تتصاعد المخاطر المحدقة بالعراق يوماً بعد يوم ، وتتضاءل حالة الفرح والابتهاج التي تملكت أبناء شعبنا غداة سقوط النظام الصدامي الفاشي في التاسع من نيسان 2003 ليحل مكانها حالة من القلق المشروع وخيبة الأمل في حصول نقلة نوعيه في حياة المواطن العراقي بعد تلك المعانات القاسية التي كابدها خلال العقود الأربعة الأخيرة من الطغيان والدكتاتورية الفاشية وحروبها الإجرامية الداخلية والخارجية على حد سواء .
وفي كل يوم يمر تتصاعد المخاوف لدى أبناء شعبنا من المستقبل الذي ينتظره ،وينتابهم حالة من القلق وعدم الارتياح والانزعاج للتطورات السلبية والخطيرة التي يشهدها الوطن والتي يمكن حصر أهمها في المسألتين الأساسيتين التاليتين :
1 ـ التدهور الأمني الحاصل في البلاد نتيجة النشاط الإرهابي الذي تمارسه القوى الفاشية للنظام البعثي الذي تمت إزاحته من السلطة ، والتي تسعى إلى استعادة سلطتها الزائلة في التاسع من نيسان 2003 ، و حلفائهم قوى الظلام المتسترة برداء الدين كذباً وزوراً ،القادمين من وراء الحدود والساعين وراء تصفية الحسابات مع الولايات المتحدة متخذين من الوطن العراقي مسرحاً لعملياتهم الإجرامية البشعة التي أراقت وتريق دماء العشرات من المواطنين وقوى الأمن العراقية كل يوم مدفوعين من قبل زمر مجرمة متوحشة تتخذ من الإسلام جلباباً لها،وتنظم عمليات غسل أدمغة المغفلين الجهلاء لترسلهم إلى الجنة !!كي يتمتعوا فيها بما يمنوهم به من الملذات والحور الحسان والغلمان .
إن جرائم التفجيرات والسيارات المفخخة ، والهجمات الإرهابية التي تنفذها هذه الزمرة البائسة تثير الرعب والفزع في نفوس المواطنين وتشل الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتقلب حياتهم إلى جحيم لا يطاق ، وإن التصدي الحازم لهؤلاء القتلة ينبغي أن يتناسب بما تمثله أعمالهم الإجرامية
من خطورة وهذا لا يمكن أن يتم إلا بتغيير أساليب المواجهة الحالية واتخاذ أسلوب الهجوم بدل الدفاع ، وهذا يتطلب من مجلس الحكم وبدعم قوات الاحتلال العمل الجدي المشترك للبحث عن جميع العرب والأجانب الداخلين إلى العراق بطريق غير شرعي وإجراء تفتيش عام وشامل لكل الدور والأماكن التي يحتمل اختباءهم فيها،وليس ذلك بعسير فإن هؤلاء المجرمين يختبئون بكل تأكيد لدى العناصر البعثية التي تحتضنهم وتوفر لهم الأموال والسكن والسيارات المفخخة ،وتوجيههم إلى الأهداف التي يبتغون مهاجمتها ، ولولا المساعدات اللوجستية التي تقدمها قوى النظام البعثي المنهار لما استطاعت هذه العصابات المجرمة تحقيق أهدافها العدوانية الدنيئة .
إذا لكي تُوقف قوى الأمن العراقية وقوات الاحتلال هذه الجرائم المتصاعدة هذه الأيام فعليها أجراء التحريات اللازمة والدقيقة لمساكن العناصر البعثية ورصد كافة حركاتها وسكناتها واتصالاتها ونشاطاتها المريبة من خلال جهاز استخباراتي كفوء بالتعاون جنباً إلى جنب مع أبناء شعبنا الحريصين على تحقيق الحياة الآمنة ،وقطع دابر الجريمة ،وتخليص البلاد من شرورها .
إن العرب والأجانب الذين دخلوا العراق بصورة غير شرعية ينبغي إلقاء القبض عليهم من خلال حملة وطنية واسعة ،وإجراء تحقيق دقيق معهم للحصول على كل ما أمكن من المعلومات عن أماكن سكناهم وعلاقاتهم مع العراقيين وما يتعلق بتمويلهم وتجهيزاتهم العسكرية ومن يقف وراءها وكيف تم دخولهم العراق ، ومن سهّلَ لهم هذا الدخول وغيرها من الأمور الأمنية والتحريات الأخرى الضرورية للوصول إلى منابع الإرهاب وتفكيك خلاياه وتحطيمها ، وعدم فسح المجال لها بالمبادرة بالهجوم الذي يسبب الخسائر البشرية والمادية الكبيرة ، ويربك حياة المواطنين ، ويشل الدورة الاقتصادية ويؤخر إعادة بناء العراق .
