|
دروس مستفادة من مارتن لوثر كينج
لطيف شاكر
الحوار المتمدن-العدد: 3031 - 2010 / 6 / 11 - 08:38
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كانت الأوضاع تنذر برد فعل عنيف يمكن أن يفجر أنهار الدماء لولا مارتن لوثر كينج اختط للمقاومة طريقا آخر غير الدم. فنادى بمقاومة تعتمد مبدأ "اللا عنف" أو "المقاومة السلمية" على طريقة المناضل الهندي مهاتما غاندي. وكان يستشهد دائماً بقول السيد المسيح عليه السلام: "أحب أعداءك واطلب الرحمة لمن يلعنونك، وادع الله لأولئك الذين يسيئون معاملتك". وكانت حملته إيذاناً ببدء حقبة جديدة في حياة الأمريكان ذو الأصول الافريقية. فكان النداء بمقاطعة شركة الحافلات امتدت عاما كاملاً أثر كثيراً على إيراداتها، حيث كان الأفارقة يمثلون 70 % من ركاب خطوطها، ومن ثم من دخلها السنوي. لم يكن هناك ما يدين مارتن فألقي القبض عليه بتهمة قيادة سيارته بسرعة 30 ميلاً في الساعة في منطقة أقصى سرعة فيها 25 ميلاً، وألقي به في زنزانة مع مجموعة من السكارى واللصوص والقتلة.
كان هذا أول اعتقال لمارتن لوثر كينج أثر فيه بشكل بالغ العمق، حيث شاهد وعانى بنفسه من أوضاع غير إنسانية، إلى أن أُفرج عنه بالضمان الشخصي. وبعدها بأربعة أيام فقط وفي 30 يناير 1956، كان مارتن يخطب في أنصاره حين ألقيت قنبلة على منزله كاد يفقد بسببها زوجته وابنه، وحين وصل إلى منزله وجد جمعا غاضبا من الافارقة مسلحين على استعداد للانتقام، وأصبحت مونتجمري على حافة الانفجار من الغضب، ساعتها وقف كينج يخاطب أنصاره: "دعوا الذعر جانبا، ولا تفعلوا شيئا يمليه عليكم شعور الذعر، إننا لا ندعو إلى العنف". وبعد أيام من الحادث أُلقي القبض عليه ومعه مجموعة من القادة البارزين بتهمة الاشتراك في مؤامرة لإعاقة العمل دون سبب قانوني بسبب المقاطعة، واستمر الاعتقال إلى أن قامت 4 من السيدات من ذوى أصول افرقية بتقديم طلب إلى المحكمة الاتحادية لإلغاء التفرقة في الحافلات في مونتغمري، وأصدرت المحكمة حكمها التاريخي الذي ينص على عدم قانونية هذه التفرقة العنصرية. وساعتها فقط طلب كينج من أتباعه أن ينهوا المقاطعة ويعودوا إلى استخدام الحافلات " بتواضع ودون خيلاء"، وأفرج عنه لذلك. في سبيل الحرية.
