أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جاسم المطير - قانون إدارة الدولة وسيلة أولى لتأسيس الحكم الأفضل















المزيد.....



قانون إدارة الدولة وسيلة أولى لتأسيس الحكم الأفضل


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 779 - 2004 / 3 / 20 - 07:19
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


قال بعض المؤرخين إن عضة القرد التي قتلت الإسكندر قد غيرت مجرى التاريخ .

البعض الآخر قال : إن  شكل أنف كليوباترا كان له تأثير في مسار التاريخ .

غيرهم من المؤرخين أكدوا أن عملية اغتيال لينين غيرت طبيعة ونتائج التاريخ الحديث .

فهل يكون لسقوط نظام صدام حسين أي تأثير واقعي على عناصر ديموغرافية ، وجغرافية ، ونفسية ،  واجتماعية ، واقتصادية ، وثقافية ، لتكوين الوجود الجديد في بلاد الرافدين ذات الموروث الحضاري ..؟

هل تكون " عضة " الاحتلال الأمريكي للعراق نموذجا جديدا  في قراءة التاريخ ..؟

لا شك أن الجواب على السؤال يحتل مركز الملاحظة الأولى من قبل الكثير من الناس ليس العراقيين حسب ، إنما يتطلع إليه  جميع محبي السلم والحرية والديمقراطية في العالم كله لكي يروا نتائج إيجابية وعقلانية تعقب سقوط اعتى وأبشع  نظام فاشي في العصر الحديث من خلال امتزاج عناصر سياسية محلية وإقليمية ودولية كانت الحرب الإلكترونية الأمريكية أقرب الوسائل وأجداها في حلها..

لا أستطيع تجاوز القول بأن نهاية نظام صدام حسين كانت عملية معقدة وكثيفة وملتفة حول العديد من القضايا المحلية والدولية . بل أن تطور تلك العملية ما زال يدهشنا بالكثير من الغرائب والمفارقات  أبرزها تحول الشارع العراقي إلى ميدان معارك عنفيه مسلحة ، فردية وإرهابية ، ثأرية ومافيوية، لن يكون آخرها جرائم الإرهابيين في عاشوراء كر بلاء ولا جريمتهم أثناء عيد الأضحى في أربيل  . كذلك فأن العملية ذاتها لا تخلو من صراعات صرف حتى بين القوى السياسية العراقية وهي المستفيد الأول من سقوط النظام الفاشي .. وهي صراعات تؤثر تأثيرا ًلاشعورياً في جميع العلاقات الاجتماعية الأخرى المتصلة بالسلطة الوطنية الانتقالية التي يرتقب منها أن تخلق بعض الشروط الأساسية لمسار التاريخ العراقي الجديد .

يجمع الكثير من القوى والأفراد على بديهية اتجاه " التاريخ العراقي الجديد " نحو بناء مجتمع مدني ينظمه " العقل العلمي " وتسوده " آلة " إعادة أعمار الزراعة والصناعة و تسيطر عليه القواعد الأخلاقية الوطنية وتنتفي منه العلل ، الفردية والجمعية ، التي أورثتها حقبة الفاشية .

إن واقع الفوضى السائدة في المجتمع وتصعيد العنف على أيدي بقايا النظام السابق والغريزة التسلطية لقوات الاحتلال الأجنبي والصراع القائم بين قلب البنتاغون وقلب وزارة الخارجية الأمريكية وغيرها من الصراعات الإقليمية ، كلها تقود عجلة " التاريخ العراقي الجديد " إلى مواقع الحيرة  والسطحية والغموض وربما إلى إصابة الإرادة الشعبية العراقية بالعجز إن لم يكن بالشلل التام .

في ظل هذا التصنيف الواقعي هل يمكننا اكتشاف التلازم بين مكانة ودور وقدرات مجلس الحكم الانتقالي وبين المهام الحالية في التاريخ العراقي ..؟

ليس من السهولة الإجابة على السؤال مثلما يصعب التكهن باحتمالات تطور فعالياته .

خارطة الطريق العراقية نحو المستقبل محفوفة بنماذج من أنواع السلوك والمواقف والسياسات التي تحدد أوضاع فطرية في جانب منها ، وتحدد بعضها الآخر، وفي جوانب عديدة أخرى ، أمزجة سياسية غير مترابطة وهي جميعاً تواجه مجلس الحكم الانتقالي الذي يغرق ، كل يوم ، في لجة البحث عن معايير الترجيح بين هذا الموقف أو ذاك ..

في الساحات والشوارع وبعض منصات الخطابات الشعارية نجد الظواهر والترددات التالية :

الجموح نحو الفوضى السياسية مشهودة في مواقف وسلوك بعض القوى الاجتماعية والسياسية لفرض آرائها بالتهديد وبصورة انفعالية متشددة . هذه ظاهرة استبدادية روبسبيرية بدون شك ولسنا بحاجة إليها .

ممارسة الأساليب الدموية في الصراع  بين المتحالفين في الحركة الوطنية العراقية  أو كنتيجة متركزة في ردود أفعال ومعالجات غير واعية ناتجة عن روح انفعالية في بعض الأحيان ، غاضبة في أحيان أخرى  ..هذه ظاهرة من عطاءات الجاهلية .

هناك المتفرجون المتبلدون وهم غير انفعاليين لكنهم غير فعالين ، يقترب الكثير منهم إلى مواقف الانتهازية شأنهم شأن ( تاليران ) ..