ويخطئ من يظن أن قوى النظام البعثي الفاشي قد زال خطرها ،وإنها لم تعد تشكل تهديداً لمستقبل العراق ، بل أستطيع القول أن خطرها وهي قد فقدت سلطتها اليوم هو أشد بكثير مما كانت في الحكم ، وإن فقدانها السلطة جعلها تستكلب على أشد ما يكون من أجل العودة إلى الحكم من جديد ، ولا سيما وأنها لم ينالها على أيدي قوات الاحتلال ومجلس الحكم إلا الضرر اليسير ، وهي ما تزال تحتفظ بقواها المادية والبشرية الكبيرة وتتحين الفرصة للوثوب إلى السلطة من جديد .
وهكذا نجدها اليوم تصعّد من أعمالها الإرهابية كماً ونوعاً مستخدمة أساليب وفنون عسكرية متطورة تدربت عليها خلال تلك العقود التي حكم بها حزب البعث للعراق ، وهي تمتلك من الإمكانيات المالية والبشرية والكميات الهائلة من الأسلحة المتاحة لديها ما يمكنها من تنفيذ عمليات واسعة وخطيرة تهدد الأمن والنظام العام ، وتثير الرعب والفزع في نفوس المواطنين جراء فقدانهم الشعور بالأمان والاستقرار الضروري لإعادة ترميم البنية التحتية المهدمة ، وعودة الحياة الطبيعية للمجتمع العراقي .
2 ـ الصراع الدائر بين القوى السياسية المتسابقة لتحقيق أقصى ما يكمن من المكاسب والمصالح الحزبية والطائفية والقومية الأنانية الضيقة والتي يمكن أن تقودنا إذا ما استمر الصراع إلى الحرب الأهلية التي لا تخدم أحداً تاركين الأخطار الحقيقية التي تمثلها قوى الفاشية السوداء وحلفائها قوى الظلام الإسلامي المسيرة من وراء الحدود .
والمشهد السياسي الحالي يبعث الأسى العميق ، ويثير القلق الشديد لما نراه من انقسام وتنافس وصراعات غير مبررة لدى القوى الوطنية، السياسية والطائفية والقومية ، وكل من هذه القوى تطرح أجندتها وتحاول فرضها على الآخرين كأمر واقع متجاهلين المخاطر التي تهدد في واقع الحال الجميع ،و تهدد بكل تأكيد مستقبل العراق وشعبه بكل قومياته وأديانه وطوائفه وتوجهاته السياسية .
فقوى الإسلام السياسي للطائفة الشيعية التي تتوزع بين المجلس الأعلى وحزب الدعوة وجماعة مقتدى الصدر ،إضافة للقوى الملتفة حول الحوزة تسودها حالة من التنافس غير المبرر وكل جهة تسعى لفرض هيمنتها على الطائفة وتحقيق حلمها بالوصول إلى السلطة وفرض أجندتها المتمثلة بدولة ودستور اسلاميين ، ومن أجل تحقيق أهدافهم هذه نراهم يصرون على إجراء الانتخابات الفورية دون تحقيق الظروف اللازمة والضرورية من الناحية الأمنية ،والوعي الاجتماعي ،وإجراء إحصاء سكاني ،وعودة المهجرين والمهاجرين الذين يتجاوز عددهم الأربعة ملايين مواطن،ومتجاهلين كون الشعب العراقي يرفض الدكتاتورية الدينية مثل ما رفض الدكتاتورية الصدامية ، وهو يطمح بقيام نظام ديمقراطي ودستور علماني يحفظ للدين هيبته واحترامه ويبعده عن الاستغلال من قبل القوى السياسية أياً كانت .
