أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد نوير - مقاربة نقدية في نصّ قصّصيّ















المزيد.....

مقاربة نقدية في نصّ قصّصيّ


عماد نوير

الحوار المتمدن-العدد: 5795 - 2018 / 2 / 22 - 02:50
المحور: الادب والفن
    


مقاربة نقدية لنص قصّصيّ بعنوان (احتفال) للكاتب حيدر الكعبي.

اِحتِفَالٌ
رَكبتْ أُرجُوحَةَ العيدِ، تَهزُّها يدٌ مُرتعشةٌ، مِنْ غَمرةِ السّعادةِ سَقطتْ، تلاقفتْها أنيابٌ عَطْشَى، اِرتوتْ عُروقُ الإثم.. في عَزاءِ الخِزْيِ واسَتْهَا دُميَةٌ بِلَونِ الشّرفِ المَسْفوح.

مقدّمة
أثر النّص
النصّ الجيد و القصّصي حصرا يُعرّف عن نفسه بدءاً من عنوانه، ثم الاختيار الأمثل لاستهلاله، مرورا بكل ضوابط و مقومات هذا الجنس الأدبي المعشوق، و المحبوب بدرجة تفوق باقي الأجناس الأخرى.!
القصة عامة و القصة قصيرة جدا خاصة، يجذبها للقارئ أسلوب الحكاية، و قابلية المتلقّي على تقمّص شخوص القصة، و لعب دور الفاحص و المراقب عن كثب، فضلا عن انجراره إلى أروقة الحكاية و العيش في أجوائها و هضم أحداثها، و تحمّل معاناتها و الانتشاء في أفراحها، و الانكسار مع أتراحها، فهي إذا كائن حقيقي تجسّدي، صِيغَ بطريقة أدبية تتفاوت جماليتها من كاتب لآخر، و كلما غلبت الصبغة الفنية العالية على جودة النّص، كلما كان أكثر حظّا لقبول القارئ و الانصهار في بوتقة حكايته التي يبحث عنها و لا ريب.! كلما كان أكثر قدرة للخلود في ذاكرته و منحه بهجة و نشوة هي الهدف المنشود من الانكباب على قراءة نص أدبي يستطيع أن يعالج ما يحيط بالفرد من مشاكل مجتمعية، و ما يعتمر في نفسه من خلجات وجدانية.
و بين يدينا نصّ له قدرة على الإمتاع و عرض الحقائق بطريقة رائعة و جميلة و بأسلوب قوي، يبتعد كثيرا عن تأطير القصص الدرامية بإطار كلاسيكي، و عرض روتيني لحكاية تمر علينا يوميا بأرض الواقع، و بكل وسائل الإعلام المرئية و المقروءة و الإلكترونية، و لكن الأسلوب المتفرّد و غير المنصاع إلى قيود التقليدية و التكرار، هو وحده من يفرض علينا التصفيق و الشكر و إعطاءه درجة التميّز.

الفكرة
جور مقنّع
الجريمة بكل أشكالها، تفتك بمجتمعاتنا بطرق متعددة و بأسماء شتى، بعضها صريح لا يقبل تأويل و لا تنطلي عليه حيلة تبرير، و بعضها الآخر يسير غير آبه لأحد، يرتدي ثوب القانون الفضفاض، و يتّكئ على جدران أُعدت له سلفا، و النتيجة المجرّدة من كل لبس أو تدليس، أن هناك جريمة حصلت و تحصل، يغرّر بالضحية بأساليب تناسب عمره و جنسه و اعتقاده و توجّهه، إنه احتراف في ممارسة الجريمة.!
و الاغتصاب الوحشي من أبشع أنواع الجرائم التي تهدم المجتمع و تجعل منه غاب بسماء مظلمة، الاغتصاب كلمة وحدها تدمي القلب و تقبض النفس، فكيف إن كان الاغتصاب لطفلة لم تبلغ بعد مبالغ النساء، اغتصاب هو في حقيقته مرض يعيش في عقول مختلة لهكذا انحرافات كبيرة، مرض التجسّر و التطاول على شريعة الله و الأخلاق و البراءة و العرف و الاجتماعيات العقلانية.
ربما يقودنا الكاتب أو ينوّه إلى قضية في غاية الأهمية، قضية زواج القاصرات، و الأنكى من ذلك، زواجهن بكهول و فحول منهومين على ممارسة وحشية لا تستند إلى عاطفة قدر استنادها إلى إطفاء رغبة سقيمة!

