أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - حوار فكري وسياسي مع الكاتب والناقد العراقي الأستاذ ياسين النصير















المزيد.....



حوار فكري وسياسي مع الكاتب والناقد العراقي الأستاذ ياسين النصير


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 1606 - 2006 / 7 / 9 - 11:39
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


كاظم حبيب
 
حوار فكري وسياسي مع الكاتب والناقد العراقي الأستاذ ياسين النصير
 
المدخل
قرأت بإمعان التحية التي وجهها الكاتب والناقد الأدبي العراقي الأخ ياسين النصير إلى الحزب الشيوعي العراقي والتي تضمنت إلى جانب التحية الكثير من الأفكار التي تستوجب الحوار. وحبذا لو نشط الكتاب الديمقراطيون واليساريون في العراق وخارجه للمساهمة في الحوار حول مهمات المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي في ضوء مستجدات الوضع على الساحات السياسية المحلية والعربية والإقليمية والدولية والتشابكات في ما بينها, إضافة إلى تعقيدات الوضع الاستثنائي الراهن في العراق.
استوقفتني في مقالة الأستاذ النصير مجموعة من الأفكار التي بدت لي أنها تحتاج إلى مناقشة جادة وموضوعية في ضوء الأسس العامة والمبادئ التي أقرتها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان التي تعتبر مكاسب كبيرة لحركة الشعوب في التحرر والاستقلال والسيادة والسير على طريق بناء الديمقراطية وتسريع التنمية والتقدم الاجتماعي. ومن بين ما استوقفني الموضوعة التالية التي يقل فيها:
"اليوم يزداد هذا الوضع إرباكاً وسوء، وهو غياب واضح حتى لمفاهيم تشكيل الدولة العراقية، إلى الحد الذي أصبح التفكك إيديولوجية تروج لها بعض الأحزاب الإسلامية والقومية. لذا يتطلب أن يكون ثمة فهم معاصر وجوهري من قبل الحزب الشيوعي العراقي لما يحدث لمفهوم الدولة العراقية لاسيما بعد ظهور قوى سياسية جديدة قد لا تكون آفاقها منسجمة مع قيام دولة عراقية موحدة. ثمة بوادر ملموسة لنشوء دويلات عراقية قد تكون تمهيدا ليوغوسلافيا جديدة وممزقة في العراق. ومثل هذا التفكير هو الأكثر حضورا في خطاب عدد من القوى السياسية ومن بينها القوى الكردية لاسيما في ميادين: الاقتصاد والثقافة والجغرافيا. من هنا فعلى المؤتمر أن يوضح مثل هذه الملابسات ليس للقوى اليسارية العراقية فقط، بل لعموم القوى الوطنية العراقية والعربية أيضا" ويستكمل هذه الموضوعة بموضوعة أخرى يقول فيها: "وبما أن الحديث عن أشخاص خرجوا من الحزب ثم بقوا يتسمون باسمه ونضاله ليس وقته الآن، لكني أرى ضررا كبيرا قد مارسه الحزب بسكوته عن عدم تعرية أولئك المشعوذين والسراق والبلطجية والأفاقين أمام قواعد الحزب واصدقائه، وإلا سيبقى الخلل قائما. وهذه مهمة ليست هينة عندما يكشف الحزب عن قرارات اتخذت خطأ مثل وجود حزب شيوعي كردي مستقل في كردستان العراق، وهو كما أتضح كان انشقاقا في الحزب الشيوعي العراقي قاده نفر من القادة الأكراد ليؤسسوا حزبا شيوعيا قوميا!!!. أن الحزب الشيوعي العراقي كما أسلفت في مقالة سابقة، تيار لنهر عراقي ثالث يجري منذ زمن بعيد ولن يجف أو ينحرف عن مساره الوطني". (راجع: ياسين النصير. تحية للمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي. الحوار المتمدن, العدد 1601 في 4/7/2006 ).
أرى أن في هذين النصين الكثير من اللبس والضبابية والتشوش, سواء أكان في الفكر أم في استخلاص التجارب من ماضي العراق القريب ومن التجارب العالمية.
وفي هذه المقالة ذات الحلقات الأربعة أحاول التركيز على عدد من الأفكار. ومنها:
1.     الموقف من الحقوق القومية وفكرة تمزيق العراق.
2.     المطالب الاقتصادية الكردية وفكرة تمزيق العراق
3.     الموقف من ترسيم الحدود وفكرة تقسيم العراق.
وسيتم تناول بعض الأفكار الأخرى المرتبطة بهذه الموضوعات التي طرحها لنا الزميل الأستاذ ياسين النصير.
1-4
هل الفيدرالية الكردستانية تمزيق للوحدة الوطنية أم ترسيخها؟
 