وفي المقابل نجد الطائفة السنية التي ارتبطت بوشائج عديدة مع النظام الصدامي تحاول اليوم إعادة ترتيب أمورها لتحقيق دور لها في العهد الجديد لكنها تخطئ في اتخاذ الأساليب الصحيحة لتصحيح مسيرتها ، ويقوم جانب كبير من رجال الدين السنة وخاصة خطباء الجوامع بدور خطير جداً يصب في تشجيع القوى التي تمارس الإرهاب من خلال خطبهم التحريضية التي بدأت تتصاعد في وقت كان كل هؤلاء الخطباء لا يملكون الجرأة على أن ينبسوا بكلمة واحدة ضد جرائم النظام الصدامي التي يندى لها جبين الإنسانية ، وهم اليوم يتجاهلون المقابر الجماعية التي تضم رفات مئات الألوف من أبناء شعبنا ، ويتجاهلون جرائم الأنفال ،وحلبجة الشهيدة ، ويتجاهلون شهداء انتفاضة آذار المجيدة ،ويتجاهلون الحروب الإجرامية ضد إيران والكويت ،والحروب التي خاضها النظام البائد مع الولايات المتحدة وحلفائها عام 1991وعام 2003التي انتهت بزواله ، و كان الدكتاتور يعلم سلفاً أن لا قدرة له على الانتصار فيها ، وكانت وبالاً على شعبنا دفع خلالها أرواح مئات الألوف من شبابنا، وأتى على البنية التحية العراقية في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية ،واستنزف كل ثروات البلاد ،بل واغرق العراق بالديون بعشرات المليارات من الدولارات ،ومع ذلك فلا نجد خطباء الجوامع السنية يتحدثون عن تلك الجرائم ويدينوها ، بل أصبح جل همهم التحريض على مجلس الحكم والعهد الجديد .وتشجيع عصابات القتلة من خلال وصفها بالمقاومة للاحتلال ،بل وحولوا العديد من الجوامع إلى مخازن أسلحة للإرهابيين بحجة مقاومة الاحتلال ،ويتعامون عن الأعداد الكبيرة من الضحايا المدنيين وأفراد قوات الشرطة والدفاع المدني الوطنية !!!.
وفي الوقت نفسه نجد الصراع المحتدم بين القوى الكردية والتركمانية من جهة ، والقوى الكردية والعربية من جهة أخرى نتيجة لتنامي النعرات القومية لدى كافة الأطراف بسبب التناقض في الأهداف والتوجهات التي نشهدها والتي خلقت موجة من التعصب والاندفاعات الخاطئة والتي لا تخدم أحداً بل تثير مزيداً من الانقسام والتشرذم بين صفوف القوى الوطنية الحريصة على مصلحة الشعب والوطن في وقت نحن في اشد الحاجة إلى رص الصفوف وتكتيل الجهود للوقوف ضد قوى الظلام المتربصة بنا والتي تهدف إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وإغراق العراق بالدماء
إن الوضع خطير أيها السادة جميعاً عرباً وأكراداً وتركمان وآشوريين وسائر الأقليات الأخرى ،وهذا الخطر يهدد الجميع دون استثناء ،ولا يمكن درء هذا الخطر إلا بوحدة القوى الوطنية كافة واتفاقها على القواسم المشتركة التي تحافظ على مصالح الشعب والوطن من خلال إقامة نظام حكم ديمقراطي تعددي فدرالي يضمن وحدة وسلامة العراق أرضاً وشعباً ويزيل المخاوف والحساسيات وانعدام الثقة بين سائر مكونات شعبنا القومية والطائفية والسياسية ،وسن دستور علماني يحفظ الحقوق والحريات العامة ويؤمن الحياة الكريمة لشعبنا ، وتجنب المنزلقات الطائفية والشوفينية التي لن تقودنا إلا إلى الحرب الأهلية والتي لا تجلب لنا إلا الويلات والمصائب التي لا أحد يستطيع أن يحدد مداها .
إننا نتوجه إليكم بندائنا وندعوكم جميعاً قوميات وطوائف وأحزاب ومنظمات بمختلف توجهاتكم وعقائدكم أن تكونوا عراقيين وطنيين ، وتضعوا مصلحة الشعب والوطن فوق كل المصالح الذاتية ،وإن أمامكم خياران لا ثالث لهما فإما الوطنية الصادقة التي تقودنا إلى شاطئ السلام وتحقق لشعبنا طموحاته التي يحلم بها في العيش الرغيد ،وفي ظل عصر من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ،وإما الطوفان الذي سيأتي على الأخضر واليابس ، ويحقق حلم الدكتاتور الأرعن صدام حسين عن تصوره للعراق بعد زوال حكمه [أرضاً يباباً دون شعب] ـ لا سمح الله ـ وستتحمل كل هذه الأطرف مجتمعة مسؤولية الطريق الموصل إلى الهاوية .
إن الأمل يحدونا ونحن نمر اليوم بهذه الظروف العصيبة أن تعي سائر القوى الوطنية مسؤولياتها تجاه شعبها ، وتعي خطورة المرحلة الحبلى بكل المفاجأت ، وأن تدرك أن سعيها لتحقيق مصالحها الأنانية ، وما يمليه عليها ضيق افقها القومي والديني والطائفي لن يقودنا إلا إلى الكارثة التي ستذهب بالجميع دون استثناء .