أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف 1 ايار - ماي يوم العمال العالمي 2016 - التطور والتغييرات في بنية الطبقة العاملة وأساليب النضال في ظل النظام الرأسمالي والعولمة - سامي عبد العال - رأسمالية الوهم















المزيد.....

رأسمالية الوهم


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 5142 - 2016 / 4 / 24 - 11:15
المحور: ملف 1 ايار - ماي يوم العمال العالمي 2016 - التطور والتغييرات في بنية الطبقة العاملة وأساليب النضال في ظل النظام الرأسمالي والعولمة
    


يرتبط الوهمُ عادةً برأس المالِ في ثقافةٍ لا تشغلها إلاَّ الرغبات السائدة(استهلاك- فساد- مشروعات مزيفة- طقوس أيديولوجية- أنظمة مستبدة- لاهوت اقتصادي). ولهذا إذا حدَدَ المالُ مجالاً معيناً فإنَّ أوهامنا تعطيه سطوتَّه الأوسع. أخطر شيء يصاحب الاقتصاد: هذا التخييل الغرائزي للمصالح إذ لا يكفُ عن المزيد. وفي عملية اجتماعية ليست بعيدةً عن الأسواق يجري الغنى كرغبة نهمةٍ بشكلٍ فاحشٍ. ليصبح المجتمعُ صراعاً شرساً حول امتلاك تلك الرمزية. فأينما يتنقّل رأس المال يستقطب تقديراً اجتماعياً فائضَ الخواء. أقرب ما يفعل أنْ يرسِّب قواه الخفيةَ في أنماط الممتلكات والمظاهر والسلوك العام.
وضع كهذا أشبه بصراعات الآلهة في الأساطير اليونانية القديمة فوق جبل الأوليمب. رأس المال أحد جبال الأوليمب الباقية منذ بداية الأنظمة الاقتصادية. وهو في مداه الأبعد وسيط medium يبلور الحركة الاجتماعية ويذيبها. وليست تجليات الانحراف في السياسة والثقافة والفكر الديني بمنأى عن الوسيط السابق. علينا أن ننتقد طبيعة هذه الأوهام. وعلينا معرفة كيف تنشأ داخل الاقتصاد وخارجه؟ ولماذا تتسعُ إلى درجة يصعب السيطرة عليها؟
تاريخياً أطلقت الحقبة الحديثة رغبة الثراء الاستعماري العابر للقارات. لقد جرى نهب الثروات بلوغاً إلى الأصول الطبيعية للدول. وصاحبت ذلك عمليات تدمير موازية لأبنية المجتمعات المستعمَّرة حتى كادت أن تختفي. ولم تشفَ المجتمعات المستعمرة من ذلك النهب الاقتصادي إلى الآن. وإذا أبان عن شيء فقد أظهر التحول السياسي للرغبات على نطاق الجماعات البشرية. وأعاد الإنسانية إلى دائرة القبيلة مرة أخرى. حينما كان الصراع بارزاً للأقوى ومحسوماً له. فرضية دارون القائلة بالبقاء للأقوى تصح إزاء هذا الاستيلاء الاقتصادي على مقدرات الأمم.
النموذج الاستعماري لم يخبو لكنه أخذ تنويعات ما بعد حداثية. طرح نفسه مرةً باسم التنمية المستدامة، ومرةً بأحزمة المساعدات العاجلة، وغيرهما بأساليب اقتراض تشترط برمجة الاقتصاد المحلي وفق أهداف تناقضُ قضاياه. واستطاعت قوى الرأسمالية عالمياً نصب فخاخ الاستدانة بالهيمنة على حركة التجارة والشركات القافزة للحدود والمنظمات الاقتصادية الدولية. هكذا ظل الرأسمالُ ذا طبيعة جيوسياسية تقتحم الهويات وتنتهك موروثات المجتمع. ما يهمه في المقام الأول بلوغ مآربه بمساعدة قراصنة الأموال بصرف النظر عن مساعدة الفقراء.
