|
“الكوتا” وواقع المشاركة النسائية في البرلمان بالمغرب
إدريس لكريني
كاتب وباحث جامعي
(Driss Lagrini)
الحوار المتمدن-العدد: 2584 - 2009 / 3 / 13 - 08:59
المحور:
ملف 8 اذار/مارس يوم المراة العالمي- 2009-اهمية وتاثير التمثيل النسبي (الكوتا) في البرلمان ومراكز صنع القرار في تحقيق مساواة المراة في المجتمع
يعد اتخاذ تدابير حقيقية وفعالة على طريق تمكين المرأة سياسيا؛ مدخلا مهما لمعالجة إشكالات ومعضلات سياسية واجتماعية واقتصادية.. كبرى، وتعتبر المشاركة السياسية إحدى أهم هذه المداخل؛ نظرا لكونها تتيح المساهمة في تدبير الشأن العام والسياسي على وجه خاص بشكل ديموقراطي.
وإذا كانت هذه المشاركة تجد أساسها ضمن مقتضيات الدساتير المحلية والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تقوم على مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، فإن واقع الممارسة الدولية يبرز أن حضور المرأة في مختلف مراكز القرار الحيوية؛ يظل محدودا ولا يعكس كفاءتها وإمكانياتها..
وأمام ضعف تمثيلية المرأة في المجالس التشريعية والمحلية؛ ابتدعت العديد من الدول منذ عقود خلت تقنية الحصص أو الكوتا كتدبير مرحلي لتحسين مشاركة النساء؛ وفي ظل التطورات التي شهدتها الساحة الدولية على مستوى تعزيز حقوق الإنسان وإقرار الممارسة الديموقراطية؛ تزايد الإقبال على هذا النظام في السنوات الأخيرة.
وقد حظيت مسألة إدماج وتمكين المرأة باهتمام محلي وعالمي واسع، بعدما بدأ المجتمع الدولي يعي حجم التمييز والتهميش الذي يطال المرأة؛ ومدى الانعكاس السلبي لذلك على تطور المجتمعات.
وجاءت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لتترجم هذا الاهتمام من قبيل الاتفاقية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة؛ وبرنامج عمل بكين الصادر عن المؤتمر العالمي حول المرأة المنعقد بالصين سنة 1995 والذي صادقت عليه 189 دولة.
كما أن تقرير الأمين العام الأممي لسنة 2003 حول تنفيذ إعلان الألفية التابع للأمم المتحدة؛ أكد من جانبه على ضرورة تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وجعل الهدف المحدد لعامي 2005 و2015 هو القضاء على التفاوتات بين الجنسين.
وفي السنوات الأخيرة؛ أضحى تمكين المرأة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. أحد أبرز المؤشرات لتقييم مستوى تقدم وتطور الدول ضمن تقارير التنمية البشرية؛ فبلورة شروط الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان وتحقيق التنمية الحقيقية لا يتم دون فتح المجال لمشاركة المرأة.
ورغم الجهود المبذولة في هذا الشأن؛ يكاد يجمع الباحثون والمهتمون على أن تمثيلية المرأة في المجالس التشريعية ومراكز القرار الحيوية على الصعيد العالمي التي تظل في حدود 15 بالمائة؛ لا توازي في تطورها ما حققته المرأة من عطاء وخدمات وما عبرت عنه من كفاءات وإمكانيات في شتى المجالات والميادين.
وإذا كان الواقع الاجتماعي بموروثه الثقافي وتراكماته التاريخية.. إضافة إلى ضعف اهتمام المرأة بالعمل السياسي إجمالا؛ لا يسمح للمرأة بتحقيق المساواة الفعلية؛ رغم عطائها في مختلف المجالات العلمية والعملية؛ ورغم الضوابط القانونية التي تؤكد على حقوقها في هذا الشأن؛ فإن عددا من الدول ابتدعت سبلا وشروطا قانونية مرحلية؛ حاولت من خلالها تجاوز هذه الإكراهات والمعيقات للانتقال من المساواة القانونية الشكلية إلى المساواة الواقعية الفعلية؛ ومن تكافؤ الفرص إلى تكافؤ النتائج.
