاتفاق على القواسم المشتركة، واستكمال الحوار لمعالجة التباين في وجهات النظر، بديلاً لأي إنقسام لا يعود على مصالح شعبنا بالفائدة، وبالتالي فإن التمثيل في المجلس المركزي، وهو الخطوة الانتقالية نحو إعتماد الديمقراطية أساساً لبناء المؤسسة، يجري على قاعدة شمول التمثيل السياسي، بأقصى ما يمكن من إنصاف، وبالتالي فهو ليس عددياً، خاصة إذا أخذنا بالاعتبار أن قراراته لا تؤخذ إلا بالتوافق، إنسجاماً مع ما نفترض أنه يستجيب للمصلحة الوطنية، في الظرف الدقيق الذي تجتازه حالياً الحركة الوطنية.
وأخيراً، إن مثل هذه الآلية، من داخل المؤسسة، من شأنها أن تقطع الطريق على أية إقتراحات لتشكيل هيئات موازية أو بديلة للمؤسسة الوطنية، فضلاً عن كونها تعزز الموقع التمثيلي والسياسي والمركز القانوني لـ م.ت.ف■
الإنتخابات .. حق للشعب والمواطن
■ عدا عن كون الإنتخابات، هي المدخل الديمقراطي، لإعادة بناء النظام السياسي ومؤسساته، المعطلة أو المنحلة، وتكريساً لسلطة القانون، بديلاً للتسلط الفردي أو الفئوي، فإن الإقتراع هو أيضاً حق ثابت، جماعي وفردي، لعموم أبناء الشعب الفلسطيني، دون أي تمييز يخالف مبدأ المساواة التامة في المواطنة، والتي يكفلها القانون، والتزام السلطة بالمواثيق والأعراف الدولية. ويعتبر تعطيل الإنتخابات، تحت أي مبرر كان، هو تجريد المواطن الفلسطيني، وتجريد الشعب الفلسطيني من حقه في اختيار ممثليه ومندوبيه في المؤسسات التشريعية في السلطة، كما في م.ت.ف، وتكريساً، بالمقابل لسياسة التفرد والإستفراد، وإحلال الفرد، أو الهيئات المفبركة، بديلاً للمؤسسة الشرعية القائمة على الإنتخابات وفقاً للقانون.
■ في هذا السياق، يحق لأي مواطن أو جماعة، أن تسائل السلطة القائمة بالحكم، عن مخالفتها للقانون، بتنظيم الإنتخابات الدورية في مواعيدها، وبموجب القوانين المرعية، بما في ذلك في المؤسسات النقابية وسائر المؤسسات المجتمعية، كالجمعيات الأهلية وغيرها. ولا يلغي هذا الحق، أو يضعفه، الإدعاء بوجود الإحتلال وعرقلته للإنتخابات، على غرار ذريعة تعطيل الإنتخابات في العام 2021، فثمة أساليب توافقية وطنية يمكن الوصول إليها، لتجاوز عراقيل الإحتلال (التي من الطبيعي أن تكون موجودة) واجتراح أساليب وحلول، تضمن للجماعة والأفراد حقها الديمقراطي في تشكيل هيئاتها، واختيار ممثليها ومندوبيها إلى المؤسسات الوطنية.
إن تعميق الديمقراطية يتطلب مواصلة النضال، من أجل تعديل سن حق الترشيح والإقتراع في القانون، بما يضمن إفساح المجال لأوسع مشاركة من مختلف فئات الشباب، باعتبارهم من الفئات الحيوية الناهضة، والتي يفترض تزويدها بالخبرة والممارسة لتمكينها من تولي مسؤولياتها المستقبلية، على قاعدة توارث الأجيال للمسؤوليات الوطنية السياسية والحزبية والأهلية والمجتمعية بشكل عام■
«الإصلاح»: سلطة مستتبعة في إطار الحكم الذاتي،
أم حركة تحرر وطني ترتاد آفاق الإستقلال الناجز
■ في 18/11/2023، دعا الرئيس الأميركي جو بايدن إلى «تجديد» السلطة الفلسطينية لتكون على مستوى الاستحقاق السياسي القادم في «اليوم التالي» للحرب على غزة، كما تتصوره الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو. وفي ضوء هذه الدعوة، بدأت القيادة السياسية في السلطة الفلسطينية تتحدث عن الإصلاح في ميادين الإدارة، والقضاء، والأمن، والصحة، والتربية، والمالية، والاقتصاد، وغيرها من مجالات إهتمامات وواجبات أية سلطة عادية في بلد مستقل، بل ذهب رئيس حكومة السلطة نفسه إلى التأكيد أن برنامج «الإصلاح» كان على جدول أعمال السلطة وحكومتها، لولا التعطيل الذي تعرضت له من قبل سلطات الاحتلال، دون أن يوضح هل توقفت سلطات الاحتلال عن التعطيل.
■ الدعوة لـ«التجديد» كما فسرتها الدوائر الأميركية في تصريحات مسؤوليها، تشمل تعيين رئيس جديد للحكومة، تتوسع صلاحياته على حساب صلاحيات رئيس السلطة نفسه، بحيث تصبح رئاسة الحكومة هي المركز الأهم لتجميع الصلاحيات في إدارة شئون السلطة. ولم تخفِ الولايات المتحدة في دعوتها لـ«التجديد»، أن الهدف من ذلك هو «تأهيل» السلطة لتكون قادرة على تولي إدارة قطاع غزة، بعد وقف الحرب، في إشارة واضحة المعالم إلى أن السلطة في موقعها الحالي، تشكو الضعف والهشاشة ويغزوها الفساد، فضلاً عن عدم تصدي أجهزتها الأمنية، أو بعض أوساطها بأقله، لأعمال المقاومة بأشكالها.
إن المطلوب من السلطة، أي من حكومتها في المرحلة القادمة، أن تكون على مستوى المسؤولية(!) في «نزع سلاح المقاومة» في قطاع غزة، وفرض سيطرتها وضمان أمن إسرائيل، وبحيث لا تتكرر مرة أخرى أحداث مشابهة لـ«طوفان الأقصى»، أو ما هو أقل منها، ما يتطلب بدوره «تحييد» حماس، أي القضاء على بنيتها الإجمالية، العسكرية والمدنية، وحظر نشاطها في القطاع. كما المطلوب من هذه الحكومة - من بين أمور أخرى - أن تُجري تغييراً جذرياً على المناهج التربوية، لجهة التخلي عن الرواية الوطنية الفلسطينية؛ واعتماد آلية أخرى لصرف مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء، تنزع عنها مغزاها الوطني لصالح إلصاق صفة أخرى بها ذات طابع إجتماعي محايد، وأن تتعهد بعدم إلتماس عضوية الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة، الخ..
■ ليست هي المرة الأولى التي تدعو فيها الولايات المتحدة إلى «إصلاح السلطة» وإلى «تجديدها»، لتكون على مستوى المسؤوليات السياسية التي من أجلها تم إنشاؤها، أي – باختصار - الوفاء باستحقاقات أوسلو، وما تشهده هذه الاستحقاقات من تطورات في ضوء الأحداث المتلاحقة.