ماذا يريد أن يقول لنا الأستاذ النصير من موضوعته المركزية حول تمزيق العراق؟ يريد أن يقول بصراحة ودون لف أو دوران ما يلي: أن تأييد الفيدرالية الكردستانية من جهة, والموافقة على انقلاب الأكراد على تشكيل حزب شيوعي كردستاني من جهة أخرى, خطآن يرتكبهما الحزب الشيوعي العراقي وعليه تصحيحهما بالعودة إلى النهر الثالث. وأن القوى القومية (الكردية) هي التي تساهم مع القوى الإسلامية في تمزيق وحدة العراق بمواقفها السياسية, وخاصة في مجال الاقتصاد والثقافة والجغرافيا! تذكرني هذه الأفكار بقراءات السابقة لقرارات الأممية الثالثة في فترة حكم ستالين وسيطرته على الأممية وعلى تجاربنا في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي, إذ يمكن العودة في ذلك غلى كتابات غير قليلة, ومنها عراقية مثل كراس فهد "حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية" مثلاً.
ابتداءً أجد نفسي مجبراً على طرح بعض الأفكار التي أصبح بعضها مقبولاً حتى من اشد القوميين يمينية وشوفينية تحت ثقل الواقع والتغيرات الجارية في العالم, بل اضطر حتى الدكتاتور السفاح والفاشي فكراً وممارسة, صدام حسين, على الاعتراف بها:
أولاً: وجود شعب كردي في العراق يعيش على أرض كردستان, وأن هذا الشعب هو جزء من الأمة الكردية الموزعة على أربع دول, هي العراق وسوريا وتركيا وإيران. كما أن هناك قوميات أخرى في العراق ولها حقوق ثقافية وإدارية. كما أن العرب يشكلون قومية في العراق وهم جزء من الأمة العربية التي تعيش على أرض العرب.
ثانياً: أن لكل شعب, وفق لوائح وقرارات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان, الحق في تقرير مصيره بنفسه وليس تحت وصاية أي دولة أو شعب آخر. ومن هنا نقول بأن من حق الشعب الكردي الكامل لا بإقامة فيدرالية كردستانية فحسب, بل وإقامة دولته الوطنية المستقلة. ولا يحق لأي إنسان, كما لا يمتلك أي إنسان مثل هذا الحق, أن يسلب الشعب الكردي حقه في تقرير مصيره. وإذا ما اختار الشعب الكردي, ولظروف كثيرة وجديدة, البقاء في إطار الجمهورية العراقية وفق نظام الدولة الفيدرالية, فهو قرار يقع ضمن حقوقه المشروعة ومرحب به في العراق ومن قبل العرب وبقية القوميات.
ثالثاً: كانت وما تزال للحزب الشيوعي العراقي على امتداد العقود المنصرمة, ومنذ أول يوم تأسيسه, مواقف سليمة من القضية الكردية, إذ اعترف لهذا الشعب بحقوقه المشروعة, وكان أول حزب سياسي عراقي يعترف للشعب الكردي بحقه في إقامة دولته الوطنية المستقلة. ففي عام 1935, أي بعد عام تقريباً من تشكيل الحزب الشيوعي العراقي, صدر العدد الأول من جريدة الحزب المركزية "كفاح الشعب", وهو يحمل على صفحته الأولى مجموعة من المطالب الأساسية التي سجلت لأول مرة وبشكل منهجي وجهة الحزب في نضاله خلال تلك الفترة. وتصدر هذه المطالب النص التالي:
" (1) طرد المستعمرين، وضمان حرية الشعب والاستقلال الكامل للأكراد وضمان الحقوق الثقافية … لكل الأقليات العراقية". راجع: [كفاح الشعب. العدد الثاني. 1935. في: بطاطو، حنا د. العراق. الكتاب الثاني. الحزب الشيوعي. مصدر سابق. ص 90].  
وفيما بعد كرس الحزب الموقف المبدئي من القضية الكردية في تقرير الكونفرنس الحزبي الثاني في العام  1956 حين أكد حق تقرير المصير للشعب الكردي. وكان الموقف هذا متقدماً على  كل القوى السياسية غير الكردية. وما أزال أجده الموقف الصائب الذي استمر الحزب الشيوعي على اتخاذه حتى الوقت الحاضر.
رابعا:ً إن قيام دولة اتحادية من عدة فيدراليات لا يعني بأي حال تمزيق وتقسيم البلاد, بل تنشأ إمكانيات أفضل لتعزيز وحدتها, شريطة أن تمارس سياسات عقلانية ومقبولة. ويقدم لنا العالم أمثلة كثيرة في هذا الصدد.
خامساً: لكل مجموعة سياسية الحق في إقامة أي حزب سياسي, سواء أكان حزباً شيوعياً أم غير شيوعي, متى تشاء, وسواء أكان هذا الحزب يعمل في إطار قومية واحدة أم في بلد متعدد القوميات, وليس في هذا أي تجاوز على الرؤية الأممية الاعتيادية, ولكنه كان تجاوزا في نظر الرؤية اللينينية أو الستالينية حين كانت سيطرة ستالين كاملة ومطلقة على الأممية الثالثة. ومع أني أدعو بقوة إلى تغيير فعلي وحقيقي وعميق في الحزب الشيوعي العراقي وفي الحزب الشيوعي الكردستاني لصالح الحزبين, كوجهة نظر شخصية, إلا أن وجود حزبين شيوعيين في العراق لا يخل بأي قضية مبدئية, كما لم يكن انقلاباً على الحزب الشيوعي العراقي, بل كان بقرار مشترك من جانب الشيوعيات والشيوعيين الكرد والعرب وغيرهم. فالنظرة التي يطرحها الزميل العزيز ياسين النصير  ليست بالية فحسب, بل وبعيدة عن فهم حقوق القوميات وحقوق الإنسان والحق في تكوين أي حزب سياسي تلتقي عنده مجموعة من الناس. وحسناً فعل الحزب الشيوعي العراقي في إقامة علاقات تنسيق وتعاون وثيق مع الحزب الشيوعي الكردستاني ودون تدخل في شؤونه الداخلية, بما في ذلك السياسية.
من الإجحاف حقاً أن نخلط الأوراق بهذه الصورة التي يمارسها الأخ ياسين النصير, حين يضع القوى السياسية الكردية كلها بجوار قوى الإسلام السياسي التي يتنكر أغلبها للقوميات إن لم نقل كلها. دعونا ننظر إلى المواقف بروية إلى مواقف الطرفين.
1. في طرف قوى الإسلام السياسي يتوزع الرأي حول العراق ووحدته باتجاهين:
- الأول يدعو إلى إقامة دولة عراقية إسلامية سياسية موحدة, ولا يعترف هذا الطرف من الناحية النظرية بوجود القوميات ولا يرى في المجتمع العراقي سوى أمة إسلامية, والبقية من أهل الذمة.
- والثاني يدعو إلى إقامة فيدراليات في العراق تقوم على أساس ديني ومذهبي, شيعية في الجنوب وسنية في غرب بغداد. ولكي تصبح هذه ممكنة لا مانع لديه من قيام فيدرالية كردستانية. وهذا التوجه يمكن أن يكون مؤقتاً إلى حين استتباب الأمر للتيار الديني ليعود ويسحب الاعتراف بأي فيدرالية, تماماً كما كان يدور في ذهن حكم البعث حين أقر بالحكم الذاتي ثم انقلب عليه فكراً ومضموناً, أو كما هو الحال في إيران حيث تكون دولة عراقية إسلامية تستند إلى المذهب الشيعي لا غير. ولكن هذا لا يأتي الآن بل في المستقبل كما يخططون! وعلينا أن نفهم هذا لكي يمكن مواجهته.
وإذ أرى بأن الاتجاه الأول خاطئ ويقود العراق إلى مهالك الصراعات القومية مجدداً وأناضل مع الغالبية  من الشعب ضد هذا التيار في ضوء تجارب الماضي القريب, أدرك بأن علينا أن نقف إلى جانب الفيدرالية على أساس قومي, وهو حق طبيعي, في حين أرفض قيام فيدرالية على أساس ديني أو مذهبي, سواء أكان في جنوب العراق أم غربه, كما يسعى إلى ذلك جزء من التيار الإسلامي السياسي في العراق, وخاصة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية. وإذا كان الاتجاه الأول واقعياً في إقراره للفيدرالية الكردستانية, فأنه غير واقعي وغير منطقي مع فيدرالية الجنوب على أساس ديني وطائفي سياسي. إذ أن الثانية هي التي تمزق المجتمع العربي ذاته وتدفع بالدولة إلى مهاوي الصراعات السياسية والنزاعات الطائفية المقيتة.
ولهذا فرمي القضية كلها في قدر واحد وخلط الأوراق بين ما هو قومي وما هو مذهبي ضيق أمر لا يساعد على وضوح الرؤية والموقف الملموس والسياسة السليمة.
2. في الجانب الكردي هناك موقف ثابت وقديم يدعو إلى ثلاث مسائل جوهرية, وهي:
أ‌.        الاعتراف للشعب الكردي بحقه في تقرير مصيره بنفسه ودون وصاية من أحد.
ب‌.    تحديد حدود الإقليم الكردستاني في إطار الجمهورية العراقية, وهي مسألة تمارس في وضع الحدود بين المحافظات والأقضية والنواحي في عموم العراق وليس هناك من ادعى أنها تؤدي إلى تقسيم العراق, بل هي مسائل منطقية ومعروفة محلياً وإقليمياً ودولياً, وهي لا تحول دون تنقل المواطنات والمواطنين أو التملك للعقارات أو ما شاكل ذلك, شريطة أن لا يكون باتجاه التطهير العرقي أو التعريب ..الخ.
ت‌.    الاعتراف بحق شعب كردستان المكون من عدة قوميات بتكريس الفيدرالية الكردستانية في إطار الجمهورية العراقية وممارسة الحقوق والواجبات التي يقرها الدستور العراقي, وكل ما يترتب على ذلك من التزامات (حقوق وواجبات) من جانب الفيدرالية أو من جانب الحكومة المركزية. 
هذه الحقوق المشروعة, كما أعرف, مؤيدة من قبل الحزب الشيوعي العراقي ليس تحت الضغط أو الإكراه, بل انطلاقاً من رؤيته الفكرية لهذه المسألة.
هذه الحقوق المشروعة لا تمزق وحدة العراق بل تكرسها وتعززها. ولكن القوى الكردستانية أقرت هي الأخرى للقوى العربية في العراق حقها في إقامة الفيدرالية أيضاً, أي أن يكون العراق دولة فيدرالية عربية وكردستانية. ولكن كما يبدو وافقوا أيضاً على إقامة أكثر من فيدرالية واحدة في الإقليم العربي من العراق بسبب إصرار قوى الإسلام السياسي الشيعية على ذلك, وهو أمر لا أوافق عليه حين ينهض على أساس مذهبي, وأدعو إلى قيام فيدراليتين فقط هما الكردستانية والعربية في إطار الجمهورية العراقية.
إن وجود فيدراليتين في العراق لا يعني التفتيت والتمزيق, إلا إذا مورست سياسات غير صائبة. ولم تكن سياسة الدولة اليوغسلافية في ظل هيمنة الأكثرية (القومية الصربية) صائبة إزاء القوميات الأخرى في البلاد, ولهذا عجزت عن المحافظة على وحدة البلاد بقومياتها المتعددة. وما حصل كان مقدراً له بسبب السياسات العنصرية التي مارستها الفئة الحاكمة في القومية الصربية إزاء القوميات الأخرى, وتنشأ الآن علاقات طبيعية بين الجمهوريات القائمة في يوغسلافيا السابقة. الوحدة الوطنية في العراق يمكن لها أن تتعزز فقط عندما يتسنى للعرب والكرد وللقوميات الأخرى أن تتمتع بحقوقها التي تكرس دستورياً وتمارس فعلياً. فإلى جانب الحقوق القومية للشعبين العربي والكردي, هناك حقوق قومية ثقافية وإدارية يفترض أن تمارس في صالح القوميات الأخرى, أي القومية التركمانية والقومية الكلدانية الآشورية السريانية.
إن الانطلاق من مواقع الدعوة بالعراقية والوطنية العراقية لإنكار وجود قوميات أخرى غير القومية العربية أو التنكر لحقوقها العادلة والمشروعة, هما بمثابة دق إسفين الخلاف والصراع السياسي والنزاعات الدموية بين القوميات والعودة إلى نقطة الصفر المدمرة, وهي ليست النصيحة, التي يفترض أن تقدم لحزب شيوعي بعد تلك التجارب المريرة التي عاشها الاتحاد السوفييتي في الموقف من القوميات الأخرى, من مناضل عرف بوعيه الديمقراطي التقدمي والإنساني. من المفيد قراءة المقال الذي نشره الصديق الدكتور عصام الخفاجي في هذا الصدد وفي مناقشته لأفكار الدكتور خير الدين حسيب. [راجع: د. عصام الخفاجي. دولة التسلّط ونظرية التفتيت. جريدة الحياة أوائل  تموز 2006].
برلين في 5/7/2006 


