أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - محمد محمود السيد - أبعاد الصعود الروسي















المزيد.....


أبعاد الصعود الروسي


محمد محمود السيد

الحوار المتمدن-العدد: 3600 - 2012 / 1 / 7 - 21:45
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


مقدمــــــة

ورثت روسيا ما تبقى من الدور السوفيتي في السياسة الدولية بما في ذلك مقعد الاتحاد السوفيتي في مجلس الامن. بيد أن الدور الروسي فيما بعد الحرب الباردة تراجع بشكل واضح بحيث يمكن القول بأن روسيا لم تعد تمثل قوة يعتد بها في السياسة الدولية . فقد أصبح الناتج القومي الاجمالي الاروسي حوالي 310 بليون دولار تشكل حوالي 1% من اجمالي الناتج القومي العالمي (احصاءات عام 2001). كذلك، فقد انهارت الخدمات الاجتماعية، ولأول مرة بدأ عدد سكان روسيا في التناقص اذ أصبح متوسط النمو السكاني حوالي -0.13% سنويا، كما هبط مؤشر التنمية البشرية لروسيا من 0.809 سنة 1990 الى 0.779 سنة 2001 وأصبح ترتيب روسيا رقم 63 من 175 دولة في سلم التنمية البشرية العالمي سنة 2001. هذا بالاضافة الى التدهور العام في القدرات العسكرية التقليدية والنووية الروسية.
وقد وصل الرئيس السابق فلاديمير بوتين الى الحكم عام 2000 وعلى كاهله عبء ثقيل وهو انتشال روسيا مما تعانيه من تدهور في شتى المجالات، ليس هذا فحسب بل واستعادة مكانة روسيا الاقليمية والدولية لتعود فاعل قوي على الساحة الدولية، وبالفعل فقد بدأت روسيا تحت قيادة بوتين في المضي قدما نحو استعادة مكانتها الدولية، وشهدت روسيا صعود قوي على كافة الاصعدة دفع بعض المحللين الى القول بأن العالم في طريقه ليشهد حرب باردة جديدة، ويمكن القول بأن الصعود الروسي بدأ يبرز بشدة ويتضح في الفترة الثانية لحكم لبوتين خاصة منذ عام 2006، حيث يعتبر إيفغيني بريماكوف أن روسيا بدأت عام 2006 مرحلة جديدة في نهوضها تتميز بالقطيعة مع السياسات السابقة التي سادت منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، على صعيد العلاقات الروسية الداخلية كما على صعيد العلاقات الروسية الخارجية. وبرأي هذا السياسي الروسي المخضرم، فإن الرئيس بوتين انكب على أمرين أساسيين: الأول هو إحكام سيطرة الدولة على ثروات روسيا الطبيعية، ليقطع بذلك مع العديد من مكونات النظرية النيوليبرالية فيعيد للدولة دورها في تنظيم الاقتصاد وإدارة التنمية في الأقاليم؛ والثاني هو العمل على تجديد القدرة العسكرية الروسية، وعودتها إلى لعب دور متعاظم على المسرح الدولي بالاستناد إلى ثرواتها الطبيعية. وسوف نتناول في هذا المبحث أبرز ملامح الصعود الروسي من خلال ثلاث أبعاد وهي : البعد السياسي، البعد الاقتصادي، البعد العسكري .