إنْ كان ذلك على مستوى الدول فإنَّ ثمة حيلاً بديلة على صعيد الأفراد. أكبر ما نجحت فيه الرأسمالية ليس تأسيس الأسواق ولو كانت مبهرة إلى حدِ القداسة. لكنها جعلت نمط الاستهلاك رغبة شبه كونية لا ترتوي. كانت الأسواق تتويجاً لحركة الليبيدو الفرويدي. هذا البعد الشهوي الذي ينضحُ برغبات سحيقةٍ لدى الإنسان. وهي حركة تخترقُ جميع مظاهر السلوك فردياً وجمعياً. فليس ارتياد الأسواق أقل شأناً من ارتياد الأندية الرياضية أو ركوب حلبة المصارعة السياسية واستعمال كافة الألاعيب لسحق المنافسين. وليس ذلك أيضاً بأقل من اقتصاد الإرهاب والجماعات الدينية عندما يتاجر بالبشر والأدمغة. بالمثل ينضم إليه انتشار الإيديولوجيا وترهل الوعي حول انشطة الغوغاء والتغييب الشعبي في العبادات والطقوس والأغاني.
لدينا ثلاثي عتيد تتأرجح عليه الأوهام: الاقتصاد(رأس المال)- الأيديولوجيا(الأفكار– الخطابة- السياسة)- الدين( الخطاب- الطقوس- الطوائف- الجماعات). ليس من رأسمالٍ تتوزع أسواقُه على غرائز الجموع دون عنايته بهذه العناصر. عنايةٌ ما بعدها عناية لأنَّها تمدَّهُ بشريان الحياة الضروري لازدهاره. فالاقتصاد هو جسد الرغبة الواضحة في الثراء والتملك والظهور. ثم تغلفه الأيديولوجيا فيغدو صدَّفةً براقةً يخاطب مصالحَ الجموع ويناور على رغباتها الوقتية. فيأتي الدينُ توثيقاً لها بختمٍّ سماويٍّ لا ينازعه فيه منازعٌ.
وهذه أزمة المجتمعات العربية والاسلامية. أنَّها لا تستطيع نقد الأوهام ككيانات رأسمالية. لأنَّها تشكلت في طباقٍ ثقافيةٍ بنفس التكوين السالف. من أدنى الأفعال الاقتصادية وصولاً إلى مشروعات كبرى محاطةً بهالة السلطة أو الاستبداد أو الأدلجة الدينية. المهم أنَّ الثلاثي يلاصق الاقتصاد كممارسة عمليةٍ. وقد يحيله إلى وظائف ثانويةٍ بديلاً عما يؤديه من تطور المجتمعات وتشكيل حياة مفتوحة. إنَّ نقداً لا يأخذ بغربلة الاقتصاد من جانبٍ كهذا لن يؤدي وظائفه وسيختفي تأثيره الحي لحساب قوى أخرى. وسينخرط الاقتصاديون في خدمة أمٍّ بديلةٍ غير التي أنجبتهم. أمٌّ لن تعاملهم إلاَّ خدماً تحت مظلة القهر والتسلط. وستمص قواهم بعد القاهم كعلّب فارغةٍ على قارعة التاريخ.
