|
الزواج المدني من الفكرة المرفوضة الى الحل المطلوب
رامي رفعت
الحوار المتمدن-العدد: 4418 - 2014 / 4 / 8 - 09:38
المحور:
المجتمع المدني
قبل ان نتحدث عن الزواج المدني اسمحوا لي اولا ان اتكلم عن منظومة الزواج ، فهي تعتبر الهدف الرئيسي من كتابة تلك المقالة . الزواج هو ارتباط شخصين بينهما علاقة حب ويريدان ان يقضيا بقية حياتهما معا ، ومن اساسيات الزواج الناجح الحب والمودة والاحترام والمتبادل وايجاد لغة حوار مشتركة وغيرها من اساسيات اي علاقة انسانية سليمة . ولأن الزواج يعطي حق ممارسة الجنس بين الطرفين ولأن الاديان تسمي تلك العلاقة خارج الزواج الشرعي زنا ولأن مجتمعاتنا تتمسك بتطبيق الدين على الآخرين اصبح الزواج شأن ديني اكثر منه قانوني . وبسبب النظرة السلبية للمرأة الغير المتزوجة او المطلقة اصبح الزواج والمحافظة عليه مطلب اجتماعي اكثر من كونه احتياج شخصي . للاسف اصبح الزواج عندنا نوع من انواع التجارة او الوجاهة الاجتماعية او فرصة لتحسين الحالة المادية ، مما جعل فكرة الطلاق وانهاء الزواج حين تحين الفرصة متكررة بكثرة في الزيجات التي من تلك النوعية . لذا كان من الطبيعي ان تنشأ مشاكل كثيرة بعد الزواج يكون سببها ان المؤسسات الدينية تضع شروطا معينة لانهاء الزواج ولها سلطة القانون على الافراد التابعين لها ، ففي المسيحية نجد اغلب الطوائف ترفض الطلاق الا لعلة الزنا والبعض يمنعه تماما وحتى الشروط التي وضعتها بعض الطوائف من اجل بطلان الزواج في حالة عدم حدوث زنا لم تكن ذات تأثير قوي لحل تلك المشكلة المهمة . وفي الاسلام نجد ان قرار الزواج غالبا بيد الرجل يكون بمجرد اخراج كلمة طلاق من فمه لانهاء الزواج ، في حين انه اذا ارادت المرأة الطلاق دون موافقة الزوج فعليها المكوث في المحاكم لاعوام لاخذ حقها في التطليق من زوجها او في بعض الدول التي تسمح بالخلع الذي يبدو ظاهريا كحل منصف للمرأة الا انه في الواقع يجعل المرأة تتنازل عن كل ما تملك من حقوق لكي تحصل على الخلع ، وحتى بعد هذا عليها قضاء فترة لا بأس بها بالمحاكم . هذا غير المشاكل التي تحدث اذا كانت هناك علاقة حب بين طرفين مختلفي الديانات وما ينشأ عنه من موانع دينية تمنع مثل هذه الزيجات يصحبه خوف الاسرة ليس من الدين والعقوبة الالهية انما خوف من نظرة المجتمع لابنهم / بنتهم على انهم خارجين على الدين .
ليس هدفنا من ذكر ما سبق نقد المعتقدات او اتهام الاديان بانها لا تتواكب مع متطلبات المجتمع ، ولن ندخل في جدلية لا تعنينا هنا وهي هل ما يريد تطبيقه رجال الدين موجود فعلا في الكتب المقدسة ام هو نتاج فكر بشري يمكن تغييره لكنه اصبح شبه مستحيل لتقديسه عبر الاجيال السابقة ، انما نعرض هذا فقط كمدخل لاهمية تطبيق الزواج المدني كما نعتقد .
