أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - قطاع غزة 1948 – 1957 دراسة تاريخية سياسية اجتماعية















المزيد.....



قطاع غزة 1948 – 1957 دراسة تاريخية سياسية اجتماعية


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 4128 - 2013 / 6 / 19 - 19:51
المحور: القضية الفلسطينية
    


 
مقدمة:
 
الهدف من إعداد هذه الدراسة استعراض الأحوال الاجتماعية والسياسية في قطاع غزة منذ عام النكبة 1948 وحتى عام 1957، من منطلق أن القطاع هو جزء لا يتجزأ من فلسطين، وأن الحديث عنه - في هذا المجال أو غيره – هو تأكيد لهذه العلاقة التاريخية والجغرافية والسياسية والتراثية بكل جذورها وتفريعاتها.
لقد ظل قطاع غزة منذ عام 1948 وحتى اليوم الجزء الوحيد الذي بقي يحمل (رسمياً) اسم فلسطين، وقد كان حلم المخطط الصهيوني والقيادة الإسرائيلية تصفية القطاع كمقدمة لتصفية القضية الفلسطينية برمتها، إضافة إلى ذلك فإن مواطني القطاع الذين يبلغ تعدادهم اليوم أكثر من 1.6 مليون مواطن ينتمون إلى كل مدن وقرى فلسطين من صفد والجليل إلى يافا وعكا وحيفا على الساحل إلى اللد والرملة وجنين وطولكرم ونابلس والقدس وبئر السبع ومعظم القرى الفلسطينية..
    ان شعبنا الفلسطيني رغم كل ما لحق به من أشكال التشرد والمعاناة والحرمان واللجوء والتشتت من جهة والصراعات على السلطة والمصالح التي كرسها الانقسام واستمرار الصراع بين حكومتي رام الله وغزة غير الشرعيتين من جهة اخرى، اثبت في كل محطات الصراع، طوال الخمسة وستين عاماً الماضية، انه أقوى من كل المخططات والممارسات العدوانية التي استهدفت تفكيكه وتشريده وتحطيم شعوره العميق بهويته الوطنية والقومية، وحرصه الدائم على حمايتها وامتدادها في كل الأجيال، إذ أن ما جرى لشعبنا وحركته الوطنية طوال التاريخ المعاصر من محاولات التصفية أو الطمس لهويته وأهدافه الوطنية المشروعة، في العودة وتقرير المصير والحرية في فلسطين التاريخية، لم تنجح أبدا في تحطيم الإجماع الذاتي في أوساط شعبنا على الالتفاف الطوعي والعفوي حول الفكرة الوطنية التوحيدية المركزية في ذهنيته وممارساته السياسية، بل على العكس، فقد كان من أهم نتائج تلك الممارسات العدوانية، انها راكمت وبعمق مشاعر الحقد الوطني والطبقي في أذهان شعبنا ضد كل أشكال العدوان والاستبداد والاضطهاد والحرمان، التي تعرض لها من العدو الإسرائيلي، و ضد قطبي الانقسام ، وضد مختلف المصادر والقوى العربية والدولية المعادية، بالرغم من توزع أبناء شعبنا، في الجغرافيا الفلسطينية والعربية والدولية، عبر مجتمعات وعلاقات اجتماعية تختلف باختلاف الجغرافيا أو أماكن اللجوء والشتات، ومن هذه الزاوية لا نستطيع القول ان هناك مجتمعاً موحداً ينضوي في إطاره كل أبناء شعبنا، بل هناك مجتمعات يتمايز كل منها على الآخر بسمات تعود إلى طبيعة وظروف تطور تلك المجتمعات والعلاقات الاجتماعية الخاصة بها، وهنا يمكن الإشارة إلى هذا التمايز بين الواقع الاجتماعي/ الاقتصادي للفلسطينيين في فلسطين 1948، وبين كل من الفلسطينيين في مجتمعي الضفة والقطاع والتجمعات الفلسطينية في البلدان العربية والأجنبية.
وفي هذا السياق نقول، ان التباين بين سمات وخصائص هذه التجمعات ومجتمعى الضفة والقطاع (بحكم الانقسام) لا يلغي حقيقة الوحدة السياسية والاجتماعية لأبناء شعبنا الفلسطيني الذين يشكلون اطاراً وطنياً توحده الاهداف السياسية الكبرى -رغم توزع وتشتت المكان – توحده عناصر واسباب المعاناة والقهر والاستغلال والاستبداد التي تمثل عاملاً توحيدياً معنويا وماديا مشتركاً لمعظم ابناء شعبنا.
إذن فالحديث عن قطاع غزة الفلسطيني لا يعني على الإطلاق اختلاف طبيعة الأهداف أو النضال فيه عن أي موقع آخر في اللد والرملة وحيفا أو النقب أوالخليل او نابلس أو القدس.. بل هو امتداد لتلك الأهداف النضالية التي توحد شعبنا في الداخل وفي المنافي من أجل استمرار النضال التحرري والديمقراطي وتحقيق الهدف الاستراتيجي في إقامة دولة فلسطين الديمقراطية في إطار المجتمع العربي الاشتراكي الموحد .
 
غازي الصوراني
     15/6/2013
 
 
 


لمحة تاريخية:
 
تحددت التقسيمات الإدارية في فلسطين بستة ألوية[1] هي:
1-   لواء القدس ويتألف من أقضية الخليل/القدس وبيت لحم/ورام الله.
2-   لواء نابلس ويتألف من أقضية طولكرم/جنين/نابلس.
3-   لواء اللد (يافا) ويتألف من قضائي يافا والرملة.
4-   لواء حيفا ويتألف من قضاء حيفا.
5-   لواء الجليل ويتألف من أقضية الناصرة / بيسان / طبريا / عكا / صفد.
6-   لواء غزة ويتألف من قضائي غزة وبئر السبع.
وعلى الرغم من أن لواء غزة كان يشكل نسبة 51% من مساحة فلسطين البالغة 27009 كيلو متر مربع، وسكانه يشكلون نسبة 11% " (191000 نسمة) من مجموع سكان فلسطين البالغ (1.765000مليون نسمة)[2] "، إلا أن هذا اللواء كان من أفقر مناطق فلسطين ومن أقلها تطوراً، فلم يكن لمنطقة لواء غزة (غزة والسبع) أي دور هام في إطار الاقتصاد الفلسطيني نظراً لقلة مواردها الاقتصادية والطبيعية وافتقارها إلى أية منشآت صناعية ومؤسسات تجارية هامة.
 
