أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله الزهري - تاريخ مختلق لواقعة الأب الذي حرض ابنته على الإنتحار















المزيد.....

تاريخ مختلق لواقعة الأب الذي حرض ابنته على الإنتحار


عبدالله الزهري

الحوار المتمدن-العدد: 5762 - 2018 / 1 / 19 - 14:39
المحور: الادب والفن
    





صوت الأب:
في قرية صغيرة من قرى الشمال انهيت المرحلة الثانوية قبل ثلاثون سنة، اختار والدي المتقاعد حينها ان هذا هو الوقت المناسب حتى ننتقل إلى المدينة إلى جانب إخوته الذين نزحوا إلى المدن قبل سنوات طويلة. تقدمت إلى الخدمة العسكرية صحبة عمي الذي تربطه صداقة بأحد أعضاء لجنة الفحص والاختبار العسكري. وبعد أن اتممت الدورة العسكرية تزوجت ابنة عمي. كانت كل حياتي بعد ذلك تعود لفترة الزواج الأولى لتقارن بها كل شيء. زرقني الله بابنتين جميلتين. دخل بعد ذلك عبدالرحيم إلى حياتي. ما ارق وجهه وابتسامته التي لا تفارقه، حتى شعرت كثيراً أنه يتصنعها. هداني الله بعد ذلك إلى رحلة الحج بصحبة عبدالرحيم وجماعته. والتزمت بالفروض وعُرفت كشخص مواظب على المحاضرات الدينية في مساجد المدينة. داعني هذا الإطمئنان الذي يغلف حياتي إلى تقديم استقالة مبكرة من عملي والبدأ في مشروع تجاري صغير. لا اعرف كيف اصبحت بعد خمس سنوات فقط احد أهم تجار المدينة.

صوت البنت:
ستبقى أختي فاطمة توأم روحي تحمل معها كل ذاكرتي. لولا فاطمة لفضلت أن احفر في الأرض حفرة حتى تخترق الجهة الأخرى منها لأهرب من كل شيء. ليس لدي أسرار اتلاعب بها مع فاطمة كما اتلاعب بصديقاتي في المدرسة. شيءٌ ما في علاقة الأخوة تجبرها على الثقة أكثر من الصداقات التي تصادفنا في الطريق مع أني أود صديقاتي جدا واكاد اعبدهن. لم اكن اعرف حينها أن العالم سيختبرني وسيُعريني ويسد فمي بحجارة تتناثر معها أسناني. احبتْ فاطمة، وكان عليها أن تتزوج حبيبها دون تعرفه جيداً. لكن الزواج لم يحصل، رفض والدي الولد بسبب أخلاق عائلته التي وصفها لنا بالوضيعة بعد أن تناولا الولد ووالده العشاء وخرجا وهما موقينان بالرفض. حينها اخذ أبي يستدرج أمي محاولاً أن يعرف كيف تعرفت فاطمة على الولد، ويختلق مشكلات مع أمي ومع فاطم. تحول أبي فجأة إلى مارد يمسح بعينيه ملابسنا وعبائاتنا ويتأكد أننا نلتزم بكلامه، العباية على الرأس، القفازات ساترة، العيون لا تُرى. وكل مرة كنت وفاطمة نقترب منه في المساء ونحاول أن نسليه ونفتح معه حديثاً مثل أيام زمان ينقلب الحديث سريعاً إلى محاضرة مكررة عن الفتن والشهوات وأننا في نهاية الزمان. حينها اقتربت من زميلات المدرسة اللاتي كنت اتجاهلن بسبب هيئة لبسهن للعباية التي اصبحت ارتديها مثلهن.