أولاً: البعد السياسي

جاء فلاديمير بوتين بتوجهات جديدة في السياسة الخارجية تعلن أن سنوات الضعف والمهانة قد انتهت، وتطالب الولايات المتحدة والغرب بأن تعامل روسيا باحترام كقوة لها مكانتها ودورها العالمي، ويمكن إبراز أهم ملامح التوجهات الجديدة في السياسة الخارجية الروسية فيما يلي:
أولا : العمل علي بناء القوة الذاتية الروسية بشكل مستقل عن النماذج الغربية الجاهزة، والنظر إلي تلك القوة وحدها علي أنها المحدد لوضع روسيا في السياسة الدولية. وقد عبر بوتين عن ذلك في خطابه أمام البرلمان الروسي في مايو سنة 2005 بقوله إن روسيا دولة تصون قيمها الخاصة وتحميها، وتلتزم بميراثها وطريقها الخاص للديمقراطية. وأضاف أنه ‘لن يتحدد وضعنا في العالم الحديث إلا بمقدار نجاحنا وقوتنا’. وفي هذا السياق، رفضت روسيا التعليقات الأمريكية علي التطور الديمقراطي في روسيا.
ثانيا : معارضة الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 بدون ترخيص من مجلس الأمن. وفي هذا الميدان، نسقت روسيا سياستها مع مابدا لها أنه معارضة ألمانية - فرنسية للسياسة الأمريكية.
ثالثا : انتقد الرئيس بوتين السياسة الأمريكية الأحادية والانفرادية، وطالب بإنشاء نظام عالمي ديمقراطي أي متعدد الأقطاب، وبتقوية دور القانون الدولي، وذلك في مقابلة صحفية له في يناير سنة 2007. وفي مناسبة الانتصار السوفيتي في ستالينجراد علي النازية أشار بوتين إلي أن الأخطار التي شكلتها النازية لم تختف، وإنما اتخذت أشكالا جديدة. ‘فأفكار الرايخ الثالث التي تتسم باحتقار البشر، والسعي للهيمنة علي العالم مازالت قائمة’، مما كان يعد إشارة إلي أن الخطر الأمريكي يعادل الخطر النازي.
رابعا : عارض بوتين إنشاء الولايات المتحدة للدرع الصاروخية والمحطة الرادارية في بولندا وجمهورية التشيك، حيث اعتبر أن الدرع والمحطة ليستا موجهتين ضد إيران، وإنما ضد روسيا ذاتها.
خامسا : سعت روسيا إلي تقليص النفوذ الأمريكي في آسيا الوسطي، وطالبت الولايات المتحدة بسحب قواعدها العسكرية في أوزبكستان وقيرغيزستان، وبالفعل نجحت من خلال علاقاتها الجديدة مع أوزبكستان في إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في تلك الدولة.
سادسا : سعت روسيا الي بناء مشاركة استراتيجية مؤسسية مع الصين في إطار منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تضم دول آسيا الوسطي، عدا تركمانستان ، وشمل ذلك مشاركة نفطية لمد خطوط نقل النفط الروسي مع سيبيريا الي الصين، مع السعي الي إعطاء المنظمة بعدا عسكريا.
سابعا : سعت روسيا إلي إعادة تقوية علاقاتها مع دول كومنولث (رابطة الدول المستقلة)، من خلال عدة أساليب، بما فيها الدبلوماسية ‘القسرية’، خاصة لدي الدول ذات التوجه الأمريكي في سياستها الخارجية. فقد نجحت في إعادة دول آسيا الوسطي إلي حظيرة النفوذ الروسي من خلال دعم نظمها ضد الحركات السياسية الإسلامية المحلية المعارضة. من ناحية أخري، قامت روسيا بتقوية علاقاتها المؤسسية الأمنية والاقتصادية بدول الكومنولث.
ثامنا : سعت روسيا إلي الاضطلاع بدور أقوي في منطقة الشرق الأوسط، وتحول بوتين من سياسة الحياد السلبي إزاء قضايا المنطقة إلي سياسة المبادرات.
وقد أجرت روسيا تلك التحولات دون أن تدخل في صدامات حادة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقد أشار بوتين إلي أنه يسعي إلي تحقيق سياساته الجديدة من خلال الحوار القائم علي المساواة بين كل الأطراف والمصالح.
**** ومع وصول ديمتري ميدفيدف الى سدة الحكم في روسيا عام 2008 سعت روسيا الى استعادة نفوذها في الجمهوريات السوفيتية السابقة والدفاع عن فنائها الخلفي ضد التمدد الامريكي والغربي، وذلك من خلال استراتيجية قامت على أربعة محاور:
الاعتماد على مناخات حروب اهلية مسلحة تتيح لروسيا التدخل والتحكم بداخل الدول السوفيتية السابقة .
استعادة نفوذ اواحتواء وتطويق الخصم المتعاون مع الغرب ضد موسكو .
استمالة جمهوريات سوفيتية سابقة في اثناء نزاعها الاقليمي مع جمهورية اخرى على مناطق محدودة .
استمرار النفوذ الروسي القوي داخل الجمهوريات الجديدة خاصة تلم التي تضم اقليات روسية كبيرة والتي كانت ترتبط بالمركز السوفيتي بروابط اقتصادية قوية .
وقد كانت تلك الاستراتيجية موضع تطبيق من جانب القادة الروس ، وكان لها جل الاثر في استعادة روسيا مكانتها في مناطق نفوذها وفنائها الخلفي . فسمحت تلك الاستراتيجية بأن تحقق روسيا عدة انتصارات سياسية في الفضاء السوفيتي في الفترة من 2008 الى عام 2010 كان ابرزها :