كما نجد الفوضى الاقتصادية كأبرز تصنيف للراكضين وراء الأرباح السريعة والفاحشة ، يحاولون الانتفاع من وراء الفوضى السياسية والأمنية ، وهم من نوع البورجوازيين المحرومين من العواطف الإنسانية .

يقف بين الجميع وحولهم ، متجمعين أو منفردين ، عدد من الذين ينتظرون انفجار التوترات الاجتماعية والسياسية والدينية ، هنا أو هناك ، بانتظار مؤداها إلى اضطرابات سياسية أو عنفيه .

إلى جانب هؤلاء نجد الغالبية العظمى من الشعب والغالبية العظمى من قواه السياسية الوطنية التي يمثلها مجلس الحكم الانتقالي تظل مركز النضال التاريخي الجديد  وهم يواجهون معركة ضارية مع بقايا الدولة الفاشية القديمة من جهة ، ومع قوى الظواهر المشار إليها التي تظل أحجاراً تعرقل مسيرة قطار التاريخ العراقي الجديد ، من ناحية أخرى .

ينبغي أن ندرك ، جميعاً ، ان القوة الحقيقية القادرة على وضع العراق في عربة التطور التاريخي تنبثق ، أولاً وأخيراً ، بفضل تكنيك التنظيم الجماعي والجماهيري لبناء مجتمع مدني حضاري متطور يؤمن لجميع المواطنين حقوقهم الديمقراطية المشتركة في مسيرتهم التاريخية الجديدة .

ان التماثل بين أهداف المواطنين وأهداف مجلس الحكم الانتقالي تفرض نفسها على الجميع . وقد انقضت فترة تزيد على  عام واحد ــ تقريباً ــ  من دون ان يتحول هذا التماثل إلى قوة مادية فاعلة قادرة على تحريك الجماهير وتجنيبها التداعيات السلبية في الأفكار وتجنيبها الوقوع في حالات الاندفاع وراء الغرائز السياسية . فحيثما تمطر المواقف السلبية لا نحصد غير الوقائع السلبية التي تعرقل مسيرة التاريخ العراقي الجديد منشغلين فقط بالبحث عما وراء أنف كليوباترا في صنع التاريخ..!

أتذكر و أصدق اليوم ما نوه به كارل ماركس ذات يوم حين قال : ( التاريخ لا يفعل شيئاً ، أنه لا يملك الثورة الهائلة ولا يخوض المعارك .  الإنسان الحي هو الذي يفعل كل شيء فهو الذي يملك ويقاتل .. ) ..

الإنسان الحي هو القوة وهو الحقيقة .

ليسمح لي القارئ الكريم ان نغتنم الفرصة معا للبحث عن قوة الإنسان العراقي وحقيقته .

الأمواج تتلاطم في العراق والعراقي يبحث عن ما يوصله إلى الشاطئ .

السؤال هنا هو هل للإنسان العراقي دور في الفترة الانتقالية ليحقق أهدافا ألهمته منذ زمن طويل فقد كان الشعب العراقي بأحزابه وأفراده يناضلون من اجل مجتمع اخوي مدني حر وهل مارس مجلس الحكم الانتقالي سلطته بفعالية  لمعالجة المشاكل العراقية المتفاقمة لبناء أسس مجتمع موحد منبثق من قلب خصائص  مكوناته الاجتماعية والدينية والقومية..!

منذ عام تقريبا تحققت مجموعة من الإجراءات لإعادة بناء الدولة ولا شك ان قانون إدارة الدولة الانتقالية كان في مقدمة تلك الإجراءات المهمة التي كان منها أيضا توفير الحرية للصحافة ومنح حق المعارضة لمظاهرات الشوارع  . تقدمت الدولة خطوات نحو توفير الأمان ،  لكن الهيكل العام للدولة لم يوفر حتى الآن آفاق المؤسسات الديمقراطية القادرة على توفير خيار مركز موحد لممارسة السلطة الموحدة لمشاركة الرأي العام العراقي في تلك السلطة  .

في العراق حالياً ثلاثة سلطات وقتية حاكمة :

(1) سلطة الائتلاف المؤقتة ( أمريكية ــ إنكليزية ) .

(2) مجلس الحكم الانتقالي المؤسس باشتراك غالبية القوى السياسية العراقية .

(3) الوزراء المختارون من جماعة المشاركين بمجلس الحكم .

 

هل يعني هذا أن ( الدولة العراقية ) الحالية هي دولة مؤقتة ..؟ ما علاقة الدولة بهذه السلطات وما علاقتها بالمجتمع العراقي شعبا ومؤسسات ..؟

من طبائع العراقيين أنهم دائماً يسألون ( حتى ولو أنفسهم سراً ) من هو يسوسهم  في هذه المرحلة وعلى أي الأسس يساسون وإلى أين .انهم يعرفون ان ليس هدف  إيجاد العمل لجميع العاطلين والمفصولين ليس  بعيد المنال  ، كما يعتقدون ان إعادة أعمار العراق ممكنة وان التعليم سيتقدم وان الأرياف ستقترب من المدن الصناعية لكن القضية الصعبة غير الواثقين منها بعد،  هي في النتائج المتناقضة حول قضيتي الأمن والديمقراطية وأبعادهما المستقبلية التي يمكن الركون لها  ومدى انسجامها مع مميزات الوطنية العراقية ..

