أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - مصطفى لمودن - مدن صغيرة ومتوسطة أشبه بقرى كبيرة (المغرب)















المزيد.....


مدن صغيرة ومتوسطة أشبه بقرى كبيرة (المغرب)


مصطفى لمودن

الحوار المتمدن-العدد: 2181 - 2008 / 2 / 4 - 08:32
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


إن من يعيش في مدن متوسطة وصغيرة يشعر فعلا أنه يقطن قرى كبيرة، وهي قد توسعت فجأة بفعل الهجرة من البادية، واتساع العمران سواء بمساهمة الجالية المغربية العاملة بالخارج، والتي ارتأى أغلبها منذ سبعينيات القرن الماضي توفير مسكن بأرض الوطن، وفي السنوات الأخيرة توسع العمران كذلك بسبب " طفرة" عائدات المخدرات على البعض، سواء التي تباع في المغرب أو التي تصدر إلى الخارج، ولا ننسى كذلك السعي الحثيث لأغلب المغاربة لامتلاك "سكن" في المدينة، وهذا ما فعله عدد من الفلاحين خاصة الذين تتوفر لهم مداخيل في السنوات المطيرة، أو الذين يمارسون الفلاحة في منطقة سقوية... وساهم كذلك تراكم الأموال في البنوك خلال السنوات الأخيرة وركود عدد من القطاعات الاقتصادية في إيجاد وسيلة لتصريف وتحريك تلك الأموال المودعة من قبل أصحابها من أجل الربح، وذلك عبر تشجيع الدولة لتملك سكن بواسطة قروض بفوائد بنكية أقل( تصل أحيانا إلى ما يقل عن 3%)، خاصة بعد تدخل بعض جمعيات الخدمات الاجتماعية التي تسهر على ذلك لفائدة موظفين ومستخدمين، كما هو عليه الحال بالنسبة لمؤسسة محمد السادس لأعمال الاجتماعية الخاصة موظفي التربية الوطنية والتكوين المهني، حيث فاق عدد المستفيدين 30 ألف منذ انطلاق العملية سنة 2001 (بداية عمل المؤسسة)، وكذلك تشجيع السكن الاقتصادي لعدد من الفئات الاجتماعية، حتى التي ليس لديها دخل قار، رغم أن هذه العملية مازالت تعرف تعثرا.
كل ذلك لم يأت صدفة أو بمثابة منحة كما قد يتبادر إلى الدهن، فقد اعتبر مرارا أن السكن غير اللائق، سواء من خلال البناء العشوائي في ضواحي المدن، أو من خلال مدن الصفيح التي ماتزال موجودة، كل ذلك اعتبر مرتعا لعدد من الظواهر المخلة بالاستقرار الاجتماعي والسياسي... وتعبيرا صارخا على سوء توزيع الثروة الوطنية، ودليلا على الفوضى الإدارية، وضعف الرؤية لدى المسؤولين، حيث يدخل مستوى ونوع السكن في تقييم تقدم الشعوب. ولا يفوتنا أن نسجل العجز الحاصل باستمرار في الوحدات السكنية المطلوبة، مع الغلاء المستمر في الارتفاع بالنسبة لتكلفة البناء، ودخول مجال البناء لوبيات قوية أصبحت تتحكم في العقار، أمام مضاربات خطيرة، قد تهدد الاقتصاد برمته، أمام عجز السلطات الحكومية في التدخل.
لكن السؤال المطروح هو كيف تتوسع المدن؟ وكيف تكبر أخرى وهي تتحول من قرى حقيقة، كانت باعتراف وزارة الداخلية مجرد جماعة قروية، لتتحول إلى " بلدية" كما هو عليه الحال بالنسبة لدار الكداري بإقليم القنيطرة... هل تتوفر هذه المدن على الشروط الضرورية حتى تدمج داخل مفهوم العالم الحضري؟ وكل الإحصائيات السكانية تؤكد الاستمرار في ارتفاع نسبة سكان المدن بمقابل سكان القرى، وهو الأمر الطبيعي والعادي. هل تتوفر هذه المدن على بنية الاستقبال الضرورية، وهل بها الحد الأدنى من شروط التمدن.
إن المدينة الحقيقية هي التي تتوفر على رؤية واضحة، وعلى كل الخطط التي تراعي متطلبات الساكنة لتعيش فعلا في فضاء اسمه المدينة، من ذلك توفير البنية التحتية الأساسية، من شوارع واسعة وصالحة للاستعمال، قنوات التصريف الصحي، المرافق العمومية، من إدارات ومستشفيات ومدارس وأسواق مناسبة وحدائق وملاعب ومنشآت ثقافية وقاعات للتحاور والنقاش ...على الأقل هذا هو الحد الأدنى.
غالبا ما يتم إغفال شروط مساهمة المدينة في الإنتاج، سواء لتحسين مداخيلها أو إيجاد شغل لساكنتها، وهو ما يقتضي توفير الأرض المناسبة لذلك وكل شروط الاستثمار، من توفير الطرق للارتباط بالعالم الخارجي للمدينة (بقية المدن والمناطق، وكذلك الخارج)، وهو ما يدخل في مهام مختلف السلطات والجماعات المحلية، وكذلك شركاء آخرون من القطاع الخاص والمجتمع المدني.