الحرب الجورجية واعادة الهيبة الروسية

لم تكن المواجهة الروسية الجورجية التي اندلعت عقب القصف التي قامت به جورجيا لأوسيتيا الجنوبية في اغسطس 2008، مجرد أزمة اقليمية بين دولتي جوار، وانما كانت في حقيقة الامر مواجهة بين روسيا التي تحاول استعادة نفوذها ومكانتها في منطقة الاتحاد السوفيتي السابق. فقد اوضخت تلك الازمة ان روسيا استعادت مكانتها كقوة كبرى قادرة على الدفاع عن مصالحها وحلفائها وفرض ارادتها في هذا الشأن . وقد كانت تلك الحرب بمثابة فرصة لتلقين الرئيس الجورجي "ميخائيل ساكشفيلي" درسا لمعارضته الصريحة والمعلنة، وتحديه الواضح لروسيا واستخفافه بالمصالح الروسية.

عودة اوكرانيا الى الفضاء الروسي

منذ تولي الرئيس "فيكتور يوشينكو" عقب قيام الثورة البرتقالية في اوكرانيا في 2004، والعلاقات بين موسكو وكييف تسير من سيئ الى أسوأ بسبب السياسات المعادية لروسيا التي انتهجها الرئيس الاوكراني السابق، ولكن مع فوز "فيكتور يانوكويفيتش" الموالي لروسيا بالانتخابات الرئاسية في اوكرانيا في بداية 2010 ، دخلت العلاقات الروسية الاوكرانية مرحلة جديدة من المنتظر أن تتسم بالموالاة لموسكو كما كان الحال قبل 2004 ، فقد أكد يانوكويفيتش مرارا خلال حملته الانتخابية أن من أولوياته كرئيس للبلاد تحسين العلاقات مع روسيا واعادتها الى سابق عهدها . سيدفع تحسين العلاقات بين البلدين بالضرورة لاتخاذ عدة مواقف دولية واقليمية وداخلية حساسة ومهمة، في مقدمتها اغلاق ملف المساعي نحو عضوية حلف الناتو أو طيه لتكون اوكرانيا دولة محايدة، وكذلك اغلاق ملف ابعاد الاسطول العسكري البحري الروسي خارج حدود المياه الاقليمية الاوكرانية في البحر الاسود.