ففي العام 2002، وفي أجواء إجتياح قوات الاحتلال للضفة الغربية، أثناء عملية «الجدار الواقي»، دعت الإدارة الأميركية برئاسة بوش الابن إلى «تجديد» القيادة الفلسطينية لفتح الأفق أمام الوعد الأميركي الضبابي لـ«حل الدولتين». وفُسِّر «التجديد والإصلاح»، وفقاً للشروط الأميركية، باعتباره يقود إلى نزع صلاحيات رئيس السلطة، لا سيّما في الجانب الأمني، لصالح استحداث منصب رئيس الحكومة، يتمتع بمعظم صلاحيات رئيس السلطة، الأمنية والمالية والسياسية وحتى القضائية.. وتحت التهديد برفع الغطاء السياسي عن مؤسسة رئاسة السلطة الفلسطينية، أميركياً وأوروبياً، وفي أجواء شديدة التعقيد، سادها التوتر الداخلي على الصعيد الفلسطيني، جرى تعديل القانون الأساسي للسلطة، وأجرى المجلس التشريعي في أجواء شديدة الإرتباك، إعادة توزيع الصلاحيات بين مؤسسة الرئاسة ومؤسسة الحكومة■
الإصلاح بطلب وطني ... لكن
■ إن ما تطرحه الولايات المتحدة من «إصلاح» و«تجديد» للسلطة الفلسطينية، يستهدف في حقيقة الأمر، إعادة بناء سلطة أكثر طواعية، وأكثر إستعداداً للرضوخ للضغوط الأميركية – الإسرائيلية، واستجابة لشروط التسوية الهابطة، تحت شعار براق يتدثر بمكذبة «حل الدولتين»، وبما يتجاوز المسائل الجوهرية لمعايير الإستقلال والسيادة الوطنية، ويبقي السلطة – مهما كانت تسميتها - تحت الهيمنة الإسرائيلية، كما يشترط نتنياهو في تصريحاته المكررة.
أما مشروع «الإصلاح» أو «التجديد» الذي تدعو له الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وصف عريض من القوى على مختلف إتجاهاتها في الحركة الوطنية الفلسطينية، فهو «الإصلاح» المعني بإعادة صياغة مجمل أوضاع السلطة الفلسطينية لتحريرها من قيود أوسلو، تطويراً لدورها في خدمة صمود المجتمع، وتطبيق مسار إصلاح أمور المؤسسة الوطنية، باعتبارها حركة تحرر وطني لشعب تحت الاحتلال، تلتزم مباديء الائتلاف الوطني، والشراكة الوطنية في صياغة القرار، ونبذ الانقسامات، ولفظ الصراعات السلطوية، والإبتعاد عن سياسة التفرد والاستفراد بالقرار، أو الهيمنة على المؤسسات الوطنية، واعتماد الديمقراطية أساساً لبناء هذه المؤسسات عبر الانتخابات الحرة، والنزيهة والشفافة، والملزمة بنتائجها للجميع.
■ إن المدخل للإصلاح الديمقراطي للمؤسسة الوطنية بكل أذرعها يكون عبر الحوار الوطني الشامل، الملزم بنتائجه ومخرجاته للجميع، وبما يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات الوطنية، وفق القواعد التالية:
1- م.ت.ف، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، الأمر الذي يتطلب أن تكون الإطار الجامع لكل القوى السياسية الفلسطينية، فصائل وأحزاباً وتيارات مستقلة، عبر إعادة بناء مؤسساتها، خاصة مجلسها الوطني، بالانتخابات الديمقراطية وفق التمثيل النسبي الكامل، تنبثق عنه لجنة تنفيذية جامعة للكل الفلسطيني، وتشكل عملياً القيادة اليومية للشعب الفلسطيني، بكل فئاته، والمرجعية السياسية العليا للسلطة الفلسطينية.
2- التأكيد على البرنامج الوطني بأهدافه، التي تكفل للشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة، كما تكفلها قرارات الشرعية الفلسطينية، والشرعية الدولية، في تقرير المصير، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، كاملة السيادة وعاصمتها القدس، على حدود 4 حزيران (يونيو) 67، وحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194، الذي يكفل لهم حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948 .
3- إعتماد استراتيجية كفاحية موحدة، في مقاومة الاحتلال في الميدان، عبر كل أشكال المقاومة، وفي المحافل الدولية، بما في ذلك الحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وتوفير الحماية الدولية لشعبنا في مواجهة الاحتلال والاستيطان.
4- تشكيل حكومة وحدة وطنية، تكون معنية وفقاً لبرامج متوافق عليها، بتوفير مقومات الصمود للشعب الفلسطيني في مقاومته للاحتلال، حتى إنجاز الحقوق الوطنية.
5- السعي لعقد مؤتمر دولي، تحت رعاية الأمم المتحدة، وبموجب قراراتها ذات الصلة، وبجدول أعمال ملزم بنتائجه، وبسقف زمني محدد، يكفل للشعب الفلسطيني الخلاص من الاحتلال والاستيطان، والظفر بحقوقه الوطنية المشروعة كاملة وغير منقوصة■
(5)
قضية اللاجئين
وكالة الغوث + حق العودة
إسقاط حق العودة عبر تجفيف موازنة وكالة الغوث
■ منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض- 2017، وضعت قضية اللاجئين الفلسطينيين على بساط البحث، في إطار شروط الإدارة الأميركية الجديدة للتسوية، المسماة «صفقة القرن». لقد أدركت إدارة ترامب، كما أدركت سابقاتها، أن حق العودة إلى الديار والممتلكات، من شأنه أن يمس عميقاً بتعريف دولة إسرائيل لنفسها كـ «دولة يهودية» (وهو تعريف يفتقد أصلاً إلى شرطه الموضوعي بالتكوين السكاني القائم، ما يقود حكماً إلى دولة أبارتهايد)، إذن دولة، لليهود فيها حصراً حق تقرير المصير على أرض فلسطين التاريخية، الأمر الذي يتصادم مع الرؤية الفلسطينية، لا سيما إذا أخذنا بالإعتبار أن حق العودة يندرج في سياق المشروع الوطني الفلسطيني، صلة الوصل ما بين البرنامج المرحلي وبين البرنامج الاستراتيجي للحل الديمقراطي الجذري الناجز للمسألة الفلسطينية، وقيام الدولة الديمقراطية الموحدة على كامل التراب الوطني، كما يدعو لذلك البرنامج السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
■ وبعيداً عن المؤسسات الدولية، وخاصة الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس أمنها، حيث لا إمكانية للمس بالقرار194 الذي يكفل حق العودة، وبالقرار 302 المنشيء لوكالة الغوث، باعتبارهما قرارين مرتبطين عضوياً بالقرار 181، المستند القانوني – بمنطوق الجمعية العامة للأمم المتحدة - لقيام دولة إسرائيل؛ بمعزل عن كل هذا، لجأت إدارة ترامب إلى سلسلة من المناورات والسياسات الالتفافية، لتحقيق أهدافها في إسقاط قضية اللاجئين وشطب حق العودة، من خلال خطوتين رئيسيتين، دعت الأولى إلى إعادة تعريف اللاجيء الفلسطيني، ليقتصر على مواليد ما قبل النكبة، أي ما يؤدي عملياً إلى إنكار وجود اللاجئين؛ ودعت الثانية إلى فرض حصار مالي على وكالة الغوث، عبر وقف تمويلها، والضغط على دول أخرى، ككندا، لتحذو حذوها، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تجفيف موارد الأونروا، وشل برامجها، وصولاً إلى تصفيتها بالأمر الواقع كمؤسسة خدمية، تجسد مكانة قانونية وسياسية، ونقل خدماتها إلى الدول المضيفة، بكل ما في ذلك من إضعاف لحيثية حق العودة، وتمهيداً للحل التصفوي لهذا الحق على قاعدة بديلي التوطين أو التهجير، الذي – بدوره - يعني توطيناً في بلد آخر.
