|
التشكيلة الحضرية للمحلة الموصلية قليعات أنموذجاً
عبد الوهاب النعيمي
الحوار المتمدن-العدد: 2506 - 2008 / 12 / 25 - 00:46
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
التشكيلة الحضرية للمحلة الموصلية قليعات أنموذجاً مدخل :- مدينة الموصل،ما تزال هي المدينة التي تجمع بين خاصتين الأولى تتمثل في ثقلها التاريخي،أي أنها ليست مجرد مدينة تذكر على هامش الأحداث،وإنما كانت وما تزال واحدة من مراكز صنع القرار السياسي،وقلعة عسكرية دفاعية وعاصمة لأكثر من دولة عراقية،إلى جانب ما تمتعت به من المواقف الجليلة الباسلة. أما الخاصية الثانية، فإنها تكمن في ذلك التواصل من الحياة من دون انقطاع منذ ولادة المدينة قبل آلاف السنين وحتى يومنا هذا من غير أن تهجر أو تركن جانباً أو يخبو نشاطها الثقافي أو التجاري أو الحضاري ، على الرغم مما تعرضت له من متاعب وضغوط وحروب وهجمات وغزوات في هذه الحقبة أو تلك،وهذا ما يميزها عالمياً على عشرات المدن التاريخية المثيلة التي انطفأ ضوء الحياة فيها،ففضلت الانكماش ورفعت الراية البيضاء
المحلة الموصلية:محاور مستقلة لئن كانت المحلة الموصلية في عموم المدينة القديمة تمتاز بمحاور الاكتفاء الذاتي في تكييف حياتها وتدبر أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية،فإن محلة (قليعات)هي الأنموذج الأفضل لتك الاستقلالية الحياتية وذلك التدبر السكاني الهائل والكبير لمجمل الحالات الاقتصادية والاجتماعية،فهي واحدة أكثر من غيرها مهارة في الموصل القديمة،ما تزال تجمع إلى جانب تراثها العريق حياة حضرية تتمتع بمستوى عال من التنوع في النشاط الإنساني والتركيبة الاجتماعية المتجانسة اللذين وفرا لها الجذب المستمر للناس من ناحية،وتحقق القدر الأكبر من الحماية المناخية حيث الأزقة المظلمة وتعرجاتها وأسواقها المسقفة من ناحية أخرى.هذا غير الانطباع الذاتي والذكريات المتراكمة وحجم الإحساس بنكهة المكان والالتصاق به .
الحصن الأشوري :- على المستوى التاريخي ارتبط وجودها مع وجود العاصمة الآشورية(نينوى)قبل أكثر من خمسة آلاف سنة حيث تشير المدونات إلى أن الموصل ابتدأت من منطقة قليعات مذ كانت (حصناً آشورياً)ثم تحول هذا الحصن المنيع إلى مدينة عصية مزدهرة،ولاسيما بعد أن لجأ إليها سكان نينوى بعد سقوطها عام 612 ق.م.حافظت (قليعات)على سكون أهلها ومعمارها إلى عام 1955حيث بدأت أول خطوة لدراسة المنطقة في محاولة للتطوير،إلا أن المحاولة قوبلت بالرفض من قبل السكان. وخلال الأعوام 1974-1978قامت إحدى المؤسسات الفرنسية بالتعاون مع مكتب دار العمارة العراقي بدراسة التصميم الأساس لمدينة الموصل ومن ضمنها (قليعات)وقد اقترحت تلك المؤسسة اقتلاع عدد من الدور السكنية لتكوين فضاءات مفتوحة داخل المنطقة وتوسيع شارع الميدان الرئيس إلى 12 متر واستبدال جسر الملك غازي (جسر نينوى حالياً)الذي يعد من أبرز علامات الدلالة البصرية في المنطقة بجسر جديد أكثر حداثة واتساعاً لحل أزمة المرور واختناقات المنطقة بما يفوق حجم استيعابها المروري. أما الدراسة الثالثة فقد تبنتها وحدة التخطيط العمراني في الموصل سنة 1985والتي ركزت على إعادة التأهيل للمبنى ذات القيمة المعمارية العالية وإزالة الأبنية المتهرئة واستحداث منافذ خدمية كالشوارع ومواقف السيارات والحدائق من غير تأثير على النسيج التراثي العام،وذلك لأن الأجزاء القديمة من الموصل تحتوي على العناصر الرئيسة للمدن العربية القديمة والمتمثلة بالجوامع والكنائس والأسواق الشريطية والأسوار والخانات ودور السكن والحمامات التي يجب الحفاظ عليها كونها الشاهد الحي على عظم الحضارة العربية في مجال تخطيط المدن. ولهذا فإن عملية تطوير القديم مهمة شاقة تحتاج إلى جهود ضخمة (ثقافية وتاريخية وفنية لديمومة ذلك التنوع المطلوب من التجانس بين القديم والجديد .