 
 
كاظم حبيب       
حوار فكري وسياسي مع الكاتب والناقد العراقي الأستاذ ياسين النصير
2-4
هل المطالب الاقتصادية للشعب الكردي تعتبر تمزيقاً للوحدة الوطنية العراقية؟
 
على امتداد ثمانية عقود من سنين عجاف حرم الشعب الكردي وبقية سكان العراق من الاستفادة من ثروات العراق الأولية ومن موارد تلك الثروات المالية. وكانت السياسات التي مارستها الحكومات المتعاقبة, في ما عدا فترة قصيرة جداً من حكم قاسم, بمثابة تفريط حقيقي بثروات البلاد وعدم استخدامها عقلانياً لصالح معالجة إشكاليات التخلف والبطالة والفقر في الاقتصاد والمجتمع بشكل عام. ومن تابع بعناية وبعين متفحصة في الشأن الاقتصادي والاجتماعي, سيدرك بأن إقليم كردستان, إلى جانب مناطق واسعة من جنوب العراق, لم تحض بأي اهتمام من جانب السياسات الحكومية, بل عانت وبشكل مريع من التخلف والفقر والبطالة في بلد غني بثرواته المادية والمالية والبشرية.
وإلقاء نظرة فاحصة من أي منصف على سبل استخدام وتوزيع موارد النفط الخام, التي كانت آبار النفط في كركوك تشارك فيها, وكذلك آبار النفط في البصرة, سيجد مدى الحيف الذي لحق بهاتين المنطقتين من العراق عبر سياسات النظم السياسية غير الديمقراطية والاستبدادية السابقة. ويمكن للأرقام التالية أن توضح بعض جوانب الصورة.  
 
عوائد العراق النفطية  ومساهمة كردستان العراق فيها بألاف الدولارات الأمريكية*
الفترة الزمنية
إجمالي العراق
مساهمة كردستان العراق
نسبة المساهمة %
1927-1958
1.473.100
1.168.200
79,30
1959-1973
9.097.545
6.665.771
73,27
1974-1989
193.722.331
141.804.720
73,2
المجموع
204.292.976
149.638.720
73,25
                 راجع: حبيب, كاظم د. لمحات من نضال حركة التحرر الوطني للشعب الكردي في كردستان العرق. أربيل, دار أراس. 2005.
 
بلغت مشاركة حقول كركوك 73,25 % من إجمالي إيرادات العراق النفطية, في حين كانت حقول البصرة تساهم بالباقي 26,75 % فقط خلال الفترة بين 1927و1989. 
ومنذ صدور قرار رقم 986 لسنة 1995 "النفط مقابل الغذاء" عن مجلس الأمن الدولي بدأت كردستان تحصل على نسبة 13 % من إيرادات العراق النفطية بعد استقطاعات الأمم المتحدة وما هو مفروض على العراق دفعه للمتضررين من غزو النظام للكويت وحرب الخليج الثانية. وخلال الفترة الواقعة بين كانون الثاني/يناير 1997 و1/6/1999 تحقق لكردستان العراق مبلغاً قدره 1,4 مليار دولار أمريكي تقريباً. أما حصة الحكومة المركزية في بغداد فكانت 10,8 مليار دولار أمريكي تقريباً خلال ذات الفترة. أي بنسبة قدرها 11,4% من إجمالي إيرادات العراق من النفط فقط.
لو أخذنا بالنسب السابقة لمشاركة كردستان في استخراج النفط في العراق, وبالتالي تحديد مقدار مشاركتها المالية في عوائد النفط العراقي لحصلنا على الرقم التالي: 35.3 مليار دولار أمريكي من مجموع 48,2 مليار دولار أمريكي تقريباً. ومنه يمكن القول أن كردستان قد ساهمت منذ عام 1927 حتى عام 2000 بمبلغ قدره 184,9 مليار دولار أمريكي, في حين كان دخل العراق الإجمالي من عوائد النفط الخام (بدون المصافي) حوالي 252.5 مليار دولار أمريكي أي بنسبة قدرها 73,2 % من إجمالي إيرادات العراق النفطية خلال الفترة المذكورة. في حين أن ما وجه إلى تنمية وتطوير كردستان على امتداد تلك الفترة كان ضئيلاً جداً ومخزياً للسياسات الحكومية المتعاقبة ووصمة عار في جبينها. إذ يتجلى ذلك في واقع ومستوى التطور الاقتصادي في كردستان خلال الفترة 1933-1991, سواء أكان ذلك في مجال الصناعة أم الزراعة أم الري أم في مجالات الخدمات الاجتماعية أم غيرها. لنلقي نظرة على واقع المشاريع الصناعية في العراق وفي كردستان العراق حتى العام 1960 والتي يوضحها الجدول التالي:  
جدول 11
التوزيع الجغرافي للمنشآت الصناعية القائمة في العراق
وعدد العاملين حتى نهاية عام 1960 (عدا المنشآت النفطية)
المدينة
عدد المنشآت
توزيعها
النسبي
عدد العاملين
نسمة
توزيعهم النسبي
عدد السكان   نسمة
توزيعهم النسبي
أربيل
27
2,2
1438
1,6
272526
4,4
السليمانية
35
2,8
4284
4,6
299978
4,8
كركوك
42
3,4
2837
3,0
388912
6,3
الإجمالي
110
8,4
8559
9,2
961416
11,5
باقي ألوية العراق
1133
 
