|
التحليل السوسيولوجي لثورات الربيع العربي
بشير ناظر حميد
الحوار المتمدن-العدد: 3581 - 2011 / 12 / 19 - 19:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يمر العالم العربي اليوم بثورات تغيير لم يشهدها من قبل، وعند الكلام عن ثورات التغيير هذه، لا بد من استرجاع ما حدث في عام 1968 والذي يعد منعطفاً في تاريخ الغرب والعالم، حسب الكاتب والصحافي الأمريكي مارك كورلانسكي من خلال كتابة (1968 السنة التي هزت العالم)، وهو يقصد ثورة الطلاب والعمال في فرنسا التي هزت النظام الديغولي وكادت تسقطه، فقد هبت رياح الثورة من فرنسا وانتقلت إلى عواصم الغرب والجامعات من روما إلى برلين ولندن ومدريد وطوكيو، وكانت ثورة ضد المجتمع وتقاليده العتيقة الموروثة عن القرن التاسع عشر، وضد التسلط والكبرياء، ومع أنها فشلت وتم إحباطها إلا أنها كانت مفيدة ولم تذهب تضحيات الطلبة والعمال سدى، فقد انتعش بعدها المجتمع الفرنسي وغيرت حياته في العمق من جميع النواحي الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والثقافية والتحررية. وبعد احتلال العراق أصبحت النظم السياسية العربية مهددة في عقر دارها، حيث لم تعد القوات الأجنبية المتواجدة في المنطقة العربية هي قوات صديقة، أو نتيجة اتفاقيات مع بعض الدول أو بعض النظم، بل تحولت لقوات غزو واحتلال، كما أن احتلال العراق لم يكن نتيجة قرار دولي وإنما جاء نتيجة لتخطيط أمريكي بريطاني بامتياز( لم أقرأ يوماً، أن أمريكا وقفت إلى جانب الإسلام والمسلمين سوا ما شاهدته في فلم Behind Enemy Lines ) وقد تطورت الأمور فيما بعد باستصدار قرار من مجلس الأمن أعتبر العراق دولة محتلة، أن هذا الاحتلال محاولة لفرض الهيمنة الأمريكية على المنطقة العربية، وتغيير بعض النظم السياسية التي لا تسير في فلك السياسة الأمريكية. أن رياح التغير التي هزت العالم وشهدها الغرب في عام 1968، هي اليوم تعتبر من أخطر التحديات التي تواجه النظم العربية، نعم هي ثورات التغيير التي تعم عالمنا العربي ضد الأنظمة المزمنة، بعضها سقط، والآخر يقاتل من أجل البقاء، وذاك يقمع المتظاهرين بعنف، والبقية تجري الإصلاحات وتترقب بحذر شديد. أن هذه التحديات هي لحظات تاريخية غيرت وستغير بعض الوجوه بالكامل، فقطار التغيير أنطلق من تونس ومر بمصر وليبيا، وما زال يجول بين اليمن وسوريا، وفي البحرين أيضا, ولكن أرى كمتابع أن القطار سيعجز عن التغيير في البحرين لظروفها الخاصة، ولمحيطها الرافض. ولكن يا ترى هل أن هذه الثورات هي ثورات تغيير تقوم بها الشعوب المحرومة من الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية نتيجة الفقر والبطالة والتسلط وسوء التوزيع واتساع الفوارق الطبقية، أم هي مشاريع تقسيم بأيادي خارجية من أجل إعادة تقسيم أكثر ملائمة وبمقاييس تماشي وتلاءم روح العصر؟ وهل يا ترى لهذه الثورات علاقة بوثائق WikiLeaks، أم أنها صدفة القدر ونهاية للماركة العربية الوحيدة التي كانت الأنظمة تفتخر وتتباهى بها(ماركة التمليك والتوريث والحكم مدى الحياة). أن لفظ الثورة لا يتعب أحد بسبب ما يتضمنه من معان متعددة لدى الشعوب، فالثورة تعني التغيير، الانقلاب، نهاية لعصر الخوف، الخروج عن القانون لتحقيق أهداف وغايات مختلفة، ولكن النتيجة السياسية التي لا بد منها هي بروز صفوة سياسية جديدة وهبوط أخرى، وأن كانت هذه الصفوة الجديد هي بعضها وجوه قديمة ولكن بـ لون مختلف، ولا يخفى على أحد أن الكثير من الشعوب العربية متذمرة وغاضبة وتنتظر لحظة الفرج، فملامح الفساد والظلم تختلف من بلد إلى آخر، بعضها قبلي والأخر طائفي وهذا مناطقي وذاك طبقي. اذاً لا بد من هذه الثورات، ولا بد من التغيير، فإلى وقت قريب لم أستطيع أن أفسر الثورات التي قادتها النخب العربية قبل عقدين أو أكثر بنظريات علم الاجتماع التي تؤكد كما يرى هيربرت