توصيفات تاريخية :- اسم المكان لمنطقة (قليعات)جاء من (قلعة لأن المنطقة في عمقها التاريخي كانت حصناً عسكرياً ممتداً إلى طول الضفة الغربية لنهر دجلة حيث أنشئت القلاع الصغيرة على امتداد المنطقة التي يبلغ أقصى ارتفاع لها فوق مستوى سطح البحر 244م.وهذا يعني أن المنطقة ترتفع عن مستوى المناطق المجاورة لها من كل الجهات بحدود 22 متراً أما في مركز (قليعات)فيبلغ بحدود 47متراً. وتشمل المنطقة التي تبلغ مساحتها أكثر من 23هكتاراً (خمس محلات سكنية هي:الميدان/حوش الخان/باب النبي/رأس الكور/إمام إبراهيم)وقد أخذت صورة المعمار في هذه المنطقة طابع التحصن،حيث تم تشييد الدور بما يشبه القلاع لكي تقاوم عوادي الزمن،فهي قوية صلدة،وأزقتها ضيقة منيعة صعبة الاختراق إلى جانب مراعاة المعمار فيها من خلال منافذها المتصلة إلى ما يشبه البناء العنكبوتي.
شواخص ودلالات :- تعج منطقة قليعات بالمعالم والشواخص الكثيرة التي تتمثل بالقبة التراثية لجامع هو القدو والحمامات والشناشيل المتناثرة على جانب الزقاق،وهي تحكي قصة الطراز المعماري الفريد الذي يتباين الإحساس فيه بالحركة ما بين البطيئة الصاعدة والسريعة النازلة بفعل تدرج طبوغرافية المكان،وكثرة ارتفاعها وانحداراتها ولاسيما في محور تل قليعات ذي الطرق المدرجة،إلى جانب المشاهد الآثارية الموزعة على إرجاء المكان،مثل جامع شط الجومة وجامع شيخ الشط وقبة مرقد الامام يحيى بن القاسم وقلعة باشطابيا التي تظهر كنقطة دلالة في نهاية المسار الذي يبدأ من رأس الجسر القديم في شارع نينوى . والمنطقة بعد ذلك تتقاطع عرضياً مع شارع الميدان وتضم ثلاثة محاور رئيسة يتم الترابط بينها بأساليب معمارية متميزة كالقناطر والتقاطعات الرباعية أو النهايات غير النافذة لازقة ضيقة يصل عرض بعضها إلى أقل من المتر بحيث لا تكفي لمرور شخصين إلا بلم الجسد. يبدأ المحور الأول من باب القلعة ويستمر بمحاذاة ساحة الميدان،ويبدأ المحور الثاني من التقاطع الرباعي باتجاه شارع النبي جرجيس،ويبدأ الثالث من اجتياز القنطرة التراثية لينتهي عند الجامع عند الجامع الأموي،وهو أول جامع في الموصل يعود بناؤه إلى عام 16للهجرة. النتائــــــــج :- 1-المحلة الموصلية على العموم تمتاز بمحاور الاستقلال الذاتي ومنطقة قليعات على وجه الخصوص هي الأنموذج الأمثل والأفضل لتك الاستقلالية الحياتية. 2-حاجة هذه المعالم الحضارية والشواخص إلى إعادة تأهيل وتطوير القديم،وهذا بطبيعة الحال يتطلب جهوداً مالية وبشرية(فكرية وتاريخية)لكي تواصل عملية الإدامة وإيصال القديم بالجديد مع المحافظة على الخصوصية التاريخية والمعمارية لهذه الشواخص والمناطق. 3-عدم وجود هيئات أو لجان متخصصة تعطي لهذا القاطع الحضاري الأصيل دوره المتوارث سواء تم ذلك عن طريق لجان متخصصة بصورة دائمة أو من خلال محاضرات وندوات تعطي الانطباع بأهمية هذا الموروث الأصيل وتشجع أهالي الموصل عموماً وأهالي المنطقة بوجه الخصوص على البقاء في أماكنهم وعدم مغادرتها أو هجرها من خلال مدهم بالحاجات الضرورية اللازمة لديمومة البقاء .
التوصيـــــــات :- إن ما لا يحسن السكوت عليه هو اليد التي بدأت تمتد إلى هذا التراث بالعبث والتشويه وهي لا تدرك أن ذلك مسؤولية تجاوز حدود مسؤوليتها وصلاحيتها وعيه نوصي:- 1-بتشكيل لجنة دائمية تعني بهذا المقطع الحضاري الأصيل،وعلى هذه اللجنة أن تمتلك الصلاحيات القانونية التي تؤهلها لمتابعة المكان ميدانياً ومنع أي تجاوز على معلمه. 2-إيقاف الهجرة السكانية من داخل المنطقة. 3-مساعدة وإعانة أهالي المنطقة وتشجيعهم على البقاء في منطقتهم من خلال توفير الخدمات اللازمة لهم وإزالة الأنقاض والنفايات 4-العمل على معالجة التهرؤ لارتباطها بالتشكيلة العامة للمشهد المطل على نهر دجلة 5-العمل على مد شارع الكورنيش المقترح تنفيذه من قبل بلدية الموصل والذي يبدأ من رأس الجسر الحديدي في شارع نينوى وينتهي في منطقة عين كبريت. 6-إعادة الاسواق المسقفة إلى المنطقة من خلال شارع الكورنيش المقترح على أن تكون أسواقاً سياحية. 7-إعادة بناء السور الفاصل بين نهر دجلة وشارع الكورنيش المقترح من رأس الجسر القديم حتى عين كبريت 8-تهذيب حافات وضفاف نهر دجلة الممتد من رأس الجسر الحديدي حتى منطقة عين كبريت.
#عبد_الوهاب_النعيمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|