الزواج المدني هو زواج قانوني تكون الدولة هي الطرف الوحيد المعني باضفاء الصفة الشرعية عليه بعيدا عن المؤسسات الدينية ، فشروط الزواج تكون مرتبطة بالسن والحالة الطبية للمتقدمين – تكون نتائج الاختبارات استشارية لطرفين وليست ملزمة – دون النظر الى دياناتهم . ويكون التعامل مع عقد الزواج كما يتم التعامل مع اي عقد اخر يسجل بالمحاكم ، وفي حالة الطلاق يكون حق طلب الطلاق متساوي للطرفين وليس حق اثير لطرف واحد . اما الشروط التي يتم على اساسها الطلاق فهي تكون من اختصاص علماء الاجتماع مع اعطاء مساحة للحرية في حالة رغبة احد الاطراف بانهاء الزواج دون الحاجة الى تقديم ادلة للمحكمة ، ففي النهاية الزواج يصير جحيما اذا اراد احد الاطراف انهائه دون ان يكون قادرا على ذلك . فالزواج المدني يجعل من السهل انهاء الزواج بمجرد ان يكون لاحد الطرفين الرغبة في ذلك مع وضع انظمة مختلفة لتوزيع الموارد المالية لدى الزوجين بما يحقق الاستقرار المالي للطرفين وتوفير القدرة على تربية الاطفال ان وجدوا . بمجرد ما يذكر مصطلح الزواج المدني نجد الاعتراضات عليه جاهزة ومتكررة ، فالزواج المدني يسمح للمرأة والرجل الزواج بغض النظر عن معتقداتهم وهو غير المسموح لدى الغالبية العظمى من الطوائف ويجعل الطلاق لاسباب تختلف عن الاسباب الشرعية لدى كل طائفة او معتقد . ودائما ما يتحول الزواج المدني الى اشكالية تجعل منه فكرة مرفوضة لتعارضه مع الدين – او المؤسسات الدينية اذا اردنا الدقة – وتعارضه مع عادات وتقاليد المجتمع ، لذا سنحاول تقديم طريقة لتطبيق فكرة هذا الزواج بطريقة اقل تصادمية مع المجتمع وتضع حلولا لمشاكل كثيرة تعاني منها منظومة الزواج التقليدية . الزواج المدني يمكن ان يكون هو الزواج الرسمي الوحيد المعترف به لدى الدولة ، بمعنى انه لن يكون هناك محاضر توثيق زواج مع مأذون او كاهن بل سيكون مع هيئة تابعة لوزارة العدل . اما الشق العقيدي فهو من اختيار الطرفين ، فاذا اراد الزواجان المسيحيان ان يمارسا طقوس الزواج حسب معتقدهم فهذا حقهم ولا احد يمكن ان يمنعهم واذا لم يريدوا هذا فهو ايضا اختيارهم ولا يقلل من شرعية وقانونية زواجهم امام الدولة . وبالطبع الامر يختلف للزوجان المسلمان حيث انه لا توجد طقوس للزواج مثل تلك التي بدونها يبطل الزواج دينيا عند المسيحي ، هذا الاجراء في حد ذاته لن يقلل من اهمية مراسم الزواج او شروطه الدينية فهي ستظل ملزمة للشخص دينيا لكنها لن تصبح ملزمة قانونا اي لن يرفض القانون زواج مدني حتى لو خالف الشروط اليدنية . بنفس المنطق يمكن اجراء الطلاق داخل مؤسسات الدولة ويصبح للزوجان حرية الالتزام بتعاليم وقواعد دينه في الطلاق ام الالتجاء لقوانين الدولة المنظمة للطلاق ، لكن ستظل قوانين الدولة هي الوحيدة الرسمية والمعترف بها في المحاكم .