1.    قضاء غزة وقراه:
يحده من الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الشمال قضاء الرملة ومن الشرق قضائي الخليل وبئر السبع ومن الجنوب صحراء سيناء وجميعه يقع في منطقة السهل الساحلي لفلسطين الذي ينتهي شمالاً بجبل الكرمل.
وقد ضم قضاء غزة عام 1896 (71قرية) وفي عام 1910 تم فصل 14 قرية ألحقت إلى عدد من الأقضية المجاورة، وبقي القضاء يضم 57 قرية حتى عام 1931 حيث فصلت أربع قرى منها المغار ويبنا وألحقت بقضاء الرملة الذي يحده من الشمال[3]. وفي أواخر الانتداب كان قضاء غزة يضم ثلاث مدن رئيسية وهي المجدل وغزة وخانيونس بالإضافة إلى 53قرية وبمساحة تقدر بـ1111.5كم مربع كان اليهود لا يملكون منها سوى 49 كيلو متر مربع أو ما يعادل 4.4% من مساحة القضاء.
وقرى قضاء غزة تتوزع بين شمالية ووسطى وجنوبية:
‌أ)       القرى الشمالية وعددها أربع عشرة قرية:
أسدود / برقة / المسمية الكبيرة / المسمية الصغيرة / البطاني الغربي / البطاني الشرقي / القسطنيه /
تل الترمس / بين دراس / ياصور / السوافير الشرقي / السوافير الغربي / السوافير الشمالي / الجلادية.
القرى الوسطى وعددها سبع وعشرون قرية:
بعلين / صميل / جسير / الفالوجة / عراق المنشية / كراتيا / حته / عراق سويدان / بيت عفا / عبدس/ جولس / حمامه / حليقات / بيت طيمة / كوكبه / الجيه / بربره / نعليه / الخصاص / الجوره / هربيا / بيت جرجا / سمسم / نجد / برير / دير سنيد / دمره.
‌ب)   القرى الجنوبية وعددها اثنتا عشر قرية:
رفح / بني سهيلا / عبسان / دير البلح / خزاعه / بيت لاهيا / النزله / جباليا / بيت حانون / هوج / الكوفخه / المحرقة.
"أما أكبر قرى القضاء من حيث التعداد السكاني فهي حمامه / الفالوجة / اسدود / جباليا/ بني سهيلا/ بيت دراس وقد بلغ مجموع سكانها في عام 1947 (23790 نسمة)، وأصغر القرى من حيث التعداد هي الخصاص / بعلين / عراق سويدان / الجلديه / حليقات / دمره ومجموع سكانها (1840 نسمة)[4].
وقد بلغ عدد سكان قرى قضاء غزة في بداية عام 1947 (85930 نسمة) نسبة المُلمِّين بالقراءة والكتابة منهم 17.5% أو (14831 رجلاً)[5].
أما عدد المدارس الحكومية فقد كان في قرى قضاء غزة حتى أوائل عام 1948 " (30 مدرسة) ابتدائية للذكور، و(7) مدارس ابتدائية للبنات وصف ثانوي واحد في مدرسة الفالوجة وبلغ عدد الطلاب المسجلين في نفس الفترة (6388 طالباً) و (336 طالبة)[6] " نسبتهم إلى عدد السكان 7.8%.
 
2.     قضاء بئر السبع:
مساحة هذا القضاء تبلغ حوالي 12500 كيلو متر مربع معظمها أرض صحراوية قاحلة، ومدينة بئر السبع هي المدينة الوحيدة وعدد قراه سبع قرى هي جمامه / عبده / عوجا حفير / الخالصة / عسلوج / فوتيس / كرنب (أنشئ مفاعل ديمونة على أرض هذه القرية).
بلغ عدد سكان مدينة بئر السبع عام 1948 حوالي ستة آلاف نسمة منهم أكثر من 70% من مواطني مدينة غزة الذي رحلوا إلى السبع في بداية القرن العشرين ، وأسهموا في تطورها وتولوا معظم الأعمال التجارية والأعمال الحرفية فيها.
أما الأغلبية العظمى من سكان هذا القضاء ، فهم من البدو الذين كانوا يعيشون على تربية الماشية والزراعة، وفي ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية بالغة السوء، فعلى صعيد الحياة اليومية لم يكن من السهل توفر الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، سواء فيما يتعلق بالغذاء أو المسكن أو العلاج.
كما ازدادت أزمة البدو تفاقماً بعد أن توسعت المنظمات الصهيونية في شراء قطع محدودة من الأراضي من بعض شيوخ القبائل، مما دفع عدداً منهم إلى هجر البادية والنزوح إلى "شرق الأردن وسوريا والجزيرة العربية"[7] وسيناء ومعظمهم اتجه إلى المدن للعمل فيها بأجور لا تكاد تسد حاجتهم للغذاء فقط.
من ناحية أخرى فقد توفرت الإمكانات المادية لعدد كبير من رؤساء القبائل والمشايخ المتنفذين الذين سبق أن قاموا بتسجيل مساحات كبيرة من الأراضي لحسابهم بعد أن كانت مشاعاً للجميع مما حرم الأغلبية الساحقة من البدو من حقهم في المشاع المشترك، ورغم "التمايز الطبقي" بين القمم القبلية والسواد الأعظم من البدو الذي تحملوا شظف العيش وقسوته وكان ذلك أمراً "طبيعياً" لا يجوز الاعتراض عليه. ورغم ذلك فقد أدى سوء أحوال البدو إلى انخراطهم في المعارك الوطنية التي قادها عدد من المشايخ ضمن قيادة الحركة الوطنية آنذاك، وبرز دورهم بشكل خاص في مساندة المعتقلين الوطنيين في معتقل عوجا حفير، والمشاركة الفعلية في المقاومة مع بداية الأربعينات وما تلاها.
 
بلغ تعداد البدو في عام 1948 حوالي 93000 ألف نسمة موزعين على خمس قبائل رئيسية وقبيلتين ثانويتين، ومجموع أفخاذ هذه القبائل حوالي (75) فخذاً [8] :
1-      قبيلة الترابين وتتكون من عشرين عشيرة وتعدادها 32500 نسمة .
2-      قبيلة التياها وتتكون من 26 عشيرة وتعدادها حوالي 25000 ألف نسمة.
3-      قبيلة العزازمة وتتكون من 10 عشائر وتعدادها حوالي 16500 نسمة.
4-      قبيلة الجبارات وتتكون من 13 عشيرة وتعدادها حوالي 8000 نسمة.
5-       قبيلة الحناجرة وتتكون من 4 عشائر وتعدادها حوالي 7500 نسمة.
6-      قبيلة السعيديون وتتكون من 4 عشائر (حويطات الأصل) 1700 نسمة.
7-      قبيلة اللحيوات وتعدادها حوالي 1600 نسمة.
 
الأوضاع الاجتماعية في قضاء غزة قبل عام 1948:
تميزت الأوضاع الاجتماعية في قضاء غزة قبل عام 1948 بانقسام المجتمع إلى طبقتين رئيسيتين هما كبار الملاكين شبه الإقطاعيين والفلاحون بشكل عام، وفيما بينهما تواجد هامش ضئيل من الحرفيين وصغار التجار وصغار الموظفين، أما العمال فلم يتجاوز عددهم الستمائة عامل توزعوا على عدد من المنشآت الصناعية اليدوية ومعامل الصابون والأغذية والفخار والنسيج.
لقد كان التمايز الطبقي في فلسطين عموماً وفي قضاء غزة على وجه الخصوص بالغ القسوة إذ أن العلاقة بين الإقطاعي والفلاح في قرى غزة عموماً كانت أقرب إلى علاقة السيد بالعبد ولم تتأثر بمجمل التطور الاجتماعي – الاقتصادي في المدن الفلسطينية الأخرى.
               كان أكثر من 30% من الفلاحين في قضاء غزة لا يملكون أرضاً، واضطروا للعمل في بيارات كبار الملاكين (الأفندية) كأُجراء موسميين بأجرة يومية كانت تقل أحياناً عن خمسة قروش عدا ما كان يتعرض له هؤلاء الأُجراء من معاملة تميزت بالقسوة والإزدراء، كذلك كان ما يقرب من 50% من فلاحي القضاء يملكون قطعاً صغيرة من الأرض (10 دونمات فأقل) لا تقيم أود عائلاتهم ولم تكن علاقة هؤلاء بالسيد الإقطاعي تتميز كثيراً عن إخوانهم الأُجراء الزراعيين.
ومع ارتفاع أسعار الأراضي في الثلاثينات إلى ثلاثة عشر ضعفاً عما كانت عليه قبل الحرب العالمية الأولى، اندفع كبار الملاكين في فلسطين بشكل عام وفي قضاء غزة بشكل خاص إلى التسابق من أجل تأسيس البيارات على حساب المزيد من استغلال فقراء الفلاحين وإجبارهم على بيع ما يملكون أو معظمه بوسائل متعددة لم تكن مشروعة في معظمها لكن بساطة الفلاح في بلادنا وعفويته وإيمانه الشديد بالقدرية والغيبيات وخوفه من إرهاب السلطة وكبار الملاكين وعدم قدرته على سداد ديونه كل ذلك أسهم في زيادة استحواذ "الأفندية" في قضاء غزة على معظم أراضي القضاء إلى درجة أن بعض هذه القرى في معظمها كانت ملكاً خالصاً للإقطاعي الذي استند دوماً إلى جبروت القوة الظالمة واللامشروعة.
"وحتى عام 1948 بلغت ملكية الأراضي في لواء غزة العائدة إلى 28 شخصاً من قضائي غزة وبئر السبع مليونين من الدونمات، كانت ملكية (11) شخصاً منهم (100)ألف دونم لكل فرد وتراوحت ملكية (7) أفراد منهم بين (30) ألف و (100) ألف دونم"(10)، إنهم لم يمتلكوا فقط قرى بحالها، وإنما امتد نفوذهم وسلطتهم إلى قرى أخرى لا يملكونها"  .
               ومن الثوابت الجديرة بالتسجيل والتأمل في تاريخ نضال شعبنا الفلسطيني أن الفلاحين الفلسطينيين كانوا وقود الثورة الفلسطينية قبل عام 1948، ولم يكن غريباً أن ينجب الريف الفلسطيني خيرة مقاتلي الثورة الذين كانوا بحق هم المحرك اليومي والفعلي للعمل الثوري ضد الانتداب والحركة الصهيونية، في حين لم يكن كبار الملاك (الأفندية) سوى واجهة هشة تصدرت قيادة الحركة الوطنية ضمن آفاق محددة لم تكن تلتقي مع آفاق وتطلعات الجماهير الثورية وكان دورها – على الأغلب – هو امتصاص وتهدئة الحالة الثورية لدى فقراء بلادنا، وكان هذا الدور منسجماً مع وضعها الطبقي ومصالحها وعلاقاتها مع القوى الرجعية العربية وغيرها.
 