ويندرج نظام الحصص أو الكوتا ضمن هذا الإطار؛ وهي تقنية تنحو إلى توفير فرص لعدد من الفئات الأقل حظا داخل المجتمعات، من قبيل النساء والسود والاقليات وذوي الاحتياجات الخاصة.. وهي تتنوع بين عدة أصناف: فهناك نظام الحصص المحدث بموجب الدستور؛ ونظام الحصص المحدث بمقتضى القانون الانتخابي؛ وهما معا يسمحان بتنافس النساء على عدد أو نسبة من المقاعد المخصصة؛ ثم نظام الحصص الحزبي الذي يقضي بترشيح نسب محددة من النساء في اللوائح الانتخابية المحلية و/أو البرلمانية؛ ويمكن لهذا الأخير أن يكون اختياريا في سياق توافقي؛ أو إجباريا بموجب نص قانوني.
وقد حظيت هذه التقنية باهتمام ملفت داخل مختلف الأقطار المتقدمة منها والنامية التي ضمنتها في دساتيرها أو قوانينها الانتخابية أو الحزبية؛ وتشير الدراسات والتقارير المرتبطة بهذا الشأن إلى تنامي اللجوء إليها في ظل التطورات التي طالت حقل الديموقراطية وحقوق الإنسان في العقدين الأخيرين؛ على عكس المناصفة الذي يكاد يقتصر تطبيقه على النموذج الفرنسي والقوانين الداخلية لبعض الأحزاب اليسارية في أوربا الغربية، والذي يقضي بالمساواة في التمثيل داخل مختلف المؤسسات ومراكز اتخاذ القرارات بين الجنسين؛ ويعود السبب في ذلك إلى مرونة نظام الحصص(الكوتا) وإلى مراعاته للواقع السوسيو ثقافي للدول التي تعتمده.
وتؤكد الدراسات والأبحاث المرتبطة بهذا الشأن؛ أن أزيد من ثمانين دولة تعتمد هذا النظام على امتداد مناطق مختلفة من العالم؛ في كل من إفريقيا(جنوب إفريقيا؛ إريتيريا؛ غانا؛ السنغال؛ رواندا، بوركينا فاسو..) وأمريكا اللاتينية(الأرجنتين؛ البرازيل؛ المكسيك..) وأوربا(إسبانيا؛ بريطانيا؛ بلجيكا..) وآسيا(بنغلادش، باكستان؛ سريلانكا؛ الفيلبين؛ أندونيسيا..).
وتشير بعض الدراسات إلى أن 15 دولة فقط من بين الدول التي اختارت هذا النظام؛ هي التي استطاعت أن تتجاوز النسبة الحرجة المحددة في 30 بالمائة؛ وهنالك 30 دولة فقط تجاوزت نسبة ال20 بالمائة. وتوجد 45 دولة زادت مشاركة النساء فيها علي 15 بالمائة عن طريق قوائم الأحزاب.
وإذا كانت العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية والدساتير والتشريعات الوطنية قد أكدت على حق المساواة في المشاركة السياسية..؛ فإن الآراء الفقهية بصدد هذه التقنية(الكوتا)؛ تباينت بين متحفظ ومعارض من جهة؛ وبين متحمس ومؤيد لها من جهة ثانية.
فالاتجاه الأول يعزز مواقفه بمجموعة من المرتكزات والمبررات؛ فهو يرى فيها وسيلة لتجاوز مختلف الحواجز والمعيقات العلني منها والخفي، باتجاه تحسين أوضاع النساء الاقتصادية والاجتماعية..؛ كمدخل للانتقال من الصيغة النظرية لتكافؤ الفرص إلى واقع ملموس ولإنعاش المشاركة السياسية بشكل عام؛ وتجاوز ضعف التمثيلية السياسية للمرأة في البرلمان والمجالس المحلية بشكل خاص؛ ولا يعتبرها رواد هذا الاتجاه تمييزا ضد الرجل بل تعويضا للمرأة عن التمييز السياسي الذي يطالها؛ والذي يجسده ضعف أو انعدام حضورها في المشهد السياسي بشكل عام.
