أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فريدة النقاش - الدمقراطية والعلمانية














المزيد.....

الدمقراطية والعلمانية


فريدة النقاش

الحوار المتمدن-العدد: 895 - 2004 / 7 / 15 - 06:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في الهند الآن رئيس للبلاد مسلم، ورئيس للوزراء من السيخ، ورئيسة من اصل ايطالي لأكبر حزب أسسته الحركة الوطنية الهندية وقاد كفاح البلاد حتى الاستقلال، هذه التشكيلة الفريدة من التنوع الديني والعرقي والقومي هي حصاد مبهر لتجربة اكبر دمقراطية في العالم من زاوية اختيار العلمانية والدمقراطية معا بطريقة منسجمة ومبدئية حتى النهاية.

العلمانية تبعد الدين، أي دين عن السياسة – وليس المجتمع – حتى لو كان دين الاغلبية الكاسحة، ويدور الصراع السياسي على أساس من المصالح والصراع الاجتماعي والاختيارات العقلانية والافكار التي تنتج من خضم هذا الصراع، وحتى لو انتج هذا الخيار وصول حزب هندوسي متعصب ويميني الى السلطة فإنه ممنوع – ليس بحكم القانون وحده وانما ايضًا التقاليد العلمانية ذاتها – من ان يسعى لصبغ مؤسسات الدولة والامة بصبغته الدينية، لان الهند هي وطن الجميع بما في ذلك الاقليات الدينية كافة، والتي رسخ في وعي الهنود عبر مسيرة طويلة ورغم كل الصراعات وحتى الحروب الطائفية ان لها نفس الحقوق وعليها نفس الواجبات.
لم يكن الاختيار العلماني هروبًا من حقيقة التعدد الديني في الهند، التي تضم الى جانب الهندوس مسلمين ومسيحيين ويهودَ وديانات اخرى، ولكنه كان بوتقة للانصهار، واطارًا جامعًا ليكون الوطن، كما سبق ان قال لنا رفاعة الطهطاوي قبل قرن ونصف القرن، محلاً للسعادة المشتركة نبنيه بالعلم والحرية والمصنع، ولم يقل الطهطاوي ان هذا البناء لا بد ان يقوم على أساس الدين وهو الشيخ المتفقه المتدين.
انصهر الهنود في اطار العلمانية التي أبقت الدين شأنًا شخصيًا بين المتدينين وآلهتهم، وصانت الدولة حرية العبادة للجميع، ودارت صراعات وما تزال بين معتنقي الديانات المختلفة، أي ان الدين بقي مؤثرا في الحياة تأثيرًا لا يقاوم وسوف يبقى كذلك في الزمن القادم دون أن يكون شأنًا سياسيًا يدخل في امور تنظيم الدولة او علاقات المواطنة القانونية.
وتزاوجت العلمانية مع دمقراطية تكاد تكون نموذجية تتوافر فيها الحريات العامة كافة، كما وردت تماما في المواثيق الدولية من حقوق التعبير لحقوق التنظيم والتظاهر والاضراب، وتُضاف اليها بانتظام كل الحقوق التي تتوصل اليها الانسانية وتُثري بها المواثيق والعهود.
ورغم ان مستوى دخل الفرد في الهند يكاد يكون نصف دخل الفرد في مصر الا ان الكادحين الهنود وهم بالمليارات نجحوا في تنظيم انفسهم في هذا الاطار الدمقراطي العلماني الذي شاركوا في وضع اسسه وتقاليده، واستطاعت احزابهم في ظل انتخابات تتوافر لها كل ضمانات الحرية والشفافية والنزاهة ان تحصل على مقاعد في البرلمان بما يساوي 12% منها.
ويواصل الحزبان الشيوعيان الكبيران مع مجموعة من الاحزاب اليسارية الصغيرة تطوير الافكار والمواقف والخيارات في ظل الحرية المكفولة للجميع، وتلعب النقابات العمالية والمنظمات الفلاحية واتحادات المثقفين ادوارا تتزايد قوة ونفوذًا وتأثيرا في الصراع الطبقي الدائر على أشده في بلد يزداد فيه الانقسام حدة بين أقلية شديدة الثراء وأغلبية فقيرة وطبقة وسطى متأرجحة بينهما.