 
البورجوازية الصغيرة:
ونظراً للعلاقات الاجتماعية شبه الإقطاعية السائدة في قضاء غزة في هذه المرحلة فإن حجم الطبقة البرجوازية الصغيرة كان محدوداً وكانت في معظمها من صغار الحرفيين والموظفين والمهنيين المرتبطين بشكل أو بآخر بالقاعدة المادية الإنتاجية لكبار الملاكين، بكل متطلباتها السياسية والأخلاقية والعملية، والمعروف أن أبناء هذه "الطبقة" لم يمارسوا دوراً مميزاً في الأحزاب السياسية الوطنية الفلسطينية، والتحق بعضهم في غزة ضمن عدد من الأحزاب التقليدية الوطنية والمعارضة، كذلك اتجه قسم منهم إلى "الالتحاق ببعض المنظمات شبه العسكرية التي تشكلت في فلسطين مثل (الفتوة) و(النجادة) في حين انجذبت أقلية من البورجوازية الصغيرة إلى المنظمة الماركسية (عصبة التحرر الوطني)"[9].
البورجوازية الكبيرة: ]الزراعية التجارية[  
               رغم التطور الاجتماعي الذي أصاب بعض المدن الفلسطينية (يافا – حيفا – عكا – القدس – الناصرة) وأسهم في تراجع العلاقات الإقطاعية بعد أن توفرت بعض مقومات العلاقات الرأسمالية التبعية، التي اعتمدت في نشوئها على تصدير المنتجات الزراعية بحيث أسهم ذلك في تحول الزراعة (خصوصاً الحمضيات) إلى زراعة مكثفة اعتمدت على رأس المال والسوق العالمي والبنوك والقروض والأساليب الحديثة مما أدى إلى تطوير العلاقات الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني باتجاه التكيف مع العلاقات الرأسمالية المشوهة الجديدة، وفي هذا المجال برزت البورجوازية الزراعية والتجارية وغيرها بصورة كبيرة في المدن المذكورة أعلاه، وساهمت بدورها في العمل الوطني ضد عدد من الأحزاب في تلك المرحلة.
أما في قضاء غزة فنلاحظ ضعف التركيبة الطبقية للبورجوازية التجارية والزراعية في هذه المنطقة نظراً لهيمنة كبار الملاكين التقليديين باعتبارهم الطبقة السائدة بلا منازع، ولم تكن بدايات نمو هذه الطبقة البورجوازية فيما بعد سوى امتداد مباشر وميكانيكي لكبار الملاكين بحيث أن العلاقة العضوية بينهما استمرت في القطاع حتى ما بعد منتصف الخمسينات.
ومن الدلالات الهامة أن نواة البورجوازية في بلادنا – وفي العالم الثالث عموماً – لم تتشكل في داخل البنية الاجتماعية التحتية، ولم تكن نقيضاً للطبقة السائدة (شبه الإقطاعية) بل كانت امتداداً "عصرياً" لها، وتابعاً مخلصاً للسوق الرأسمالي العالمي عبر تطورها إلى بورجوازية كومبرادورية.
 
الإدارة المصرية والقطاع (1948-1955)
               على أثر اتفاقية الهدنة الموقعة في ردوس بين الوفدين الإسرائيلي والمصري بتاريخ 24شباط/1949، تحددت "خارطة" منطقة غزة، وبدأ فصل جديد من حياة شعبنا الفلسطيني، فبعد أن كانت هذه المنطقة تعرف بلواء غزة والتي ضمت أربع مدن وستين قرية وبمساحة تبلغ (13688 كيلو متر مربع) أصبحت تعرف باسم "المناطق الخاضعة لرقابة القوات المصرية في فلسطين" وتضمنت فقط مدينتين هما غزة وخانيونس وتسع قرى هي جباليا / والنزلة / بيت لاهيا / بيت حانون / دير البلح / بني سهيلة / عبسان الكبيرة والصغيرة / خزاعة / رفح وعلى مساحة من الأراضي لا تتجاوز 365 كيلو متر مربع تمثل نسبة 20.6% من أراضي لواء غزة وبنسبة 1.35% من أراضي فلسطين.
               أما اصطلاح "قطاع غزة" فقد ظهر رسمياً منذ أوائل شهر كانون الثاني 1954 في "قرار[10] رئيس الجمهورية المصرية اللواء محمد نجيب، الذي يقضي بتعيين الأميرالاي عبد الله رفعت حاكماً إدارياً لقطاع غزة" ضمن حدوده "الجديدة" التي تبدأ من قرية رفح جنوباً إلى بيت حانون شمالاً بطول حوالي 48 كيلو متر وعرض يتراوح بين 6-9 كيلو متر.
               وقد قدر عدد سكان القطاع في عام 1944 بحوالي (63250 نسمة) وفي عام 1948 بحوالي (90ألف نسمة)، تضاعف هذا العدد ثلاث مرات بعد أن تدفق إلى القطاع أثناء الحرب وبعدها مباشرة أكثر من 200 ألف لاجئ من مدن وقرى فلسطين المختلفة وفي عام 1952 قدر عدد سكان القطاع بـ 294603 ألف نسمة منهم 201173[11] ألف من اللاجئين.
               وقد توزع اللاجئون الفلسطينيون في القطاع على ثمانية مخيمات [12]:
1- مخيم جباليا: ويقع شمال شرقي قرية جباليا وقد أنشئ عام 1954 على أرض مساحتها 500 دونم، وقد بلغت مساحته عام 2012 حوالي 1300 دونم .
2- مخيم الشاطئ: أنشئ عام 1954 على أرض مساحتها 450 دونماً على الشاطئ الشمالي لمدينة غزة وقد تضاعفت مساحته فيما بعد، حيث بلغت عام 2012 حوالي 750 دونم.
3-   مخيم البريج: مساحته 350 دونماً، جنوب مدينة غزة بمسافة ثمانية كيلو مترات شرق الطريق الرئيسي.
4- مخيم النصيرات: ويقع إلى الغرب من الطريق الرئيسي مقابل مخيم البريج، مساحته 280دونم. وقد بلغت مساحته عام 2012 حوالي 780 دونم .
5- مخيم المغازي: يقع إلى الجنوب من مخيم البريج بحوالي كيلو متر واحد ومساحته 180 دونم. وقد بلغت مساحته عام 2012 حوالي 560 دونم .
6-   مخيم دير البلح: يقع غربي قرية دير البلح ومساحته 150 دونماً. وقد بلغت مساحته عام 2012 حوالي 175 دونم .
7- مخيم خانيونس: ويقع إلى الغرب من مدينة خانيونس باتجاه شاطئ البحر مساحته في حدود 500 دونم. وقد بلغت مساحته عام 2012 حوالي 1180 دونم .
8-   مخيم رفح: مساحته 700 دونم. وقد بلغت مساحته عام 2012 حوالي 1075 دونم .
 