صوت الأب:
اعرف أننا في آخر الزمان وقد تقوم القيامة في أية لحظة، كل يوم جمعة هو محنة كبيرة لي، اتلصص على الأصوات أيها سيكون هو صوت النفخ في الصور. عدت من رحلة الصين مرتعباً كيف يسمح الله لهؤلاء الكفار أن يعيشوا بلا أخلاق ولا دين، اعوذ بالله مما رأيت!. النساء مع الرجال في كل مكان، في المكاتب وفي الشوارع والمطاعم. كيف ينحط البشر لهذا المستوى؟ لازلت اشعر بدناءة نفسي لما جلست مع امرأة لاتمم معها الصفقة. كيف يتحمل رجل أن تكون امرأة مديرته؟ تعطيه أوامر ينفذها الخنزير وهو يبتسم. لو كنت مكانه لشددتها من شعرها ومسحت بها كل أرضية المصنع. وربما اغتصبتها حتى تعرف قيمتها ومكانها الصحيح. آه ولكن ماذا اقول؟ كانت بشعة وجميلة، مثيرة تلك المديرة الصينية الوقحة وهي تتحدث بصوت عال ومبحوح، بشرتها بطعم العسل ورأيت عيني نهديها تطالعني من تحت ثيابها الضيقة. اي والله كنت اغتصبتها استغفر الله العظيم، أو تزوجتها لو قبلت أن تشهد الشهادة وتجلس في بيتها حيث تنتمي. كل النساء ضعيفات لا يصلحن لأعمال الرجال، يسهل الضحك عليهن واغتصابهن.. استغفر الله العظيم. المرأة هي الشيطان لعنهن الله. سأزوج فاطمة هذا الصيف لابن الشيخ محمود الناري، ابن بار وخطيب جامع وسيكون قاضياً في ظرف أربع سنوات ومن قبيلة تشرفنا. وسأزوج اختها الملعونة التي تحدق في عيني بعينين متحديتين بداية السنة، فوراً علي أن اتخلص من هذا العبأ، قبل أن تقوم القيامة أو تفضحني احداهن وتمرغ وجهي في التراب، فوراً سأتخلص قبل أن يحل العار وافقد شرفي.. وإلا كيف تعرفت فاطمة على هذا الولد من خلفي؟؟ هل قابلته؟ هل قبلها؟ آه يا رأسي، لعنة الله على النساء مليون مرة حطب جهنم العاهرات. فوراً علي أن اتخلص من هذه الأجسام التي بدأت تتكور في بيتي قد ملئتها الشهوة والفضيحة.

صوت البنت:
اليوم مر شهر على زواج فاطمة من أحمد وكل يوم تزيد النار في رأس أبي. واليوم أيضاً فتح الله لي باباً إلى الجنة، خرجت بعد دوام الكلية مع عادل. نصف ساعة قطعة كاملة من النعيم. كلٌ منا يحمل ضعفاً وإثماً اهداه إلينا أهالينا. وجعه يشبه وجعي ولونه يشبه لوني، وهو سيقول أنه سينقذني من المسلخ.. هذه تسميته لبيتنا، أنا اعرف اني سأنقذه أيضاً من شقاء الكد والتهميش في حياته. سنخرج إلى النور معاً يا عادل، أنا متأكدة من ذلك. قلتها لك اليوم بجدية اضحكتك وهأنا اكررها الآن في نفسي مؤمنة بذلك، ربما تضحك الآن. أما هذا الجحيم الذي تقف فيه أمي كالملاك الحاجب الأخرس على باب جهنم فسألعنه واحرقه فمن فيه. الشيخ أبي التاجر الورع بات يتفصح جسدي بلمحات عينيه السنورية! المنافق الكذاب يصرخ في وجهي دائماً لأنه لا يراني إلا فرجاً ينكح، وماذا يفعل بهذا الفرج في بيته؟ لست حمقاء ولن اقع في خطأ فاطمة وآتي بعادل، سأنتظر حتى يموت هذا الوحش او اقتله او اصبر مع عادل حتى يقف على قديمه واهرب من وجوه هذه الحيطان. قلبي عليك يا فاطمة، من حيطان متآكلة إلى حيطان جديدة مطلية. أما أنا فستكون حيطاني هي يد عادل ووجه عادل وحضن عادل. لن انتازل، سأحتمل حتى النهاية ولكني لن اخسر، أنا متيقنة اني سأنجو.