أرصدة الوهم
الوهم هو ارتباط رأس المال بخاصية نفسية ثقافية. خاصية تجعله مستحوذاً على آفاق للتداول لا يوجد فيها حقيقةً. ويرتبط بما ورثه من أفعال في جميع الأبنية الاجتماعية. فالنقود لها شيء من الباقي يساوي- ويتجاوز- قيمتها الفعلية. هذا الجانب يتغاير من مجتمع لأخر تبعاً لثقافته السائدة. وطبقاً لعمليات التواصل داخل مجالاته العامة بمصطلح يورجين هابرماس. بالتالي لا تجري النقود كما هي، ثمة خميرة أخرى قابلة للسريان باسمها. ماذا عن هذا الباقي rest the؟ كيف يمارس دوره الرمزي؟
لو تصورنا مشروعاً اقتصادياً عملاقاً كما يروّج له وسط ثقافة القطيع، فإنَّه ينقلب من مشروع اقتصاديٍّ إلى مشروع مقدس. وقد رأينا ذلك في دول الربيع العربي قبل وبعد الثورات كمشروع النهضة لدى الاخوان المسلمين. ومن كافة الأطياف كانت البرامج الاقتصادية ضروب من العلامات الإلهية تمنُ بها السلطة على الشعوب. ما يحدث كالتالي: أنَّ هناك جانباً غير مرئي في كل اقتصاد يجر أرباحاً رائجة ثقافياً. فالنقود ليست فقط وسيطاً مادياً بين عناصر التبادل التجاري. لكنها غارقة في ميتافيزيقا الوهم لدينا ككائنات انسانية. الباقي هنا رواسب لآثارٍ تدَّخرها النقود مع أي توقع مرغوب. وعليها يلّحُ التوقُع بفاعلية الاعتقاد الأيديولوجي أو الديني خلال المواقف المتباينة إلى درجة الترقب.
وربما تأتي الأرصدة الافتراضية للعملات بفضل جنى المكاسب الرمزية داخل المجتمع. وهذه هي البذرة الأولى للنقود، لأنَّها اقتصاد مضاعف منه فيه(نقدي- رمزي). فإلى جانب قيمتها التبادلية(البيع والشراء) تُضاف إليها القيم الثقافية الأخرى. ولعلَّ ذلك يرجعُ إلى عنصر الهبة والقداسة القديمتين في اقتصاديات المقدس. لقد كانت القرابين والنذور والأضاحي شكلاً بدائياً لتلك العملية. القُربان ليس مجرد مادة للتقرب من المقدس ولكنه نوع من التمارين الشعائرية لعبادته رغبةً ورهبةً. وتلك التمارين تأخذ الديانات بنشر وجودها على أكبر مساحة اجتماعية ممكنةٍ.
القرابين كانت حَقنّاً للاقتصاد برصيد رعوي يُستثمر في شعائر وهباتٍ بلا مقابلٍ. لكن المقابل كان تضخماً لكهنة الآلهة وسدنة المعابد. استفحلوا على حساب السماء من جهة وفوق أكتاف المقهورين من جهة أخرى. ونشأت أسواق الآلهة لتروج الأوهام بدءاً من غفران الخطايا واتمام المآرب وحماية القبيلة وليس انتهاءً بجلب الحظوظ ودفع المكروه. هذه العملية أساسها تجاري صرف. لأن البيع والشراء كانا يتمّان بأساليب تتوسط الأطراف ويدخل فيها التفاوض والحوار بدلاً من الخنوع والعبودية.
هنا تنتقل النقود من اقتصاديات المال إلى اقتصاديات الثقافة. فتكُف الأولى عن السريان المادي. لأنَّها فعلياً لها قيمة كبرت أم صغرت تنتهي عند حدود العملية الاقتصادية. غير أنَّ قيمتها الثقافية لا تتوقف. إنَّها ستتضاعف في مواقع تاليةٍ، ستكون محل استثمار في الطقوس والظواهر والتبادل الرمزي. وأقرب الوسائط التي تحتضن هذا التضاعف كانت الطوائف والجماعات الإسلامية على سبيل المثال.