حول الأوضاع الاقتصادية/الاجتماعية في القطاع بعد النكبة :
               عبر استقراء نتائج النكبة عام1948، يمكن التعرف بوضوح على الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية في قطاع غزة ضمن الأوضاع الطارئة الجديدة، "لقد ترافق وجود "مجتمع اللاجئين" مع انهيار شبه كامل للقاعدة الاقتصادية التي كان يقوم عليها المجتمع في مرحلة ما قبل 1948"[13].
ويمكن تلخيص أبرز ملامح "المجتمع الجديد":
1-  تعرض القطاع لتغير بنيوي على الصعيدين الاجتماعي والسكاني فقد ازداد سكانه بما يقرب من 300 ألف خلال عام واحد، ومعظم هؤلاء (لاجئين ومواطنين) منحدرون من أصول ريفية فقيرة جداً "ولا يتمتعون بخبرات فنية أو تقنية مميزة" .
2-    فقد القطاع جزءاً كبيراً من موارده الاقتصادية:
‌أ)       67% من أراضيه ضمن قضاء غزة.
‌ب) انتشرت البطالة في صفوف العمال من أبناء القطاع الذين عملوا في السابق في معسكرات قوات الانتداب، أو في الأسواق الفلسطينية المختلفة.
‌ج)    فقد العدد الكبير من المقاولين والتجار جزءاً كبيراً من أعمالهم.
‌د)      فقد حوالي 80% من ملاك الأراضي والمزارعين ملكياتهم داخل فلسطين .
3-  تقلصت ملكيات كبار الملاكين إلى درجة كبيرة، فلم تعد العائلات الغزّية شبه الإقطاعية (الأفندية) تستحوذ على عشرات الألوف من الدونمات، وفقد معظمها أكثر من 80% من أراضيه، ورغم ذلك فقد ظل عدد من هذه العائلات يمتلك قطعاً كبيرة من الأراضي قياساً إلى مساحة الأراضي الزراعية في القطاع ضمن الأوضاع الجديدة، فعلى سبيل المثال فإن عائلات كثيرة نذكر منها (الشوا / الصوراني / الريس / الحسيني / أبو رمضان / العلمي / خيال / الفرا / الأسطل / أبو مدين / المصدَّر / أبو سليم / شراب ... الخ) ظلت تمتلك أكثر من ألف دونم للعائلة الواحدة ومن أجود الأراضي الزراعية.
ومن الجدير بالتسجيل أن هذه العائلات بقيت هي الأكثر سطوة ونفوذاً، وبقي الطابع "الأرستقراطي" الإقطاعي وعقلية "السيادة" في التعامل مع الجماهير الفلسطينية في القطاع أمراً مميزاً وملحوظاً بشكل حاد خاصة في أوساط الفقراء والفلاحين والأًجراء الزراعيين لا فرق بين مواطن ولاجئ.
4-  من الملاحظ أيضاً أن التغير البنيوي الذي تعرض له القطاع بعد 1948 على الصعيد الاجتماعي لم يؤدِّ إلى تغير ملموس في الوعي الاجتماعي الاعتيادي للجماهير الفقيرة في علاقتها بطبقة "الأفندية" خاصة وأن رموز هذه الطبقة استطاعوا تكوين علاقات جديدة مع عدد من المخاتير ومشايخ البدو من اللاجئين والمواطنين على حد سواء الذين كانت تربطهم بهؤلاء علاقات تاريخية قديمة قامت على المصالح المشتركة بين الفريقين، وكان غياب الوعي الطليعي، أو القوى السياسية الوطنية الفاعلة في هذه المرحلة سبباً من أسباب تكريس هذه العلاقة، وقبل كل شيء فإن النظام السياسي الجديد قدم لهذه الطبقة من كبار الملاك صلاحيات وأوضاع سياسية واجتماعية مميزة.
5-  إن المتغيرات الجديدة أدت إلى "انهيار الأساس المادي للمجتمع الفلسطيني في القطاع الذي أدى إلى تفسخ العلاقات الاجتماعية التقليدية فيه"[14]، خاصة بين اللاجئين الذين فرضت عليهم الظروف الجديدة ممارسة سلوكيات لم تستوعبها المفاهيم والقيم والعادات القديمة مثل اضطرار المرأة للعمل والاستقلال النسبي للأبناء، والبطالة، والعمل في مهن جديدة، وقد أسهم كل ذلك في السنوات الأولى فقط إلى خلق حالة من الاغتراب[15] فالوضع البائس في المخيم ولَّد انسحاقاً ثقيلاً مادياً ومعنوياً، مثل الوقوف في طوابير لاستلام الإعانة، تفشي الأمراض والشعور بالدونية، وقد عزز من بؤس هذا الواقع ضعف وخراب الأوضاع الاقتصادية في القطاع، فتولد شعور بالاغتراب الجماعي لدى اللاجئين الذين لم يكن الخلاص بالنسبة لهم يعني تحسين الأوضاع الحياتية بل التخلص من علَّة هذا الوجود الجديد، لذلك رفضوا – ومعهم جماهير المواطنين الفقراء – بإصرار كل مشاريع الإسكان والتوطين حفاظاً على هويتهم الوطنية الفلسطينية.
هذه الصورة يعززها تقرير وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي تأسست بقرار من الأمم المتحدة في كانون أول عام 1949 وبدأت عملها الفعلي في حزيران عام 1950 فقد أشار التقرير إلى أن [16]:
-                      20% من اللاجئين قادر على إعالة نفسه.
-                      50% معدماً على الإطلاق.
-                      30% بحاجة جزئية للمعونة.
أي أن ما يقرب من 170 ألفاً من السكان في القطاع (مواطنين ولاجئين) كانوا يعيشون في هذه المرحلة ضمن أوضاع اجتماعية بالغة البؤس، وفي ضوء ذلك يكمن السبب الرئيسي للنهوض الثوري الدائم في قطاع غزة.
 