صوت الأب:
أخاف من العودة، تصطف وجوه زملائي الشيوخ امام وجهي تحتقرني. وأخاف أيضاً أن يعتقدوا اني هربت. مضت أسبوعين وأنا منعزل في مدينة الرسول عليه السلام. انام في الروضة واستخير الله أن يرشدني كيف اتصرف. مضى ذلك اليوم كالحريق، لقد جرستني ابنتي. لملمت كل اسمي وتاريخي وشرف قبيلتي الذي بنيته بعرقي وتعبي وداسته بقدمها لعنها الله في لحظة فاجرة. كان الضابط يعرفني جيداً وأنا اعرفه جيداً، انه ابن ضابط قديم خدمت معه. لكني اعلم يقيناً أن الخبر سينتشر! “ابنتك ضُبطت في خلوة غير شرعية، صدقني لن اكمل هذه الأوراق، فقط استلمها من توقيف النساء.. كنت اود أن اتعرف عليك في ظرف اخر.. أما الولد فسيبقى معناً قليلاً حتى نعرفه خطأه.. أنت وابنتك في مأمن يا شيخ!”. هل كان يسخر مني هذا الكلب؟! انام في روضة الرسول فاستقيظ مفزوعاً من كابوس ابنتي التي افتتحت مرقصاً في مدينتنا وبات كل شيوخي وزملائي التجار زبائنها كل ليلة. بعد أن حكى لي الضابط القصة استلمت ابنتي ككيس قمامة، حل عليّ هدوء غريب وسكينة من فضل الله ولطفه، انزلتها عند باب البيت وتوجهت رأساً إلى المطار. انها تمشي على خطى أختها. لا اعرف إن كن هؤلاء بناتي حقاً أو أن أمهن خائنة وعاهرة مثلهن. يا رب لا تلمني وقوني. خلوة غير شرعية في فندق.. ابنتي أنا! يا للعار. ماذا فعل بها ذلك الخنزير؟! قبلها ثم دس رأسه بين نهديها ثم بصق على شرفي وبصقت هي على اسمي واسم قبيلتي. سأعود.. نعم سأعود فقط لاطهر اسمي واحميها من نفسها وعهرها، قد وقع ما كنت اخشاه. سأعود لاطهرها من ذنبها واقنعها أن تعود لرشدها وتتوب قبل أن تلقى ربها.

صوت البنت:
هل عليّ ان اتذكر في كل لحظة تفاصيل ما حدث مرة بعد مرة؟ وادقق في كل مرة علني اجد أين اخطئنا؟ لماذا سمحنا لهم أن يبعثروا خططنا وأحلامنا؟!. سقطت كل الحيطان على رأسي وبقيت جثة تحتها بانتظار من ينتشلني ويقرأ تأبيني. هاهو عادل اغلق باب الجنة مرغماً وهو يحدثني من مكتب الضابط.. كل شيء سيكون تحت المراقبة. اريد أن انام ثم استيقظ ليكن هذا كابوساً يا ربي. مضى على اختفاء الوحش أسبوعاً حتي الآن، وهاهي أمي ترتب لي شنطتي لاسافر معه إلى حيث لا اعرف؟؟. تحطمت قوتي فجأة، هل كنت ضعيفة أصلاً واتظاهر بالحب والقوة؟ هل كان من الممكن أن يعيش انسانا تحت هذه الظروف ويُنتظر منه أن يكون صلباً ومتزناً؟ يا قلبي علينا يا فاطمة! المسكينة تعيش في المجهول، تحولت توأم روحي إلى أذن كبيرة تستمع لقصصي في الهاتف وتهمهم ثم تستأذن لأن جلادها قد وصل. لن اخبرها عن شيء، وماذا يوجد حتى اخبرها، هل تفيد الثرثرة والفضفضة وهل ستغير شيئاً أم ستزيد ألمي وضعفي؟! أنا مستعدة أيها الوحش! تعال لتأخذني إلى مدينة أخرى، خذني ودسني عند زوجتك الثانية التي لا نعرف سوى خيالها في روؤسنا وحتى اسمها لا نعرفه. ربما تكون احن عليّ منك ومن أمي ومن العيون الهائجة في الشوارع والطرقات ومن كل شيء يحتقرني لأني ولدت محملة بفضيحة محتملة وعار أبدي، أنا الأنثى فضيحة رغباتكم الشبقة وضحية ذنب لم ارتبكه إلا في عقولكم المريضة.