العتبة
احتفال
عنوان يشي بفرح غامر لا يقتصر على مباهج فرح بسيطة، لكنه يتعدى الأمر إلى احتفال و إعلان سبب الفرح في مظاهر احتفالية، و الاحتفال على الأغلب يكون واضحا و جليا و مشخّص و معروف، فهذا احتفال لتخرّج طلبة جامعة كذا، و هذا احتفال بنجاح الفلم السينمائي الكذائي، و هذا احتفال لزواج قيس على ليلى، و هكذا...
و مفردة احتفال هكذا جاءت بصيغة التنكير لتجعل من الدلالة مفتوحة و ذات أُطر واسعة و أبعاد عميقة، و رؤية غير محددة في جانب واحد، فتبقي آفاق المتلقي باحثة عن ماهية الاحتفال و أسبابه و شكله و كيفيته، و إلى أين يريد بنا الكاتب و الاحتفالات كثيرة، و أجمل العناوين تلك الموهمة أو التهكمية، و التي تُظهر شيئا و تُبطن آخر، و قد يكون المقصود من العتبة إننا أزاء قصة احتفالية بأحداث حزينة، شرّعت لها الظروف، و هيّأت لها الأقدار طابع الفرح على حساب صبغتها الحقيقية، إلّا و هي الألم و الحسرة و الحزن العميق.

المتن
نصُ مكثّف من خمسة و عشرون كلمة فقط، كُتِب بطريقة النفس القصير جدا، فبِست جُمل قصيرة وصلت إلينا الفكرة جلية، و بمعدل أربع كلمات لكل جملة، تكون القصة قد جاءت بشكل شاعري، يجذب القارئ بقوة، و قد حافظ توازن جملها و اعتداله مع بعضه البعض على روح الاسترسال السهل و المغري، فأربع جمّل جاءت على نحو واحد من ثلاث مفردات، فيما جاءت جملة واحدة من أربع، و الخاتمة كانت الأطول، و كان الأجدر أن تكون أقصرهن، أو مثيلتهن لما لهن من قصر و إيقاع سريع و غير متكلّف، و غير موقف للأنفاس، لكن ذلك لم يكن مشوّها الخاتمة الطويلة نسبيا، و لم يشعر القارئ بملل أو نفور من قفلة أدّتْ وظيفتها بصورة جيدة.

((رَكبتْ أُرجُوحَةَ العيدِ))
مشهد طفولي بريء، فأرجوحة العيد يركبها على الأعمّ الأغلب أطفال ينتظرون قدومه يوما بعد يوم، ليصرفوا مدّخراتهم على ألعابه مع مَنْ يحبّون، جملة استهلالية ذكية، أعطت دلالاتها الثلاث من حيث تشخيص عمر البطلة، الذي هو دون الخامسة عشرة، و الحالة التي تبدو عليها، كونها في عيد يفرح الأطفال، و الدلالة الأهم و هي الركوب التي تفيد لتهيئة القارئ لأزمة الحكاية، و انتظار كيفية تواصل الحدث مع ركوب لا يفضي إلى لا نهاية، بل إلى حتمية نزول، فبأي صيغة و بأي حال ستكون البطلة حين تقفز من الأرجوحة!

((تَهزُّها يدٌ مُرتعشةٌ))
إنها طفلة، ترعاها يد حانية، ترتعش خوفا عليها من أي طارئ، ترتعش من خيال ربما يخامر صاحب اليد، خشية من وقوع محتمل، أو اندفاع طفولي و حماس فطري يودي بها للقفز في وقت لا يتناسب و مرحلة الأمان.

((مِنْ غَمرةِ السّعادةِ سَقطتْ))
سير الحكاية يبدو منطقيا جدا، لم نجد لحد هذه اللحظة الأزمة الحقيقية في النص، فالأم أو الأب يؤرجح طفلته، يعيشان معا لحظات سعيدة، و وقتا استثنائيا في يوم عيد جميل، و فجأة تسقط الطفلة من الأرجوحة، و السبب كما يورده الكاتب كان من فرط السّعادة و الفرح!!!
و هنا نقف لنتساءل، مالذي يريده الكاتب، هل يكتب لنا أخبار يوم عيد لا أكثر، أم أنه يهدف لما أعمق من ذلك بكثير، فنعيد الكرَّة من جديد، فكان ركوب أرجوحة العيد مجازا، و رؤية تعبيرية عن فتاة قاصرة مازالت تفكّر تفكيرا طفوليا، يشبه ركوب الأراجيح في الأعياد، ركبت موجة وعود تبعث على حياة ترفل بالسعادة و الهناء، كتصوير الحياة الزوجية لقاصر بأنها حياة مثالية و سوف تتحقق فيها كل الأحلام التي راودتها في فترة العمر القلقة، فتقتنع و تمتطي صهوة الأمل الجميل الأخضر، و ما كانت اليد حانية و محافظة و رحيمة و لا رؤوما، كانت يداً ترتعش انتظارا و تأهبا للانقضاض على الفريسة، يد ترتعش تبني وكرا وحشيا تمضغ به بنهم مقرف كل علامات الجمال و البراءة و الليونة و الطراوة، تحت مسمّى الزّواج و الرحلة الحميمية، كانت يدا ترعى مصالحها و تهزّ النضارة بارتعاش تتعجل العلاج إلى مرضها الذي تطفأه النزوات.!
و هنا يأتي معنى سقطت من غمرة السّعادة، لنجد أننا أزاء قصة مؤلمة و ليست استمرارية حقيقة في أفراح صحيحة، فسقوطها كان من سعادة واهمة، و أرجوحة كاذبة، و زيجة صفقة و ملذات و شهوة، ليتضح بأن غمرة السّعادة ما كانت إلّا ضربا من خيال و إيهام لا أكثر.