الإدارة المصرية والقضية الفلسطينية (1948-1955)
               بعد نكبة 1948، لم يعد للفلسطينيين أي كيان سياسي قانوني، ولم تتوفر لحكومة عموم فلسطين التي "وافق على إعلانها المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في مدينة غزة يوم 30/9/1948"[17] أية مقومات على الصعيد السياسي المحلي الفلسطينية أو على المستوى العربي الرسمي بشكل عام، ثم كانت عملية نفي الحاج أمين الحسيني من غزة إلى القاهرة يوم 17/10/1948[18] ومنعه بالقوة من العودة إلى فلسطين بمثابة إعلان وفاة حكومة فلسطين، والهيئة العربية العليا وبداية الوصايا العربية الرسمية على الفلسطينيين وقضيتهم إلى حين.
أُخضع القطاع رسمياً لإدارة الحكومة المصرية على أثر اتفاقية رودس في شباط – فبراير / 1949، وبناء على "تكليف" من الجامعة العربية[19] تولت حكومة الملك فاروق التي يرأسها محمود فهمي النقراشي إدارة "المناطق الفلسطينية الخاضعة لرقابة القوات المصرية" مستجيبة لتعليمات وزارة الخارجية البريطانية  والولايات المتحدة الأمريكية من أجل "تصفية الجانب الأكثر بروزاً في القضية الفلسطينية والمتمثل في اللاجئين الفلسطينيين، الأمر الذي كان أساساً لتصفية القضية بمجملها [20].
ورغم قيام ثورة يوليو 1952 فقد ظلت السياسة المصرية الرسمية حتى عام 1955 مشدودة للقضايا المحلية المصرية بشكل عام، كما وأن قيادة الثورة خلال هذه الفترة لم تمتلك "وضوحاً كافياً باتجاه سياسة قومية واضحة[21] بدليل أنها وافقت على توقيع "مشروع شمالي غربي سيناء لتوطين لاجئي قطاع غزة" مع وكالة الغوث في حزيران 1953، الذي استهدف التآمر على الشعب الفلسطيني عبر توطين اللاجئين في سيناء بعد أن يجري استصلاح مساحة 200 ألف دونم شمال غرب سيناء وتوصيل المياه إليها من نهر النيل.
وكان للشيوعيين الفلسطينيين في قطاع غزة دوراً رئيساً في كشف مؤامرة التوطين وفضحها وتحريض الجماهير على التصدي لها.
وفي مواجهة الخطر المحدق بالوطن يتحالف النقيضان معاً (الشيوعيون والإخوان المسلمون) لأول مرة ضد النظام المصري وضد سياسة التوطين، واستطاعوا معاً قيادة الجماهير الغفيرة من أبناء القطاع (في المخيمات والقرى ومدينتي غزة وخانيونس) في مظاهرة عارمة لم يشهد لها القطاع مثيلاً في تاريخه وذلك في اليوم الأول من آذار سنة 1955، حيث كانت مشاعر الجماهير في حالة غليان حقيقي بعد قيام القوات الصهيونية بالإغارة على غزة قبل ذلك بيوم واحد في 28/فبراير/1955 وقتلت وجرحت أكثر من (65) من الجنود والمدنيين [22]، وقام المتظاهرون باحتلال كل المرافق الحكومية في القطاع (عسكرية ومدنية)، ولعب الشيوعيون دوراً بارزاً في قيادة الجماهير تحت شعار "لا توطين ولا إسكان يا عملاء الأمريكان" وانتخب المتظاهرون "اللجنة الوطنية العليا". التي ضمت عناصر من الشيوعيين والإخوان المسلمين والمستقلين[23]، ولم تهدأ الجماهير إلا بعد حضور جمال عبد الناصر سراً يوم 12/13/1955 إلى غزة حيث ألقى كلمة في مدرسة الزهراء أكد فيها أنه لن يسكت على العدوان الإسرائيلي، كما تم الإعلان عن سقوط مشروع التوطين وقبره إلى الأبد.
لقد كانت انتفاضة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عام 1955 ضد مشروع التوطين بمثابة إعادة الروح لشعبنا كله وإحياء جذوة الأمل والنضال فيه من جديد.
كما كان عدوان الثامن والعشرين من فبراير 1955 نقطة تحول هامة في تاريخ العرب المعاصر، فعلى المستوى العربي، تيقظت القيادة المصرية إلى الأطماع الإسرائيلية وضرورة مواجهتها، وسجل القائد الخالد جمال عبد الناصر موقفه من هذا الحادث بقوله "إن غارة فبراير كانت نقطة تحول، وأن هذا العدوان كان جرس إنذار، وأن مصر يجب أن تعتمد على قوتها الذاتية لا على مجلس الأمن وقراراته"[24] وعلى أثر ذلك بدأ التحول الجديد في السياسة المصرية بالاتجاه إلى الاتحاد السوفيتي وعقد صفقة الأسلحة الشهيرة عام 1955.


 
مصر عبد الناصر والكفاح الفلسطيني المسلح (1955- نوفمبر 1956)
               بعد الغارة الوحشية على غزة في 28/فبراير/1955 والغارات التي تلتها من قبل الجيش الإسرائيلي على مدينة خانيونس وعلى مواقع الجيش المصري في منطقة العوجا والكونتلا والتي قتل على أثرها ما يزيد على مائة جندي من رجال الجيش المصري، بالإضافة إلى عدد مماثل من المدنيين الفلسطينيين، أصبح الحديث عن السلام بين مصر وإسرائيل ضرباً من الوهم، بعد أن تكشفت الحقائق والمعطيات الجديدة حول العلاقة الأمريكية – البريطانية مع إسرائيل، ودخول العراق (نوري السعيد) إلى حلف بغداد، ورفض الولايات المتحدة تزويد مصر بالسلاح، في ضوء ذلك قرر عبد الناصر[25]:
1-  ضرورة شراء الأسلحة من أية دولة لمواجهة التهديد والعدوان الإسرائيلي.
2- السماح للفدائيين الفلسطينيين من قطاع غزة بالانطلاق إلى داخل إسرائيل بتوجيه القيادة المصرية، وكان جمال عبد الناصر حريصاً على منع ذلك خلال فترة الأمل في الوصول إلى اتفاق سلمي مع إسرائيل.
3- البدء بالهجوم الإعلامي على القوى العربية الرجعية التي وافقت على الانضمام إلى حلف بغداد، وذلك عبر وسائل الإعلام المصرية المختلفة وإذاعة صوت العرب بشكل خاص.
4-  عقد صفقة الأسلحة التشيكية التي أعلن عنها يوم 27/أيلول/1955 بالتنسيق مع الاتحاد السوفييتي[26].
 
لقد كان من أهم نتائج هذه العمليات العدوانية الإسرائيلية المتغطرسة، أن وجهت ضربة قاصمة لكل محاولات "السلام" التي طغت على سطح الأحداث بعد نكبة عام 1948 وحتى فبراير 1955 خاصة تلك التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا عبر "الأصدقاء العرب" في المنطقة.
 