فيما يركز آخرون على مبدأ العدالة الذي يحتم تمثيل نصف المجتمع في المجالس النيابية على كافة مستوياتها، ومنطق تمثيل المصالح؛ مادام النظام السياسي يضم جماعات ذات مصالح متباينة؛ واعتبارا للقيمة التي يمكن أن يضفيها هذا التمثيل بما يضمن صيانة وتعزيز كرامة المرأة؛ زيادة على كونه يقدم نموذجا للمشاركة السياسية جديرا بالاقتداء والتحفيز بالنسبة للنساء.
ويعتقد جانب مهم داخل هذا الاتجاه أن المقومات الثقافية والسياسية في عدد من البلدان النامية التي تندرج الدول العربية ضمنها؛ لا تسمح بتكريس مشاركة فعالة للنساء من خلال مدخل الممارسة الديموقراطية المبنية على تكافؤ الفرص والتباري بصفة مباشرة مع الرجل؛ مما تظل معه العديد من الفعاليات النسائية العربية الكفأة في مختلف الميادين والمجالات؛ مبعدة ومقصية من المساهمة في تعزيز المشهد السياسي والتأثير في القرارات الحيوية لبلدانها.
ولذلك تظل المرأة بحاجة إلى تحفيز ودعم قانوني استثنائي مرحلي يسمح بتطوير الثقافة السياسية وتذليل العقبات أمام مشاركتها؛ بما يؤهلها لتعزيز حضورها في المؤسسات التشريعية وتحقيق المساواة الواقعية؛ في أفق توفير الأجواء النفسية والسياسية التي تسمح بانخراطها في تنافس ندي مبني على الكفاءة إلى جانب الرجل مستقبلا.
وإذا كانت الكوتا تعد إجراء مرحليا لتصحيح ما يعتبره هذا الاتجاه بالخلل الحاصل في تمثيلية المرأة؛ فإن الاتجاه الثاني المخالف يرفض هذا الخيار؛ معتبرا إياه يتنافى مع مبدأ المساواة بين المواطنين ويتناقض مع مبدأ تكافؤ الفرص؛ فهو بموجب هذا الرأي تدبير غير ديموقراطي يمنح النساء حقوقا اعتمادا على اعتبار النوع لا الكفاءة؛ بل إن هناك من يعتبره حيفا في حقها؛ ويعبر عن تخوفه من أن يؤثر اعتماد هذه التقنية سلبا على نضال المرأة باتجاه التحسين الجذري لأحوالها وتعزيز مشاركتها السياسية في المستقبل.
وقد اعتبره البعض تشويشا على الممارسة الديموقراطية؛ من حيث أنه يفرض على الناخبين مسبقا الاختيار بين مرشحات فقط؛ فيما أكد آخرون ضمن نفس الاتجاه؛ أن معرفة نتائج الانتخابات مسبقا ولو بشكل جزئي على مستوى تمثيلية النساء؛ يفرغ الممارسة الديموقراطية التي تقتضي خوض المنافسة بناء على برامج وكفاءات لا على قرارات وتدابير فوقية؛ تمنحها نوعا من المفاضلة في مواجهة الرجل؛ من أحد أهم عناصرها ومرتكزاتها.
كما يرى الاتجاه الرافض لهذا الخيار بأن منطق العدالة والديموقراطية؛ يفرضان ولوج المرأة إلى البرلمان ومختلف المجالس المحلية؛ من خلال الخضوع للضوابط المعمول بها بالنسبة للرجل أيضا؛ وإقناع الناخبين؛ بعيدا عن أي إجراءات تجانب مبدأ تكافؤ الفرص.