ثانياً: البعد الاقتصادي

قطيعة على صعيد دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي

أعاد الرئيس بوتين أن للدولة دورها في ترسيخ الاستقرار الداخلي، خصوصاً لمواجهة السياسات الأمريكو أوروبية في اعتماد "الثورات الملونة" على الطريقة الأوكرانية والجورجية، وذلك عبر:
أولاً: المزيد من تدخل الدولة في الحياة السياسية والاجتماعية، وتعزيز أجهزتها وقدرتها على التدخل في الحياة العامة. ومن ذلك القانون حول "المنظمات غير الحكومية" الذي اعتمد في مطلع العام 2006، بغية المزيد من مراقبة السلطات الحكومية الإدارية لهذه المنظمات واحتوائها وتقييد حركتها.
ثانياً: توفير الاستثمارات اللازمة لتمويل المشاريع الكبرى التي تحتاجها البلاد.
ثالثاً: استخدام العائدات الناجمة عن ارتفاع أسعار الموارد الطبيعية في تنمية الاقتصاد ورفع مستوى معيشة المواطنين الروس. وذلك مقابل تخفيض الضريبة على منتجات التكنولوجيا الرفيعة والصناعة التحويلية والمنشآت الصغيرة والمتوسطة. ولقد كان ذلك بتعزيز تدخل الدولة الشديد في مجال النفط والغاز ، وهذا ما أعطى الدولة الروسية دوراً أساسياً في المجال الاقتصادي، ومنحها أداة دبلوماسية بالغة الأهمية. وانعكس ذلك في دينامية كبيرة في الاقتصاد الروسي، نظراً لارتفاع الأسعار العالمية للنفط والغاز، ما مكن العملة الروسية من العودة إلى قيمتها قبل أزمة العام 1998، وحرر البلاد من دينها الخارجي (25 مليار دولار) ومنحها احتياطياً بالعملات الصعبة بلغ في أواسط العام 2006 قيمة 185 مليار دولار.
رابعاً: اعتماد سياسة اجتماعية نشطة للغاية بفضل فوائض النفط وهذا ما عبر عنه في خطابه أمام الكرملين في العاشر من مايو 2006، عندما طرح تطوير سياسات الحماية الاجتماعية والأمن بمثابة أولويات في سياسته الداخلية. وجاء توسيع سياسات الحماية الاجتماعية بتطوير أربعة برامج قومية تتعلق بالصحة والتعليم وبناء المساكن وتنمية الزراعة.
خامساً: الشروع بمكافحة الفساد من خلال الملاحقة القضائية لكبار الفاسدين، وسن التشريعات حول ضبط العلاقة بين موظفي الدولة ورجال الأعمال حيث ينمو الفساد والإفساد.
سادسا: والأهم من كل ذلك أن "الدولة استعادت السيطرة المباشرة على نمو الصناعات الإستراتيجية وعلى موقعها في الأسواق العالمية. ففي يونيو 2006 كانت المنشآت الإستراتيجية تعد 514 منشأة عامة فيدرالية و548 شركة مساهمة تسيطر عليها الدولة. وثمة تفكير بأن تؤسس الدولة في السنوات القادمة من 30 إلى 40 شركة هولدنيغ في أهم فروع الإنتاج الإستراتيجي تكون فيها حصة الدولة أكثر من 50%.
سابعاً: تقييد حرية المستثمرين الأجانب، أو منعهم من الاستثمار في الصناعات الإستراتيجية: صناعات الفضاء، السكك الحديد، النووي المدني، المناجم، صناعة مدخلات إنتاج الأسلحة...

