أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير - حمه الهمامي - خاطرة: الفاشُوشْ في حُكْمِ قَرَاقُوشْ















المزيد.....

خاطرة: الفاشُوشْ في حُكْمِ قَرَاقُوشْ


حمه الهمامي
الناطق الرسمي باسم حزب العمال التونسي


الحوار المتمدن-العدد: 7443 - 2022 / 11 / 25 - 21:15
المحور: حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير
    



"هناك شيء ما عفن في دولة الدانمارك..."
شكسبير، مسرحية هاملت
كلّما استمعت إلى قيس سعيّد وهو يخطب، سواء كان في قصر قرطاج، أو في شارع بورقيبة أو في وزارة الداخليّة أو في أعالي جبل بوقرنين أو أمام "نجلاء بودن" أو أحد الوزراء وكلّما تمعّنت في الواقع المزري الذي يتخبّط فيه مجتمعنا وبلادنا في ظلّ حكمه المجنون، إلّا وعادت بي الذّاكرة إلى كتاب كنت اطلعت عليه أيام السرّية عند أحد الأصدقاء المهتمّين بالأدب القديم وبالتّاريخ العربي والإسلامي. هذا الكتاب من تأليف الأسعد بن مماتي (القرن 6 هجريا، 13 ميلاديا) وهو بعنوان: "الفَاشُوش فِي حُكْمِ قَرَاقُوشْ".
وقراقوش (بهاء الدّين) هو أمير تولّى حكم مصر في عهد صلاح الدّين الأيّوبي. وقد قال فيه صاحب الكتاب الذي صاغه بالعامّية وبأسلوب بسيط جدّا، هزليّ وساخر، حتّى يصل إلى عموم النّاس: "إنّني لمّا رأيت عقل بهاء الدّين قراقوش، محزمة فاشوش، قد أتلف الأمّة (...) لا يقتدي بعالم، ولا يعرف المظلوم من الظالم، الشكيّة عنده لمن سبق، ولا يهتدي لمن صدق (...) ويشتاط اشتياط الشّيطان، ويحكم حكما ما أنزل الله به من سلطان، صنّفت هذا الكتاب لصلاح الدين عسى أن يريح منه المسلمين...".
وقد قال أحد الدارسين المعاصرين معلّقا على كتاب ابن مماتي: "كان (قراقوش) لا يقرّ مبدأ المنافسة في الأمور ولا يحتمل الإصغاء إلى جدل من كبير أو صغير ، وله رأي في معاملة السّوقة والعامّة هو أخذهم جميعا بالقهر والقسوة" (الدكتور عبد اللطيف حمزة في تعليق على كتاب ابن مماتي). وقد ذاع صيت كتاب "الفاشوش في حكم قراقوش" وأصبح مرجع الناس، "عامّة" و"خاصة"، كلّما حلّ ببلد من بلدان المشرق حاكم على شاكلة قراقوش. وفي ظنّي أنّنا ابتُلينا في بلادنا، في القرن الواحد والعشرين، وبعد عشريّة من الاضطراب والفشل في تحقيق مطلب الشّعب في العيش الكريم بـ"قراقوشنا"، مع الأخذ بعين الاعتبار فارق الزمن.
إنّ الفاشوش، وهو الإكثار من "الكلام الكبير" والمتعالي والأجوف الذي يطغى عليه الباطل أكثر من الحقّ، هو فنّ من فنون سعيّد ووسيلة من وسائل حكمه الشّعبوي. فمن منّا لا يتذكّر كلامه عن الصواريخ المعدّة للإطلاق من منصّاتها، وعن المؤامرات التي تحاك في الغرف المظلمة دون كشف أيّ منها، وعن محاولات الاغتيال متنوّعة الأشكال والأوجه التي "عجزت" أجهزة الأمن والجيش عن إثبات واحدة منها، وعن "الخونة" و"العملاء" و"تجّار المخدرات" الذين لا يتورّعون عن "بيع وطنهم" ولم نطّلع حتى على الأحرف الأولى لأسمائهم، وعن "أمّك صنّافة" في إشارة إلى وكالات التصنيف الدولية التي تحذّر من السّقوط في الهاوية، وعن "الدّولة المدنية" التي يزعم "أستاذ القانون الدّستوري" أنّه لم يسمع بها في حياته بل إنّه لم يسمع إلا بـ"الحماية المدنية" و"الحالة المدنيّة" وعن "النّاتج الوطني الخام للسّعادة" بدل النّاتج الدّاخلي الخام الذي يقاس بالثروة المنتجة لا بالفاشوش وعن "الصّعود الشّاهق..." وعن "حرّية التّفكير التي تسبق حرّية التعبير" التي قالها حين أحرجه صحافيّ إذاعة "موزاييك" في جربة بسؤاله عن المرسوم 54 وعن الأخطار المحدقة بحرّية الإعلام...
أما الواقع، هادم الجبال والجبابرة، الذي لا يحتمل "البلّوط"، بحقائقه العنيدة، فهو يفيد بأنّ البلاد تتدحْرجُ اقتصاديّا وماليّا، لتقَعَ شيئا فشيئا تحت وصاية المؤسّسات الماليّة الأجنبيّة وأنّ ديونها العموميّة فاقت نسبتُها الناتج الداخلي الخام والأسعار تشتعل دون توقّف (125 ملّيم للّتر الواحد من البنزين تكلفة الفرحة بتعادل تونس مع الدانمارك...فماذا ستكون التكلفة لو ربحت تونس مقابلتها مع أستراليا؟) والبطالة والفقر يتفاقمان وعدد المواد الضروريّة والأدوية المفقودة في ارتفاع، و"الزّبلة" تملأ الشّوارع في أكثر من مدينة وتعفّن المحيط (صفاقس خاصّة)، والشّباب لم يبْقَ لهم من أمل في الحياة سوى "الحرقة" ومن غرق منهم في البحر فيمكن أن يكون مثواه الأخير في مقبرة الغرباء، وإذا تحرّك "العامّة" احتجاجا على مقتل شابّ على يد البوليس أو تنديدا بمعاملة السّلطات لذويهم بما تأباه كرامة الإنسان أو استنكارا لتحوّل مدينتهم لمصبّ للنّفايات فنصيبهم وافر من الغاز المسيل للدموع. فهو موجود بكميات وفيرة على عكس الحليب أو السكّر أو الزّيت النّباتي الذي قد ينقطع في أي لحظة...