وبغض النظر عن هذه المواقف؛ فإن المشاركة السياسية للمرأة تظل مطلبا ملحا؛ ذلك أن تعزيز الخيار الديموقراطي والتنمية الحقيقية التي تركز على الإنسان باعتباره وسيلة وهدفا؛ لا يمكن أن تتحقق دون الالتفات لنصف المجتمع الذي تشكله المرأة.
وإذا كانت المرأة تتحمل قسطا من المسؤولية في ضعف مشاركتها في هذا الصدد؛ نتيجة عدم مبالاتها بالشأن السياسي.. فإن هنالك أيضا مجموعة من العوامل الأخرى؛ التي تتحملها الدولة والمجتمع وتسهم في تفشي هذه الظاهرة؛ من قبيل تعرضها للعنف بجميع مظاهره والفقر والأمية.. كما أن الأحزاب لا تتيح فرصا كافية لتعزيز مكانتها في الحقل السياسي بشكل عام وفي التمثيل البرلماني على وجه الخصوص..
والجدير بالذكر أن تعزيز مشاركة النساء وإدماجهن؛ لا يرتبط فقط بفتح باب المشاركة السياسية وولوج البرلمانات والمجالس المحلية.. بقدر ما يرتبط بتمكينها على طريق المساهمة الفعالة في اتخاذ القرارات الحيوية؛ ضمن مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية..
لقد أكد الدستور المغربي في فصله الثامن على أن: الرجل والمرأة متساويان في التمتع بالحقوق السياسية، وهو حق كفل للمرأة منذ دستور 1962 الذي صدر بعد الاستقلال؛ غير أن واقع الحال أثبت بأن هذه المساواة تم اختزالها ميدانيا في حق التصويت؛ بينما ظلت تمثيلية المرأة محدودة وهزيلة؛ ذلك أن هذه الأخيرة لم تتمكن من ولوج المؤسسة البرلمانية إلا سنة 1993 من خلال نائبتين؛ فيما ظل حضورها ضمن مراكز القرار بمختلف الأحزاب ضعيفا.
ففي الوقت الذي تشير فيه بعض الإحصائيات إلى أن النساء يشكلن في المغرب حوالي 50,1 بالمائة من مجموع الساكنة؛ وتمثلن ثلث الساكنة الناشطة؛ فضلا عن كون خمس الأسر المغربية تعيلها نساء.. يبدو أن تمثيلها في مختلف المؤسسات السياسية متخلفا عن هذه المعطيات وعن حجم عطائها في مختلف المجالات.
وفي الوقت الذي تضاعفت فيه نسبة المرشحات في الانتخابات المحلية خلال الفترة الفاصلة بين سنتي 1983 و2003 حوالي 16 مرة؛ لم يتضاعف في مقابل ذلك عدد المنتخبات إلا 2.5 مرة.
وبالإضافة إلى العوامل الثقافية والاجتماعية التي تطرقنا إليها في السابق؛ فقد أثبتت القوانين الانتخابية السابقة عقمها على مستوى تطوير هذه التمثيلية؛ ومن منطلق محدودية حضور المرأة في الهياكل التنظيمية المركزية للأحزاب؛ فإن هناك أيضا علاقة وطيدة بين هزالة حضور النساء داخل البرلمان؛ وضعف الترشيحات الحزبية للنساء والتي لا تتجاوز حوالي إثنين بالمائة في أحسن الأحوال.
وأمام النضالات التي قادتها مختلف الفعاليات النسائية؛ وتزايد الاهتمام الدولي بهذا الشأن؛ بالإضافة إلى إعمال المغرب لسلسلة من الإصلاحات السياسية والقانونية.. منذ مطلع التسعينيات من القرن المنصرم (إنشاء المحاكم الإدارية والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهيئة المصالحة والإنصاف وإصدار مدونة الأسرة؛ التوقيع على عدد من الاتفاقيات الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان..) بدأ يتزايد الاهتمام بقضايا المرأة.