الطاقة: التسويق في خدمة السياسة

لم تكتفِ روسيا بتسويق النفط لجمع الفائض (لا سيما مع ارتفاع الأسعار) واستخدامه في السياسة الداخلية، بل سخرته لخدمة أهدافها الإستراتيجية، بالضغط على خصومها، أو باستمالة حلفاء وعقد محالفات وتعزيز موقعها الدولي. وأبرز مثال على استعمال روسيا الطاقة كأداة ضغط تجلى في علاقتها مع أوروبا والولايات المتحدة.
الطاقة الروسية والعلاقة مع أوروبا: في فبراير 1970، تم توقيع اتفاق بين موسكو وبون لتزويد أوروبا الغربية بالغاز من الاتحاد السوفييتي . ومنذ ذلك الحين صار تزويد أوروبا الغربية بالطاقة الروسية أمراً عادياً مكّنها من مواجهة صدمتي النفط في العام 1973 (حرب أكتوبر) وفي العام 1979 (الثورة الإسلامية في إيران). ولكن في مطلع العام 2006 وجدت أوروبا أن هذا الأمن هو مجرد وهم عندما قطعت روسيا إمدادات أنابيب "دروجبا" Droujba التي تنقل الطاقة الروسية عبر أوكرانيا إلى أوروبا الوسطى (25% من مصادر الطاقة الأوروبية تمر عبر هذه الأنابيب). وفي مطلع العام 2007، قطعت روسيا للمرة الثانية الطاقة عن أوروبا عبر بيلاروسيا. لقد عمدت روسيا إلى استخدام الطاقة كوسيلة ضغط على أوروبا التي عادت لتتذكر تبعيتها إزاء روسيا التي يصعب توقع ممارستها.
التراجع عن إقامة علاقة نفطية روسية أمريكية: في خريف العام 2002 انعقد في واشنطن مؤتمر روسي أمريكي حول مسألة الطاقة، تم فيه التوافق على إقامة محور للطاقة بين الولايات المتحدة وروسيا. وكان غرضه التعويض عن محور الولايات المتحدة- الخليج المهدد بحكم الأوضاع في الشرق الأوسط، في حال انهيار السعودية، ما يجعل الولايات المتحدة فاقدة لاستقلاليتها النفطية. ولكن الأمور تغيرت بحكم طموحات الهيمنة الأحادية على العالم من قبل الولايات المتحدة، والرد عليها بتعديل في السياسات الروسية الخارجية.

تطوير الصناعة العسكرية وتجارة السلاح

اقترن تطوير روسيا للصناعة العسكرية بتطوير تجارة السلاح في الكثير من مناطق العالم. يقول جيسون بوش في مقال بعنوان "عادت روسيا إلى تجارة السلاح"، في "أسبوع الأعمال" بتاريخ 13-4-2007: "يعتبر الرئيس بوتين أن تنشيط صادرات السلاح وسيلة جيدة لزيادة الاحترام الدولي لروسيا، فضلاً عن أنه تجارة رابحة". لقد تطورت تجارة الأسلحة الروسية تدريجياً منذ العام 2001، وقد بلغت عام 2007 حوالي 5.8 مليار دولار، بحيث تكون روسيا الرقم الثاني عالمياً في تجارة الأسلحة بعد الولايات المتحدة (16.3 مليار دولار عام 2006). ويتنوع زبائن روسيا من فنزويلا إلى الصين والهند وإيران وسوريا... وهذا ما يقلق واشنطن ويثيرها في نفس الآن، ففي عام 2007 سلمت روزوبورونكسبورت الشركة الروسية لتصدير الأسلحة، إلى إيران 29 قاعدة لإطلاق صواريخ Tor M1 المضادة للطيران والشديدة الفعالية، وذلك من ضمن صفقة تبلغ قيمتها حوالي 543 مليون دولار. وهذا ما عزز القدرة الدفاعية الإيرانية في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تضييق الخناق حولها في أزمة البرنامج النووي الإيراني. كما عقدت روسيا صفقة مع الرئيس الفنزويلي شافيز الذي لا يخفي عداءه للولايات المتحدة بقيمة 2.3 مليار دولار، وتتناول شراء البنادق و24 طائرة مقاتلة وقاذفة من طراز سوخوي Su-30 و53 طوافة عسكرية. وهذا ما استنكرته الخارجية الأمريكية، وقررت واشنطن منع الشركة الروسية المعنية وغيرها من شركات بيع الأسلحة من العمل داخل الولايات المتحدة أو توقيع العقود مع الشركات الأمريكية.

ثالثاً: البعد العسكري

تشهد روسيا منذ تولي بوتين مقاليد الحكم عام 2000 خطوات جادة في إطار تجديد أسلحة جيشها؛ فقد بدأت بزيادة ميزانيات تحديث وتطوير القوات الروسية.
وفي هذا الإطار، أمر الرئيس الروسي (ديمتري ميدفيديف) المؤسسة العسكرية في بلاده بإطلاق عملية واسعة لإعادة تسليح الجيش والأسطول الروسي، والتركيز على تعزيز القوات النووية الروسية في مواجهة الأخطار المحتملة، وأعلن أن هذه العملية ستبدأ عام 2011، مشيراً إلى أن موسكو نجحت عام 2008 في التزوّد بتشكيلات أسلحة وتقنيات عسكرية جديدة، وشدَّد على أن مهمة تجهيز الجيش بأحدث الأسلحة والتقنيات العسكرية تمثّل أولوية روسية، على رغم الأزمة المالية، في إشارة إلى خطة استراتيجية أقرّت عام 2008، ونصَّت على مراحل لإعادة تأهيل المؤسسة العسكرية وتزويدها بأحدث العتاد حتى عام 2020.