■ بصعوبات جمة، وبتراجع ملموس في مستوى الأداء، إستمرت وكالة الغوث رغم كل شيء في تقديماتها، وواصلت حركة اللاجئين تصديها لمحاولات شطب حق العودة وفي الدفاع عن وكالة الغوث، وصونها لإدامة خدماتها، باعتبارها من أهم المفاتيح للدفاع عن حق العودة. لم تتغير السياسة الأميركية كثيراً بعد مجيء إدارة بايدن - 2021، فقد بقي شطب وكالة الغوث، أحد أهداف المشروع الأميركي للتسوية؛ وإذا كانت إدارة بايدن قد استأنفت تمويلها لوكالة الغوث، إلا أن هذا التمويل وضعت له إشتراطات، أولا عبر إتفاق الاطار الموقع مع الاونروا في آب (أغسطس) 2021، وثانيا من قبل اللجان المتخصصة في الكونغرس، ومن شأن تطبيق هذه الإشتراطات أن يؤدي إلى إعادة صياغة الأسس السياسية التي قامت عليها الوكالة، وبما يتساوق مع فصل وظيفتها الخدمية الاجتماعية، الصحية، التربوية، الخ ... عن أي مظهر من مظاهر صون الرواية الوطنية، والعلاقة مع إحدى مكونات الحركة الوطنية، أو الانتساب إليها والعمل في إطارها■
حق العودة في صميم المشروع الوطني
■ بعد إندلاع «طوفان الأقصى»، خطت إدارة بايدن خطوة ذات مضمون استراتيجي شديد السلبية، حين تساوقت مع الإدعاءات الإسرائيلية عن مشاركة موظفين في وكالة الغوث في أعمال «الطوفان»، فقادت حملة عالمية لتجفيف مصادر تمويل وكالة الغوث، التي ستقف أمام وضع شديد التعقيد، إذا ما استمرت عديد الدول في حجب تمويلها عنها؛ ومن الطبيعي أن يتم الربط بين الإدعاء الإسرائيلي، وبين سرعة إستجابة الولايات المتحدة لهذا الإدعاء، ومعها الدول الحليفة للولايات المتحدة – في الغرب الإمبريالي خاصة - لوقف مساهمتها في التمويل.
■ كما من الطبيعي أن يُنظر إلى كل هذا التطور، باعتباره يندرج في المقدمات السياسية الضرورية، من أجل شق الطريق أمام المشروع الأميركي – الإسرائيلي التصفوي لقضيتنا الوطنية، الذي يأتي في سياقه إستبعاد قضية اللاجئين، وإعادة «تأهيل السلطة الفلسطينية» أو «تجديدها» وفقاً للشروط الأميركية، وإعادة رسم الخارطة السياسية للإقليم، بتعميم التطبيع العربي – الإسرائيلي، لدمج إسرائيل في المنطقة، وإعادة صياغة المعادلات الإقليمية، على قاعدة التحالفات العربية – الإسرائيلية في إطار عملية «التطبيع» المذكورة. لقد باتت – بحق - قضية اللاجئين، وإدامة عمل الأونروا، في صميم الصراع المتصاعد حول الحقوق الوطنية لشعبنا التي تؤكد الوقائع يوماً بعد يوم أبعادها الإقليمية■
«شيطنة» الأونروا: الهدف الإسرائيلي الدائم
■ لم تكن مواقف نتنياهو - منتصف 2017 - بالدعوة الصريحة إلى إنهاء وكالة الغوث، لأنها وكالة تؤبد مشكلة اللاجئين وتديم مطلب حق العودة، لا بل تزيده رسوخاً في واقع الحال، إلا بداية لمشروع أميركي - إسرائيلي أعلن عن نفسه بشكل صريح بإجراءات أميركية وغربية مباشرة، وسُخرت له إمكانات ضخمة، سواء من خلال البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية، أو عبر منظمات ومراكز أبحاث، أخذت على عاتقها مهمة «شيطنة» الأونروا والتحريض عليها أمام الدول المانحة، فاستجاب بعضها وخفّض مساهمته في موازنتها.
■ ولما كان ضرب وكالة الغوث – كما جرت الإشارة - عبر إلغاء قرار تأسيسها – القرار 302 المعطوف على القرارين181 و 194 - صعباً جداً في هذه المرحلة، فقد لجأت إسرائيل، وبدعم مباشر من الولايات المتحدة، إلى استراتيجية إفراغ الوكالة من داخلها، وبدأت باستهداف موظفي الأونروا الكبار، لتنتقل إلى منشآت الأونروا، ثم إلى مدارسها ومناهج التعليم فيها. لكن، وبعد أن تَبَيَّن أيضاً صعوبة الأمر، خاصة عندما دحضت وكالة الغوث الاتهامات بشأن مناهجها التربوية، جرى وضع الموظفين في مرمى النار الإسرائيلية ... أي أن جميع مكونات الوكالة باتت موضع إستهداف إسرائيلي، وهذا ما يفسر إنتقال حملات التحريض من عنوان إلى آخر، طبقاً لمقتضيات الهجمة واتجاهاتها وأهدافها الآنية، بما فيها الحملة الاخيرة على الأونروا ...
وتتعدد أشكال الاستهداف لتمتد إلى كل تفصيل يتعلق بالوكالة، سواء على مستوى البرامج والسياسات، أو على مستوى الموظفين والمنشآت. وقد بات التحريض يحتل موقعاً متقدماً في السياسة الإسرائيلية، حتى وإن كان مضللاً ويفتقر إلى المصداقية، لكن الرسالة هي بجعل هذه المنظمة الدولية موضع تشكيك دائم، لإضعاف الثقة الدولية بدورها، تمهيداً لنزع مكانتها السياسية، والأهم مركزها القانوني الذي يتأسس عليه حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين■
تمويل الأونروا: الأزمة المستدامة
■ لقد نجحت إسرائيل في اختراق مواقف العديد من الدول المانحة، التي تراوحت بين الحفاظ على وتيرة دعمها أو تقليصه إلى حدوده الدنيا. وفي متابعة مسار الموازنة العامة، يلاحظ أن حركتها بالإتجاه العام، كانت إما ثباتاً أو إنخفاضاً، وهذا ما يؤكده مسؤولو الوكالة بأن الموازنة لم تتغير منذ سنوات، ولم تواكب لا احتياجات اللاجئين ولا الزيادة السكانية، وأن موازنة الأونروا لا يتم إعدادها إستناداً إلى الاحتياجات الفعلية للاجئين، بل وفقاً لتقديرات تراعي واقع الأزمة المالية، أو ما يمكن الوصول إليه من تبرعات. وهذا ما تؤكده أرقام الموازنة خلال الأعوام الثلاثة الماضية (باستثناء موازنات المشاريع والطواريء)، التي ظلت تتأرجح بين 800 مليون دولار و820 مليون دولار. لكن رغم ثبات الموازنة، إلا أن الدول المانحة لم تفِ بالتزاماتها، وعادت الموازنة ووقعت في عجز سنوي من شأنه أن ينعكس على موازنة الاعوام القادمة.
■ لقد بات مؤكداً أن هناك حربا تشن على وكالة الغوث في إطار استهداف القرار 194 وحق اللاجئين بالعودة، وأن استجابة دول عديدة، غربية وأطلسية، لدعوة إسرائيل بقطع التمويل عن وكالة الغوث، بذريعة مشاركة عدد من موظفيها في عملية «طوفان الأقصى»، التي وإن كانت تعتبر عقاباً جماعياً بخلفية توجيه «تهمة»(!) لم تتأكد صحتها، فهي تشكل إمتداداً لسياسة الإبتزاز المالي والسياسي من قبل البعض، وهذا ما حدث حين استأنفت بعض الدول دعمها المالي بشكل مشروط، والتوقيع مع الأونروا على اتفاقات ثنائية، من شأنها أن تجعل الأونروا أسيراً لشروط الدول المانحة، التي تسعى إلى التدخل في رسم إستراتيجيات الأونروا، وإعطاء نفسها الحق في وقف التمويل، إن هي اعتقدت أن الأونروا، أو أي من مكوناتها قد أخَلَّت بشروط الاتفاق■
من الأزمة المستدامة إلى التمويل المستدام
■ إذ نؤكد التمسك بوكالة الغوث، وبمكانتها السياسية والقانونية، كواحدة من المكانات الرئيسية التي يتأسس عليها حق العودة، ودعوة جميع أعضاء الأمم المتحدة والدول المانحة إلى عدم تسييس التمويل، وتسخيره خدمة لما يسعى إليه محور واشنطن – تل أبيب؛ وبالتالي، ترجمة موقعية الدور الذي تضطلع به الوكالة بالإفراج عن التمويل الذي يوفر لها الحرية في رسم سياساتها وإستراتيجياتها، وخدمة للوظائف الحيوية التي استحدثت من أجل الوفاء بها، فإننا ندعو إلى التالي:
أولاً- زيادة التمويل من قبل المانحين التقليديين، وتوسيع قاعدة المانحين بعيدا عن أي تدخل خارجي، والدفع باتجاه تكريس صيغة «التمويل المستدام» بهدف إستقراراً مالياً مالي يضمن إعداد موازنة واضحة، سواء بتوفير التمويل لعامين أو أكثر، أو بتفعيل الاتفاقات الثنائية مع بعض الدول وتخصيص جزءاً من موازنة الامم المتحدة لدعم موازنة الأونروا، إستناداً إلى تقرير الامين العام للأمم المتحدة في بداية 2017، وجرى إجهاضه من قبل المندوبين الأميركي والإسرائيلي في الأمم المتحدة.