صوت الأب:
اسمح لي فضيلة الشيخ أن اقص عليك ما حدث بالتفصيل. اردت أن انفرد بابنتي حتى نتحدث بهدوء ويعلم الله اني نسيت أو تناسيت ما وقع منها فاقترحت على أمها أن اسافر بها إلى بيت رسول الله فتأخذها الطمأنينة وتراجع نفسها وتثوب لعقلها، واخترت أن نسافر براً حتى يسمح الوقت لي بنصحها ومصارحتها، لكنها فضلت أن تصمت لم تجب بحرف واحد وقد وضعني هذا في حيرة كبيرة وسألت نفسي هل هي مصرة وتكابر أم هي نادمة وتشعر بالحياء والذنب. بعد يومين بجوار الحبيب عليه السلام رأيت أنه لا فائدة من اطالة المكوث، عدتُ بها وفي طريق العودة بدأت تتحدث فجأة من نفسها، قالت انها تريد أن تتطهر من ذنبها وأنها تعتقد ان الشيطان يعبث بعقلها ولا حل لها إلا أن تودعنا وترحل حتى لا يجرها إبليس في حباله ويأتيها الموت وقد غرقت في السواد والخطايا. لم اقاطع حديثها ولكني قلت لها لمرة واحدة هذا انتحار يا ابنتي واعتداء على النفس يصير بك إلى النار.. قالت لي ان الله عليم وكريم ورحيم، ويعلم انها ستقتل نفسها فداءً من إغواءات الشيطان وألاعيبه. والله يا فضيلة الشيخ اني لم اقتنع حتى الآن بكلامها ولكنها أصرت اصراراً عجيباً. وقعتُ تحته كالمتخدر لا استطيع أن احتال معه حيلة. ولما وصلنا البيت في أول المساء اخذتُ أمها إلى بيت إخوتها وعدت بابنتي إلى البيت. دخلتْ أمامي مجلس الرجال بعبائتها وعينيها تسيل دموعاً لا تتوقف. تنظر إلى وجهي وتبكي، سامحها الله. وفجأة قالت بصوت عالٍ سيطر علي وشلني: بابا هات سكينة! مشيت لا اعرف ماذا افعل، قوة ما تسيطر علي يا فضيلة الشيخ لم اشعر إلا وأنا اناولها سكينة اللحم الكبيرة، تناولتها بيد ثابتة وواثقة. قالت: بابا أرجوك ساعدني للمرة الأخيرة. وضعت يدي على يدها ورفعت حد الشفرة على رقبتها اعلمها كيف تفعلها، وقبل أن اقول لها أني سأتركها تفكر جيداً وإن عزمت فلا تنسى أن تتشهد كان دمها قد نشَخ في وجهي. سامحها الله يا فضيلة الشيخ. لقد اغوتني حية وميتة. سامحها الله يا فضيلة الشيخ..



#عبدالله_الزهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قط من السعودية


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله الزهري - تاريخ مختلق لواقعة الأب الذي حرض ابنته على الإنتحار