((تلاقفتْها أنيابٌ عَطْشَى، اِرتوتْ عُروقُ الإثم))
انتهت المسرحية الهزيلة، و تمّت الصفقة المشؤومة، لتكشّر الذئاب عن أنيابها، أنياب يصفها الكاتب بالعطش، و هو إشارة إلى تكرار المشهد مع أخريات، فالعطش و الارتواء أمر لا ينتهي، و الناب صورة مقرفة لوحش ضار، يغرز أنيابه في عنق الضحية، و يمص دماءها فضلا عن نهش لحمها الطري، لترتوي العروق الآثمة من دماء طاهرة نقية مغرر بها، لا تعلم من أمر التبييت و الخيانة شيئا.

((في عَزاءِ الخِزْيِ واسَتْهَا دُميَةٌ بِلَونِ الشّرفِ المَسْفوح))
الكاتب يقفل قصتة بطريقة دائرية، و يرجعنا إلى الاستهلال مؤكدا أنها قصة العُرف المخزي، و الفتوى الضيّقة الأفق، و الفهم القاصر لحقوق الطفولة، و الخلط بين تزويج المرأة المبكّر و بين بيع الطفلة المقزز والمنفر، يعيدنا إلى حيث ركبت الأرجوحة، ليربطها لنا بدمية حمراء دلالة على طفولية العروس فالدمية لا تواسي بالغا، و لا تشعر أزاءه برغبة في الانسجام، و الدمية تتحرّك فيها الحياة كلما رأت طفلا، و البنت لا تفارق ألعابها حتى أوقات متأخرة من العمر، ففي داخل كل امرأة تقبع طفلة، قد تدفعها لحمل أغراضها و دُماها معها في حقيبة عرسها حين قدومها لبيت جديد.
و الدمية هنا كانت بلون الشرف المسفوح، و لا يغيب عنّا ما للّون الأحمر من دلالة كان يرمي إليها الكاتب نصاله، فالوردة الحمراء، و الدمية الحمراء التي ترافق الفتيات على الدوام، هي محاكاة شعورية للحب الذي تحمله كل فتاة في ثنايا القلب، ترتحل معها في أي مرحلة من مراحل عمرها، و هنا تتبدد كل أحلامها في الحب و لا يبقى منها سوى دبّ أحمر ربما كانت هدية فالنتاين، وحدها الدمية من تواسيها على شرفها المضرّج بدمائه التي تشبه لونها القاني، فإما أن يكون حدث القصة اغتصابا و ليس زواجا، اغتصابا و ذبح للشرف على صخرة الرذيلة، و إمّا و هذا هو المرجح عندنا، أن الإشارة للشرف المسفوح في نهاية زواج مهما كان شكله، ما هو إلّا أعلان صرخة من الكاتب، بأنه يرفض قطعا مثل هذه التجاوزات على الجنس البشري في وقت الحداثة و التحضّر و المدنيّة، و اعتقاد صريح بعدم وجوب و تصديق مثل هذه الترهات و هذه الحالات المرضية، تحت مسميات الزواج المبكر، باسم الشرع..!

حبكة النص كانت على درجة من الإتقان، بحيث لم نجد ثغرة أو توقّف أو اختلال في مبنى النص و معناه، و الرمزية التي نهجها النص بدت كأنها تحكي قصة عيد و أراجيح حقيقية، و حتى بعد تفكيك النص تبدو احتمالية تأرجح في عيد و يد تنتظر النهاية، أمرا مقبولا، و هذا ما يحسب للبلاغة في ترميز بطريقة سهلة و يحتمل حضورها في أرض الواقع.
اللغة كانت رائعة و لم تسجّل أي إخفاق، عدا أن تشكيل مفرداتها جاء مزيّنا النص بشكل جميل...
شكري لكاتب النّص الأستاذ حيدر الكعبي و شكري لكل من بذل من وقته في قراءة مقالنا هذا.
تحيّتي و الودّ.. عماد نوير...



#عماد_نوير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاربة نقدية


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد نوير - مقاربة نقدية في نصّ قصّصيّ