وبعد خروجه بكفالة واصل قيادته للحركة، ثم برزت له فكرة تتلخص في هذا السؤال: ماذا أنت صانع بالأطفال؟ إذ لم يكن إلا القليلون على استعداد لتحمل المسؤولية التي قد تنشأ عن مقتل طفل، ولكنه لم يتردد كثيراً فسمح لآلاف من الأطفال باحتلال المراكز الأمامية في مواجهة رجال الشرطة والمطافئ وكلاب شرطية متوحشة فارتكبت الشرطة خطأها الفاحش، واستخدمت القوة ضد الأطفال الذين لم يزد عمر بعضهم عن السادسة، ثم اقتحم رجال الشرطة صفوفهم بعصيهم وبكلابهم؛ مما أثار حفيظة الملايين، وانتشرت في أرجاء العالم صور كلاب الشرطة وهي تنهش الأطفال، وبذلك نجح كينج في خلق الأزمة التي كان يسعى إليها، ثم أعلن أن الضغط لن يخف، مضيفاً:
"إننا على استعداد للتفاوض، ولكنه سيكون تفاوض الأقوياء فلم يسع البيض من سكان المدينة إلا أن يخولوا على الفور لجنة بالتفاوض مع زعماء الأفارقة، وبعد مفاوضات طويلة شاقة تمت الموافقة على برنامج ينفذ على مراحل بهدف إلغاء التفرقة وإقامة نظام عادل وكذلك الإفراج عن المتظاهرين، غير أن غلاة دعاة التفرقة بادروا بالاعتداء بالقنابل على منازل قادة الافارقة؛ فاندفع الشباب الأفارقة الغاضبين لمواجهة رجال الشرطة والمطافئ، وحطموا عشرات السيارات، وأشعلوا النيران في بعض المتاجر، حتى اضطر الرئيس جون كنيدي لإعلان حالة الطوارئ في القوات المسلحة، وسارع كينج محاولا أن يهدئ من ثائرة المواطنين، وكان عزاؤه أن من اشتركوا في العنف من غير الأعضاء النشطين المنتظمين في حركة برمنغهام، وما لبث أن قام بجولة ناجحة في عدة مدن كشفت عن البركان الذي يغلي في صدور الأفارقة السود تحت تأثير مائة عام من الاضطهاد.
اتحاده مع زعماء اخرين عمل على اتحاد زعماء الأمريكان الافارقة بكل ارائهم ومعتقداتهم الدينية لمواجهة عدوهم المشترك سويا بدلا من التفرق في التعامل معها مثل زعيم المسلمين الافارقة مالكوم إكس. تلقى أفارقة أمريكا درسهم من الأحداث العظام فقاموا في عام 1963 بثورة لم يسبق لها مثيل في قوتها اشترك فيها 250 ألف شخص، منهم نحو 60 ألفا من البيض متجهة صوب نصب لنيكولن التذكاري، فكانت أكبر مظاهرة في تاريخ الحقوق المدنية، وهنالك ألقى كينج أروع خطبه: "أنى أحلم" " I have a dream " التي قال فيها: "إنني أحلم اليوم بأن أطفالي الأربعة سيعيشون يوما في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم".
ووصف كينج المتظاهرين كما لو كانوا قد اجتمعوا لاقتضاء دين مستحق لهم، ولم تف أمريكا بسداده "فبدلا من أن تفي بشرف بما تعهدت به أعطت أمريكا الزنوج شيكا بدون رصيد، شيكا أعيد وقد كتب عليه "إن الرصيد لا يكفي لصرفه".
فدقت القلوب وارتجفت، بينما أبت نواقيس الحرية أن تدق بعد، فما أن مضت ثمانية عشر يوما حتى صُعق مارتن لوثر كينج وملايين غيره من الأمريكيين بحادث وحشي، إذ ألقيت قنبلة على الكنيسة المعمدانية التي كانت وقتذاك زاخرة بتلاميذ يوم الأحد من الزنوج؛ فهرع كينج مرة أخرى إلى مدينة برمنجهام، وكان له الفضل في تفادي انفجار العنف.
جائزة نوبل في العام نفسه أطلقت مجلة "تايم" على كينج لقب "رجل العام" فكان أول زنجي يمُنح هذا اللقب، ثم حصل في عام 1964 على جائزة نوبل للسلام لدعوته إلى اللاعنف، فكان بذلك أصغر رجل في التاريخ يفوز بهذه الجائزة -35 عاما-. ولم يتوقف عن مناقشة قضايا الفقر للزنوج وعمل على الدعوة إلى إعادة توزيع الدخول بشكل عادل إذ انتشرت البطالة بين الافارقة، فضلا عن الهزيمة السنوية التي يلقاها الافارقة على أيدي محصلي الضرائب والهزيمة الشهرية على أيدي شركة التمويل والهزيمة الأسبوعية على أيدي الجزار والخباز، ثم الهزائم اليومية التي تتمثل في الحوائط المنهارة والأدوات الصحية الفاسدة والجرذان والحشرات.