ثانياً- العمل على توسيع برنامج الطواريء، لتوفير الإحتياجات تلبية لمطالب كافة التجمعات، خاصة في سوريا ولبنان؛ والمساهمة في إطلاق برنامجاً دولياً تستجيب لمتطلبات مواجهة الكارثة الإنسانية، التي لحقت بقطاع غزة على حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، وتوفير التمويل اللازم لخطط طواريء شاملة ومستدامة، تستجيب للاحتياجات المتزايدة للاجئين، سواء تلك الناتجة عن العدوان الإسرائيلي أو تداعيات الأزمتين اللبنانية والسورية.
ثالثاً- رفض ومواجهة أي مشروع يسعى لنقل خدمات الوكالة الى منظمات دولية أخرى، سواء تحت شعار الأزمة المالية، أو إستجابة للموقف الإسرائيلي، وعدم السماح لإسرائيل، ومن معها، بتحقيق ما عجزوا عنه في السنوات التي تلت النكبة- 1948 وما بعدها، بجعل الأونروا جسراً للتوطين المباشر أو غير المباشر (من خلال التهجير)، وتصفية قضية اللاجئين.
رابعاً- دعوة جميع مكونات الحالة الفلسطينية، الرسمية والشعبية، سواء على مستوى قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، أو على مستوى الفصائل والإتحادات العامة والنقابات المهنية واللجان الشعبية والمؤسسات الاجتماعية والحِراكات المدنية المختلفة، لمواجهة المخاطر التي تتهدد وكالة الغوث، باعتبارها خطراً يهدد القضية الفلسطينية، ليس بأحد مكوناتها فحسب، بل بجميع عناوينها.
خامساً- دعوة الدول العربية المضيفة المعنية إلى صياغة إستراتيجيات عمل سياسية واقتصادية، لدعم اللاجئين في المخيمات، سواء بشكل مباشر عبر اللجان الشعبية والمؤسسات الأهلية العاملة في الوسط الفلسطيني، أو من خلال إقامة مشاريع تنموية، توفر دعماً فعلياً للمجتمع الفلسطيني، خاصة الشباب والطلبة والعمال والنساء، وتوفير المنح الطبية للحالات المستعصية، للعلاج في الدول العربية، خاصة للأمراض المزمنة والصعبة، وتوفير الأدوية، وغير ذلك من أشكال الدعم المطلوبة■
(6)
الوضع الإسرائيلي - 1/2
صراع محموم على السلطة
■ عانى المشهد الحزبي - السياسي الإسرائيلي حالة غير مسبوقة من عدم الاستقرار بفعل أزمة مستحكمة بين مكوناته، عَبَّر عنها عجز الكنيست عن ترسيم حكومة جديدة عقب دورتي إنتخابات متتاليتين لكل من الكنيست الـ21- 9/4/2019، والـ 22- 17/9/2019، بسبب حالة الاستقطاب الحاد التي قَسَّمَت هذا المشهد إلى معسكرين متقابلين يفصلهما الموقف من بقاء بنيامين نتنياهو على رأس السلطة في إسرائيل. وتواصلت الأزمة فصولاً حتى بعد وصول الحكومة الـ 35 برئاسة نتنياهو إثر انتخابات الكنيست الـ 23- 2/3/2020، وهي الانتخابات المبكرة الثالثة على التوالي خلال 23 شهراً.
ومع تفاقم حالة الاستقطاب، وسقوط هذه الحكومة بعد نحو عام بسبب الخلافات بين قطبيها؛ نتنياهو وغانتس، جرت رابع إنتخابات مبكرة للكنيست الـ 24- 3/3/2021، وجاءت هذه المرة بحكومة شكلها المعسكر المناهض لنتنياهو برئاسة نفتالي بينيت، رئيس «البيت اليهودي»، وخلفه يئير لبيد رئيس «يوجد مستقبل»، كرئيس مناوب، بعد سقوطها في الكنيست- 30/6/2022، ليتكرر مسلسل الانتخابات المبكرة في حلقته الخامسة خلال أقل من 4 سنوات(45 شهراً)، عبر انتخابات الكنيست الـ25- 1/11/2022، والتي شكل فيها نتنياهو الحكومة الإسرائيلية الـ 37- 12/2022، على رأس تحالف حكومي هو الأشد يمينية وتطرفاً وعنصرية منذ قيام الكيان الغاصب■

خطاب صهيوني موحد ضد الحقوق الفلسطينية
■ خلال الفترة السابق ذكرها، تباين الخطاب الانتخابي للأطراف الصهيونية المتصارعة من مؤيدي نتنياهو وخصومه مابين الهجوم على/ أو الدفاع عن سياسات الأخير الاقتصادية - الاجتماعية، وموقفه من مؤسسة القضاء، على خلفية ملفه الجنائي، ومواقفه وإجراءاته تجاه القضايا التي تتصل بمفهوم «الدولاتية» ومحددات أساليب الحكم في إسرائيل. وشهدت الجولات الانتخابية المتكررة سجالات علنية حادة جَنَّد فيها كل طرف من يقع تحت تأثيره من خبراء القانون والاقتصاد وباقي الاختصاصات ذات الصلة بمسائل الخلاف.
■ لكن جميع هذه الأطراف إتفقت، بل تسابقت، في خطابها على تمجيد الاستيطان والدفاع عنه وصولاً إلى تبني مشروع الضم الذي أطلقه نتنياهو ودعمته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عبر خطة «صفقة القرن». وباتت الحقوق الوطنية الفلسطينية دريئة مشتركة يطلق عليها كل من أنصار نتنياهو وخصومه ما في جعبتهم من مشاريع تنتقص من هذه الحقوق تمهيداً لشطبها.
ويمكن القول إن الانزياح المضطرد نحو اليمين والتطرف تجاه حقوق الشعب الفلسطيني شق مساره بدرجات متباينة في صفوف الأحزاب الصهيونية منذ عقود، لكنه أخذ مع استفحال الأزمة السياسية - الحزبية في إسرائيل منحى متسارعاً على الصعيدين الحزبي والمجتمعي، وكان إقرار «قانون القومية» في الكنيست- 2018، قد عزز دور التيارات اليمينية والنزعات الفاشية، التي تنظر إلى الوجود العربي الفلسطيني في إسرائيل وفي الضفة والقدس باعتباره «وجوداً فائضاً» ينبغي التخفف منه■
ضم الضفة على طاولة الحكومة العنصرية الفاشية
■ تشكلت في إسرائيل عقب إنتخابات الكنيست الـ25، حكومة يمين صهيوني متشدد وبنزعة فاشية برئاسة نتنياهو وشريكيه العنصريين، بتسلئيل سموتريتش، رئيس حزب «الصهيونية الدينية» المتطرف، وإيتمار بن غڤير، رئيس حزب «قوة يهودية» الأشد تطرفاً. وقد وضعت هذه الحكومة على رأس جدول أعمالها تنفيذ مشروع يتضمن آليات قانونية وخطوات ميدانية لتطبيق خطة أعدها سموتريتش، بعنوان: «خطة الحسم: مفتاح السلام بين النهر والبحر»، وهي خطة تنص على ضم الضفة الغربية بالكامل إلى إسرائيل، وحشر الفلسطينيين في جيوب سكانية تحت سيف ثلاثة خيارات: قبول الخطة والتعايش «بهدوء» مع الاحتلال، أو الهجرة إلى الخارج بتسهيلات مالية وإدارية إسرائيلية. أما الخيار الثالث - لمن يرفض الخيارين السابقين - فهو الملاحقة والتنكيل.
