أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - من شيطان الرأسمالية وملائكة الشيوعية- صناعة التطرف















المزيد.....

من شيطان الرأسمالية وملائكة الشيوعية- صناعة التطرف


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7636 - 2023 / 6 / 8 - 18:55
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


لا عجب أن تستوطن الشيوعية في الشرق العالمي ثم تنتشر من معقليه الكبيرين، روسيا والصين، إلى مناطق متفرقة من الجنوب والغرب العالميين فيما يعرف ببلدان العالم النامي. جميع هذه الأنحاء من العالم، التي عُرفت باسم دول المعسكر الشيوعي والاشتراكي حيث انتشرت وتجسدت الأفكار والنظريات الشيوعية بدرجات وفي أنظمة سياسية واجتماعية واقتصادية متفاوتة، يجمع بينها قاسم مشترك: كلها بلدان زراعية تقليدية، تُعلي من أهمية صون واتباع تقاليد ومبادئ متوارثة بعينها، ولم تكن قد ولجت بعد العصر الصناعي.

الزراعة ذاتها مَثَّلت ثورة على حياة الصيد والرعي والترحال، حَتَّمت التخلي عن هذا النهج الحياتي البدائي وغير المنتج واستبداله بحياة الثبات والاستقرار في مكان محدد بغرض الإنتاج الزراعي. ومن أجل المحافظة على هذا الاستقرار الإنتاجي وتوسعته واستدامته، كان لابد من تغليفه بثُلَّة متجانسة من القيم والأعراف والتقاليد. كما تحقق الثبات والاستقرار بالجسد في المكان الفيزيائي، كان لابد أن يتحققا كذلك وبالتوازي لزاوية النظر والفكر والعقل ضمن منظومة مؤسسية من الأعراف والتقاليد الثابتة والمستقرة أيضاً. التقليد هو نوع من الثبات أو الاستقرار الذهني الإنتاجي من داخل بيئة فكرية موروثة ثابتة ومستقرة.

الشيء العجيب واللافت للنظر أن الشيوعية نشأت في الغرب، ليس في الشرق. كان هذا الغرب، الأوروبي على وجه التحديد والحصر، قد تجاوز الطور الزراعي من التطور الحضاري البشري مع أغلب تقاليده المؤصلة والحافظة، وقطع أشواطاً بعيدة داخل الطور التصنيعي. الصناعة هي ثورة أخرى ضد المجتمع الزراعي المتخلف وغير الكافي، من منظورها، بهدف الارتقاء بالإنتاجية إلى ذرى جديدة وغير مسبوقة عجزت عن تحقيقها الزراعة. وكما كان للزراعة تقاليدها الخاصة المؤصلة والمغلفة والحافظة، كذلك كان للصناعة تقاليدها المختلفة. في هذا الإطار نشأت الشيوعية، كرد (فعل) موازي ضد ما اعتبرته سلبيات التقليد (الفعل) الصناعي، مثل جشع واستغلال رأس المال الناشئ عن ترك الحرية على الغارب لعمل آليات السوق دون رابط ولا ضابط وما ترتب عليه من استغلال واستعباد بشع بحق العمال وقوى العمل. كانت الشيوعية، بهذا الشكل، جَدَل- أو "جَدَلية" وفق المصطلح الشيوعي- ضد التقليد الصناعي، من داخل بيئة صناعية.

لكن الزراعة والصناعة ما كانتا لتنشئا من دون حدث أو سلسلة من الأحداث العظيمة والضخمة بما يكفي لزلزلة، ثم تقويض وإعادة بناء، نظرة الإنسان لنفسه ولبيئته ولعالمه الذي يعيش فيه، السائدة حينئذٍ والموروثة عن أجيال سالفة. قبل الصناعة، كان الإنسان يعيش القيم والتقاليد الزراعية، يرى نفسه وبيئته وعالمه من خلالها وبعيونها. وكانت هذه القيم والتقاليد محفوظة ومتوارثة داخل مؤسسات بعينها ترعاها وتنميها. وما كان للصناعة- أو أي جديد آخر غير الزراعة- أن تنشأ في ظل هذه القيم والمؤسسات التي وجدت وتوجد أصلاً لكي تُخدِّم على الزراعة وتحابيها وتعمل لمصلحتها والدفاع عنها ضد أي جديد قد يتهددها. في الغرب، أتي هذا الحدث أو السلسلة من الأحداث العظيمة والضخمة والمزلزلة للقيم والتقاليد الزراعية السائدة هناك في صورة سلسلة طويلة امتدت لمئات السنين من الحروب الدموية والشرسة ضد أعرق مؤسسات التقليد الزراعي على الإطلاق- الدين. وبهزيمة الدين وطرده مع ما يجسده من قيم وتقاليد زراعية مؤصلة وحافظة وراعية من الفضاء العام، أصبح الطريق ممهداً لكي تتبلور بالتدريج نظرة جديدة من الإنسان لنفسه ولبيئته ولعالمه قادته بعد مشوار مرهق وطويل من الدرس والبحث والتجربة والخطأ ثم تدارك الخطأ إلى المرحلة الصناعية في رحلة التطور الحضاري البشري.