قبل  9 نيسان2003 كانوا يتطلعون ان يعيشوا نظاما افضل وكان البعض يتطلع ان يتغير البلد مع سقوط نظام صدام حسين ليكون شبيها لبلدان متطورة أو حتى شبيها ببعض الدول العربية وسيكون قابلاً لتغييرات اجتماعية اقتصادية عميقة ..

قبل الإجابة على السؤالين لا بد من العودة إلى مجموعة مفاهيم عامة تسود الأدبيات والمقالات السياسية اليومية ..

المجتمع العراقي ، كأي مجتمع آخر في العالم كله ، وُجد قبل الدولة العراقية بآلاف السنين مهما حاولنا أن نحدد  تواريخ ظهور دولة في العراق .

بالتأكيد الأولي أن ( المجتمع ) صنعته الطبيعة المدنية في العراق القديم عبر تطوره من مرحلة لأخرى  بمعنى أنه ( حدث طبيعي ) بينما ( الدولة) أنشأها الإنسان  بعقله وتجربته وبيديه تلبية لحاجته إليها . وجود المجتمع حتمته حاجة الإنسان( الفرد ) لأخيه الإنسان ( المجموع )  نتيجة اضطراره للانتماء إلى الجماعة الإنسانية القريبة منه فهو منذ ولادته ينتمي لأبوين ومن ثم لقبيلة ( كما في العصور  البابلية الأولى ) ومن ثم لأحزاب ومنظمات مختلفة الأنواع والدوافع ابتداء من منظمة الأسرة حتى الأحزاب السياسية أو التجمعات العقائدية ( كما في العصر الحديث ) .

يقول دوركهايم( ان الفرد باعتباره فردا من جماعة له حاجات لا يمكن إشباعها إلا عن طريق الحياة المشتركة بينه وبين الآخرين ..) بينما الدولة يعرفها ماسبيتول بأنها (الرابطة القانونية لتشكيل الجماعة ) . يعني هذا بمعنى من المعاني أن المجتمع الإنساني يتكون عفويا . أما الدولة كـ( رابطة قانونية ) يخلقها الإنسان السياسي ويبنيها ويطورها بعقله وإرادته .

ضمن هذه المفاهيم يمكن تفسير الدولة العراقية بأنها ليست مؤقتة كما هو حال السلطات الثلاث المؤقتة التي تحكم العراق حالياً خاصة إذا ما عرفنا أن الحكومة ليست هي الدولة رغم ارتباطهما الشديد .

كانت الدولة السابقة ليوم 9/4/ 2003 قد تحولت خلال فترة حكم حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة صدام حسين من ظاهرة مشتركة أسسها نضال الشعب العراقي منذ بداية القرن العشرين إلى ظاهرة حزبية تسلطية أوجدت التمايز التام بين الجالسين على دست السلطة ( الأقلية ) يصدرون أوامرهم إلى فئات الشعب كافة ( الأكثرية ) يمارسون الإكراه لفرض إرادتهم الخاصة عليها حتى بالقوة المسلحة لقمع أي رأي معارض فردي أو جماعي ( حزبي ) . تحولت الدولة العراقية  البعثية من شكل الملكية العامة ( الدستورية ) إلى شكل الملكية الخاصة ( البعثية ) يقودها ويتصرف بها وبالحزبيين البعثيين أنفسهم شخص واحد محولا سلطتها السياسية بالتالي إلى مؤسسة فردية دكتاتورية تمارس السيادة على أحرار ولدتهم أمهاتهم أحرارا.

بذلك تحولت الدولة إلى " مقر"  السلطة السياسية الفردية و تم الانفصال بين السلطة والدولة من جهة وبين الفرد صدام حسين وجماعته السياسية في كوادر وقيادات حزب البعث من جهة ثانية وانفصلت الدولة عن مهمتها كرابطة قانونية بين المجموع الإنساني العراقي وقد استمد صدام حسين  امتيازه من كونه حاكما يمارس سلطاته بالقوة العسكرية الفاشية التي عززها بمجموعة من قوة وقوى عشيرته و أسرته المسلحة التي بررت وجودها بعدم وعيها أو قابليتها للنقاش كما في المجموعات السياسية والإنسانية الأخرى في العراق وفي غيرها من الدول . 

لا شك ان ذكاء صدام حسين دله على حقيقة ناتج معادلة سياسية هامة هي ان ( فردية السلطة ) تساوي ( حصرية القهر ) . بالطبع أن الحاكم الفرد ( صدام حسين ) مارس سلطته الفردية المالكة   لـ( حصرية القهر ) بموجب مجموعة من الإجراءات الجماعية والقانونية منها :

(أ?)  سن دستوراً للبلاد وزع فيها الصلاحيات على مختلف أجهزة الدولة والمجتمع ممسكا برؤوسها جميعا .

(ب?)         أوجد أداة تشريعية خاصة سماها المجلس الوطني أنيط بها تشريع ( بعض ) القوانين .

(ت?)         شكّل ما يسمى بمجلس قيادة الثورة ليكون مشرعا ثانياً لـ( كل ) قوانين البلد وأصبح هو رئيسه .