■ وتسعى الحكومة الإسرائيلية من خلال تنفيذ هذا المخطط إلى إلحاق الهزيمة الكاملة بالمشروع الوطني الفلسطيني، ووضع المجتمع الدولي أمام واقع جديد يقطع الطريق على أية محاولة للبحث في حل شامل ومتوازن للصراع القائم بموجب قرارات الشرعية الدولية. وبذلك، لم نعد أمام سياسات إسرائيلية تنتهك قرارات «إتفاق أوسلو»، وتقوم بإجراءات أحادية الجانب فحسب، إن بالاستيطان، أو التهويد، أو «تطفيش» لتجمعات سكانية بعينها..، بل بتنا أمام خطة متكاملة لضم الضفة الغربية عبر إجراءات ميدانية و«قانونية» مهدَّفة.
■ إن ما يؤكد صحة هذا التقدير للسياسات الإسرائيلية، ما شهدناه من قرارات، أولاها، في الضفة الغربية، وتمثل بقرار حكومة العدو- 18/6/2023 ، بإحالة كافة قضايا الاستيطان، إلى سموتريتش بصفته الوزير المعني بشؤون الإستيطان في وزارة الأمن، على قاعدة إختصار محطاتها الإدارية وحصرها بالوزير نفسه، أي منحه كامل الصلاحيات، ودون أي شريك في إدارة عملية الإستيطان، وبما يوفر الأساس المادي لإنجاز مشروع الضم لأراضي الضفة الغربية، ما يعني نهاية مرحلة سياسية، وافتتاح مرحلة جديدة، باتت فيها عملية التطهير العرقي هي العنوان الفعلي والحقيقي والواقعي للسياسة الإسرائيلية في الضفة؛ وثانيها، في مناطق الـ48، ويتمثل بسلسلة القرارات التي توسع دائرة التهويد في النقب، بما فيه مصادرة الأراضي التي تقيم عليها البلدات الفلسطينية؛ كما والقرارات، التي من شأنها أن تسهل بيع أراضي الجليل لليهود (حصراً) في خطة متكاملة للتسريع بتهويده، بما يضعف الوجود الفلسطيني في الجليل، في محاولة لتحويله – داخل مناطق الـ 48 – إلى تجمعات متناثرة، مقطعة الأوصال فيما بينها■
الأحزاب العربية .. من الوحدة إلى التشرذم
■ سبق أن سَنَّ الكنيست الـ19 - 2014 قانوناً، رفع فيه نسبة الحسم في الإنتخابات من 2% إلى 3,25%، باقتراح من رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» أڤيغدور ليبرمان. وكان الهدف الأساس من ذلك، تقليص تمثيل الأحزاب العربية وإقصاؤها – إن أمكن - من الكنيست. وقد ردت الأحزاب العربية على هذا القانون في إنتخابات 2015، بإعلان تحالفها ضمن قائمة واحدة، هي «القائمة المشتركة»، ضمت كلاً من «الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة» + «الجبهة العربية للتغيير» + «الحركة الإسلامية» (الجناح الجنوبي) + «التجمع الوطني الديمقراطي».. وأثمر تشكيلها 13 مقعداً، وباتت القوة البرلمانية الثالثة في الكنيست.
■ لكن هذا المسار الوحدوي تعطل في إنتخابات الكنيست 21 – 4/2019 بعد أن غطت ملفات الخلاف على ضرورات إستمرار التجربة وتطويرها. فخاضت الأحزاب العربية الإنتخابات ضمن قائمتين منفصلتين. فخسرت الأحزاب مجتمعة 3 مقاعد عما حصلت عليه في الإنتخابات السابقة ضمن «المشتركة»، فرست على 10 مقاعد. ثم أعيد تشكيل «القائمة المشتركة» عشية إنتخابات الكنيست الـ 22- 9/2019 والـ 23- 3/2020 المتتاليتين بشكل موحد، وحصدت القائمة 13 و15 مقعداً على التوالي.
لقد بدا أن هذه التجربة تتجه نحو المزيد من الإنجازات، لولا تفاقم التباينات بين أطرافها، ما أدى إلى خوض إنتخابات الكنيست الـ 24- 3/2021 بقائمتين بعد خروج «العربية الموحدة» من «المشتركة». لكن الإنتكاسة الأكبر في مسار الدور الحزبي العربي في إسرائيل تمثلت في انضمام «القائمة العربية الموحدة» إلى الائتلاف الذي شكل الحكومة الـ 36 بقيادة نفتالي بينيت وفق قراءة تقوم على وصم إستراتيجية الأحزاب العربية الأخرى في الكنيست بالإنعزالية والجمود، وفشلها في تقديم الخدمات الواجب تقديمها عبر الحكومة، للبلدات والقرى العربية، وأن الباب إلى ذلك هو الإنخراط في اللعبة السياسية عبر الإنضمام إلى الائتلاف الحكومي، حتى ولو من دون تمثيل وزاري.
■ عشية إنتخابات الكنيست الـ25، إتفقت المكونات الثلاثة لـ «القائمة المشتركة»: «الجبهة الديمقراطية» + «العربية للتغيير» + «التجمع»، على إعادة تشكيل القائمة- 14/9/2022. لكن خلافات تتعلق بتقاطع التصويت في الكنيست مع الكتل البرلمانية اليهودية بالنسبة لقضايا محددة، أدت إلى عدم إكتمال هذه الخطوة. فخاضت «الجبهة الديمقراطية» و«حركة التغيير» الإنتخابات في قائمة، بينما خاضها «التجمع» لوحده في قائمة أخرى، وكذا الأمر بالنسبة لـ «العربية الموحدة»، ما يعني تراجع الأحزاب العربية من حالة التعاون في استقطاب الصوت العربي وعدم تسربه إلى الأحزاب الصهيونية، أو عزوفه عن التصويت أصلاً، إلى حالة معاكسة من التنافس فيما بينها على هذا الصوت، وبنتيجة هذه الانتخابات بقي «التجمع» دون عتبة الحسم في الإنتخابات، فخسرها، وحصلت كل من «الجبهة + التغيير»، و«الموحدة» على 5 مقاعد■
حِراكان على وقع الإنقسام السياسي - الاجتماعي
■ في العام 2023 شهدت إسرائيل حِراكان، تقود أولهما حكومة التحالف اليميني الفاشي مع الأصوليين (الحريديم)، وتهدف إلى إعادة بناء النظام السياسي الإسرائيلي، من بوابة إدخال تعديلات تحد من سلطة القضاء وقدرته على التدخل في صلاحيات الحكومة، وفرض الرقابة القضائية على قوانينها إنطلاقاً من مدى تطابقها مع «قوانين الأساس» التي تضطلع بوظيفة الدستور، غير القائم حتى الآن، كونها – أي «قوانين الأساس» - مازالت تحل مكانه.