العلمانية هبطت بنظرة الإنسان لنفسه وبيئته وعالمه من سماوات عُلَا لتحط بها فوق سطح الأرض، وتالياً القمر والمريخ. وحين تحقق لها الهبوط الآمن، تحول اهتمام الإنسان من عالم السماء والميتافيزيقا وما وراء الطبيعة إلى عالم الأرض والفيزياء والطبيعة، لكي يتأمل ويدرس ويعلم نفسه وبيئته وعالمه عن قُرب وعن كَثَب، وتنشأ بدورها قافلة جرارة من العلوم التجريبية كانت هي ذاتها القاطرة إلى العصر الصناعي. العلمانية طَهَّرت نظرة الإنسان من مثاليات وتقاليد وقيم طريقة الحياة الزراعية الهائمة بمبادئها ومثالياتها فيما وراء الطبيعة والضعيفة الأثر والإنتاجية في الأرض واستبدلها بمبادئ وقواعد وقوانين علمية لم تترك شيئاً في الوجود، من البشر إلى الحجر، إلا درسته وفحصته ونظَّمته في علوم متخصصة وفتشت عن أوجه الاستفادة والإنتاجية فيه، لتقلب الحضارة البشرية رأساً على عقب، وتحقق لها من التقدم والرخاء والازدهار خلال بضع مئات السنين أضعاف مضاعفة من كل ما قد حققته خلال ملايين السنين السابقة من عمرها المديد.

هكذا، بينما نشأت الشيوعية الغربية ولا تزال مستمرة إلى اليوم في جدلية مثمرة بين يسار ويمين فوق أرضية من القيم والتقاليد العلمانية والعلمية والصناعية، نشأت الشيوعية الشرقية فوق أرضية من القيم والتقاليد المختلفة جوهرياً- ذات القيم والتقاليد والمؤسسات التي قوضتها العلمانية خلال حربها الضروس ضد الدين في الغرب؛ وبينما كانت الشيوعية الغربية تعيش في فضاء عام محايد وعلماني وعلمي يخلو من الآلهة والأبالسة والملائكة والشياطين وغيرها من مفاهيم وقيم ومعتقدات المجتمعات الزراعية التي يرون من خلالها أنفسهم وبيئتهم وعالمهم، وجدت الشيوعية الشرقية نفسها عالقة لامحالة في حرب شعواء ضد كل هؤلاء، أو في "جَدَلية" عبثية ومُضنية معهم وضدهم في آن، لأن البيئة العامة التي استُزرعت فيها ما كانت قد حُيِّدت أو عُلْمِّنَت أو قُنِّنَت علمياً أو حتى صُنِّعت بعد؛ وبينما تطورت الشيوعية في الغرب من رد فعل ثوري وعنيف ضد سلبيات التقليد الصناعي إلى قوة وجَدَلية تحفيز إيجابية مع التقليد الصناعي ليُشَّخصا وينتجا معاً الدواء الشافي لعِلاته وسلبياته، بقيت نظيراتها الشرقية كارثة بكل المقاييس على أي مجتمع استوطنت فيه.

في الغرب، لم تكن نشأة الشيوعية أكثر من صرخة اعتراض، أو جَدَلية ثورية، ضد تقليد صناعي مُنتهك لحقوق العمال. لكن في الشرق لا توجد صناعة ولا تقاليد صناعية ولا حتى عمال ككيان اجتماعي أصلاً. كان الفلاحون بقيمهم وتقاليدهم ومؤسساتهم – وعلى رأسها الدين- هم الأغلبية الساحقة والسائدة لاتزال هناك. ضد ماذا كانت الشيوعية الشرقية صرخة اعتراض، أو جَدَلية، إذن؟!