(ث?)         أشرك جميع المواطنين بعملية انتخابه بنسبة 100% ليكون مفوضا من قبلهم عليهم لكن مشرّع الدولة البعثية لم يوجد أو ينتدب أحدا يقوّم أخطاءه أو يعزله أو يعاقبه في حالة إساءته استخدام السلطة .

(ج?) أوجد البنية السياسية لتحويل تنظيمات حزب البعث إلى جهاز إعلامي وثني مهمته الأولى والأخيرة تقديس  عبادة صدام حسين بمختلف الوسائل والأجهزة الإعلامية ( بوساطة وزارة الثقافة والإعلام ) .

(ح?)  حوّل الجيش من مؤسسة عسكرية مهمتها الدفاع عن الوطن إلى مؤسسة قمعية تمارس العدوان على دول الجيران ( إيران والكويت ) وتضرب بالحديد والنار الكيماويين أحقية الشعب الكردي بالعيش الكريم تماما كما استخدم سلطة القهر بالصواريخ لمطالب العرب من أبناء العراق في المدن والأرياف والاهوار كما في انتفاضة عام 1991 .

ملخص القول ان صدام حسين استخدم ( قانون التولية الروماني ) في السيطرة على الدولة كلها التي ماتت داخله  إرادة الشعب التي سمّاها جان جاك روسو بـ( الإرادة العامة ) كما ماتت مفاهيم فصل السلطات الثلاثة التي نادى بها مونتسكيو كما اختفت من القوانين التي ابتدعها كل ممارسات المساواة أمام القانون .

لقد أتاح النظام الفاشي لمدة 35 عاماً لصدام حسين سلطات لم يتمتع بها من قبل غلاة الأنظمة البوليسية بمن فيهم أدولف هتلر . صدام حسين لم يكن رئيساً للجمهورية حسب بل هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو الذي عيّن عدنان خير الله وعلي حسن المجيد وغيرهم وزراء للدفاع مثلما هو الذي يعين القضاة ويقيلهم وهو الذي يعين مدراء مؤسسات القطاع العام ويقيلهم  ، وهو الذي يعين رؤساء تحرير الصحف ويقيلهم ، وهو الذي يعين الوزراء ويقيلهم متى ما يشاء بسبب أو من دون سبب .

 

بتلك الصلاحيات  تحوّل صدام حسين من ( رئيس دولة إلى مالك دولة ) جاعلاً إياها من ( جهاز مدني إداري ) إلى ( جهاز عسكري قمعي )  . تحولت الدولة كلها إلى ملكيته الخاصة يتصرف بموجوداتها وفق أهواءه المهووسة . وليس من العسير القول أن هكذا سلطات جعلت من صدام حسين شخصية سيكولوجية فريدة في عصابيتها وفي كره الشعب العراقي كله .

 

هل يمكن الوصول في الوقت الحاضر إلى تحديد أي نظام سياسي يمكن ان يكون مناسبا للعراق المتعدد الأعراق ..؟

 لا ادري في الواقع أي حزب من أحزاب مجلس الحكم  أو خارجه يستطيع ان يبرهن أن برنامجه هو الأفضل لحكم العراق وان أهدافه هي الأوسع.. كل حزب له نظرية يدعي إنها حديثة وإنها غاية في الأهمية وان تطبيقها سيجعل الشعب العراقي في طريق التقدم .

مرت بالعراق أشكال متعددة من الحكومات :

ثلاثة ملوك حكموا العراق وهناك من يقول انهم كانوا الأفضل ممن جاء بعدهم .

هناك من يزدري النظام الملكي ليقول ان حكم عبد الكريم قاسم هو الأفضل .

البعثيون وجمال عبد الناصر وأم كلثوم  ( في واحدة من أغنياتها ) ومحمد عبد الوهاب( في واحدة من أغنياته )  قالوا في شباط 1963 ان حكومة الانقلابيين هي الأفضل ..

قوميون عرب وخر وتشوف وعبد الناصر قالوا ان حكم الرئيسين العارفين  ( عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف ) هو الأفضل ..

ملايين من البعثيين العراقيين والعرب ومعهم  من أمثال المصري ( المرحوم عادل حسين ، والأردني ( المنظر الإسلامي ليث شبيلات ) والخليجي ( الأكاديمي محمد المسفر )  قالوا ان حكم احمد حسن البكر وصدام حسين هو افضل مما قبلهم ..

هناك في الوقت الحاضر من يرفض كل ذلك ليقول ان الكلام السابق جله أو بعضه هو افتراض محض أو هو زعم تعسفي مجرد فلا يوجد في نظر هؤلاء غير مجلس الحكم اقدر على صياغة الحكم الأفضل والأعدل .