84200
 
5244601
88,5
إجمالي العراق
1233
100,0
92759
100,0
6206017
100,0
قارن: البغدادي, مجيد حسن د. حول تغيرات الهيكل الإقليمي في العراق. رسالة دكتوراه. كلية الاقتصاد. برلين. 1967. ص 42.  
 
ومنه يستدل على مدى غياب التوازن في توزيع المشاريع في العراق في العهد الملكي أيضاً, علماً بأن بغداد والموصل هيمنتا على القسم الأكبر من المشاريع الصناعية حينذاك. وعلينا أن نلاحظ بأن حصة الألوية الكردستانية الثلاثة كانت أقل من حصة لواء الموصل وحده, حيث بلغ عددها 131 مصناً, علماً بأمن مدينة دهوك الكردستانية, كانت في حينها جزءاً من لواء الموصل, ولم يكن فيها أي مشروع صناعي. 
كما أن نظرة أخرى على  المشاريع الصناعية الصغيرة في محافظات كردستان بالمقارنة مع محافظة الموصل أو مع العراق كله تشير إلى مدى الإهمال الذي تعرض له إقليم كردستان وشعبه.
 
 
المشاريع الصناعية الصغيرة في إقليم كردستان العراق لعام 1975
المحافظة
عدد المنشآت 1
 
عدد المشتغلين 2
مجموع الأجور
المدفوعة 1000 د.ع. 3
التوزيع النسبي
1
التوزيع النسبي
2
التوزيع النسبي
3
نينوى
3792
9352
1957
9,6
9,2
7,3
كركوك
2390
5580
1107
6,1
6,1
4,2
دهوك
272
683
158
0,7
0,7
0,6
أربيل
1421
4044
793
3,6
4,0
3,0
السليمانية
1890
4140
585
4,8
4,1
2,2
إجمالي كردستان
5973
14347
2643
15,2
14,1
9,9
باقي العراق+نينوى
33302
87646
23989
84,8
85,9
90,1
إجمالي العراق
39275
101993
26632
100,0
100,0
100,0
المصدر: الإحصاء السنوي لسنة 1976. بغداد. وزارة التخطيط. الجهاز المركزي للإحصاء 1976.
 
إن الصورة كلها تشير إلى بؤس العراق الصناعي, ولكنها تؤكد أيضاً البؤس الصارخ في كردستان, وهي موضوع بحثنا, إذ أن في الجنوب بعض الألوية الأخرى البائسة حقاً مثل العمارة والناصرية.
ولم تكن السنوات اللاحقة بأفضل حالاً من التي سبقتها في ظل حكومة البعث. ولست الآن بمعرض الحديث عن الجنوب الذي عانى من ذات الإهمال, إذ أن ما يطرحه الصديق النصير يمس كردستان العراق والحديث عنها مباشرة.
ولا أدخل هنا في تفاصيل القطاعات الاقتصادية الأخرى, ومنها الخدمات, أو الصناعات الكيماوية حيث يوجد النفط الخام والغاز والكبريت والفوسفات في كردستان, إذ أنها تحتاج إلى مقالات عديدة أخرى.
لقد كانت كردستان العراق مهمشة حقاً من حيث السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية والثقافية. ولم يأت هذا بسبب الشعب, بل بسبب السياسات الشوفينية والسياسات الاجتماعية الخاطئة والسيئة للحكومات المختلفة.
هل طالب مسؤولو إقليم كردستان بأكثر من استحقاق شعب كردستان في ضوء نفوسه؟ لم يطالب الكرد بأكثر من ذلك في كل الأحوال. هل نقف بوجه تلك المطالب, رغم موافقة القوى السياسية المتنوعة على تلك المطالب العادلة والمشروعة في المرحلة الراهنة؟
إن إقليم كردستان بحاجة إلى وضع استراتيجية اقتصادية جديدة على مستويين, على مستوى كردستان كإقليم أولاً, وعلى مستوى كونها إقليماً كردستانياً في إطار الجمهورية العراقية. ومثل هذه الاستراتيجية تستوجب تأمين الموارد المالية لإعادة بناء الإقليم وتسريع عملية التنمية الاقتصادية والبشرية وضمان مكافحة البطالة والفقر في الإقليم الذي همش طويلاً في مجالات السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية والثقافية. ولهذا فمطلب 17 % من إيرادات العراق أو حتى 20 % لا تعني إلا التوزيع العادل للموارد في ضوء عدد السكان في البلاد وتوفر الموارد الأولية فيها. إن عملية التنمية في كردستان لا تضر أحداً, بل تنفع الجميع والمطالبة بحقوق سكان كردستان العراق ليس تجاوزاً على الدستور ولا تمزيقاً للوحدة الوطنية, بل ممارسة مشروعة دستورياً ومعززة للوحدة العراقية التي يبدي الزميل بحق حرصه عليها, ولكن ليس بهذه الطريقة.
من حق حكومة إقليم كردستان أن تعقد الاتفاقيات الاقتصادية مع الدول الأخرى في إطار الدستور الكردستاني والعراقي, وأن تحصل على استثمارات أجنبية جديدة وقروض خارجية ميسرة, وأن تقيم مناطق حرة, وأن تقيم المشاريع الاقتصادية الصناعية والزراعية والتكريرية والطاقة الكهربائية التي تناسبها اقتصاديا واجتماعياً, والتي يمكن التنسيق فيها مع البرامج التنموية العراقية في عموم العراق. كما من حقها التنقيب عن واستخراج وتصدير النفط الخام العراقي أو استخدامه ما دامت تصب في ميزانية الإقليم وتنسق الأمور المالية بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية.
 