هذا التعديل من شأنه – من بين أمور أخرى - أن يُحوِّل دور المراقب القضائي للحكومة إلى مجرد رأي إستشاري، ليس بإمكانه نقض قرارات الحكومة وقوانينها إذا ما تعارضت مع القوانين الأساس للدولة، وهو الأمر الذي يضعف المعارضة، ويجردها من سلاحها الرئيس في الاعتراض على سياسات الحكومة وقوانينها، وأن يجري عملية تعانق بين المؤسسة التشريعية (الكنيست) بأغلبيتها المؤيدة للحكومة، وبين السلطة التنفيذية (الحكومة)، وهو ما يعتبر تقليصاً للطابع الليبرالي – وإن إقتصر على اليهود - للنظام السياسي الإسرائيلي، ويفتح الأبواب للتيارات اليمينية المتشددة، والفاشية والأصولية التوراتية، للهيمنة على النظام، حتى أن بعض المراقبين الإسرائيليين، لم يتردد في التقدير بأن مستقبل النظام في إسرائيل هو لصالح دولة أصولية، تخلع عنها ثوبها العلماني الليبرالي – القائم لليهود وحدهم - الذي مازال متعايشاً مع كونها – بخصوصيتها – دولة أبارتهايد.
■ أما الحِراك الثاني، فهو حِراك المعارضة الإسرائيلية، والتي تجمع تحت جناحيها كافة القوى السياسية المتضررة من هذه التوجهات، وهي تضم قوى اليمين والوسط واليسار الصهيوني، وفعاليات المجتمع المدني والنخب النقابية، وقطاعات واسعة من رجال المال والأعمال، والشركات الاقتصادية، وشرائح واسعة من نخب الدولة العميقة في الجيش والأجهزة الأمنية والمؤسسات القضائية والحقوقية وغيرها، إلتقت معها، وأيدتها دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي وأحزاب أوروبية وفعاليات أميركية، بما في ذلك النخب اليهودية الأميركية الموالية – عادة - للحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة.
■ إن الصراع حول ما يسمى «الإصلاح القضائي» هو في جوهره صراع بين النخبة الإشكنازية النازعة للعلمانية، المسيطرة حتى الآن على «الدولة العميقة»، بما في ذلك القضاء، وعلى الإقتصاد، وبين النخبة الصاعدة من اليهود الشرقيين والحريديم (الأصوليين الأرثوذكس). ولذلك فهو ليس صراعاً أيديولوجياً فحسب (ليبرالية ضد فاشية، وعلمانية ضد أصولية تلمودية)، بل هو أيضاً، وأيضاً، إنعكاس لانقسام إجتماعي أعمق ذي طابع طائفي.
■ هذا هو الظاهر في طبيعة الصراع في إسرائيل بين الحكومة والمعارضة، وتجلياتها في تظاهرات صاخبة في تل أبيب وغير ذلك من المدن. أما الجانب الآخر، الذي لا يتم التعبير عنه بشكل مباشر، فهو الموقف من حقوق الشعب الفلسطيني؛ فالطرفان، الحكومة والمعارضة (ومن بين أركانها الرئيسيين، وبالتالي المقررين: غانتس – حزب «المعسكر القومي»، ولبيد – حزب «هناك مستقبل»، وليبرمان – حزب «إسرائيل بيتنا») متفقان – بالمحصلة - على العناصر الرئيسية للحل: القدس «الموحدة» عاصمة لإسرائيل، رفض حق العودة للاجئين، رفض قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، رفض الاعتراف بالهوية القومية للفلسطينيين في إسرائيل (إسرائيل دولة قومية لليهود حصراً)، رفض الانسحاب من الأراضي المحتلة بعدوان 67، حل إداري لحال المدن الفلسطينية في الضفة تحت السقف السياسي والأمني الإسرائيلي، وملحقة باقتصاد تل أبيب، خطط وسيناريوهات مختلفة للتخفف من الوجود العربي الفلسطيني في «دولة إسرائيل الكبرى» (التشجيع على الهجرة، المضايقات القانونية والاجتماعية لتسهيل خطوات التطهير العرقي، الخ..)■
(7)
الوضع الإسرائيلي – 2/2
طوفان الأقصى ... تداعيات غير مسبوقة
■ إنتقلت إسرائيل مع «طوفان الأقصى» إلى مرحلة، أعادت خلط الأوراق السياسية فيها، فعلى الصعيد السياسي، تراجعت معركة التعديلات القضائية، وعُلِّقت القضية كلها على مشجب الانتظار، إثر صدور قرار من المحكمة العليا بالإبقاء على ذريعة «المعقولية»، (التي تضمن صلاحية المحكمة العليا وقدرتها على التدخل بوقف أو تعديل القوانين والقرارات الصادرة عن الكنيست أو الحكومة)، وذلك بتوافق ضمني بين أطراف الكنيست والحكومة، للتفرغ للحدث المستجد وتداعياته المصيرية؛ كما شهد المسرح السياسي في إسرائيل تطوراً، بتدخل مباشر من واشنطن، حين انسلخ كل من بيني غانتس، وجدعون ساعَر، وغادي أيزنكوت، عن شركائهم في المعارضة، وانضموا إلى حكومة نتنياهو، فأصبحت حكومة طواريء في خطوة أُريد منها طمأنة المجتمع في إسرائيل على تماسك النخبة السياسة الممسكة بزمام القرار، وتشكل في السياق «مجلس للحرب»، ضم كبار النافذين في الحكومة، مستبعداً في الوقت نفسه أقرب الحلفاء لنتنياهو (بن غڤير وسموتريتش)، ثم ما اعتبر في سياق التحليل، مناورة من نتنياهو، يهدف منها تعزيز مكانته الشخصية التي كانت وما زالت مهددة، بالخروج من حلبة السياسة في إسرائيل، إذا ما أُحيل إلى المحاكمة بسبب قضايا الفساد المتهم بها.
تطور آخر بدا واضحاً، حين أصبح مجلس الحرب، مركز القرار في البلاد، على حساب الكابينت (أي الحكومة المصغرة) والحكومة نفسها بكامل هيئتها، وقد تحولت هذه الهيئات إلى مجرد إطار يتلقى قرارات وتوجهات مجلس الحرب، والأخذ بها علناً.
■ وإذا كانت إسرائيل قد حاولت على الصعيد الحكومي أن تبدو محصنة أمام الحدث الكبير، فإنها فشلت في تأكيد ذلك على صعيد الحالة الاقتصادية في البلاد، حيث إفتقدت إلى الحد الأدنى من الضمانات الأمنية، خاصة في الشهرين الأولين للحرب، إضْطُرَت خلالها العديد من الشركات، والصغرى منها خاصة، إلى مغادرة إسرائيل، بحثاً عن ملاذ؛ وتم إستدعاء أكثر من 350 ألف موظف إلى الاحتياط، ما أحدث فراغاً في مسيرة الإنتاج، لا سيما في صناعات التكنولوجيا الشاهقة (الهاي تيك)؛ كذلك غادر البلاد عشرات الآلاف، إما مع شركاتهم، أو هرباً من الحرب.
كما تعطل بدوره، قطاع البناء، حين أغلقت إسرائيل أبوابها أمام العمالة الفلسطينية الوافدة من الضفة الغربية، ما دعا أصحاب شركات البناء إلى الاحتجاج، داعين إلى تجاوز الاعتبارات الأمنية، واستئناف استيراد العمالة الفلسطينية.
■ قطاع آخر بدت على ملامحه علامات التراجع، هو قطاع السياحة، الذي شهد تراجعاً حاداً في عدد القادمين إلى البلاد، فقد تدنى معدل السياح إلى إسرائيل سنوياً من 300 ألف سائح إلى ما لا يتجاوز 50 ألف سائح في شهر 12/2023، بمن فيهم إسرائيليون عائدون إلى البلاد.