وإذا كتَب إعلاميّ أو مدوّن كلاما لا يعجب صاحبة "السمو"، رئيسة الحكومة، أو "صاحب الجلالة"، رئيس الدولة، فالمرسوم 54 في انتظارهم (10 سنوات سجنا و100 مليون خطية) ليكون "عبرة لمن يعتبر". "الله يرحمك يا راجل أمّي الأوّل"، فقد كان حكم ترويج الأخبار الزائفة في عهد بورقيبة وبن علي لا يتجاوز 6 أشهر سجنا وخطيّة ماليّة ببضع المئات من الدنانير...). ومع ذلك يؤكّد "صاحب الجلالة" أنّ الدكتاتورية لا وجود لها أو بالأحرى لم تبدأ بعد لأن الدكتاتوريّة تعني بالنسبة إلى "سيدنا" نصب المشانق والزج بألوف المعارضين في السّجن، فما دام هذا لم يحصل بعدُ فَلِمَ التسرّع والحديث عن الدكتاتورية؟ "انتظروا، أيّها القوم، نزول الكارثة على رؤوسكم لتتحدّثوا عنها... هذا إن تركت لكم الفرصة للحديث عنها...والمؤكّد أنّني لن أوفّرها لكم ولن يبقى أمامكم غير ترديد المثل القائل: "سبق السّيف العذل".
ومنذ أن تولّى "صاحب العظمة" الحكم ألغى دستور 2014 المعمّد بدماء الشهداء وأحلّ محلّه دستورا كتبه بنفسه ولنفسه وأعطى فيه لشخصه صلاحيات فرعون، فهو "الرئيس المتألّه"، صاحب الشّرعيّة والمشروعيّة الذي لا تفلت من يديه أيّة سلطة بما في ذلك السّلطة الروحيّة إذ هو "الدولة" التي تحتكر "تحقيق مقاصد الدين/الشريعة". كما أنّه فكّك غالبية الهياكل التعديلية والرقابية وأبقى منها هيئة انتخابية في الخدمة. و"شولق" القضاء وفصّله على مقاسه وأطرد منه "الزّاني والزّانية" لتطهيره من "الفساد". وهو يترصّد للإعلام كما يترصّد الذئب لفريسته عساه يصيبه في مقتل. "احذروا يا جماعة "موزاييك"...إنكم تقولون ما تقولون في النظام وإلى حدّ الآن لم يفعل لكم أيّ شيء...أفلا تحمدون "نعمة ربّكم الأعلى"... وإلى ذلك فقد سنّ قانونا انتخابيا دون استشارة أحد. وحدّد فيه من يشارك في الانتخابات ومن لا يشارك. فالديمقراطية "القاعدية" أو "المباشرة" يضبط قواعدها فرد واحد، يعرف "ما يريده الشعب"، لتكون نتيجتها ديكورا يستر عورة حكمه الفردي المطلق، لا بل لتكون "مثالا للعالم أجمع على الديمقراطية الحقيقية"...
فاشوش من جهة. وواقع مزر من جهة ثانية. شعارات فارغة من ناحية وسياسات مدمّرة للوطن والشعب من ناحية أخرى. بالطبع قراقوش القرن الثالث عشر فاشوشه وأفعاله مرتبطان بشروط عصره التي أنتجته. وقراقوش القرن الواحد والعشرين لا يمكن أن يكون أيضا إلّا وليد عصره فاشوشا وأفعالا. ويبقى الرّابط بين القديم والجديد، رغم اختلاف الزمن، الأسلوب. وإذا وُجِد ابن مماتي ليكتب عن قراقوش الأول فلن يتأخّر ظهور من سيكتب عن قراقوش الثاني أو إن شئنا "زقفوش" لغرام "صاحبنا" بزقفونه المعرّي. فوعي "العامّة" ليس جامدا وإنّما هو متحرّك. وعديدون هم الذين كانوا يصفّقون لزقفوش يوم 25 جويلية 2021 وصاروا الآن يلعنون اليوم الذي صفّقوا فيه له ويهدّدون بقطع الإصبع الذي صوّتوا به لفائدته...
المسألة مسألة وقت... فبعد مدّة لا نخالها طويلة سيصبح حديث القاصي والداني عن "الفاشوش في حكم قراقوش"...أو "زقفوش"...وسيتعرّى وجه كلّ الانتهازيّين الذين اقتاتوا من فتات موائده وكالوا له المديح وغمروه بالفاشوش كما حدث في عهد قراقوش "الأوّل".
إن تونس ستنهض... أحبّ قراقوش/زقفوش أم كره.
للذاكرة:
قال ماركس في مطلع كتابه "الثامن عشر من برومير- لويس بونابرت": "يقول هيغل في مكان ما إنّ جميع الأحداث والشّخصيّات العظيمة في تاريخ العالم تظهر إذا جاز القول مرّتين. وقد نسي أن يضيف: المرّة الأولى كمأساة والمرة الثانية كمهزلة". ولكن لا هيغل ولا ماركس توقّعا ما يمكن أن يحدث عندنا. فنَحْن نعيش المهزلة تلو الأخرى. فكلّما ذهب بنا الظنّ أنّنا تجاوزنا مهزلة إلاّ وحلّت بنا مهزلة أخرى إلى أن تتحوّل تلك المهازل إلى مأساة حقيقيّة تضعنا على شفير الهاوية. فإذا بعامّة الناس يتأسّفون على ما مضى ولسان حالهم يقول: "الله يرحمك يا راجل أمّي الأول....". وقد كان أولى بهم أن ينظروا إلى المستقبل وأن يأخذوا مصيرهم بأيديهم ويضعوا حدّا نهائيّا لمهازلهم ومآسيهم.