 تموز 2006                                                                                                                             كاظم حبيب
 


كاظم حبيب
حوار فكري وسياسي مع الكاتب والناقد العراقي الأستاذ ياسين النصير
3-4
هل هناك في الممارسات الثقافية الكردية ما يمزق الوحدة العراقية؟
لا أعرف السبب وراء إيراد الجانب الثقافي للممارسات الكردية ضمن عناصر السياسة التي تمارسها القوى القومية الكردية لتمزيق الوحدة الوطنية والوحدة العراقية. ويصعب عليّ فهم ذلك من زميل مثقف وناقد أدبي وعلى إطلاع ممتاز بالثقافة العراقية وبالتعدد القومي والثقافي في العراق.
ما هي الممارسات التي تقوض الوحدة الوطنية العراقي من جانب السياسة الحكومية الكردستانية؟ هل هي في مطالبتهم بأن تكون اللغة الكردية اللغة الثانية الرسمية في العراق واللغة الرسمية الأولى في كردستان, وهو حق مشروع دولياً وإقليمياً؟ أم هل في مطالبتهم في أن تدرس اللغة الكردية كلغة ثانية في المدارس العراقية في الشطر العربي من العراق, هو تجاوز على الأصول أم إساءة للقومية العربية أم إغناء للإنسان العراقي العربي أو غير الكردي؟ هل في إقامة مهرجانات ثقافية عراقية في أربيل والسليمانية هي تجاوز على الوحدة العراقية, كما حصل مع أسبوع المدى الثقافي الذي حصل في الشهر الرابع من هذا العام     2006, أم أنه إغناء وتفاعل وتبادل رأي بين العرب والكرد وغيرهم من المثقفات والمثقفين في العراق؟ أم أن قنوات الحرية التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني, التي تذيع برامج كاملة بالعربية من بغداد, أم البرامج التلفزيونية في قناة كردستان وقناة كرد سات, هي إساءة للوحدة الوطنية؟ أم أن جريدة التآخي والاتحاد العربيتين للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني, أم صدور مجلة رؤية عن دار مؤسسة حمدي للنشر في السليمانية وإصدار مؤسسات نشر وطباعة مثل ئاراس وحمدي وموكريان عشرات الكتب باللغة العربية ولكتاب عراقيين عرب أو عرب غير عراقيين باللغة العربية هي إساءة للوحدة الوطنية؟ ويمكن طرح عشرات الأسئلة في المجال الثقافي وحده.
أقول وأردد ما هو معروف للجميع: الشعب في العراق مكون من قوميات عديدة ولكل من هذه القوميات لغتها الخاصة وثقافتها الخاصة وتقاليدها وعاداتها وقيمها وطقوسها وأعيادها ...الخ. ولكل من هذه القوميات, أي  العربية والكردية والتركمانية والكلدانية الآشورية السريانية, الحق في نشر وتطوير ثقافتها القومية وبلغتها القومية, وهو إغناء للعراق كله وتعبير عن رؤية حضارية لحق الشعوب قاطبة في مثل هذه الوجهة السليمة. وهذا التطور الحر والحضاري الجديد للثقافات المتعددة في العراق يسمح في الوقت نفسه إلى تلاقح حقيقي وفعال في ما بينها وإلى إغناء متبادل, وهو ما كان يتحقق بشكل بسيط ومحدود قبل ذاك, في حين أن تفتح الثقافات الأخرى وفتح الأبواب على مصراعيها أمامها للتطور, يسهم في تعزيز التلاقح والتفاعل والتأثير المتبادل. وهو ما يسعى إليه العالم المتحضر وليس السلفي المنغلق على نفسه.
نحن أمام واقع جديد في العراق, وعلينا أن نهضم ذلك وأن لا نتشبث, كما يفعل لقوميون المتحجرون, الذين يرون في تطور الثقافات القومية الأخرى تهديداً للثقافة العربية وشعوبية صارخة تأتي بالغريب إلى الثقافة العربية وتحاربها. ثقافتنا العربية نعتز بها ونسعى إلى تطويرها وإغناء جوانبها المختلفة من خلال:
-       الاعتراف بحق القوميات الأخرى في التمتع وممارسة ثقافاتها الخاصة دون قيود أو حدود.
-       الاعتراف بأن وجود ثقافات أخرى إلى جانب الثقافة العربية هو إغناء فعلي متبادل لجميع الثقافات في العراق, بما في ذلك الثقافة العربية.
-       وعلى الثقافات المتعددة في العراق أن تتفتح وتنفتح على الثقافات العالمية كلها دون استثناء, إذ أن في ذلك إغناء وتطوير لها جميعاً, وهو بالتالي ليس تهديداً لأي ثقافة. إن السلفيين الراكدين فكرياً من العرب والمسلمين, أو حتى من قوميات وأديان أخرى, هم وحدهم من يعجز عن رؤية أهمية التلاقح الثقافي أو يخشى من الثقافات الأخرى على ثقافته, لأنه قلق وغير واثق منها ومن قدرتها على النمو والتطور والتقدم, في حين أن كل ثقافة تمتلك ذلك فهي تجسيد وتعبير عن النشاط الذهني والعملي للكائن الحي, للإنسان.
لا أضع الأخ الفاضل الأستاذ ياسين النصير في أي من هذه الخانات التي أراها سلبية وليس من حقي ذلك بأي حال, بل أرى وفق مطالعاتي لكتاباته الغزيرة أنه يقف إلى جانب ما أقول, لهذا استغربت من وضعه مسألة الثقافة وكأن الكرد يطرحون اتجاهات ثقافية تمزق الوحدة الوطنية العراقية, كما تفعل بعض الجماعات الإسلامية السياسية المتطرفة.
لا أشك في وجود من هو متطرف في المجال الثقافي وفي كل القوميات والثقافات في العالم, ولكن الحديث هنا عن القوى القومية أو الوطنية الكردية التي بيدها السلطة في كردستان أو التي تعمل في الإطار الجبهوي القائم وفي الحكومة الائتلافية القائمة في إقليم كردستان العراق, والتي تسعى إلى تثبيت معالم العلمانية في الدولة العراقية مع بقية القوى الديمقراطية العراقية
    تموز 2006                                                                                                        كاظم حبيب
 