إعادة تسليح القوات الروسية

أعلن الرئيس الروسي (ديمتري ميدفيديف) أن عملية إعادة تسليح الجيش والأسطول الروسيين على نطاق واسع ستبدأ في عام 2011، وقال في اجتماع هيئة وزارة الدفاع الروسية: "إن روسيا تمكَّنت في عام 2008 من إعادة تسليح العديد من الوحدات والتشكيلات بأسلحة وتقنيات عسكرية جديدة، وستنطلق في عام 2011 عملية إعادة تسليح الجيش والأسطول على نطاق واسع، ومهمة تجهيز القوات بأحدث الأسلحة والتقنيات العسكرية تعتبر من البنود المهمة في التحديث النوعي للقوات المسلحة الروسية". وقد أعلن خططاً لبناء نظام ردع نووي فعّال بحلول عام 2020، وكذلك نظام للدفاع الفضائي، وحدد المهمة الأولى لحكومته بتعزيز ارتقاء قدرات القوات الروسية، وفي مقدمتها القوات النووية الاستراتيجية، مشدداً على ضرورة وضع كل الوحدات القتالية في حالة التأهب الدائم، وتحديث وسائل البحث والتخطيط، وإعادة تأهيل الجيش الروسي وتسليحه، وتحسين أوضاع المؤسسة العسكرية، انطلاقاً من الوضع الحالي، ومن طابع الأخطار المحتملة.
ويعتزم الجيش الروسي تعزيز قواته بأكثر من (70) صاروخاً نووياً، وأنواع متعددة من الأسلحة خلال الأعوام الثلاثة القادمة، بتكلفة تبلغ نحو (140) مليار دولار، حيث تنوي الحكومة إجراء زيادة ملموسة في وتيرة التسلّح بالصواريخ الاستراتيجية، وسيحصل الجيش الروسي أيضاً على (48) طائرة مقاتلة، و (6) طائرات تجسس، وأكثر من (60) طائرة عمودية، و (14) سفينة بحرية، ونحو (300) دبابة.
وكشف وزير الدفاع الروسي عن أن الترسانة النووية الروسية ستمتلك قريباً صواريخ استراتيجية بعيدة المدى لا يمكن لأي نظام دفاعي في العالم التصدّي لها الآن، وحتى في المستقبل المرئي. ويُعدّ إعلان روسيا عن إنتاجها تلك الصواريخ التي لا يمكن التصدّي لها أو صدّها، ترسيخاً للاعتقاد الروسي الجازم بأن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من التوقيع على معاهدة عام 1972، الخاصة بالأسلحة المضادة للصواريخ الباليستية بعيدة المدى، كان غلطة كما وصفها رئيس الوزراء الروسي (بوتين)، وقد يكون لها تأثير سيء على الأمن العالمي، ولكنها لا تشكّل تهديداً لروسيا.