هذه الأزمة الاقتصادية الحادة، التي أصابت إسرائيل، أرغمت مصرفها المركزي على تعديل نسبة الفائدة على القروض أكثر من مرة، ما أدى في السياق نفسه إلى هبوط في سعر الشيكل، وتضخم في الأسعار، ودفع الدوائر العالمية إلى إعادة النظر بالموقع الائتماني لإسرائيل على الصعيد العالمي، الذي هبط درجة، وهي المرة الأولى التي يصاب فيها إقتصاد إسرائيل بهذا الاهتزاز والتراجع، ولم تنجح المساعدات المالية الإسعافية الأميركية لإسرائيل في إنقاذ الوضع، وإن كانت في الوقت نفسه قد أوقفت تدهوره■
إنكشاف فاشية الايديولوجيا السائدة وعنصريتها
■ على صعيد الأيديولوجيا الشائعة، أسهمت الحرب في تظهير قدراً واسعاً من طبيعة الوعي السياسي السائد لدى الصف الواسع من القوى السياسية، وأظهرت في الوقت نفسه، حجم الانزياح العنصري لدى الجمهور الإسرائيلي، عَبَّرَ عن نفسه بمواقف شديدة التطرف، كشفت عن عمق تأصل الفكر الفاشي للصهيونية، وأسقطت عن الوجه الإسرائيلي القناع عن العديد من الإدعاءات الكاذبة، والمفاهيم التي رَوَّجَت لها دولة الاحتلال، إن حول «أخلاقية» الجيش الإسرائيلي (!) و«طهارة» سلاحه (!)، وحول احترام إسرائيل للقانون، واعتبارها دولة ديمقراطية.
■ لقد تابع الجمهور الإسرائيلي بإيجابية – وفي كثير من الأحيان بترحاب - المجازر والمذابح وأعمال الإبادة الجماعية ضد سكان القطاع، ولم تصدر عن أية أطراف ذات وزن إحتجاجات على هذا الشكل المتوحش من الحرب، ما خلا بعض الأفراد الذين اعتبروا حالة نشاز للجو العام، وليس تعبيراً عن ظاهرة إجتماعية متأصلة، وهكذا يمكن القول إن الحرب نجحت في الكشف عن حقيقة الفكر الصهيوني، باعتباره فكراً ذي جذور فاشية، ويمكن في هذا السياق أيضاً، إعتباره يعبر عن غياب الثقة بالمشروع الصهيوني، ومستقبله، في ظل دولة لم تستقر أوضاعها منذ لحظة تأسيسها■
تفاقم الخلافات الداخلية
■ برزت في حرب 7 أكتوبر، مظاهر جديدة في الحالة السياسية الإسرائيلية، فرغم وحدة الموقف الإسرائيلي في العداء للشعب الفلسطيني وحقوقه وقضيته، كما والتعبير عنه في أسلوب إدارة الحرب، إلا أن الحالة السياسية الإسرائيلية شهدت للمرة الأولى، وأثناء الحرب، تظاهرات شعبية عارمة، تطالب بإقالة رئيس الوزراء، وحل الحكومة، وتنظيم إنتخابات جديدة. الظاهرة نفسها تكررت على لسان أركان المعارضة السياسية، التي لم تلتحق بحكومة الطواريء (لابيد – ليبرمان ...)، حتى أن بعض رجالات المعارضة لم يتردد في وصف جيش إسرائيل بالجيش الفاشل، الذي امتدت حربه شهوراً، دون أن يحقق نتائج ملموسة ترضي الجمهور الإسرائيلي، خاصة استرداد الأسرى الإسرائيليين.
■ للمرة الأولى، تبرز إلى العلن، وبهذه الدرجة من الوضوح، خلافات أعضاء مجلس الحرب وتصدر عن بعضهم مواقف، بمن في ذلك وزير الدفاع ورئيس الأركان، تتسم بالضبابية وعدم الوضوح في رسم الأهداف، وتشكو من ضعف أداء الاستخبارات الإسرائيلية، في توفير المعلومات الضرورية لتحقيق أهداف الحرب، كما تشكو من خلافات السياسيين، وانعكاس ذلك على تماسك الجيش ومعنوياته، عبَّرت عنها تصريحات كبار الضباط الإسرائيليين في الميدان، ينتقدون فيها ضعف القيادة السياسية، وفشلها في إدارة المعركة والحرب ضد القطاع. ومع استمرار الحرب الدائرة رحاها في قطاع غزة والضفة الغربية، ومع احتمالات تطوراتها اللاحقة، فإن الحالة الداخلية في إسرائيل مرشحة لمزيد من التطور بالمنحى السلبي إياه، خاصة في ظل عمق الخلافات بين أحزاب الكنيست، وبين العلمانيين والمتدينين■
في واقع العلاقة بين جناحي الوطن (67 + 48)
■ لم تنجح خطوط الفصل الجغرافي والسياسي والقانوني، في الفصل بين نضالات شعبنا في مناطق ساحاته المختلفة، خاصة بين الضفة الغربية وأراضي الـ48، حيث يسهل التواصل السياسي والحوار وغيرها من أشكال التفاعل، التي من شأنها أن تُنشيء علاقات كفاحية مؤسسة برنامجياً بين جناحي الوطن.
في «الإنتفاضة الثانية».. 9/2000–2/2005، إستعادت العلاقة بين الضفة الغربية والقطاع وأراضي الـ48 توازنها، بعد ما أصابها إنقلاب أوسلو على البرنامج الوطني، بارتباك شديد، أحدث في عموم الحالة الفلسطينية إنقسامات سياسية، بما في ذلك داخل أراضي الـ 48، حيث بدت الأمور وكأن ثمة إنفصالاً وجداراً عالياً، في الرؤية والمصير، سيفصل بين أبناء الشعب الواحد، وفي مواجهة عدو واحد، ومشروع إستعماري إحلالي عنصري واحد، وإن إختلفت أساليب تطبيقه، ولقد عبّر «داخل الداخل» عن هذا التوازن، والعودة إلى المسار الوطني الواحد، إبّان الإنتفاضة الثانية، تحديداً في المظاهرات التي إندلعت في تشرين الأول (أكتوبر) 2000، حيث استشهد 13 مواطناً فلسطينياً في مناطق الـ48 خرجوا يهتفون للإنتفاضة وللمقاومة في الضفة والقطاع، ويمكن القول أن هذه الواقعة برمزيتها الكبرى، شكلت عنواناً للمرحلة الجديدة في العودة إلى توحيد ساحات النضال الوطني بمهمات وطنية تنسجم والشروط الموضوعية والذاتية السائدة في كل ساحة من ساحات العمل، كما رسمها البرنامج المرحلي، برنامج العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة، بدوائره الثلاث: 67 + 48 + شتات■
إسرائيل الكبرى وتعميق الوحدة
■ القوانين والإجراءات التي إتخذتها حكومة دولة الاحتلال، بشأن تعريف دولة إسرائيل، دولة قومية لليهود، والتوغل أكثر في سياسة التمييز العنصري، بما في ذلك إسقاط المكانة الرسمية للغة العربية، تم التقدم نحو التأكيد أن «أرض فلسطين» هي «ملك للشعب اليهودي حصراً»، إلى جانب سياسات التمييز العنصري في توزيع الوظائف والترقيات، وتوزيع الموازنات البلدية وغيرها، كلها عوامل أسهمت في تبديد أية أوهام حول ما يسمى بالإندماج والأسرلة وغيرها، وعززت – بالمقابل - لدى جماهير الـ48 القناعة بالخصوصية القومية، والتمسك بالهوية الوطنية الفلسطينية، وبالتالي أخذ نضالها أبعاده السياسية والفكرية الجذرية، تمثل بشكل بارز في معركة «القدس/سيف القدس»- 2021، حين تحول الجليل والمثلث والنقب، والمدن المختلطة في إطار «إنتفاضة الكرامة» إلى ساحات للصدام بين الفلسطينيين والأجهزة الإسرائيلية، وصولاً إلى الفصل التام بين أحياء فلسطينية وأحياء يهودية، ما أكد مرة أخرى، فشل مشاريع الأسرلة والتهويد والتذويب، وتماسك الهوية الوطنية لأبناء شعبنا.