وقبيل إجراء الانتخابات التشريعية لانتخاب أعضاء مجلس النواب(إحدى الغرفتين اللتين يتشكل منهما البرلمان المغربي)؛ اعتمد المغرب نظام حصص خاص بتمثيلية المرأة في هذه الغرفة؛ كما تبنى أسلوب الاقتراع بالتمثيل النسبي عن طريق اللائحة وهي تقنية تساهم بشكل ملحوظ في الرفع من التمثيلية السياسية للنساء وتعزز التنافس بين البرامج بدل التنافس بين الأشخاص؛ وبخاصة إذا ما اقترنت بنزاهة الانتخابات.
وتنص المادة الأولى من القانون التنظيمي رقم 31.97 المتعلق بمجلس النواب كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون التنظيمي رقم 06.02 والقانون التنظيمي 29.02 على أنه: يتألف مجلس النواب من 325 عضوا ينتخبون بالاقتراع العام المباشر عن طريق الاقتراع باللائحة وفق الشروط التالية:
- 295 عضوا ينتخبون على صعيد الدوائر الانتخابية المحدثة طبقا لأحكام المادة 2 بعده؛
- 30 عضوا ينتخبون على الصعيد الوطني..
ويلاحظ من خلال هذا النص؛ أن المشرع لم يشر بشكل صريح أو ضمني إلى اقتصار المقاعد الثلاثين على النساء؛ وذلك حرصا منه على عدم مخالفة المقتضيات الدستورية المرتبطة بالمساواة في الحقوق بين المواطنين(الفصل الثامن من الدستور المغربي).
وقبيل الانتخابات التشريعية لسنة 2002؛ حدث توافق بين مختلف الفرقاء والفاعلين الحزبيين في إطار التزام سياسي؛ على تخصيص اللائحة الوطنية لفائدة النساء؛ انسجاما من التوجهات الإصلاحية للدولة؛ ورغبة في الرفع من مستوى تواجدهن في المؤسسة البرلمانية.
وتقوم اللائحة بموجب هذا التوافق على اختيار كل حزب لعدد من النساء؛ ووضعها ضمن لائحة خاصة؛ تعرض على الناخبين قصد التصويت عليها وطنيا على مستوى الدوائر؛ وبناء على النتائج التي سيحصل عليها كل حزب، سيستفيد في ضوء ذلك من النسبة التي يستحقها من مقاعد اللائحة الوطنية.
وقد خلفت هذه المبادرة مجموعة من المواقف والآراء؛ تنوعت بين مثمن رأى فيها مكسبا مهما للمرأة؛ ومعارض اعتبرها بمثابة إجراء مناف للممارسة الديموقراطية ولروح الدستور.
وضمن هذه الردود اعتبر البعض أن طرح اللائحة الوطنية بهذه الصورة الغامضة التي لا تتأسس على نصوص قانونية تقر بتخصيص مقاعد محددة للنساء؛ يحول دون تكريسه وتأصيله بشكل قانوني؛ بقدر ما يظل رهنا بإرادة الأحزاب التي يمكن أن تتراجع عنه في أية لحظة.
بل إن هناك من استبعد نظام اللائحة بهذا الشكل عن تقنية الكوتا التي تقوم عادة على تخصيص حصة معينة مبنية على تمثيلية حقيقية للنساء داخل الحقل السياسي ويتم تدبيرها بناء على تخصيص مقاعد محددة في لائحة من اللوائح.
فيما أصرت بعض الفعاليات السياسية على ضرورة اختيار المرأة لسبيل واحد لولوج البرلمان؛ إما من خلال الاقتراع العام المباشر أو من خلال اللوائح.