يا ترى هل تتوفر خاصية معينة للتعرف على الحكم الأفضل..؟

هل توجد نتائج مترتبة تساعد على تحديد أطر وعي  مباشر يساعد جماهير الشعب العراقي على معرفة معيار الحقيقة بعيدا عن أوهام الأجهزة الإعلامية التي حاولت في كل العهود السابقة  تحويل الخرافة السلطوية إلى  حقيقة ونحن الآن وفي هذه السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين نجد مجلس الحكم بأكثريته المتعلمة في جامعات أجنبية لا تسارع إلى انتزاع اليأس لدى الشارع الجماهيري المدمر بانقسام الوعي والموقف إزاء قانون إدارة الدولة ومضامينه التقدمية وهو التدمير الناتج عن حماسة الفضائيات العربية المندفعة دائما ضد القانون ومجلس الحكم وضد التغيير في العراق بقصد إعاقة مسيرة الشعب نحو الحرية والديمقراطية

 لا يحق لي أن أضع نفسي في موقف لتقليل أهمية منجز قانون إدارة الدولة الذي اعتبره اللبنة أساس لخير العراق كله . لكن الأجهزة الإعلامية العربية المناوئة لمجلس الحكم وللصحافة العراقية  تحاول عن طريق الخداع والإيهام  جر الإعلاميين العراقيين خاصة من مجلس الحكم والوزراء ووضعهم في موقف " الدفاع المشوش " الذي يضع المشاهد والمستمع في حالة من ضيق وضياع  مقصودين ..

لا ادري لماذا يرغب الحكام العراقيون حتى من دعاة الحرية والديمقراطية في الاحتفاظ دائما بآلة النبض الجماهيري في أيديهم  محاولين جعل الجماهير في حالة التضرع الدائم بين أيديهم كي يثبتوا وجودهم في شاشة فضائيات مشبوهة وكأن لسان حالهم يريد أن يقول ( أنا في شاشة فضائية إذن أنا موجود )  وفق فلسفة ديكارت ( أنا أفكر إذن أنا موجود )  كي يؤكدوا (  أنا اقرر إذن أنا موجود )  بينما حرص ديكارت ان يوضح انه يعني بالتفكير هو الوعي وليس  القرار .

بهذا المعنى أنا أتحدث عن العلمانيين الديمقراطيين في مجلس الحكم .

أما الديمقراطيون الإسلاميون فانهم من دون شك ينطلقون في موقفهم من إرادة الشعب ومساهماته في إدارة الدولة من منطلق آخر ( أنا مؤمن ، إذن ، الله موجود ، وأنا على حق دائماً ) وبالتالي ليس من حق أحد ان ينتقد سياسة أحزاب الإسلاميين ومن يفعل ذلك فهو في اقل الحالات بنظرهم لا يملك بصيرة أو بصيرتهم على وجه التحديد . ولا بد ان أشير هنا ان بعض المشرعين الإسلاميين  المصريين نهوا أبناء شعبهم للإصغاء إلى أصوات المثقفين والباحثين حتى من الإسلاميين كحامد نصر أبو زيد والسيد القمني ونوال السعداوي  وغيرهم في سوريا والسودان والكويت ممن صدرت بحقهم فتاوى التكفير فسجنوا أو قتلوا أو هجروا من بلدانهم .

آن الأوان لاستجواب العلمانيين والإسلاميين العراقيين حول مضمون التفكير بــ( الحكم الأفضل ) باعتباره الضمانة الأكيدة للوحدة السياسية والاجتماعية في عراق ما بعد سقوط الدكتاتورية .

ربما يسألني أحد بالقول : ماذا عن المسيحيين العراقيين والصابئة واليزيديين ألا يخضعون للاستجواب ..؟

لا توجد صيغة معينة لاعتمادها في الاستجواب كما لا تملك القوى الوطنية المسيحية والإسلامية الكردية والعربية والتركمانية واليزيدية صيغ أجوبة جاهزة تتفق مع النموذج العام أو  تتناسب مع التطلعات الحالية للشعب العراقي أو مع فلسفة الديانة والقومية ..

لا يعني قولي تعبيرا عن تشاؤم ولا عن ضعف الشعب العراقي كمبدع قادر على رؤية مستقبله وهو الذي اكتسب عالميا شهرة واسعة في صنع الحضارات الإنسانية الأولى أو تطوير العلوم الإنسانية والطبية والأدبية في العصور الوسيطة وخاصة في زمن الازدهار العباسي  لكنني أقول ذلك بسبب استمرار عاصفة التغيير التي هبت في بغداد في التاسع من نيسان 2003 بحجم واسع لم يغط الصحراء العراقية حسب بل انه ولضرورات الاستراتيجية الأمريكية القائدة الرئيسية لرأسمالية القرن الحادي والعشرين قد أخذت وسوف تأخذ مدى ابعد لتشمل الشرق الأوسط كله وصولا إلى مصر والشمال الأفريقي ولا أحد يدري حتى الآن هل يستطيع هذا الإعصار تحقيق ادعاءات الستراتيجيين الأمريكان عن  ما يلي :

(1) حل مشكلة التخلف الاقتصادي والسياسي للمنطقة كما تدعي ماكنة السياسة الإعلامية الغربية.

(2) ظهور شكل جديد من أشكال علاقة الدولة الكبرى  بالدولة الأصغر وبناء أسس خارج الإلزام السياسي .

(3) تهديم صرح استعباد الشعوب عن طريق نشر مبادئ الديمقراطية وتطبيقاتها.

(4) بناء نموذج جديد للعقل العربي والعقل الديني كي تتيح معطياته الحداثة العلمانية .

لا بد من توفر الكثير من الأفكار ومفاهيم الاستقرار والعدالة وحقائق بديهية أو حقائق أبدية وحقائق طبيعية كي تتكون الرؤية الأولية لمستقبل المجتمع السياسي في العراق الذي ينتظر تشييده بعد قرن أو قرون من أنماط الاستعباد..