اغتياله اغتياله وفي 14 فبراير عام 1968 اغتيلت أحلام مارتن لوثر كينج ببندقية أحد المتعصبين البيض ويدعى (جيمس إرل راي) - James Earl Ray - وكان قبل موته يتأهب لقيادة مسيرة في ممفيس لتأييد إضراب (جامعي النفايات) الذي كاد يتفجر في مائة مدينة أمريكية.
وقد حكم على القاتل بالسجن 99 عاما، غير أن التحقيقات أشارت إلى احتمال كون الاغتيال كان مدبرا، وأن جيمس كان مجرد أداة.
تحقيق الرسالة والان يعيش السود جنبا الي جنب مع البيض بدون تفرقة عنصرية وحصلوا علي كافة حقوقهم المسلوبة ووصلوا الي أعلي المراكز القيادية واصبح لهم نفس حقوق شركائهم في الوطن البيض.....وصار اوباما الاسود الذي ينحدر من عائلة افريقية مسلمة رئيسا لامريكا العظمي بالرغم من ان عدد السود لايقاس بالنسبة لعدد البيض ونسبة المسلمين ضئيلة .... ومن له اذان للسمع فليسمع وهل سيأتي يوم في اوطاننا لا ينظر فيه للجنس او اللون او الدين ...!!!!
#لطيف_شاكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حقوق الاقليات بين الامس واليوم
-
دروس مستفادة من النضال اللاعنفي (1)
-
الزوجة الواحدة ختام الانظمة الزوجية
-
القراءة في ظل حياة صاخبة
-
هل حقا الكلب الاسود شيطانا ؟؟
-
زيدان وازدراء الاديان وتهديده للمطران
-
البابا الكبير وعزازيل الصغير
-
زيدان وتابعة بباوي وتصحيح المفاهيم
-
عمروبن العاص من أحقر الشخصيات التاريخية
-
قراءة متأنية في كتاب اللاهوت العربي والعنف الديني ( 2)
-
قراءة متأنية في كتاب اللاهوت العربي والعنف الديني (1)
-
لماذا يهينون المصريون تاريخهم ويكرهون حضارتهم ؟ 2-2
-
لماذا يهينون المصريون تاريخهم ويكرهون حضارتهم ؟ 1-2
-
قراءة في كتاب خلف الحجاب
-
سيد القمني وكعبة سيناء
-
النصرانية ليست مسيحية ياسادة
-
الاقباط في ظل الزمن الجميل(محطم السلاسل)
-
علي هامش التظاهرات
-
أوهام شوفينية للاحتلال العربي لمصر
-
رأي رجل عاقل في المسألة القبطية 4/4
المزيد.....
-
تقرير المكتب السياسي أمام الدورة الخامسة للجنة المركزية المق
...
-
تفاعل محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام للحزب خلال أشغال الد
...
-
قائد الجيش الأوغندي يهدد السودان من جديد بعد ساعات من اعتذار
...
-
سويسرا لا تخطط لعقد مؤتمر ثان حول أوكرانيا
-
أوربان: مهمة السلام لم تنجح ولكن الوضع بشأن الصراع في أوكران
...
-
تقرير عبري يكشف عن الخطة الإسرائيلية لضرب الحوثيين و قرار أم
...
-
سيارتو: وقف إطلاق النار في عيد الميلاد بين روسيا وأوكرانيا ق
...
-
-صفعة على وجه زيلينسكي-... برلماني الأوروبي يعلق على زيارة ف
...
-
ترامب يرشح الملياردير ستيف فينبرغ لمنصب نائب وزير الدفاع الأ
...
-
-سنرى ذلك!-.. ترامب يرد ساخرا على تعليق مولينو حول قناة بنما
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|