ما هي اذن ميزة الزواج المدني ولماذا يعتبر حلا طالما ستشن عليه حربا لمنعه ؟ ان ميزة الزواج المدني هي اعطاء الحرية لمن يريد الزواج ليس وفقا لقواعد دينه ايا كان سبب ذلك سواء كان عدم اقتناع او عدم الرغبة في التقيد بها ، وهي النقطة التي سيستفيد منها مختلفي الديانات للزواج خصوصا اذا كان الدين ليس له اثرا في حياتهم او لهم عليه بعض الملاحظات . وسيستفيد منه من لا يؤمن باي دين سواء كان لا ديني او ملحد او يؤمن بديانات اخرى غير الديانات الابراهيمية والذي يضطر لاعتناق احد الاديان حتى يتم القبول به كطرف شرعي في الزواج . المسلمون الذين يتبعون مذاهب لا تحرم الزواج المختلط – كالقرآنيين – الذين يجدون انفسهم مجبرين على الخضوع الى قواعد دينية لا يعترفوا بها سيتمكنون من الزواج من خلاله ، المسيحيون سيستفيدوا منه في حالات الزواج المختلط والتي تمنعه ايضا بعض الطوئف . اما ميزته الاخرى هي سهولة الطلاق مقارنة بشروط الطوائف المسيحية حيث سيكون الطلاق حسب قوانين المحكمة او برضا الطرفين بدون التحايل على الدين والقانون الذي يحدث الآن باعتناق طائفة اخرى او دين اخر ليحدث مثل هذا الطلاق ، وفي المذاهب الاسلامية سيكون الطلاق ليس امرا قاصرا على صاحب العصمة – الرجل في اغلب الاحوال – الذي يملك حق انهاء الزواج حتى بدون الرجوع الى الطرف الآخر في نفس الوقت الذي يعاني فيه الطرف الآخر – المرأة – اذا اراد انهاء تلك العلاقة دون الحصول على موافقة صاحب العصمة ليجد نفسه مضطرا على العيش مع شريك لا يريده او يعيش مع مأساة استصدار حكم بالطلاق او الخلع ربما ياخد عدة سنوات ويقضي على المصادر المالية للطرفين . اعلم بالطبع ان الاعتراض المتوقع هو ان هذا الزواج سيحلل ما حرمه الله ، والرد ان القانون لا يحلل او يحرم وليس من المفترض ان تكون له علاقة بالحلال والحرام فالمفترض ان القانون فقط يتعامل مع ما هو قانوني وما هو غير قانوني لا مع ما هو موافق او مخالف للشرع خصوصا ان الزواج المدني لن يجبر احدا على مخالفة دينه . البعض للاسف يمنعون الافراد من حقهم في الاختيار بدافع الدفاع عن الاديان ، يعتقدون انه اذا قام القانون بالسماحبما هو غير شرعي فسيهرع الناس اليه وهو ما يدل على انهم على يقين من ضعف انتماء الافراد واخلاصهم لدينهم وان الشخص يحترم القانون اكثر مما يحترم قواعد دينه مما سينعكس على الصورة السريالية للمجتمع المتدين الطاهر التي يسوقها رجالات الدين والسياسة للسيطرة على شعوبهم وغلق ابواب الحرية امام المطالبة بحقوققهم . الافضل للجميع اعطاء الحرية للانسان في اختيار افعاله بدلا من اجباره على الالتزام بقواعد هو لا يراها واجبة التنفيذ ويعتبرها كلام بشر وليست تنزيلا او وحيا ، اعلم ان هذا الرأي سيقابل بالرفض من اساطين المحافظة على الاديان وكأن الدين يحتاج لمن يحميه لكن ما انا على ثقة به انه اذا لم يطبق الزواج المدني فستظل تلك المشاكل التي ذكرتها قائمة وسيظل الدين هو الخصم الذي يحتاج لمحامين تدافع عنه في قاعات المحاكم وهو المشهد الذي اراه مؤسفا ومهينا للاديان نفسها .
#رامي_رفعت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا ارفض تطبيق الشريعة
-
الوظائف العامة واحكام القضاء ، ما لا يجوز لغير المسلم
-
عقد الذمة
-
التبشير وحد الردة
-
بناء الكنائس في الشريعة الاسلامية
-
الجزية ... محاولة للفهم
-
دخول العرب مصر ... واشكالية الفتح والغزو
-
انجازات الدكتور محمد مرسي
-
من انتخب الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة ومواقفهم بعد
...
-
رايي في حزب النور
-
العقل والمنطق والفطرة السليمة
-
الحوار بين الاديان
-
مشكلة اضطهاد المسيحيين في مصر
-
حوادث الفتنة الطائفية - مصر كنموذج
المزيد.....
-
الخارجية الفلسطينية: تسييس المساعدات الإنسانية يعمق المجاعة
...
-
الأمم المتحدة تندد باستخدام أوكرانيا الألغام المضادة للأفراد
...
-
الأمم المتحدة توثق -تقارير مروعة- عن الانتهاكات بولاية الجزي
...
-
الأونروا: 80 بالمئة من غزة مناطق عالية الخطورة
-
هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست
...
-
صربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتي
...
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
-
-الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|