سأبقى متشككا استنادا إلى تجارب شعوب العالم وإلى تجربة الاحتلال البريطاني للعراق منذ بدايات القرن الماضي ان نتائج غزو العراق واحتلاله ستتواصل حتى مع الادعاءات الأمريكية والعراقية بان شيئا ما كبيرا يمكن ان يحدث بعد انسحاب القوة المحتلة وتسليم مقاليد الأمور للعراقيين في 30 حزيران 2004

صحيح ان الضربة الأولى لإعصار 9 نيسان قد هدمت الأصل الفكري لنظام حزب البعث العربي الاشتراكي المشاد بفاشية صدام حسين وزيفه القومي أو القومي – الإسلامي مثلما هدم قبل عامين  ضربة إعصارية عسكرية سريعة زيف النظريات الإسلامية  لطالبان والقاعدة في أفغانستان لكن لا حلم الشعب العراقي وتضحياته ولا حلم الشعب العراقي وتضحياته يمكنهما ان يبنيا بلد الأخلاق والحرية والعدالة .

هل أضر " الإعصار الأمريكي " بالحكم الفاشي  ..؟

بالتأكيد ؟ فقد أسقطه إلى الحضيض وإلى الأبد .

غير ان غبار " الإعصار " كان واسعا وكثيفاً . فقد غطى ليس فقد " جمهورية الخوف " بل غطى مصالح جمهور الخوف نفسه في هذه الجمهورية التي تحولت إلى بناء مخيف جديد فيه تخريب وتفجير وقتل جماعي وفردي وفيه احتمالات نمو طغيان صاخب لا يعرف شعبنا أو قادته ولا مجلس الحكم  كيف الهداية لتقليل تناقضاته والخلاص من تجاوزاته وتحقيق متغيراته.

يبدو أننا غدونا بلا قدرة ذاتية على التعبير العاجل لكيفية استخدام الإرادة الشعبية المستقلة ولا كيفية إنقاذ بلدنا بسبب ان الإعصار نفسه جدد خطاب تضييع الوقت بجدل الصراعات حول منضدة واحدة يجتمع فيها قادة خائفون من كل شيء من الديمقراطية والدين والفلسفة والحرية والقومية تماما كما كان حال الشعب الفرنسي في عهد لويس السادس عشر حيث ساد الخوف من الملك والدولة والامة والمالية والبرلمان وكل من دخل ساحة الإصلاحات في مثل تلك الظروف خرج فاشلا أو مطعوناً .

المحكومون في العراق ظلوا منذ حدوث ثورة 14 تموز في فرنسا 1789 ( أول إعلان لحقوق الإنسان )  ومنذ سقوط ثورة 14 تموز في العراق  1963بلا ضمانات قادرة على تحويل الحكم المطلق الفردي والجماعي إلى حكم ديمقراطي حقيقي..

كذا حال الرأي العام العراقي منذ سقوط صنم صدام حسين حتى اليوم يعاني من الإطراء من سلطة الاحتلال ومن رئيسها جورج بوش في كثير من خطبه ومن مجلس الحكم الذي أطروحة دمه عراقية خالصة عن الأمن والحرية والتقدم والديمقراطية وتحقيق ( الحكم الأفضل )  لكن مع كل ذلك لا يوجد احترام للرأي العام العراقي ولا يسمح له أحد كي يكبر نفوذه لا في الشارع السياسي ولا في القاعات المغلقة من أجل إشراكه في الحوار حول معنى ومبنى ( الحكم الأفضل ) .

هل هناك وهم لدى الشعب العراقي ..

أم هناك استبداد جديد ..

هل يحتاج العراق لملك أو رئيس كملك بروسيا أم يحتاج إلى شعب كالشعب الإنكليزي أم يحتاج إلى عقل ديمقراطي مخصب بالتنوع الشاسع للأفكار وبالتعدد الواسع في القوة الدينية غير الصاخبة وفي القوة القومية غير المتصارعة وفي القوة الطبيعية غير الفوضوية..؟

نعم يحتاج شعبنا إلى أشياء كثيرة واقعية وخيالية وفيرة ببذور من كل نوع كي يكون الشعب سيد نفسه وفي يده إرادته كي لا يقوده أحد إلى اختيارات خاطئة أو ناقصة أو إلى فشل أو إلى حرب أهلية أو إلى التعصب والكراهية أو إلى انتشار سياسة ذات وجهين أو إلى دين ذي وجهين ..

لقد كان اختيار لقب قانون إدارة الدولة في الفترة الانتقالية موفقا للغاية بدلا من الدستور المؤقت فبلادنا بعد سقوط الفاشية تواجه مشاكل متعددة وصعوبات متعددة وهي تتسابق مع رغبات الحركة الوطنية العراقية الساعية إلى إعادة الأعمار والبدء بتنمية اقتصادية حقيقية ..

أول شيء يواجه العراقيين هنا هو ان لا تكون الدولة الجديدة دولة مسيطرة أو دولة مستبدة حتى وهي تجتاز المرحلة الانتقالية ..  يعني هذا أول ما يعني ان يكون قانون إدارة الدولة الذي أعده وقرره مجلس الحكم لوحده قادرا على إدارة المجتمع العراقي التعددي وتحويله شعبا وحكومة من مجتمع أفراد  وحزب واحد  إلى مجتمع ديمقراطي شعبي يتمتع بسلطات مستقلة والتخلص من التطرف والتزمت . 