كما فشلت أيضاً كل محاولات "السلام" التي قام بها عدد من الأحزاب الشيوعية نذكر منها الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني[27] (حدتّو) في مصر، التي أوكلت "مهمة السلام" لعدد من أعضائها المقيمين في باريس للاتصال بالمسؤولين الإسرائيليين وغيرهم من اليهود، وفي مقدمة هؤلاء الأب الروحي ومؤسس الحركة هنري كورييل[28]، ومعه ثروت عكاشة – الملحق العسكري في السفارة المصرية في باريس – ويوسف حلمي المحامي، ودكتور مراد خلاف، كما شارك في هذه المهمة أنطون ثابت من الحزب الشيوعي اللبناني، ورئيس مجلس السلام اللبناني، وتجدر الإشارة هنا إلى أن نشاط الشيوعيين العرب باتجاه السعي من أجل السلام العربي – الإسرائيلي لم يكن له خلفية بالنشاط الاستعماري – الرجعي في المنطقة، بقدر ما كان منطلقاً من الموقف الأممي الرسمي، والرؤية الرسمية لحل الصراع العربي الإسرائيلي، دونما إدراك كامل للأبعاد السياسية الوطنية للمسألة الفلسطينية أو حق الشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين وتكريساً للطلاق بين الرؤية التقدمية للمسألة القومية العربية من جهة وبين شكلية الحركة الأممية الرسمية التي استند إليها الشيوعيين العرب وابتعدوا عن جوهرها الفكري الصحيح وتراثها الغني والواضح فيما يتعلق بالمسألة اليهودية والموقف منها. إن الابتعاد عن استيعاب وفهم الواقع الخاص بكل تفاصيله هو أحد أهم المآخذ على الحركة الشيوعية العربية.
           كما كان من أهم نتائج هذا العدوان، قرار القيادة الوطنية المصرية بإعلان تبنيها الرسمي للعمل الفدائي المنطلق من غزة في شهر نيسان 1955[29]، واتخذت العلاقة بين الزمر المناضلة المدربة ذات الخبرة والمعرفة بالأرض وبين القيادة المصرية طابعاً رسمياً ومنظماً[30] تحت إشراف المقدم مصطفى حافظ الذي قام بمهمته ليس فقط كضابط مصري وإنما كمناضل عربي آمن بقضيته وشعبه، وكان ذلك أحد أهم عوامل نجاحه في إعادة تدريب وتنظيم أكثر من ألف رجل من أبناء غزة وخانيونس ومعظم قرى قضاء غزة الذي شكلت منهم كتيبة الفدائيين (ك 141)، بدأوا بتوجيه ضرباتهم و إغاراتهم ضد العدو الصهيوني في الفترة من أيلول 1955 وحتى أول نوفمبر 1956، لقد كانت هذه المرحلة رغم قصرها الزمني، "نقطة تألق في مسيرة النضال الفلسطيني"[31] قام الفدائيون الفلسطينيون خلالها بتنفيذ أكثر من مائتي عملية،
وقد أوضح الكاتبان الإسرائيليان "شيف ورشين"[32] في كتابهما عن الفدائيين الفلسطينيين طبيعة هذه العمليات كما يلي:
-            30% من الهجمات الفدائية كانت إلقاء قنابل يدوية وإطلاق نيران على المستوطنات واشتباكات مع دوريات إسرائيلية.
-            23% عمليات كمائن للسيارات والآليات.
-            20% عمليات نسف الخزانات وأنابيب المياه وتدمير الطرق الرئيسية والكباري.
-            13% هجمات على السكان المدنيين في المستوطنات والمدن.
-            9% عمليات تدمير المباني بعبوات ناسفة.
-            5% زرع ألغام.
ورداً على عمليات الفدائيين قام الإسرائيليون بعدد من الهجمات على مدينتي غزة وخانيونس وقرى القطاع وكان أكثر هذه الهجمات وحشية وغدراً ذلك القصف المدفعي العشوائي على مدينة غزة تركزت على شارع عمر المختار وميدان فلسطين والشوارع المجاورة ومنطقة الشجاعية مساء يوم الخامس من شهر أبريل 1956 وأدى إلى استشهاد وجرح المئات من المدنيين رجالاً ونساء، وما يزال العديد من أبناء غزة يذكرون بشاعة ذلك اليوم الذي تناثرت فيه جثث القتلى والجرحى في شوارع غزة لقد تميزت الحالة الجماهيرية في القطاع – إبان تلك الفترة بالغليان الشديد والحزن والحداد والحقد على العدو الصهيوني، ولم يكن يخفف من تلك الأحزان إلا انتقام الفدائيين الفلسطينيين الذي تميز بالعنف والتوسع، ففي اليوم الثاني على الهجوم الصهيوني الغادر، وتحديداً ليلة السادس من نيسان/1956 دخلت أكبر مجموعة فدائية من قطاع غزة في اتجاه الأهداف التي حددت لها في الأرض المحتلة، وكان عدد هذه المجموعة لا يقل عن ثلاثمائة فدائي توغلوا في عمق إسرائيل حيث هاجموا مستعمرة ريشون ليتسيون التي تبعد 47كيلو متراً عن خط الهدنة و15 كيلو متراً فقط عن تل أبيب واستمرت هذه العملية البطولية بتواصل يومي حتى الثالث عشر من نيسان 1956[33] وقد استشهد من أبطال هذه المجموعة أحد عشر بطلاً ووقع ثلاثة آخرون في الأسر.
وفي يوم 23/7/1956 تسلم المقدم مصطفى حافظ طرداً ملغوماً انفجر وأدى إلى استشهاده وتقديراً من الشعب الفلسطيني في غزة فقد أُطلق اسم هذا البطل على عدد من ميادين ومدارس وشوارع غزة وخانيونس.
 
إن أهم نتائج العمل الفدائي في قطاع غزة (1955-1956)
تكمن في أنه شكَّل:
1-   بداية مرحلة جديدة من الصراع العربي الإسرائيلي.
2-   منعطفاً جديداً وبداية تاريخ للمقاومة الفلسطينية المسلحة بعد نكبة 1948.
3- أصبح الفلسطيني – في قطاع غزة – واثقاً من نفسه وبمستقبل الشعب الذي ينتمي إليه باعتبار أن القضية الفلسطينية هي قضية وطن وليست قضية لاجئين.
4- كانت خسائر الصهاينة نتيجة العمل الفدائي في عامي 1955 و 1956 أكبر بكثير من خسائرهم في العدوان الثلاثي على مصر في 29/10/1956 ثم على قطاع غزة في الثاني من نوفمبر 1956[34].
5- استقطب العمل الفدائي الذي قامت به الكتيبة الفلسطينية المعروفة بـ (ك 141) تعاطفاً جماهيرياً كبيراً، أسهم في تعميق العلاقة بين جماهير الشعب الفلسطيني في القطاع من جهة وبين القيادة الوطنية المصرية التي تزعمها القائد الخالد جمال عبد الناصر من جهة أخرى.


العدوان الإسرائيلي واحتلال القطاع
(2/نوفمبر/1956 – 7/مارس/1957)
 
               يقول (بن زوهار) مؤرخ حياة بن جوريون "كانت الحرب ضد مصر مقررة لدى بن جوريون فقد عاد إلى وزارة الدفاع سنة 1955، كما كانت أزمة السويس طارئة، وهي لم تغير من خطط إسرائيل التي كانت ستهجم على أية حال، ولكنها سهلت لها أصعب الأمور وهو السلام والحلفاء"[35].
               ورغم الذريعة الإسرائيلية المعلنة كمبرر لمشاركتها في العدوان الثلاثي مع فرنسا وبريطانيا على مصر وقطاع غزة، وهي القضاء على قواعد الفدائيين، إلا أن هذه الذريعة لم تكن سوى مدخلاً لضم قطاع غزة وتحقيق "الأطماع الإسرائيلية التوسعية التي ظهرت في إعلان بن غوريون قيام المملكة الإسرائيلية الثالثة"[36].
 
- قطاع غزة تحت الاحتلال:
أدى قرار القيادة المصرية بسحب الجيش المصري من سيناء إلى عزل قطاع غزة وتسهيل مهمة القوات الإسرائيلية المهاجمة في احتلاله.
ورغم ذلك فقد قاومت القوات العسكرية المتمركزة في رفح وغزة وخانيونس، مقاومة يائسة لصد هجوم القوات الإسرائيلية المتفوقة في حجمها ونوع تسليحها.
ففي غزة استبسلت القوات المصرية والفلسطينية في التصدي للهجوم الإسرائيلي من موقعها في "جبل المنطار" أهم موقع عسكري في المدينة، حتى اعلان الاستسلام ظهر يوم 2/11/1956 الذي أصدره اللواء فؤاد الدجوي الحاكم العام لقطاع غزة بعد سقوط رفح صباح يوم 1/11/1956 واكتمال محاصرة القطاع.
ورغم ذلك، فقد رفضت مدينة خانيونس الاستجابة إلى أمر الاستسلام، كما رفض سكانها التحذيرات الموجهة إليهم من القوات الإسرائيلية بالتسليم دون قتال، تأييداً منهم للكتائب الفلسطينية والمصرية المدافعة عن المدينة، تلك الكتائب التي أعلنت رغم كل مبررات اليأس والاستسلام عن قرارها بالصمود والقتال تحت قيادة اللواء يوسف العجرودي[37]، وأمام هذا الموقف لم يكن من السهل على القوات الإسرائيلية احتلال المدينة رغم اشتراك الطيران الإسرائيلي في عملية القصف، طوال يوم 2/11 مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى في شوارعها[38].
واستمرت المعركة حتى يوم 3/11/1956 دونما انقطاع لقذائف المدفعية الإسرائيلية على المدينة والتي بلغت أكثر من (80 ألف طلقة)[39]. وسقطت مدينة خانيونس، وفور دخول القوات الإسرائيلية بدأت عملية الانتقام من الجماهير الفلسطينية فيها، حيث قام الجنود بدخول المنازل والبيوت عنوة, وأطلقوا النيران على كل رجل أو فتى بالغ على مرأى من والديه وإخوانه الصغار[40] دون أي سبب سوى أنه ينتمي لهذه المدينة الباسلة التي بلغ عدد شهدائها في هذا اليوم الأسود (275 شهيداً)[41] والجدول التالي[42] يوضح عدد شهداء قطاع غزة إبان الاحتلال عام 1956:

 

 