ليس من جماعة إسلاميةٍ لا تمثل وسيطاً اقتصادياً للمرابحة السياسية والعولمية. من هنا كان بإمكان القوى الكبرى تحويلها إلى بنك استعماري راهن. الإخوان كانوا صكاً سياسياً يجذب استثمار المصالح والمآرب الصراعية بين الشرق والغرب. وفي وقت اعتقاد الجماعة بخدمة السماء كان اقتصادها يتخذ دوراته الرأسمالية في بنوك ألمانيا وأمريكا وفرنسا. وهذا نوع من غسيل الأموال عولمياً للحكم باسم الله محلياً. وجاءت مشروعاتُّهم الاقتصادية هي عبادة بديلة، صارت طقساً عولمياً لا يترك أيَّة مساحةٍ لإله التوحيد. ولم يسلم الدين من بورصة التداول فطرح كخطاب وظيفي -function-al discourse تجاه المعارضين.
ولهذا كان الاقتصاد الاسلامي مبنياً على رأسمال الوهم بتطبيق الشريعة. بينما الأمر برمته رأسمال ليس لهم فيه إلاَّ الاسم فقط. لأنَّ التضخم الأيديولوجي(أفكار الجماعة) هو الأساس سواء من قبل الأعضاء أم من جانب الجماعات الفرعية التي تواليهم. وجرت المرابحةُ بمنطق المراهنة على كيان ميتافيزيقي بضمان غير موجود أصلاً. وفي هذا ظهرت شركات توظيف الأموال التي سرقتها الجماعات تحت حماية الرأسمالية الغربية. بل وفرّت لرموزها مساكن فخمة في مدن شاهقة تحت السحاب الأوروبي الشهير.
هذا مثالٌ لكتابة أيديولوجية على رأسمال الجماعة. وكيف يعملون ضد الله بعنوان اقتصادي مجهول الهوية. لقد هضمته الرأسمالية العالمية في بطنها المظلم، جعلته جزءاً من مشروعاتها المهيمنة. ولنا أنْ نندهش كيف يلتقي المشروع الاسلامي والرأسمالية في وضع إباحي مخل بآداب الدين وبسمات المزاج الشرقي. إنَّ غياباً للوعي بالحقائق يجعل الوهم يتضخم بحجم العالم.
الرأسمالية لها قدرة مرنة على التلاعب بأي شيء حتى الديانات. وباستطاعتها بناء المساجد والكنائس والمعابد باسم الشيطان الذي يأتي بسيولة نقدية كلما رغبنا. بل ستقف في أول صفوف الصلاة بعد رفع تمتمات وتراتيل الشعائر. ونحن نحسبها تصلي واضعة جبينها فوق أرض الله، لكنها تتحين الفرصة للانقضاض. إن من يترك اقتصاده نهباً لأوهام من هذا القبيل سينتهي إلى كوارث ثقافية واجتماعية طويلة الأمد. ولهذا كان اقتصاد الجماعات الاسلامية الصورة الما بعد حداثية للقرابين الوثنية القديمة. وقد استغلت الرأسماليةُ هؤلاء السدّنة الجدُّد لتصنع لهم الآلهة بكل دأبٍ ودقةٍ.
اقتصاد الرغبة
مع مظاهر العولمة، تحول الموضوعُ الاقتصادي من المواد التبادلية إلى الباعث عليها. لقد فهمت الرأسمالية الدوافع المتوحشة التي تشد القطعان البشرية إلى الاستهلاك. كان التركيز على شقين... أولاً: الإبهار الغرائزي الذي يغلف السلع والمنتجات. ثانياً: الدفع بما ينشط الحوافر واللهاث خلف الرغبات السائلة.
لقد غدا الشقان صناعةً رأسماليةً ثقيلة. فلم تكُن لتنتظر إقبال القطعان عليها بل ابتكرت وسائل لاصطياد القطيع تلو القطيع في كل أرجاء العالم. وهذا في الحقيقة كان وجهاً براقاً تقف وراءه أيديولوجيا السوق. لكنه كان وجها غرائزياً سحيقاً هذه المرة. لأنَّ الغرائز ما هي إلاَّ مصالح تخفي حيوانية التبادل. وهذا بدوره يأخذُ مظاهره المدهشة بحيث تتصفى غلظتّه الشكلية مستبقياً مضمونه الرمزي على السطح.