زيادة الإنفاق العسكري

تمكّن (الكرملين) بفضل إيرادات النفط والغاز الضخمة التي جنتها روسيا مع ارتفاع أسعارهما من مضاعفة الإنفاق العسكري على مدى الأعوام الثمانية الماضية، إلاّ أن هذا لا يُقاس بحجم الإنفاق الأمريكي على التسليح، والذي بلغ (480) مليار دولار عام 2008، ويُشار أن موازنة الدفاع الروسية التي عانت شح التمويل في فترة تسعينيات القرن العشرين قد تضاعفت من (8.1) مليار دولار عام 2001 إلى (31) مليار دولار لعام 2007، بفضل عائدات النفط. ورغم مضاعفة (الكرملين) للإنفاق العسكري خلال السنوات القليلة الماضية، إلاّ أن الرئيس الروسي قال إن موازنة روسيا العسكرية مازالت ضئيلة أمام نظيرتها الأمريكية.
ونصّ مشروع الميزانية الروسية لعام 2009، على زيادة الإنفاق العسكري بنسبة (25.7%)، وهي زيادة كبيرة بالنسبة للجيش الروسي، واقترح مشروع الميزانية رفع الإنفاق العسكري من نحو (40) مليار دولار إلى نحو (50) مليار دولار، وتم تخصيص جزء أساسي منها لتمويل التسليح، وشراء المنظومات الصاروخية المتطورة من طراز (اسكندر)، وتحديث صواريخ (توبول)، وتصنيع غواصات متطورة وحاملة للصواريخ الاستراتيجية.
رؤية المسؤولين العسكريين الروس
وقال رئيس الأركان الروسي في خطاب له في مؤتمر عسكري تم نقله على الهواء مباشرة عبر التليفزيون الحكومي: "نحن لا ننوي مهاجمة أحد، لكننا نرى أنه من الضروري أن يفهم جميع شركائنا بوضوح، وألا يكون لدى أحد أدنى شك في أننا سنلجأ إلى استخدام القوات المسلحة، كإجراء وقائي، بما في ذلك استخدام السلاح النووي، لحماية سيادة الدولة الروسية ووحدة أراضيها وحلفائها، في الحالات المنصوص عليها في الوثائق الأساسية الروسية".

الخلاصة

أولاً: من الواضح أن روسيا – منذ تولي بوتين - تصعد كقوة عظمى ساعية لاستعادة موقعها الذي لعبته في زمن الاتحاد السوفييتي. وهي دولة على قدر كبير من القدرة الاقتصادية (مصادر طاقة، ثروات طبيعية، معلوماتية...) والفعالية (العسكرية والسياسية)، لذا فإن استمرار الصعود الروسي وفق المؤشرات الحالية يشير إلى أن روسيا ربما تكون في المستقبل غير البعيد في طريقها لتحقيق تعاظم كبير في مكانتها الدولية ومواردها الاقتصادية وقدراتها العسكرية.
ثانياً: تنهض روسيا كدولة تخوض صراعاً بوجه نزعة الهيمنة الأحادية الأمريكية، خصوصاً وأن هذه النزعة هددتها وما تزال تهددها في مجالها الحيوي المباشر (مجال الاتحاد السوفييتي السابق، بلدان المعسكر الاشتراكي في أوراسيا).
ثالثاً: يقوم المشروع الروسي على مواجهة مشروع الأحادية الأمريكية بالعمل وبالدعوة لإقامة نظام عالمي يقوم على التعددية القطبية، وعلى إحياء دور منظمة الأمم المتحدة ومؤسستها الأمنية الأساسية مجلس الأمن، كبديل عن اعتماد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على منظمة حلف الأطلسي.
رابعاً: روسيا تتحول نحو بناء عالم متعدد الأقطاب في إطار بناء قوتها الذاتية وإعادة بناء محيطها الإقليمي، دون أن تدخل في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، وتعتمد روسيا على تأسيس محالفات جماعية وثنائية (اقتصادية وسياسية وعسكرية) أبرزها منظمة شنغهاي، والسعي الروسي لمزيد من ترتيب العلاقات مع إيران وسوريا.



#محمد_محمود_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الاصلاح السياسي
- المفهوم في التنظير السياسي
- دور الإعلام في التنمية
- حول تفسير ظاهرة الفقر
- العوامل الجغرافية والموقع الاستراتيجي كمحدد للسياسة الخارجية ...
- الهجرة غير الشرعية


المزيد.....




- آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد ...
- الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي ...
- فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
- آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
- حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن ...
- مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
- رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار ...
- وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع ...
- -أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال ...
- رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من ...


المزيد.....

- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - محمد محمود السيد - أبعاد الصعود الروسي