وقد تمكنت النساء خلال الانتخابات التشريعية الخاصة بمجلس النواب لسنة 2002؛ من حصد ثلاثين مقعدا بفضل اللائحة الوطنية؛ فيما فازت 5 مرشحات أخريات في اللوائح المحلية؛ ليصبح العدد الإجمالي 35 مقعدا بنسبة 10.8 بالمائة؛ وهو ما مكن المغرب في حينه من احتلال الرتبة 71 على الصعيد العالمي من حيث تمثيل النساء في البرلمان.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن نظام الكوتا أو أي إجراء مماثل يهدف إلى تحسين التمثيلية السياسية للمرأة في علاقتها بولوج البرلمان؛ يحتاج إلى تدابير وإجراءات موازية تسمح بتفعيله؛ فيلاحظ أن هذا الأمر لم يتحقق بشكل ملموس في التجربة المغربية؛ فقانون الأحزاب رقم 04-36 الصادر في 14 فبراير من سنة 2004؛ والذي وجهت له العديد من الانتقادات لعدم طرحه للنقاش أمام الحركات النسائية؛ لم ينص على مسألة الكوتا النسائية داخل الأحزاب.
ولذلك فقد ثبت عدم كفاية التدابير والإجراءات الموازية لاعتماد اللائحة الوطنية في عدد من المناسبات والمحطات؛ ففي الانتخابات التشريعية لسنة 2002؛ لم يبلغ عدد المرشحات سوى 266 من ضمن 5865 مرشح لغرفة مجلس النواب، وعلى مستوى الانتخابات المحلية؛ ففي سنة 2003 لم يفق ترشيح النساء نسبة 4.91 بالمائة من مجموع المرشحين الذين بلغ عددهم 122658 مرشح؛ وقد تم انتخاب 127 امرأة من مجموع 23689 منتخب أي بنسبة 0.54 بالمائة؛ وعند تجديد ثلث مجلس المستشارين(الغرفة التشريعية الثانية التي تتكون من 270 عضوا) في 8 شتنبر/أيلول 2008؛ لم تتمكن سوى امرأة واحدة من الفوز من بين تسعين عضو فائز لتنضاف إلى عضوتين؛ مما يجعل نسبة النساء في هذا المجلس لا تتجاوز 1.1 بالمائة؛ وهو ما يجعل التمثيلية الحالية للمرأة في البرلمان المغربي بغرفتيه لا تتجاوز الستة(6) بالمائة؛ وهي نسبة تظل هزيلة مقارنة مع عدد من الدول العربية كتونس وموريتانيا والعراق وفلسطين..
وعلى الرغم من تكثيف الحركة النسائية المغربية لتحركاتها في السنوات الأخيرة لتوسيع وتطوير هذه المشاركة بشكل أكثر أهمية من خلال توسيع اللائحة الوطنية من 10 بالمائة التي حددت في انتخابات 2002، إلى 33 بالمائة(بالطبع داخل مجلس النواب)، فقد شهدت الانتخابات التشريعية الشهر شتنبر/أيلول 2007 التي تميزت بمشاركة متدنية للناخبين(حوالي 37 بالمائة بحسب إحصائيات رسمية)؛ فوز 34 امرأة من مجموع 325؛ مسجلة بذلك تراجعا طفيفا مقارنة مع اللانتخابات التشريعية السابقة.
وقد أبدت العديد من الفعاليات النسائية استياءها من تهاون وتحفظ عدد من الأحزاب إزاء المشاركة السياسية للنساء؛ لكونها ورغم الشعارات التي ترفعها في حملاتها الانتخابية..؛ لا تتيح للمرأة الفرصة والشروط اللازمة لوصولها إلى البرلمان؛ فالعديد من النساء لم يحظين بترأس اللوائح الانتخابية؛ وهو ما لا ينسجم مع ما حققته المرأة من تطور في عدة مجالات سياسية وعلمية وعملية..