ثمة اتصالٌ خفيٌّ بين الرغبات لخدمة الأيديولوجيا. فغريزة الموت تتعاضد مع غريزة حفظ الذات. الاثنتان تتوجهان لإشباع الجوع الرمزي تجاه المثال المنشود. وهذا الأخير لا يشبعُ مهما يكن موضوعه. لقد اشتغلت عليه الرأسمالية طويلاً وغذته بالرموز الثقافية من أديان ومذاهب ونحل وجماعات ولهجات مختلفة. وجعلته شرِّهاً إلى حدِّ الإطلاق الميتافيزيقي. لأنَّ موضوعه الأصلي مفقود بين السهوب المقدسة والمعابد والأضرحة والنحل والتنظيمات الدينية. وهو نفسه الذي يوجه بوصلة القيم لدى المجتمعات التوحيدية مع اختلاف العناوين.
والفرد بإمكانه أنْ ينفق الغالي والنفيس لخدمة الجماعة الدينية التي ينتمي إليها. فكيف لا يشتري أيقونة تحمل رموزها؟ والأيقونة نتاج رأسمالي ليس لجماعته فيها إلاَّ الشعار. هو في هذه الحالة ينفق جميع ما يملك لقاء سلعة، هي جهادية لكنها بصناعة مختلفة تمام الاختلاف.
كانت الأسواقُ تحت مظلة الجماعات الاسلامية أسواقاً لاهوتية برغبة الموت والاستهلاك معاً. فإذا كان أعضاؤها يجاهدون في الحروب تاركين أجسادهم الفانية فلماذا لا يموتون في أسواق الشراء أيضاً؟ والأسواق بأنواعها تؤدي نفس الوظيفة. فالإنفاق بالروح هو ذاته إنفاق الأموال. وكم حرصت الجماعات الاسلامية على إقامة أسواق لسلع أجنبية تحت شعارات أيديولوجية فقط. فبدت كما لو كانت عرضاً تجارياً لمقدس يومي.
إنَّ مقولة "الزيت والسكر" المرتبطة بنشاط الإخوان بمصر كمقابل لأصوات الناخبين لم تكن فارغةَ المحتوى. هي شكل آخر من السوق الجهادي. وبدلاً من استعمال السيف لجأ هؤلاء إلى مادتين لا ينقصهما إلاَّ الدقيق لصناعة الكحك(أقراص المعجنات). والأخيرة تستعمل لدى المصريون في النذور وجلب الرحمات إلى الموتى والتصدُّق على الفقراء. وبجوار الأضرحة تصبح رغبة في التعلق بالمقدسات والتبرك بالأولياء. كان مبني الجماعة المشهور ضريحاً جديداً لمقدساتها التاريخية مع حسن البنا وأتباعه. بهذا المعنى كانوا يعلقون صور المرشدين السابقين!!
هذه السياسة هي سياسة الرغبة حين تتلاقي في مناطق مجهولةٍ تاريخياً لكنها حداثية جداً داخل الأسواق المعاصرة. فما كان من المصانع والشركات إلاًّ تصنيع كحك اخوانيً في أغلفة قشيبة. وكان للإخوان إعطاؤه البعد الرمزي بجنى الأصوات الانتخابية بواسطته. إذن صراع الرغبات يحدد تحولات الأسواق السياسية والدينية. لكن من الذي يتحكم في هذه الآلية وتلك البضائع؟ أليس ثمة أخطبوط أعظم من كل ذلك؟
أحد مظاهر العولمة انتشار الوجبات السريعة(التاك أواي) ذات المذاق الحار والألوان البراقة والروائح النفاذة. وربما لا يخلو منها شارع من شوارع المدن العربية. وبحوارها تقف مآذن المساجد وتدق أجراس الكنائس وتنتصب زوايا الصوفية والمرابطين ومقرات الجمعيات الدينية والشرعية. إنها رأسمالية الحياة اليومية التي تعتمد على طقوس الاستهلاك. فعن طريق توظيف الدين سياسياً يكون استهلاك المقدس. وعن طريق جاذبية الوجبات السريعة ننجرف إلى ثقافة استهلاكية لا تنتهي.