في المنطقة العربية، نسجت الشيوعية خيوطها مع هجين من الرواسب الرعوية وقيم ومؤسسات تقليد زراعي ما عاد حتى قائماً ولا منتجاً إلى حد الكفاف، لتجد نفسها مَجْدولة في مخلوق ريعي غير منتج هائماً على وجهه في قيم ومثاليات ويوتوبيا عديمة الأثر والجدوى في حياة الناس. لم تدخل الشيوعية العربية في جَدَلية مثمرة مع قوى إيجابية موازية ومضادة لكي تخلق واقعاً حيوياً وخَلاَّقاً، بل فعلتها مع آلهة وأبالسة وشياطين وملائكة لا وجود أو تأثير لهم في أحياء عالم الأرض. لم تعالج المشاكل والأمراض القائمة بقدر ما أضافت إليها، لتفاقم أكثر من واقع وشعور العجز واليأس القائم بالفعل، وتضيف رافداً جديداً إلى نهر التطرف الديني الذي ترتوي منه المنطقة بأثرها حتى الثُمالة.

وفي روسيا، موطن أهم وأبرز المنُظِّرين والتنفيذيين الشيوعيين، صنع الشيوعيون هناك من أنفسهم آلهة وأنبياء وملائكة جُدد، ومن معارضيهم أبالسة وشياطين وخَوَنة يستحقون الحرق. ولأن روسيا كانت ولا تزال مجتمع زراعي اقطاعي في كلا بنيتيه الذهنية والمؤسساتية، كان طبيعياً ولا يستدعي أي عجب أن يُجند زعيمها الحالي، فلاديمير بوتين، في حربه ضد قيم المياعة والانحلال الغربية ذات معتقدات الكنيسة والأوليغارشية (الاقطاعيين الجدد) الروسية التي تَجَادل معها أسلافه وحاربوها وشيطنوا على أساسها الرأسمالية الغربية. وتغافل الزعيم الروسي، كما تغافل أسلافه الشيوعيين، عن حقيقة أن في الغرب الحديث، منذ مئات السنين، لم يعد هناك لا شياطين ولا ملائكة. في الحقيقة، الشياطين لا تزال موجودة وتمرح وتعبث في الشرق منذ آلاف السنين حتى اليوم.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكوميديان أند العسكري
- ثغرة الوعي والخطة الكونية
- اللهُ الذي لا نُريده
- الله الذي لا نراه
- بوتين في المصيدة- كش مات
- حتى لا ننهش جُثَة الوطن
- حين تُفسد الحكومة مواطنيها
- مصاحفُ فوق الأسنة وأمةُ بلا نبي
- أليست الجمهورية الإيرانية -إسلامية-؟
- ماذا لو حكم الإخوان المسلمون؟
- في الإسلام، الديمقراطية حلال أم حرام؟
- نظرة على مستقبل الجيوش في الجمهوريات العربية
- ميلشياوية من أزمة شرعية
- كيف حُشِّرت مصرَ في العُنُق
- الاستعمار بين المثالية والواقعية
- حتى لا نخون الوطن بسبب طاغية: صدام نموذجاً
- كيف نتطور؟
- غزوة الصناديق الإسرائيلية
- لماذا نعيش؟
- هل كان غزو العراق كارثة أمريكية أسوأ من فيتنام؟


المزيد.....




- -لم أستطع حمايتها-: أب يبكي طفلته التي ماتت خلال المحاولة ال ...
- على وقع قمع الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين بالجامعات.. النواب ال ...
- الصين تتيح للمستخدمين إمكانية للوصول السحابي إلى كمبيوتر كمي ...
- -الخامس من نوعه-.. التلسكوب الفضائي الروسي يكمل مسحا آخر للس ...
- الجيش الروسي يستخدم منظومات جديدة تحسّن عمل الدرونات
- Honor تعلن عن هاتف مميز لهواة التصوير
- الأمن الروسي يعتقل أحد سكان بريموريه بعد الاشتباه بضلوعه بال ...
- ??مباشر: الولايات المتحدة تكمل 50 في المائة من بناء الرصيف ا ...
- عشرات النواب الديمقراطيين يضغطون على بايدن لمنع إسرائيل من ا ...
- أوامر بفض اعتصام جامعة كاليفورنيا المؤيد لفلسطين ورقعة الحرا ...


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - من شيطان الرأسمالية وملائكة الشيوعية- صناعة التطرف