#حمه_الهمامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جاء الخريف... جاء عيدُ مِيلادِها
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ...
- -الدستور- والاستفتاء: ثلاثة أجوبة عن ثلاثة أسئلة
- حُرِّيَتِي... نصّ:
- وتستمرّ المهازل... في ليلة عيد الأضحى
- -دستور- قيس سعيد: نظام أوتوقراطي لا دولة مدنية ولا جمهورية
- بعد رسالة بلعيد... هل يتّعظ المتّعظون وهل ينفضّون من حول الا ...
- قاطعوا الاستفتاء حتّى لا يستعملكم سعيّد حطبا
- مثقّفون انتهازيّون في خدمة الانقلاب
- لِماذا نُعَارِضُ الاسْتفتاء وندعو إلى مقاطعته؟
- إِلَى الخَالِد… نبيل بَرَكَاتِي في ذِكْرَى اسْتِشْهَادِه
- بعد الاستيلاء على الفضاء السياسي: قيس سعيد يحاول الاستيلاء ع ...
- مَا أغرب العيش… وما أعذبه في وطني
- وَاقِفٌ والجُرْحُ يَنْزِف…
- سَيِّدَتِي الجميلة…
- على هامش تعيين امرأة “رئيسة حكومة”: الخيارات والبرامج أوّلا…
- اللَّتَانِ أُحِبّ…
- فِي الثَّامِنِ مِنْ آذَار… (اليوم العالمي للنّساء)
- عشر سنوات بعد الثورة: ما الذي تحقّق وإلى أين يجب أن نمضي؟
- لاَ شيْءَ فِي وَطَنِي…


المزيد.....




- وزير الخارجية المصري يدعو إسرائيل وحماس إلى قبول -الاقتراح ا ...
- -حزب الله- استهدفنا مبان يتموضع بها ‏جنود الجيش الإسرائيلي ف ...
- تحليل: -جيل محروم- .. الشباب العربي بعيون باحثين ألمان
- -حزب الله- يشن -هجوما ناريا مركزا- ‏على قاعدة إسرائيلية ومرا ...
- أمير الكويت يزور مصر لأول مرة بعد توليه مقاليد السلطة
- أنقرة تدعم الهولندي مارك روته ليصبح الأمين العام المقبل للنا ...
- -بيلد-: الصعوبات البيروقراطية تحول دون تحديث ترسانة الجيش ال ...
- حكومة غزة: قنابل وقذائف ألقتها إسرائيل على القطاع تقدر بأكثر ...
- الشرطة الفرنسية تفض مخيما طلابيا بالقوة في باحة جامعة السورب ...
- بوريل يكشف الموعد المحتمل لاعتراف عدة دول في الاتحاد بالدولة ...


المزيد.....

- حملة دولية للنشر والتعميم :أوقفوا التسوية الجزئية لقضية الاي ... / أحمد سليمان
- ائتلاف السلم والحرية : يستعد لمحاججة النظام الليبي عبر وثيقة ... / أحمد سليمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير - حمه الهمامي - خاطرة: الفاشُوشْ في حُكْمِ قَرَاقُوشْ