المنطقة

الشهداء

المفقودين

الجرحى

1- مدينة غزة

256

108

142

2- مدينة خانيونس وجوارها

415

57

388

3- دير البلح والبريج والمغازي والنصيرات

62

27

30

4- مدينة رفح ومعسكر رفح للاجئين

197

23

156

المجموع

930

215

716


 
الحركة الوطنية ومقاومة الاحتلال:
لم يكن في القطاع إبان الاحتلال (1956) سوى حزبين رئيسيين هما الحزب الشيوعي الفلسطيني وهو امتداد لعصبة التحرر الوطني التي تأسست في فلسطين سنة 1943، وحركة الإخوان المسلمين التي بدأت نشاطها بشكل ظاهر مع حرب 1948، ولم يكن لحزب البعث العربي دور مميز في القطاع إذ أن فرع هذا الحزب تأسس في صيف 1955 [43] من عدد من المدرسين العاملين في وكالة الأمم المتحدة، وعدد من خريجي الجامعات المصرية، ولم يكن له خلال هذه الفترة القصيرة دور بارز في الأحداث السياسية التي سبقت احتلال القطاع، كما لم يتوفر لهذا الفرع علاقات واسعة في أوساط القوى السياسية التقليدية في القطاع مثلما توفرت للشيوعيين والإخوان المسلمين.
وفور الاحتلال بادر الشيوعيون بالدعوة إلى تشكيل جبهة وطنية لمقاومة الاحتلال، وصاغوا برنامجاً سياسياً لهذه الغاية، اعتمد في أساسه على الدعوة إلى المقاومة السلبية، وعودة الإدارة المصرية ورفض التدويل، إلا أن حركة الإخوان المسلمين والبعثيين قررا عدم المشاركة في الجبهة الوطنية "وأعادوا رفضهم إلى جملة في برنامجها تنص على أن "يعتمد شعبنا الفلسطيني في كفاحه – ضمن مؤازريه – على الشرفاء داخل إسرائيل"[44].
وعلى أثر ذلك شكل الإخوان والبعثيون معاً "جبهة المقاومة الشعبية" وجاء تأسيسها متأخراً أكثر من شهر بعد إعلان الجبهة الوطنية، ومن الجدير بالذكر أن التباعد السياسي[45] بين الشيوعيين والإخوان على أثر تأييد الحزب الشيوعي لمبادرة عبد الناصر في تأميم قناة السويس، أسهم في عدم مشاركة الإخوان المسلمين في الجبهة الوطنية.
تمحور النشاط السياسي لكل من الجبهتين ضمن عدد من الشعارات:
1-   عودة الإدارة المصرية والتأكيد على عروبة القطاع.
2- مقاطعة الاحتلال (الإضرابات / مقاطعة الوظائف المدنية وغيرها / مقاطعة المجلس الاستشاري الذي شكله الحاكم الإسرائيلي / حض الطلاب على عدم الذهاب إلى المدارس تحت شعار لا تعليم في ظل الاحتلال).
3-   الدفاع عن مخيمات اللاجئين وحض الجماهير على الصمود.
4-   رفض التعامل بالعملة الإسرائيلية رغم العقوبات الصارمة التي وضعتها سلطات الاحتلال.
5-   تشكيل اللجان الوطنية في مناطق القطاع.
ومما يذكر أن الجبهة الوطنية قد فكرت في طرح مشروع إعلان الدولة الفلسطينية[46] المستقلة في قطاع غزة بعد خروج الإسرائيليين إلا أن هذا المشروع لم يجد قبولاً من عدد كبير من المستقلين الذين شاركوا في تأسيس الجبهة الوطنية والمعروفين بميولهم والتزامهم بالسياسة المصرية إضافة على كون الأغلبية منهم من كبار الملاكين الذين لم تكن لهم مصلحة في استمرار التحالف مع الشيوعيين بعد انهاء الاحتلال.
وفي كانون الثاني/يناير 1957 قام الإسرائيليون باعتقال عدد كبير من قيادات وكوادر وأصدقاء كل من "الجبهة الوطنية" و "جبهة المقاومة الشعبية"، واستمر نضال أبناء القطاع حتى انسحاب المحتلين مساء اليوم السادس من آذار 1957، الذي ترافق مع وصول قوات الطوارئ الدولية بتوجيه بيان إلى سكان قطاع غزة أعلن فيه أن قوات الطوارئ الدولية ستتولى مسؤولية الشؤون المدنية في القطاع.
على أثر ذلك تصدّرت "الجبهة الوطنية" و"جبهة المقاومة الشعبية" تحريض الجماهير الفلسطينية في قطاع غزة ضد مؤامرة تدويل القطاع، وكانت الانتفاضة الثانية (الانتفاضة الأولى ضد توطين اللاجئين عام 1955) ضد التدويل التي استمرت أسبوعاً كاملاً لم تهدأ الجماهير فيه على الإطلاق، إلا بعد إفشال مؤامرة التدويل وعودة الإدارة المصرية إلى قطاع غزة في الرابع عشر من آذار 1957 وبداية عهد جديد.
شهادات حول الشيوعيين والإخوان المسلمين في القطاع:
خلال الفترة من (1952 – 1957)
ورغم أهمية الدور الذي قام به كل من الشيوعيين والإخوان المسلمين في توجيه وقيادة المظاهرات الجماهيرية التي عمّت كل أنحاء القطاع ضد مشروع التوطين سنة 1955، وضد الاحتلال الإسرائيلي سنة 1956 ومن أجل عودة الإدارة المصرية إلى القطاع سنة 1957، إلا أن ذلك كله لم يسهم في تعميق العلاقة وتطورها بين الجماهير من جهة وبين الشيوعيين والإخوان من جهة أخرى، ويعود ذلك إلى عدد من الأسباب:
أولاً: الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة:
1-  تنامي الدور الوطني والقومي للرئيس المصري جمال عبد الناصر واستحواذه على عواطف ومشاعر الجماهير العربية عموماً.
2-  لم تقترب الجماهير في قطاع غزة من الحزب الشيوعي إلا بقدر بروز دور الحزب في المجال الوطني، خاصة نضاله الطليعي ضد مشروع توطين اللاجئين في سيناء وضد الاحتلال الإسرائيلي عام 1956، وما عدا ذلك فقد ظلت الجماهير بعيدة عن طروحات الحزب الفكرية والنظرية على وجه الخصوص، وقد كان لهذا الموقف الجماهيري أسبابه الموضوعية منها:
‌أ) مجمل التطور والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي تميزت بالتخلف الشديد في كثر من المناحي.
‌ب)  الحجم الضئيل "للطبقة العاملة" التي كانت أقرب من حيث التكوين على البروليتاريا الرثة المقهورة والمتخلفة في آن واحد.
‌ج)تربص أجهزة الأمن والمخابرات وقمعها بكل قسوة للشيوعيين وأصدقائهم، في مقابل المساندة وتسليط الضوء على القوى التقليدية من كبار ملاك وتعميق دورهم السياسي والاجتماعي المعادي للشيوعيين.
3-  انتشار الأفكار القومية بين أوساط الجماهير في القطاع، التي استقبلت هذه الأفكار بحماس شديد باعتبارها مدخلاً وحيداً للوحدة العربية وتحرير فلسطين، والدور البارز لوسائل الإعلام العربية عموماً والمصرية بشكل خاص في تعميق هذا التوجه.
4-  العلاقات النخبوية بين الشيوعيين والجماهير في القطاع، تلك العلاقات التي افتقدت القدرة على الامتداد والتوسع النسبي في أوساط الفقراء والكادحين (مواطنين ولاجئين) رافق ذلك الموقف الخاطئ من القومية العربية، ومن التراث العربي – الإسلامي عموماً باعتباره في مجمله مرفوض "انطلاقاً من فهم مغلوط وخاطئ" وأحادي الجانب للماركسية، وكان من الطبيعي أن يؤدي "الوعي الخاطئ للماركسية إلى ممارسات خاطئة"[47].
5-  جمود الفكر النظري والممارسات السياسية ضمن قالب أممي رسمي لدى الشيوعيين في القطاع – والشيوعيين العرب بشكل عام – والتزامهم بالنصوص الرسمية السوفيتية دون اقتراب مباشر للواقع المحلي وقضاياه المطلبية الهامة، ونتيجة لذلك فقد تكرس وضع أصبحت فيه الكثير من الممارسات ضارة ومعرقلة[48].
6-  النزعات الذاتية والانقسامات داخل الحزب نفسه وعدم اهتمام قيادة وكوادر الحزب "بالاطلاع بشكل كاف على الفكر الماركسي واستيعابه، ولم يتمكنوا من تطوير برنامج سياسي يحدد حقيقة مواقفهم من القضايا المختلفة التي كانت عرضة لحملات التشويه".[49]
ثانياً: الأسباب الخاصة بانحسار حركة الإخوان المسلمين:
1-   موقفهم المناهض للحركة القومية العربية بشكل عام.
2- علاقتهم الإيجابية بالأسرة الحاكمة في السعودية "وعلاقتهم الحميمة بالقوى الاستعمارية والامبريالية الأمريكية[50] مما شكل تحدياً لمشاعر الجماهير الوطنية.
3- موقفهم الخاطئ من القضية الفلسطينية إذ "يعتقدون أن المعركة من أجل فلسطين تبدأ بعد اكتمال عملية التحول الإسلامي وبعد إتمام عملية الابتعاث الإسلامي في المنطقة والعودة إلى الإسلام"[51].
4- تراجع الفكر السلفي الذي اتسم بالطابع الرجعي، أمام عنفوان المد القومي العربي الذي طغى على اهتمام الجماهير العربية في تلك الفترة في حين ركزت حركة الإخوان المسلمين على البعد الإسلامي الشكلي دون اهتمام أو إبراز للجوهر الحقيقي للإسلام الذي لا يمكن أن يكون نقيضاً للديمقراطية أو القومية والوحدة.
5- قيامهم بمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر في مدينة الإسكندرية، بواسطة عضو الحركة محمود عبد اللطيف[52]، مساء يوم 26/10/1954 مما أدى إلى تصعيد العداء الجماهيري ضدهم.
6- حملات المطاردة والاعتقالات التي دفعت بعدد كبير من كوادر الإخوان في القطاع إلى الهجرة [53] إلى السعودية ودول الخليج التي فتحت لهم أبوابها ورحبت بهم.