لا بد من الإشارة هنا إلى بعض الأمور السلبية التي صاحبت مهمة إعداد القانون ومناقشته وتلخيص ذلك بالتحديدات التالية :

(1)      كثير من أعضاء مجلس الحكم اعتبروا قضية صياغة القانون حكرا لهم لمجرد انهم شغلوا منصب العضوية  الرسمية في المجلس ..

(2)      وضعوا الشعب وعدد كبير من كفاءاته من رجال القانون والصحافة والسياسة بمرتبة المتفرجين  و  أهملوا حتى ما كتبته الأقلام الوطنية في الصحافة وفي مواقع الانترنيت من ملاحظات أدلى بها قانونيون عراقيون خبراء .

(3)      كان أحد أعضاء المجلس  قد مارس الإرهاب الفكري بحق الذين يملكون ملاحظات نقدية فقد وصفهم بأنهم ( من أصحاب النظرات الضيقة والمصالح الخاصة ..) ..!!

هذا  يعني إننا بحاجة إلى تحول ديمقراطي جذري وليس لادعاء شكلي في الممارسة فهو الضمانة الوحيدة والأكيدة لتخليص العراق من أساليب استبدادية الرأي حين يجعل الحاكم نفسه معلما واجبه ان يلقي الدروس على شعبه ينذره ويحذره ويخيفه لمجرد ان المصادفة وليس صندوق الانتخاب قد جعله عضوا في مجلس الحكم معتبرا نفسه اكثر وطنية من كل مواطن آخر ناسيا انه كمواطن يمكن ان يكون في المستقبل خارج مجلس الحكم لا يُسمع له رأي أيضاً..!

باختصار أقول أنه لا بد من التخلص  من حكم الدواوينية ( البيروقراطية ) وأعني دواوينية الدولة ودواوينية الأحزاب المتعددة ودواوينية العشيرة وغيرها،  فالدواوينية لا تقود بأية حالة من الأحوال لغير التزمت..

ليس من الصحيح حصر مهمات الدولة العراقية القادمة  وتركيز نشاطها على مجالات محدودة كتأمين الدفاع عن الوطن واقامة العدل وسك النقود كما يبشر بذلك دعاة الخصخصة وبعض الاقتصاديين العراقيين من أصحاب العلاقة أو الوكالة مع المؤسسات الرأسمالية الأجنبية بل ان مهمات الدولة العراقية الجديدة يجب ان تتوزع بكل الميادين المتعلقة بحياة المواطنين كالتربية والصحة والبيئة والسياحة و الزراعة والصناعة  وكل مجال آخر يتطلب تدخلها كقوة قانونية منظمة تمتلك المرونة التامة والشفافية الكاملة لمساعدة المجتمع العراقي كله على التطور لمواجهة مسؤولياته في البناء والأعمار والتنمية ..

لا ينبغي ان تتحول الدولة العراقية الديمقراطية المنشودة إلى خباز يوفر الخبز ولا إلى بقال يوفر الجبنة ولا إلى بايسكلجي ولا إلى طبيب فمهمتها مراقبة توفير الخبز الأفضل والجبن الأحسن والأرخص والطبيب المتدرب والطريق المبلط كي يسير عليه البايسكل بلا عطلات.

اخطر شيء تواجهه الدولة الديمقراطية هو ممارسة الاستبداد مباشرة أو بصورة غير مباشرة ولا شك ان الرؤية الموضوعية المنصفة تشير بوضوح إلى الإنجازات الديمقراطية العظمى المتحققة في السنين الأخيرة  في السويد وألمانيا وهولندا وفرنسا ولوكسمبورج وفرنسا بالرغم مما تحمله ذاكرتنا عن سلبيات كثيرة حفلت بها ساحات هذه الدول في مسيرتها الديمقراطية .

معذرة من جميع الأحزاب الوطنية إذا قلت ان عددا غير قليل من قادتها يظنون ان مجرد الادعاء بالديمقراطية يكفي ان يكون ينبوعا مقدسا لجعل جرعاته كافية لتسكين الشعب المتوتر أحياناً  والغاضب في أحيان غيرها .

يجب ان لا ننسى ان جميع حكام أزمنة الماضي كانوا قد ختموا على ورقة الديمقراطية بأختامهم لكنهم في التطبيق لم يكونوا غير مستبدين بآرائهم ,

وإذا تحدثنا عن إيجابية القانون ورصانته فأن أهم ما فعله منذ يوم صدوره أنه حوّل الشارع العراقي والنادي العراقي والحزب العراقي والبيت العراقي إلى ساحة حوار ديمقراطي تتعانق فيها الآراء والأفكار حتى مع اختلافها في كثير من الحالات بين أطراف المتحاورين تحت خمائل المصلحة الوطنية .

ليس من محيد عن القول ان قانون إدارة الدولة العراقية هو أول قانون يصدر بطريقة ديمقراطية تعاقدية شاركت فيه أهم القوى الوطنية الفاعلة وكان افضل حالا لو ساهمت بصياغته مجاميع حزبية وسياسية أخرى تضم بين صفوفها نخبا مناضلة كما يقضي الحق في ان تلعب نصيبها في إغناء القانون .

بصورة عامة كان قانون إدارة الدولة مختلفا ليس في مضامينه وجوهره عن جميع القوانين الأساسية ( الدساتير ) التي صدرت من قبل :

دستور 1925 كان ( منحة ) من الملك فيصل الأول .