ان درس الهند هو درس لكل البلدان العربية وبلدان العالم الثالث، درس يتفوق كثيرًا عن درس العلمانية التركية التي انفصلت فيها العلمانية عن الدمقراطية لزمن طويل، ولكنها اخذت تحت ضغط حاجتها للدخول الى الاتحاد الاوروبي تقطع خطوات جبارة في اتجاه الدمقراطية، وينفتح الباب واسعًا امام ادارة الصراع الاجتماعي والطبقي ادارة دمقراطية وسلمية، ونموذج الهند ماثل امام الجميع حيث مجتمع كبير في شبه قارة متعددة الاعراق والديانات واللغات والمشكلات المعقدة، مجتمع يتقبل دون اي غضاضة ان يتولى ارفع المناصب فيه اصحاب ديانات وأعراق وثقافات لا تنتمي للأغلبية.
بل والاهم من ذلك كله انه استطاع بناء شكل من التوافق الوطني الرافض للتبعية رغم الضغوط التي تمارسها القوة المهيمنة في العالم: الامبريالية الامريكية، وبعد ان اسس ذلك التوافق ثالث أقوى اقتصاد في آسيا يأتي بعد اليابان والصين رغم الفقر الشديد للأغلبية، لتصبح الهند عبر هذا التزاوج الفريد بين العلمانية والدمقراطية نموذجًا ايضًا لاستقلال القرار، وعنصر حماية للمحيط الاقليمي الذي تتحرك فيه، ومنتجًا كبيرًا للمعرفة ومصدرًا اساسيًا لبرامج الكومبيوتر، والمنافس الرئيسي لصناعة السينما الامريكية التي تواصل غزو العالم.
تجربة الهند هي تجربة جديرة ليس فحسب بالدراسة وانما ايضًا بالتمثل، واذا كان صحيحًا اننا لا نستطيع في أي ميدان ان نقول هذا هو النموذج لانه ما من نموذج جاهز ابدًا، ولكننا نستطيع هنا أن نقول للذين يدعون لتأجيل الحريات الدمقراطية والعامة في بلادنا بدعوى انتشار الفقر وضرورة التدرج، والخوف من الانفجار، الى آخر التبريرات التي يسوقونها خوفًا على مقاعد الحكم.. نقول لهم ان دمقراطية الهند وعلمانيتها كانت الصيغة التي جرى بها ادارة الصراع حضاريًا وسلميًا، وهي الصيغة المجربة حتى الآن، وان كنا نعرف اننا لكي نصل اليها نحتاج الى نضال شاق ضد الاستبداد والفساد واللجوء الى الدين كستار وذريعة لحمايتهما معا وادانة التبعية.



#فريدة_النقاش (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضية للمناقشة في عيد العمال


المزيد.....




- اكتشافات مثيرة في موقع دفن المسيح تعيد كتابة الفهم التاريخي ...
- سياسات الترحيل في الولايات المتحدة تهدد المجتمعات المسيحية
- مفتي البراميل والإعدامات.. قصة أحمد حسون من الإفتاء إلى السج ...
- إسرائيل تكثف غاراتها على غزة وتقصف المسجد الإندونيسي
- استقبلها الآن بأعلى جودة .. تردد قناة طيور الجنة TOYOUR EL-J ...
- منظمة: 4 من كل 5 مهاجرين مهددين بالترحيل من أميركا مسيحيون
- جدل حول اعتقال تونسي يهودي في جربة: هل شارك في حرب غزة؟
- عيد الفطر في مدن عربية وإسلامية
- العاهل المغربي يصدر عفوا عن عبد القادر بلعيرج المدان بتهمة ق ...
- المرصد السوري يطالب بفتوى شرعية عاجلة لوقف جرائم الإبادة


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فريدة النقاش - الدمقراطية والعلمانية