ماركيوز أن من يقوم بالثورة الفئات التي لم ينجح النظام في إدماجها كالعاطلين عن العمل، واليوم من الممكن أن تصح هذه النظريات على الثورات العربية التي يقودها الشعب من أجل التغيير، لأن كما نرى أن من يقود الثورات فئات المجتمع المختلفة التي أوصلها النظام لهذه المرحلة نتيجة الظلم والضغط والحرمان، وأن تخلخلت بين هذه بعض فئات المعارضة، وبعض الأيادي الخارجية في مرحلة من مراحل الثورة، وحتى بعض التوجيه أحياناً. ولا أحد يستطيع أن ينكر دور طارق الطيب والمعروف محمد البو عزيزي الذي أستطاع من خلال إحراق نفسه أن يشعل الشرارة التي أشعلت الثورات في ديار العرب، وإجبار حكام الغرب على إعادة النظر بخططهم وطريقة تعاملهم مع الأنظمة العربية. لحد الآن أمامنا أربع أو خمس ثورات في عدة دول عربية مختلفة السيناريو متشابهة الأهداف، فما حدث في سيدي بو زيد بتونس، غير الذي حدث في ميدان التحرير بمصر، وما حدث في تونس ومصر مختلف ببعض صورة عما يحدث في اليمن بسبب محيطها الحاضن للنظام، ومختلف بالتمام عما حدث في ليبيا، وأن تشابهت بعض صور ما يحدث في ليبيا مع ما يحدث الآن في سوريا، حتى أن ردود الأفعال جاءت مختلفة ومتباينة ما بين الأنظمة العربية والغربية، وهنا لعبت العلاقات الشخصية للحكام دور كبير سواء بدعمهم علانية أو بالسر، وكذلك قنواتنا الفضائية العربية جاءت تغطيتها مختلفة، واختلفت وتشابهت حسب علاقاتها المصلحية بتلك الدول. والملفت للنظر أن عنوان هذه الثورات لم يكن من أجل رغيف الخبز، أو بعض المطالب الحياتية للقضاء على الفقر والجهل، ولم يكن حتى أصلاح النظام، ولكن مطلب مرعب ومخيف ( الشعب يريد تغيير النظام ). فهي ثورات شعبيه شاركت فيها كل شرائح المجتمع وأدواتها ليست عسكرية وإنما الكترونية معرفية تحررية، هدفها بناء نظام سياسي متحرر من التبعية، ولكنها لم تخلو من الدماء. هنا وبمنطق علم الاجتماع لا بد من آثار تساؤل هو: لماذا قامت هذه الثورات في بلداننا العربية، هل هي ثورات داخلية، أم مشاريع تقسيم خارجية ؟ مع الأخذ في الاعتبار أن هناك الكثير من البلدان الإفريقية والأمريكية الجنوبية تتشابه ظروفها مع بلداننا العربية ؟ يحضرني في هذا المجال موقفين: الأول قرأته في بحث للدكتور احمد أبو زيد ويتحدث فيه عن مقال ظهر في عام 1998 في مجلة "فورن أفيرز" كتبه آرثر شلزنجر، وكان المستشار السياسي للرئيس الأمريكي كنيدي وهو لا يزال يمارس عمله في جامعة هارفارد، وكتب المقال بعنوان "هل للديمقراطية من مستقبل ؟ " وفي هذا المقال الصريح شرح لنا المجتمع الأمريكي، وكيف أن هذا المجتمع يتألف من مجموعه كبيرة جداً من الأقلية العرقية والثقافية والدينية يتآكل من داخلة نتيجة للصراعات بين هذه الأقليات. ولكي يحافظ المجتمع الأمريكي على كيانه وتماسكه لا بد أن يخلق له مجتمعاً خارجياً معادياً مما يدفعه إلى التماسك ضد هذا العدو، إذن هو يختلق هذا العدو لكي يتماسك داخل المجتمع الأمريكي، واعتقد أن هذا وراء فكرة هنتنجتون وفوكوياما. والثاني ما قرأته في كتاب Decision Points (نقاط اتخاذ القرار) لمؤلفه George W. Bush، حيث كتب نصاً في مذكراته أن " الرئيس المصري حسني مبارك أطلع الجنرال تومي فرانكس على أن العراق لدية أسلحة بيولوجية وأنه سيقوم باستخدامها ضد قواتنا بكل تأكيد"، وأنه كذلك طلب أن يكون الآمر سراً خوفاً من ثورة الشعب المصري. في الموقف الأول يظهر المجتمع الأمريكي شانه شأن إي مجتمع غربي غير متجانس قومياً وعرقياً ودينياً، وهذا ليس بخافي على أحد، ولكنه يستطيع أن يحافظ على توازنه من خلال تصديره لمشكلاته إلى الخارج، وخلق عدو خارجي لكي يتماسك الداخل. وأما الموقف الثاني فأن ما كُتب في نقاط اتخاذ القرار من الممكن أنه يحتوي على تلميح بأن دور الرئيس المصري السابق حسني مبارك قد انتهى، وحان وقت التغيير، وهذه رسالة لم يقرأها مبكرا الرئيس