وإذا كانت بعض التقارير تختزل الإكراهات التي تعوق النهوض بالمرأة إجمالا وبمشاركتها السياسية على وجه الخصوص؛ في ضعف المستوى التعليمي لدى النساء وبخاصة في الأوساط القروية؛ وعدم اضطلاع وسائل الإعلام المرئية بواجباتها في هذا الشأن؛ أو تتحدث عن مسؤولية جماعية تتقاسمها الدولة والمجتمع والأحزاب وهيئات المجتمع المدني..؛ فإن بعض الدراسات والتقارير؛ تفيد بأن المسؤولية الرئيسية في دعم التمثيل السياسي للمرأة في البرلمان تتحملها الأحزاب بشكل حاسم؛ وجدير بالذكر أن هذه المهمة لا ترتبط بعمل اختياري؛ بل هي واجب يستمد روحه من الفصل الثالث من الدستور المغربي الذي يؤكد على أن: الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والجماعــات المحلية والغرف المهنية تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم…
ومما لا شك فيه أن تحرك الأحزاب في هذا الاتجاه هو مؤشر يترجم مدى جدية المحاولات الرامية لتأهيل المرأة سياسيا في المغرب؛ ويقنع الحركات النسائية والمجتمع بشكل عام بمدى توافر إرادة حقيقية في هذا الإطار؛ أو أن الأمر لا يعدو أن يكون إجراءا للتسويق الخارجي.
#إدريس_لكريني (هاشتاغ)
Driss_Lagrini#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة تجديد النخب في المشهد الحزبي المغربي
-
العدوان الإسرائيلي على غزة وخيارا الوحدة والمقاومة
-
ملاحظات على هامش إصدار تقرير المجلس الأعلى للحسابات
-
قرصنة فكرية جديدة في الوسط الجامعي
-
تقرير عن ندوة الهجرة واللجوء بالمغرب- طنجة 2008
-
حوار مع د.إدريس لكريني حول أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب
-
التنوع المجتمعي والممارسة الديموقراطية
-
إدريس لكريني في حوار مع صحيفة العرب الدولية
-
المدونون العرب وقضايا المجتمع
-
نظام الغرفتين في السياق المغربي
-
تقرير حول ندوة وطنية: حقوق الطفل بين القانون والممارسة
-
حوار مع د. إدريس لكريني حول تطورات قضية الصحراء في ضوء المفا
...
-
النخبة السياسية في المغرب؛ أية رهانات؟
-
النخبة السياسية وأزمة الإصلاح في المنطقة العربية
-
تقرير حول ندوة دولية:الحركات الإسلامية والمجال السياسي في ال
...
-
دروس ودلالات الانتخابات التشريعية المغربية الأخيرة (شتنبر/ أ
...
-
العزوف السياسي في المغرب صرخة في وجه الفساد: حوار مع الأستاذ
...
-
انتخابات شتنبر 2007 بالمغرب؛ أية رهانات؟
-
حوار مع الأستاذ إدريس لكريني حول السرقة الفكرية التي تعرض له
...
-
ندوة دولية:تقرير التنمية الإنسانية للعام 2005، نحو نهوض المر
...
المزيد.....
-
الحوثيون يصدرون بيانا عن الغارات الإسرائيلية: -لن تمر دون عق
...
-
البيت الأبيض يتألق باحتفالات عيد الميلاد لعام 2024
-
مصرع 6 أشخاص من عائلة مصرية في حريق شب بمنزلهم في الجيزة
-
المغرب.. إتلاف أكثر من 4 أطنان من المخدرات بمدينة سطات (صور)
...
-
ماسك يقرع مجددا جرس الإنذار عن احتمال إفلاس الولايات المتحدة
...
-
السجن مع وقف التنفيذ لنشطاء مغاربة مناهضين للتطبيع مع إسرائي
...
-
OnePlus تودع عام 2024 بهاتف مميز
-
70 مفقودا بينهم 25 ماليا إثر غرق قارب مهاجرين قبالة سواحل ال
...
-
ضجة في إسرائيل بسبب صدور أمر بالتحقيق مع زوجة نتنياهو
-
-هذا لا يمكن أن يستمر-.. الجنود الأوكرانيون يأملون في التوص
...
المزيد.....
|