■ إنتفاضة الشيخ جرّاح وباب العامود وعموم الضفة التي ترجّعَ صداها في «إنتفاضة الكرامة» - كما سبقت الإشارة – في مناطق الـ 48، لم نشهد ما يماثلها، أو يقترب منها في الحرب الدائرة رحاها منذ 7/10 في غزة والضفة، وفي أكثر من مكان، ما يطرح سؤالاً حول السبب، أو الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، التي نعيدها إلى مايلي:
1- شدة القمع الإسرائيلي، وخاصة إثر أحداث «إنتفاضة الكرامة»، إنطلاقاً من إعتبار الدولة في حالة الحرب السائدة تساوي حالة طواريء تستدعي تطبيق قوانين الإنتداب ذات الصلة بذريعة مكافحة الإرهاب.
2- تدهور الحالة الأمنية في المجتمع الفلسطيني على نحو ذريع في السنوات الأخيرة بفعل إنتشار المافيات واحتدام صراعات دموية فيما بينها أودت بحياة العشرات، تحركها الأجهزة الإسرائيلية المعنية بتسعير نار الفتنة لاستنزاف المجتمع الفلسطيني.
3- في امتداد الخلافات السياسية التي شهدناها في السنوات الأخيرة، والتي حالت دون توحيد القوائم العربية لخوض إنتخابات الكنيست، نشب خلاف حاد بين عدد من الأحزاب العربية حول الموقف من الحرب التي نشبت إثر عملية 7/10، ففي حين وصفت «القائمة العربية الموحدة» (الجناح الإسلامي الجنوبي بقيادة منصور عباس)، «طوفان الأقصى بأنه خطأ كبير وجريمة ضد المدنيين، أدخلت الشعب الفلسطيني كله في مخاطر كبيرة يدفع أطفال غزة ثمنها حتى الان»، ما يترتب عليه تحذير الشباب والطلاب من أي تعبير عن الرأي منعاً للتعرض للعقاب؛ فقد ثابر الحزب الشيوعي في إطار «الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة» على تنظيم إحتجاجات ميدانية ضد الحرب وضد قتل المدنيين من الجانبين وضد الفاشية الآخذة في الإنتشار في المجتمع الإسرائيلي.. أما «التجمع الوطني الديمقراطي» فوصف ما يجري في غزة بالإبادة، الخ..
4- وأخيراً، ثمة ترسبات مازالت عالقة في وعي أوساط لا يُستهان بتأثيرها في الوسط الفلسطيني، وهي ترسبات ناجمة عن مسارعة المقاومة للقبول المتسرع بوقف إطلاق النار في 21/5/2021، في سياق معركة «القدس/ سيف القدس»، في الوقت الذي كانت الحالة الوطنية في أراضي الـ 48 في وضعية نهوض وتقدم، ما أدى إلى سلبيات لحقت بها جرّاء القمع الإسرائيلي■
في العلاقة ما بين الساحتين
■ فيما يتعلق بالعلاقة ما بين ساحتي النضال في مناطق الـ 67 والـ 48 يجدر التوقف أمام مايلي:
• في ظل إحساس عميق وموضوعي، بضرورة تحويل هذا التناغم «العفوي» أو غير المنتظم بين الساحتين، والإستناد إلى برنامج نضالي، تتم بلورة عناصره بوضوح أكثر، دعا محمد بركة رئيس اللجنة العربية العليا للمتابعة (للجماهير الفلسطينية العربية في اراضي الـ48)، إلى عقد مؤتمر وطني فلسطيني، يضم الساحات كافة، في جناحي الوطن (67 + 48) وفي الشتات، لكن هذه الدعوة بقيت مجرد إقتراح لم يقترن بصيغ تنفيذية، وبالتالي لم يشق حتى الآن طريقة إلى الحياة.
• بالمقابل، ما زالت الرسمية الفلسطينية التي بيدها زمام القرار، تنظر إلى ساحة الـ48 من منظار إلتزامات أوسلو، أي منظار ضيق، لا يتجاوز حدود التكتيكات الآنية، وبالتالي يعفي نفسه من أية مهام بنائية وتراكمية تمليها عليها وحدة النضال بين أبناء الشعب الواحد.
• بالمقابل، لم تُقدم القوى الديمقراطية واليسارية، على جانبي الخط الأخضر، على الخطوات اللازمة لإطلاق الحوار الواجب أن يشكل محطة لرسم خطط وآليات نضالية تساندية، بما يخدم وحدة الشعب ووحدة حقوقه في العمل المشترك الآيل إلى تعزيز المواجهة مع العدو الواحد والخطر الواحد.
■ وعليه، يمكن القول، إن مستوى التناغم والتساند بين الساحتين، ما زال في حدوده الدنيا، ولم يرتقِ إلى المستوى المفترض الذي يبلور المهام النضالية التي من شأنها أن تعتمد أولويات العمل لمن يتموضع في الخندق الوطني الواحد، بما في ذلك حماية البرنامج الوطني، والعمل المشترك في سبيل إنتصار الحقوق الوطنية المتكاملة فيما بينها على جانبي الخط الأخضر، ما يلقي على عاتق قوى الديمقراطية واليسار عموماً مسئوليات كبيرة، لمّا يُتَحْ لها الظرف بعد، لكي تأخذ مداها المنتج ■

آذار(مارس) 2024



#الجبهة_الديمقراطية_لتحرير_فلسطين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللقاء الفلسطيني في موسكو (29/ 2-1/3/2024) قراءة وتقدير موقف
- في مهرجان سياسي في الذكرى ال55 لانطلاقة «الديمقراطية»
- في الذكرى ال55 لانطلاقة الجبهة
- بيان صادر عن فصائل المقاومة الفلسطينية
- بيان صحفي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين حزب الشعب الفلسطي ...
- ‏«الديمقراطية» في مذكرة إلى القمة العربية الطارئة
- في مواجهة العدوان الإسرائيلي – الاميركي المستدام - رؤية سياس ...
- العدد 73 من «كراسات ملف»: إجتماع الأمناء العامين .. العلمين، ...
- إجتماع الأمناء العامين / العلمين، 30/7/2023
- العدد 68 من «كراسات ملف»: المؤشرات الاقتصادية في فلسطين .. 2 ...
- العدد 67 من «كراسات ملف»: النكبة في السينما الفلسطينية والعر ...
- كتاب تحت المجهر
- «تحت المجهر» ... كتاب جديد عن مركز «ملف»
- العدد65 من «كراسات ملف»: كتب تحت المجهر 6
- العدد 64 من «كراسات ملف»: «اتفاقات أبراهام» ومعضلة اندماج إس ...
- (الكلمة الكاملة لفهد سليمان نائب الأمين العام للجبهة الديمقر ...
- العدد 63 من «كراسات ملف»: حكومات «الوحدة الوطنية» في إسرائيل
- بلاغ صادر عن المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- العدد 62 من «كراسات ملف»: التطبيع .. المسار والتداعيات
- العدد 60 من «كراسات ملف» : انتخابات الكنيست الـ20


المزيد.....




- أمريكا تعلن تفاصيل جديدة عن الرصيف العائم قبالة غزة
- بوليانسكي: الحملة التي تشنها إسرائيل ضد وكالة -الأنروا- هي م ...
- بعد احتجاجات تؤيد غزة.. دول أوروبية نحو الاعتراف بدولة فلسطي ...
- بوليانسكي: أوكرانيا تتفاخر بتورطها في قتل الصحفيين الروس
- كاميرا تسجل مجموعة من الحمر الوحشية الهاربة بضواحي سياتل الأ ...
- فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ...
- رويترز: محققو الجنائية الدولية حصلوا على شهادات من طواقم طبي ...
- حماس تبحث الرد على مقترح لوقف إطلاق النار ووفدها يغادر القاه ...
- - هجوم ناري واستهداف مبان للجنود-..-حزب الله- ينشر ملخص عملي ...
- -بلومبرغ-: البيت الأبيض يدرس إمكانية حظر استيراد اليورانيوم ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين - المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق على الموضوعات السياسية