كاظم حبيب
حوار فكري وسياسي مع الكاتب والناقد العراقي الأستاذ ياسين النصير
4-4
هل المطالبة بتحديد جغرافية كردستان تعتبر تمزيقا للوحدة الوطنية العراقية؟
 
إن مطلب الشعب الكردي وحكومته بتشخيص المنطقة الجغرافية لإقليم كردستان العراق ورسم حدود الإقليم لا يعتبر بأي حال مساً بالوحدة الوطنية العراقية, فهو مطلب عادل ومشروع. فالعراق الراهن يتكون من إقليمين عربي وكردستاني. ولهذين الإقليمين حدودهما التي يفترض تثبيتهما لا لأن الشعب الكردي يريد الانفصال, رغم أن هذا من حقه المشروع, بل لأن الشعب الكردي, وبقية القوميات المتآخية فيه, تعرِّضَ في إقليمه إلى سياسات وإجراءات تعسفية على امتداد العقود المنصرمة بدءاً من العهد الملكي وانتهاءً بالعهد الصدامي المخلوع, وهي:
1.     عملية تهميش وتمييز تعرض لها الكرد في إطار الدولة العراقية والتي تجلت في مختلف المجالات وسلب الحقوق بما في ذلك مجالات اللغة الكردية والثقافة. ويمكن في هذا الصدد إيراد عشرات الأمثلة الصارخة في كل من مجالات السياسة والاقتصاد والإدارة والقوات المسلحة والتعليم والخدمات..الخ.
2.     عملية تعريب وتطهير عرقي واسعة النطاق للكرد من إقليمهم من جهة, ونقل العرب من مناطق أخرى وإسكانهم في مناطق كردستانية من جهة أخرى. وقد تمت العملية الثانية لا لحاجة للسكان, بل بهدف إجراء تغيير سكاني (ديموغرافي) لتلك المناطق.
3.     التغييرات المتلاحقة للحدود الإدارية لمناطق العراق المختلفة بهدف دمج  وحدات إدارية كردية بمحافظات عربية بأمل اعتبارها جزءً من القسم العربي من العراق وليس من قسمه الكردي, وهي نية صارخة من جانب الحكومات العراقية المتعاقبة وخاصة في فترة حكم القوميين والبعثيين في العراق. ويمكن العودة إلى الوحدات الإدارية في العراق في عام 1962 ومقارنتها بما أنجزه البعث من تغييرات أدارية لنعرف حجم ذلك التغيير بقصد تعريب المناطق.   إن رسم الحدود الجغرافية وتنظيم الوحدات الإدارية يساهمان في تأمين المسؤولية المباشرة للإقليم على شؤون إقليمه والمحافظات التابعة له في آن واحد, بما في ذلك موضوع التنمية والموارد البشرية والمالية ..الخ.
4.     إنكار أن العراق مكون من إقليمين والادعاء بان العراق كله جزء من الأمة العربية ومن الوطن العربي, وأن هويته عربية فقط. وفي هذا تجاوز على الواقع وغمط للحقوق. وكان هذا الإنكار سبباً في الكثير من المشكلات.
وعلينا في هذا المجال أن نتذكر النقاشات التي دارت في العام 1961 حول هذه المسألة والتي ساهمت في خراب العلاقات مع حكم عبد الكريم قاسم وإعلان الثورة الكردية والحرب التي ساهمت جدياً في إسقاط نظام حكم قاسم. وعلينا أن نتذكر أيضاً محاولات البعث والقوميين في أعوام 1963 و1964 إقامة الوحدة مع مصر دون الاعتراف بحق الشعب الكردي بالفيدرالية داخل هذه الوحدة واعتبار العراق جزءاً من الوطن العربي والأمة العربية. 
إن النزاع الراهن حول كركوك أو خانقين أو غيرها هو ليس بالأمر الجديد, بل بدأ من عقود حين بدأت الحكومات العراقية بترحيل عشائر عربية إلى منطقة حويزة (الحويجة) في كركوك, وإلى رفض شركة نفط العراق بتعيين عمال كرد من أصل أهل المنطقة بل تعيين عرب أو كلدان بشكل خاص أو حتى أجانب من خارج العراق. ومن أجل حل الخلاف حول هذه المناطق وعدم تكرار المآسي التي مرت بالعراق, فقد تقرر وضع آلية ديمقراطية أتفق الجميع على ممارستها في محافظة كركوك التي يكسنها كرد وتركمان وعرب وكلدان. وهي التي نص عليها قانون الإدارة المؤقت ثم الدستور العراقي الجديد, ثم الاتفاق في ما بين القوى السياسية على أتباع خطوات في هذا الصدد تسمح بمعرفة عائديتها من خلال الإحصاء السكاني والاستفتاء ..الخ. لا شك في أن عائدية محافظة كركوك إلى إقليم كردستان يحرمها من عراقيتها بحكم طابعها الخاص: التعدد القومي والثقافي. ولهذا فاللجوء إلى الأساليب والأدوات الديمقراطية في معالجة المسألة هي الطريقة الوحيدة والمثلى التي يمكن الوصول من خلالها إلى البت في المسالة أولاً وإلى تعزيز التآخي لا في محافظة كركوك وحدها بل وعلى صعيد العراق كله.
إن ما قام به نظام البعث في محافظة كركوك وعلى صعيد كردستان العراق كلها يدخل في باب الذهنية والسياسات والممارسات العنصرية والإبادة الجماعية والتعريب القسري والتطهير العرقي. ومحاكمة صدام حسين القادمة بشأن مجازر الأنفال وحلبچة ستثبت للعالم كله ما قام به هذا الطاغية من أفعال إجرامية بحق الشعب الكردي في عموم كردستان والكرد والتركمان في محافظة كركوك التي يفترض أن تطرح أيضاً في سير جلسات المحكمة.
لقد تم كل ذلك يا زميلي الفاضل باسم العرب والعروبة وباسم وحدة العراق, فهل يفترض أن نكرر ذلك, أم يفترض أن نعمل من أجل التعلم من دروس الماضي القريب ومعالجة المسائل المطروحة بروح إنسانية بعيدة عن الربح والخسارة المؤقتة.
علينا أن نقول بأن العراق له هوية عربية وأخرى كردة وثالثة تركمانية ورابعة كلدانية آشورية سريانية, له هوية رافدينية وكردستانية وآسيوية ... الخ, ولكن علينا أن لا ننكر على الشعب الكردي هويته الكردية في العراق أو الهويات الأخرى غير العربية. والاعتراف المتبادل بذلك هو الذي يحمينا مما يطلق عليه الكاتب المبدع أمين المعلوف في كتابه القيم الموسوم "الهويات القاتلة".
لا يمكن حماية عراقيتنا, نحن العراقيات والعراقيين جميعاً, وممارستها بشكل فعال وإيجابي وجاذب, إلا من خلال الاعتراف بالخصوصيات المختلفة للقوميات والثقافات المتعايشة في العراق وبحقوقها المشروعة والعادلة.
وأخيراً ما كان بودي أن أسمع من السيد ياسين النصير شتائم من النوع الوارد في النص التالي:
"وبما أن الحديث عن أشخاص خرجوا من الحزب ثم بقوا يتسمون باسمه ونضاله ليس وقته الآن، لكني أرى ضررا كبيرا قد مارسه الحزب بسكوته عن عدم تعرية أولئك المشعوذين والسراق والبلطجية والأفاقين أمام قواعد الحزب وأصدقائه، وإلا سيبقى الخلل قائما". واشعر أن الخلل يكمن أساساً في هذا الأسلوب غير الودي إزاء أناس كانوا رفاقاً له, ولا يعرف مدى صحة الاتهامات الموجهة لهم ولا جرى تحقيق بشأنها أو محاكم أصدرت قرارات بها, ولكن مع ذلك يسمح لنفسه بأن يطلق عليهم تلك النعوت الغاضبة والسمجة التي تبدو وكأنها تصفية حسابات في غير محلها. أربأ به أن يلجأ إلى هذا الأسلوب في التعامل مع الآخرين ونصيحتي المخلصة له أن يكف عن توجيه مثل هذه الاتهامات أو ممارسة الشتائم, إذ أنها لا تعالج العلاقات بين البشر, بل تزيدها حدة وتدهورا. 
تموز 2006                                                                                                            كاظم حبيب    
  