لقد أضحت المجتمعات العربية مجتمعات دودِيَّة، تقتاتُ على شيئين متلازمين: المقدسات والسلع الرائجة عولمياً. ومن هنا استطاعت الثقافة الشائعة تخليط بهارات الدين وبهارات التاك أواي. وبنفس نفاذ الأطعمة الحراقة كان الإرهابُ الدموي نافذاً إلى كافة مناحي المجتمعات الاسلامية. وفي دلالة لهذه المحصلة انخرطت الجماعات في استثمار أموالهم الطائلة عبر أسواق الأغذية والملابس والإلكترونيات. فهم بتوجس تنظيمي يعرفون ألعاب الرأسمالية العالمية.
لكنهم أسسوا بديلاً آخر: رأسمالية النذور والوقف والتبرع للمقدسات وضريبة الانتساب للجماعات. أي رأسمالية طفيلية لم تستطع ابتكار أساليب انتاجية ولا إبداعية حقيقية. لكنها اعتمدت على حرارة الرغبات واستهلاك العقول. وذلك مقابل أفكار تراثية أخذت ألواناً سلعية على الأرصفة وبين المباني الحديثة. حتى غدا الجسد( سواء للرجال جلباباً ولحية وبنطالاً قصيراً وبالنسبة للمرأة نقاباً ولوناً أسود) هو فائض القيمة الحقيقي. وهذا يفسر النزوع الشكلي الذي أولاه عناصرُ الجماعات جلَّ عنايتهم دون الجوهر.
فعلاً كل مظاهر الحياة العربية تشي بالاستهلاك. وغلبة هذا النمط يدمر أفكار الأجيال المتوالية حول العمل والانتاج والتنمية الاجتماعية والعلاقات الاقتصادية إجمالاً. نحن بإنشاء رأسمالية مزيفة ندس خميرة الوهم في جميع الدقيق. ونشيّد ملكوتاً شبه مقدس لآلهة جددٍّ جرياً مع العولمة.



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهاية العمل أم نهاية العالم؟!
- حيوان الثقافة


المزيد.....




- شاهد ما جرى لحظة اقتحام الشرطة الأمريكية جامعة كاليفورنيا لف ...
- ساويرس يُعلق على تشبيه أحداث جامعة كاليفورنيا بـ-موقعة الجمل ...
- على غرار الجامعات الأمريكية.. الطلبة البريطانيون ينظمون احتج ...
- اليمين الأمريكي يستخدم نظرية -الاستبدال العظيم- لمهاجمة خصوم ...
- شاهد: لحظة اقتحام الشرطة لجامعة كاليفورنيا لفض اعتصام داعم ل ...
- بالأرقام.. عمّال غزة في مهب الحرب: بين قتيل وعاطل الآلاف يكا ...
- بوندسليغا.. طموح لمزيد من المجد الأوروبي وصراع شرس في القاع ...
- زعيم المعارضة الإسرائيلية لابيد يزور الإمارات ويلتقي بن زايد ...
- شاحنة آيس كريم تصدم عشرات الأطفال في قرغيزستان أثناء احتفال ...
- أوربان: البعض في قيادة الاتحاد الأوروبي يستفيد من الصراع في ...


المزيد.....

- التعصب الديني في العمل و اثره على المرأة و الاقليات و الوطن / ماري مارديني
- الطبقة العاملة إلي أين ؟! بعد خمس سنوات من 25 يناير / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف 1 ايار - ماي يوم العمال العالمي 2016 - التطور والتغييرات في بنية الطبقة العاملة وأساليب النضال في ظل النظام الرأسمالي والعولمة - سامي عبد العال - رأسمالية الوهم