|
المرايا المُحتقرة
مايكل عبد النور
الحوار المتمدن-العدد: 4468 - 2014 / 5 / 30 - 19:00
المحور:
حقوق الانسان
المرايا المُحتقرة
نبحث عن الحقيقة ولا ندري أن وجودنا هو الحقيقة التي تسبق كل حقيقة. نبحث عن الحقيقة بدون دفع ثمنها وهذا ما يثبت أننا لا نبحث عنها ولكن نبحث عما يدغدغ آذاننا. كيف نبحث عن الحقيقة دون معرفة أن بداية معرفتها هو الحرية في البحث عنها؟ الحرية هي فرصة الإنسان في تقرير مصيره وإختيار حدوده. الحرية هي الطريقة الطبيعية لإمتحان الذات ومعرفتها وضبطها وإختيار قيودها - إنها فرصة الإنسان في خلق ذاته بذاته. لا يمكن للإنسان النمو بدون حرية وأي زعم عن نمو بدون حرية، هو نمو في الوحشية والهمجية. وبسبب فشلنا في البحث عن الحقيقة، أدى بنا اليأس إلى الوهم أن الحقيقة غير موجودة أو ببساطة، الحقيقة هي عدم البحث عن الحقيقة. لهذا مجتمعاتنا متكتلة بالعنف تجاه دُعاة الحرية لأننا إعتبرنا أن الهروب من الحرية هو الحقيقة. ولكن المُضاد الحقيقي للحقيقة ليس الضلال ولكن العنف. لهذا، فإن خوفنا من الحرية يؤكد عبوديتنا وإن كانت في سِتار ديني.
الخوف من الحرية هو الخوف من الحياة. ندّعي حب الحياة وفي نفس الوقت نرفض التخلي عن الطفولة التي تخدعنا بتعريفها للخوف أنه الحياة وأن الحياة الحقيقية هي الإنتظار المستمر للموت. نمدح ونمتن لأولئك الذين يؤيدون ويشجعون هروبنا من الحياة وتقوقعنا في ذواتنا، ولكنهم هم أنفسهم ينهبوننا ويسرقون وجودنا في الحياة. كيف لا نرى أن الحرية هي الحدود الحقيقية للنفس الإنسانية والذين لا يستأمنون الإنسان عليها، لا يعتبرون الإنسان سوى بطارية موجودة لتسديد إحتياجاتهم الشخصية؟
يوهموننا أن الفضيلة هي الطاعة العمياء لمَن سبقونا والخضوع المُسبق للفشل في مواجهة الحياة. ولكن بدون حرية، لا يوجد فضيلة حقيقية. بدون حرية، لا يوجد مسئولية، للدرجة التي تطوّر فيها الخوف من الحرية لدينا أنه أصبح تعريفاً للتقوى الدينية! نبحث عن الفضيلة دون تعليم، فوجدناها في خوفنا من الحرية - وجدناها في عدم النمو وإستخفافنا بالتعليم. قمنا بتشكيل تعليم يوافق مخاوفنا ويزيد منها وأسميناه تعليم! دعني أخبرك يا صديقي أن التعليم إذا لم يكن يقلل من الخوف، فهو يزيد من الخوف! وإذا لم يكن يدعوك للخروج من الشرنقة، فهو يقتلك بحجة مساعدتك! كيف نرضى بحياة الإنعزال والإختفاء وندعوها حرية؟ ما الفرق بين الحي الجاهل والميت الفاني؟ لماذا نخاف تعرية أنفسنا أمام نور الحرية؟ هل نخاف من رؤية حقيقتنا؟ هل نبغض رؤية أنفسنا؟ أصبحنا نُعادي الحرية لأنها تكشف عُرينا وتظهر عيوبنا وتخرجنا خارج صندوقنا. هذا الخوف على الذات هو إستقرار غير طبيعي وليس سوى إحتقار للذات. الخوف الصحي على الذات يدعونا لمواجهة الحرية وعدم الخوف منها. إنها هذه المرايا التي نهرب منها هي التي ترينا حقيقتنا وبدونها، ننمو في الظلام لنصبح وحوشاً تحتقر الحرية وتدعوها إباحية. بدونها لن نرى شمس السلام والإستقرار والتقدم.
نريد حُسن التصرف ولا نفهم أن حسن التصرف يبدأ في حُسن الإرادة الذي يؤدي لحُسن التصرف. تحاشَينا الداخل وأصبحنا ندمن الخارج مما أدى لمجتمع تغزوه المظاهر والأقنعة الكاذبة. أصبحنا نتصارع على رضى الآخرين في جو مِن المثالية المزيفة متحاشين احتياجنا لبساطة الإنسان ووجوده الحُر. تربيتنا أجبرتنا على التمحور حول الذات والتأقلم مع المشكلات وعدم البحث عن أكثر من الموجودات. هل معنى الحياة هو في الإكتفاء؟ وهل معناها الخوف المريض على الذات؟ الخوف من الحرية لا يصنع الفضيلة ولا يؤكد وجودها بل يؤجل نمو الإنسان. كيف ندّعي النجاح دون إمتحان أو برهان؟ ألا يكشف خوفنا من الحرية خوفنا من الحياة؟ هناك مَن يدّعون الفضيلة لأنه لم تسنح لهم فرصة عدم الفضيلة. وهناك أناس صالحون في ضوء ظلام مجتمعاتهم المريضة. الخوف من الحرية هو برهان فشل المجتمع في مواجهة الحياة. لماذا نخاف أخذ مخاطرة الحياة بحجة الخوف من الموت!؟ أليس المكوث في سلام العبودية موت حقيقي؟ كم هي حقيقية كلمات هيلين كيلر: الأمان ما هو إلا خرافة، الحياة إما مغامرة جريئة أو لا شئ. يا له مِن وهم ذلك الذي يدّعي أن الفضيلة هي الخوف من الحرية! هل نحن بالسذاجة التي تقيّم صلاح أحدهم بسبب كلماته وليس بسبب أفعاله في النور؟ إننا نؤكد هذا التقييم بخوفنا من الحرية! لهذا يكثر المثرثرين عن الحرية دون أي برهان.
هذه العقلية جعلتنا نعيش حياتنا بحثاً عن النجاح دون مجهود أو إختبار. وأدت بنا لإلقاء اللوم على الآخرين حال الفشل المحتم في العثور على هذا النجاح وذلك للهروب من مواجهة أنفسنا وإدراك أن مطامعنا هي سبب بحثنا هذا. مطامعنا في الحياة دون مسئولية هي سبب فشلنا في العثور على النجاح كأفراد وكمجتمع. ولهذا يكثر اللائمين للغير في مجتمعاتنا.
أولئك الذين لا يستأمنوننا على الحرية، لا يؤمنون بنا ولا يريدون لنا الحياة سوى من أجل منفعتهم. لأن مجتمع بلا حرية، يجد لذته في التبعية. ويتم معاملة أفراده كقطيع بلا هوية سوى ما لديهم من مال.
#مايكل_عبد_النور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثُقب العربي
المزيد.....
-
مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا
...
-
اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات
...
-
اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
-
ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف
...
-
مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
-
الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية
-
تونس: توجيه تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام إلى عبير موسي رئيسة
...
-
هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست
...
-
نتنياهو يخطط لإدخال شركة أمريكية إلى غزة بديلا عن الأونروا..
...
-
الاتحاد الأفريقي يحذر: الوضع الإنساني بالسودان خطير ويستدعي
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|