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداعاً أخي عوني!
- لنعمل معاً من أجل وقف استمرار جرائم الاعتداء والقتل ضد الصاب ...
- هل من جديد في مشروع المصالحة الوطنية؟
- ملاحظات حول ما نشر عن الصديق السيد جورج يوسف منصور
- رسالة مفتوحة إلى قيادة وأعضاء وأصدقاء الحزب الشيوعي العراقي
- إجابات الدكتور كاظم حبيب عن أسئلة صحيفة -رابورت كردستان
- رسالة جواب مفتوحة على رسالة الأستاذ محمد العبدلي المفتوحة
- إيران في تصريحات الرئيس العراقي!
- موضوعات للمناقشة - مسيرة العراق القادمة في ضوء مستجدات الوضع ...
- هل لا يزال الدكتاتور صدام حسين يعيش عالمه النرجسي المريض؟
- هل من مستجدات في الوضع السياسي الراهن في العراق ؟
- عجز فاضح وبداية غير مشجعة!عجز فاضح وبداية غير مشجعة!
- من أجل نهوض جديد وتعاون فعال للقوى الديمقراطية في العراق!
- ماذا تريد المظاهرات الصدرية في مدينة الثورة؟
- من يساهم في استمرار انفراط عقد الأمن في العراق؟
- تصريحات بوش وبلير ومرارة الواقع العراقي الراهن!
- ماذا يكمن وراء الضجة ضد إقليم كردستان العراق؟
- هل ما تزال البصرة حزينة ... وهل ما تزال مستباحة؟
- مع مَن مِن العرب يفترض خوض الحوار حول المسألة الكردية؟
- المزيد من العناية بأطفال كردستان, بناة الحياة الجديدة!


المزيد.....




- السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
- الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
- معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
- طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
- أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا ...
- في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
- طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس ...
- السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا ...
- قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
- لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - حوار فكري وسياسي مع الكاتب والناقد العراقي الأستاذ ياسين النصير