[1] مصطفى الدباغ ، بلادنا فلسطين ج1-ص142.
[2]  عواد الاسطل ، الوضع القانوني لقطاع غزة-شؤون فلسطينية عدد 168-ص4.
[3]  محمد خالد الازعر ، المقاومة في قطاع غزة-ص14
 
 [4] مصطفى الدباغ ، بلادنا فلسطين-الديار الغزية-الجزء الاول-قسم2-ص14/15 .
[5] المصدر السابق-ص24-الديار الغزية
[6] المصدر السابق-ص23
[7] د.عادل غنيم-القوى الاجتماعية في فلسطين-ص30
[8] مصطفى الدباغ-مصدر سابق-ص406/477.
[9]  عبد القادر ياسين-كفاح الشعب الفلسطيني حتى عام 1948-ص195
[10]  هارون الرشيد-قصة مدينة-ص65
[11]  محمد خالد الازعر-المقاومة في قطاع غزة-ص16
[12] مصطفى الدباغ-الديار الغزية-ص307
[13]  حسين ابو النمل-قطاع غزة 48/67-ص310
[14]  عواد الاسطل ، الوضع القانوني لقطاع غزة-مصدر سابق-ص5
[15]  عواد الاسطل-مصدر سابق-ص6
[16]  ابراهيم سكيك-غزة عبر التاريخ الجزء الثاني-ص39
[17]  سميح شبيب-حكومة عموم فلسطين-منشورات البيادر-القدس-ص42
[18]  المصدر السابق-ص50
[19] د.زياد ابو عمرو-اصول الحركات السياسية-ص50
[20]  المصدر السابق-ص15
[21]  المصدر السابق-ص16
[22]  ابراهيم سكيك-غزة عبر التاريخ-جزء7-ص44
[23]  مصدر سابق-ص140
[24]  محمد خالد الازعر-المقاومة في قطاع غزة-ص48
[25]  احمد حمروش-قصة ثورة 23 يوليو-الجزء الخامس ص23
[26]  المصدر السابق-ص24
[27]  المصدر السابق-ص18/19
[28]  د.رفعت السعيد-منظمات اليسار المصري (1950-1957)-ص37
[29]  الموسوعة الفلسطينية-الجزء الثالث-ص393
[30]  المصدر السابق-ص393
[31]  المصدر السابق-ص394/395
[32]  ابراهيم سكيك-غزة عبر التاريخ-ج7-ص56
[33]  الموسوعة الفلسطينية-ج3-ص395
[34]  المصدر السابق-ص396
[35]  احمد حمروش-مصدر سابق-ص37
[36]  اميل توما-يوميات شعب-ص197
[37]  د.محمد علي الفرا-تراث فلسطيني-ص268
[38]  المصدر السابق
[39]  هارون رشيد-قصة مدينة-ص75
[40]  د.محمد علي الفرا-مصدر سابق-ص270
[41]  ابراهيم سكيك-مصدر سابق-ج7-ص96
[42]  المقاومة في القطاع-مصدر سابق-ص57
[43]  عبد القادر ياسين-شبهات حول القضية الفلسطينية-ص90
[44]  المصدر السابق-ص92
[45]  المصدر السابق-نفس الصفحة
[46]  مقابلة شخصية مع سكرتير عصبة التحرر الوطني في قطاع غزة، فخري مكي الذي كان له دور بارز في قيادة الجبهة الوطنية في القطاع .
[47]  من تقريراجتماع الاحزاب الشيوعية في دمشق 6-9 آب 1990
[48]  المصدر السابق
[49]  د.زياد ابو عمر-مصدر سابق-ص57
[50]  د.زياد ابو عمر-الحركة الاسلامية في الضفة وغزة-دار الاسوار-عكا-ص26
[51]  مصدر سابق-ص49
[52]  ريتشارد ميتشل-الاخوان المسلمين-الترجمة العربية-بيروت-ص285
[53]  د.زياد ابو عمر-مصدر سابق-ص27



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر العربية في خطر
- خمسة وستون عاماً من النضال واللجوء .. أما آن أوان المراجعة
- مقتطفات من كتاب رأس المال - تأليف د. فؤاد مرسي - اعداد غازي ...
- موجز رحلة لم تنته بعد
- الوضع العربي بعد 46 عاماً على هزيمة حزيران 1967.. مزيد من تر ...
- المقاييس الفكرية والتنظيمية والعملية والطبقية والنضالية والق ...
- السيرورات الثورية للانتفاضات العربية وتأثيرها على القضية الف ...
- هنيئا للعمال والفلاحين الفقراء وكل المضطهدين في فنزويلا بفوز ...
- مداخلة حول -الحملة الإسرائيلية لنزع صفة لاجئ عن ابناء وأحفاد ...
- أُمَّهات .!
- الفلسفة الماركسية موقف أخلاقي قبل أن تكون علما.............. ...
- مقارنة سريعة بين الرفيق هوجو شافيز ...وبين ما يسمى بزعماء ال ...
- الاقتصاد الفلسطيني وسبل الخروج من أزماته المستعصية
- إلى رفيقي أحمد سعدات في عيده السّتين
- عصر النهضة وتطور الفلسفة الأوروبية والتنوير حتى نهاية القرن ...
- طروحات في الفلسفة
- حول طبيعة التطور الاجتماعي العربي المشوه ودور المثقف الثوري ...
- مدخل الى الخطوط الكبرى لتاريخ الفلسفة
- رفض التطبيق الميكانيكي لمفهوم -المركزية الديمقراطية -
- غازي الصوراني - مفكر يساري وماركسي - في حوار مفتوح مع القارئ ...


المزيد.....




- تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
- ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما ...
- الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي ...
- غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال ...
- مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت ...
- بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع ...
- مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا ...
- كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا ...
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في ...
- مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - قطاع غزة 1948 – 1957 دراسة تاريخية سياسية اجتماعية