الدستور المؤقت لعام 1958 كان ( منحة ) من الزعيم عبد الكريم قاسم .

الدستور المؤقت لعام 1963 كان ( منحة ) من الانقلابيين الفاشيين .

الدستور المؤقت لعام 1964 كان ( منحة ) من المنشقين على الانقلابيين الفاشيين .

الدستور المؤقت لعام 1968 كان ( منحة ) من العصابة الفاشية الجديدة .

بل أنه بالأساس يختلف  عن جميع هذه الدساتير من حيث الجوهر في نوعية أسلوب خلقه .

دستور ( المنحة ) هو من حيث الواقع والجوهر ليس سوى شكل قانوني محدد صدر تحت ظروف سياسية معينة لتفادي احتمالات المطالبة الجماهيرية أو مطالبة الأمم المتحدة بضرورة وجود شكل دستوري للدولة .

أهم ثغرة في ( دستور المنحة ) ان بإمكان مانحه  ان يغيره متى شاء  بغير الطريقة والأسلوب الذي نص عليه في نفس الدستور .

غير أن أهم صفة ديمقراطية في قانون إدارة الدولة انه ليس ( منحة ) من أحد فقد سجل أسلوبه أول خطوة  نحو بناء الديمقراطية في دولة العراق التي مضى على بنائها اكثر من ثمانين عاما وقد أسّس هذا الأسلوب صدور دستور العراق الدائم  بموجب ( عقد اجتماعي ) أو ( أتفاق سياسي ) أو ( مشاركة شعبية ) يقرها ويطورها حوار في المجلس التشريعي القادم بالأسلوب الديمقراطي الذي وضعت به دساتير الدول الديمقراطية في العالم كالدستور الاتحادي في الولايات المتحدة الأمريكية والدستور الفرنسي 1875 ومعظم الدساتير الأوربية الصادرة بعد الحرب العالمية الأولى .

أن جميع الوطنيين المخلصين يسعون لتحقيق ( الدستور الأفضل ) لتحقيق ( الحكم الأمثل ) سواء كان ذلك في المرحلة الانتقالية أو في المستقبل  الذي يمكن ان يحرر الشعب العراقي من هموم زمن طويل بتخليص الدولة من حمّى العنف ومن الحاكمين المستبدين .

ما يدعو للفخر أن قانون إدارة الدولة تم إقراره بإجماع صائغيه . وإذا ما وجد بعضهم تحفظات رئيسية أو ثانوية فأن ( حق التحفظ ) ليس سلبيا بل هو عنصر من عناصر إيجابيته في مواصلة الحوار الشعبي والحزبي كي يتعزز في داخله مجال الثقة الوطنية  الجماعية المتبادلة .

لا شك ان أية ديمقراطية ناشئة أو خارجة لتوها من سجن طويل ، كما هو حال الديمقراطية العراقية الجزئية الراهنة ،  لا تخلو من بعض النواقص أو العيوب أثناء الممارسة خصوصا لكن أهم مزايا الديمقراطية في مرحلة وقتية خصوصا تحمل في داخلها إمكانات التطور إلى النظام الأفضل والحكم الأفضل وتدارك جميع العيوب والنواقص بالطبيعة الهادئة الشاملة للحوار ..

 



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسامير صغيرة 613
- مسامير صغيرة612
- مسامير صغيرة 611
- مسامير صغيرة 610
- مسامير صغيرة 609
- مسامير صغيرة 607 - 608
- مسامير صغيرة 606
- مسامير صغيرة 605
- أزمة الفيدرالية بين الذات المجردة والذات المتحررة
- الرسم الديمقراطي العام بين الدين والدولة
- مسامير صغيرة 604
- مسامير صغيرة 603
- مسامير صغيرة 602
- مسامير صغيرة 601
- مسامير صغيرة 600
- ملاحظات حول مسودة إدارة الدولة
- مسامير صغيرة 599
- مسامير صغيرة 598
- مسامير صغيرة 597
- مسامير صغيرة 595


المزيد.....




- تفاعل على ترحيب أصالة بأحلام في جلسات موسم الرياض ورحيل صادم ...
- النرويج تقفل تحقيقها بشأن أجهزة -بيجر حزب الله- التي انفجرت ...
- -سي إن إن-: الحكومة الإسرائيلية ستصوت على اتفاق وقف إطلاق ال ...
- برلماني روسي: -أوريشنيك- أظهر حتمية اقتصاص روسيا ممن يعتدي ع ...
- وزير الخارجية الإيطالي: إيطاليا لن ترسل عسكريا واحدا إلى أوك ...
- المتحدث باسم ترامب: إسقاط القضايا الفيدرالية ضد الرئيس بمثاب ...
- شولتس بعد ترشيحه رسميا: هدفنا تصدر المشهد وأن نصبح الحزب الأ ...
- حرب غزة.. أول إبادة جماعية بالبث المباشر
- أفرزتها حرب مدمرة.. غزة تحت وطأة مجاعة وأمراض وحصار لا هوادة ...
- خبراء أمميون: إسرائيل مسؤولة عن سلامة مصور الجزيرة فادي الوح ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جاسم المطير - قانون إدارة الدولة وسيلة أولى لتأسيس الحكم الأفضل