المصري السابق حسني مبارك. هذا من جانب، أما الجانب الآخر فيلاحظ أن اندلاع ثورات التغيير هو نتيجة للتناقضات الموجودة في النسيج الاجتماعي – السياسي - الاقتصادي، والذي ساعد على أثارت النزاعات والخلافات بين أفراد المجتمع بشأن النظام، بعضهم مؤيد والآخر معارض، مع التأكيد على أهمية العامل الخارجي، إلا أنه لا يمكن للمتغيرات الخارجية ـــــ مهما كانت قوتها ـــــ أن تخلق الثورات ما لم تكن المتغيرات الداخلية تساعد على ذلك. من هذا نستطيع أن نفهم بأن كلما زاد تماسك وصلابة البناء الاجتماعي بين المكونات الاجتماعية المختلفة، وفي مجتمعات غير متجانسة أو حتى المتجانسة أحياناً، كلما قل تأثير العوامل الخارجية على هذه المجتمعات، أو أنعدم، ولكن للأسف فالمجتمعات العربية بيئة مناسبة للتدخل الخارجي، وذلك لضعف نظمنا العربية وفسادها وتحللها وتبعيتها. إن التغيير مهما اختلفت صورة وأدواته وعوامله داخلية كانت أم خارجية، ولكن في بلداننا العربية يعتبر تجربة تستحق المغامرة، وتستحق أن تخاض، وكذلك تستحق التضحيات، من أجل إن يستطيع الناس تقرير مصيرهم من دون إقصاء وتهميش واجتثاث أو وصاية، ولكن هناك ما يدعو إلى التساؤل وربما الشك والخوف من حركات التغيير هذه، فهي بحاجة إلى المزيد من التحليل والتفكيك وبتعبير آخر المزيد من التشريح، حتى نستطيع أن نرى بعض الخيوط الخفية، التي تكاد لا ترى بالعين المجردة، ألا أنها تعد لاعب قوي في تسونامي التغيير العربي. وهنا ما يثير الدهشة والاستغراب والتساؤل بلغة العربي عن سر عودة قطار التغيير من الجزائر باتجاه ليبيا ومن دون أن يحدث التغيير؟ بعد أن كان الجميع يترقب ما سيحدث في الجزائر بعد مصر، ولم يكن أحد يفكر حتى في ليبيا. مع التأكيد على حق جميع الشعوب العربية في الثورة وتغيير الكثير من الأنظمة الفاسدة التي لم تعرف على يدها الشعوب العربية سوى الفقر والتخلف والتبعية، وأنا كمواطن عربي وعراقي عرفت على يد هذه الأنظمة وبمباركتها وبدعمها وبتوافقها أحتلالين لبلدي العراق، أحدهما متعدد جنسيات وبقيادة أمريكية، وثانيهما تدخل دول الجوار، وبأوجه متعددة: إيراني، سوري، سعودي، تركي، وحتى كويتي وأن كان بشكل مخفي وغير معلن، ولجميع هذه الدول مصالحهما في ما يحدث في بعض الدول من ثورات تغيير. نتمنى إن تمر هذه الثورات على خير، ويكون التغيير بشير خير لجميع الشعوب العربية، وأن يحمل معه هذا التغيير حلول لمشاكلنا وقضايانا المصيرية كتحرير العراق وفلسطين. وأن تترك أنظمتنا العربية دورها كقاصر وتنتقل من التبعية والتخلف والفساد إلى الاستقلال والتحديث والشفافية والنهوض بمجتمعاتنا العربية على أساس الديمقراطية الحقيقة والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجميع. والأهم أن يكون هذا التغيير بالتدريج، فلا يمكن أن تحقق الثورة كل شيء بين ليله وضحاها، فالتغيير المفاجئ في المجتمعات العربية غير مناسب، ولا يخدم مصالح الشعوب العربية، لأن أي بلد عاش أهله لعقود طويلة تحت الاستبداد والقمع والفساد، في ظل حكم نظام شمولي، لا يمكن أن يستوعب تغييرا مفاجئا عنيفاً وسريعاً، وقد أشار علم الاجتماع إلى هكذا مجتمعات عاشت الهوامش المتاحة، فأنها بحاجة إلى تغيير هادئ علمي مدروس، بحيث يستفاد من كل عملية لتوسيع هذه الهوامش. فنحن بحاجة إلى إصلاح النظام الاجتماعي، وبناءه على أساس المساواة والعدالة وتحقيق الرفاهية الاجتماعية. أخيراً أقول كما قالت نظيرة زين الدين: السفور والحجاب-1928- يا أيها المسيطر؟ يا منتحل الوكالة علينا ! إن الله جل جلاله لم يوكلك علينا، ورسوله – صلى الله عليه وآلة وسلم- لم يوكلك، ونحن لم نوكلك، فمن أين لك هذه الوكالة ؟
#بشير_ناظر_حميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مظاهر الاستبعاد الاجتماعي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|