لكن بالنظر لواقع مدننا الصغيرة والمتوسطة نجد أنها استمرار وامتداد للعالم القروي، ليست سوى تجمعا للسكن، تنقصه عدد من الشروط حتى الضروري منها، كما أن البنية الذهنية لغالبية السكان مازالت لم تستوعب بعد معنى السكن في المدينة، جل هؤلاء السكان حديثو عهد بالاستقرار في المدينة، وعدد من هذه "المدن" تعرف جيلين أو ثلاثة على أقصى تقدير من قاطنيها منذ نشأتها أو توسعها الملحوظ، إذ ما تزال ذهنية العالم القروي سارية المفعول، وهنا لا نعني بذلك المفهوم القدحي للكلمة، ولكن فقط عدم استيعاب شروط ومتطلبات التمدن، فيكتفي هؤلاء من المدينة، بتوفرهم على " نعمة" الماء والكهرباء بمنازلهم، والمدينة عند هؤلاء هي فقط مكان واسع به شوارع تجوبها السيارات، ولا حاجة لهم في توفير بقية المرافق، فهم يكتفون بالتسوق على طريقة سكان العالم القروي بالتوجه إلى سوق أسبوعي يقام في الهواء الطلق في غالبية المدن الصغيرة أو متوسطة، يقيمون الأعراس في الشوارع بنصب خيمة تمنع المرور، بعض هؤلاء يحرصون على ما يذكرهم بالقرية عن طريق تملك ماشية أو دواب، يضعون لها زريبة بجانب منازلهم، أو في ركن من البيت، وهكذا لا يجد مثل هؤلاء غضاضة في رؤية مختلف أصناف الحيوانات تتمشى في الشارع، أو بجانب المنازل، تبحث عن غذائها في أصطل القمامة، أو تلتهم ما غرس من نباتات، كما يستعمل عد من السكان في تنقلاتهم العربات التي تجرها الدواب، حتى في المدن الكبرى مثل القنيطرة والدار البيضاء ومراكش، رغم إضفاء طابع جمالي مقبول على بعضها، عندما تقتضي الضرورة السياحية ذلك.
أما الجوانب الثقافية والترفيهية فآخر ما يفكر فيه، أو يُغيّب بالمطلق، حتى أن المجالس البلدية لا تنظر إلى ذلك، ولا تجعله ضمن مجال اهتماماتها، ما دام لا يدخل ضمن مطالب السكان الحيوية، إن كانت لهم مطالب أصلا، وكذلك للمكون الذاتي لهذه الجماعات المنتخبة حيث أنها لا تخرج عن الصفات المشتركة بين عموم الساكنة، وهم على أي لم ينزلوا من كوكب آخر، أو قذفت بهم إحدى الجامعات المختصة، بل ضمنهم كثير من الأميين وأشباه الأميين الذين لم يجلسوا يوما لمحاضرة أو اطلعوا على كتاب، أو يهمهم التفاعل مع قضايا إنسانية مختلفة، غالبا ما تجمعهم مصالح شخصية ورؤية ضيقة، وهذا ما يزيد في تأزيم وضعية عدد من المدن.
غالبا لا يستوعب عدد من السكان القاطنين بالمدن معنى العمل المدني، القائم على التطوع المنظم، من خلال جمعيات مسؤولة، تُعنى بقضايا الحي، كما هو عليه الحال بالنسبة للوداديات، أو تهتم بعدد من القضايا الثقافية والاجتماعية والرياضية والبيئية... نظرا لحداثة مثل هذه المستجدات على ذهنية القادمين من العالم القروي أو المتشبعين بتمظهراته، لكن عندما يتطلب الأمر نوعا من "التضامن" على شاكلة ما كان يقع في العالم القروي، حتى يتحمس الغالبية لذلك، بل يسعون له بتلقائية كالمساهمة في بعض الحفلات العائلية، وما تتطلبه الجنائز ودفن الموتى، بناء دور العبادة، لكن غالبية هؤلاء لا يحركون ساكنا تجاه أمور أخرى كالاهتمام بالمرافق الجماعية الأخرى كالمدارس ودور الثقافة، أو التطوع في المجال البيئي، كالتشجير والمساهمة التطوعية في حملات التنظيف، قد يقول قائل إن ذلك يدخل في اختصاص السلطات سواء الإدارية أو المنتخبة، لكن كل عمل تطوعي لصالح الحي أو المدينة عموما يظل مفيدا ولو على المستوى البيداغوجي وإعطاء المثل للنشء ليتعود على تحمل المسؤولية والإحساس الجماعي بالصالح العام، وكل ما يدخل في الملكية المشتركة، سواء الواقعية كالفضاءات العامة أو الرمزية ذات البعد الثقافي والحضاري.
وحين يتجمع عدد من السكان في رقعة أرضية من أجل السكن فقط بمفهومه الضيق، وحين تقل أو تنعدم شروط التمدن الحقيقي، حيث تعيش الغالبية ضيقا بين الجدران والبنايات الإسمنتية، مما ينعكس سلبا على الوضع النفسي للأفراد، وتتوتر العلاقات الاجتماعية، وتتكاثر ظواهر شاذة كالإجرام، سواء لتصريف مختلف الضغوطات، أو البحث بطرق خطرة عن " مورد" مما يجعل الجميع يطالب بتوفير "الأمن" حسب المفهوم الضيق للكلمة، لحراسة وحماية الناس والممتلكات، ولفض النزاعات والتدخل للإغاثة في حالة الخطر، كما أن الحراسة الخاصة ومختلف تدابير الاحتياط سيتوسع اللجوء إليها، بينما الأمن الحقيقي، المرتبط بالآمان النفسي والاجتماعي والاقتصادي... هو الضروري لصد مختلف الآفات، لكن مثل هذه الأمور قليلا ما يتم الاعتناء بها.
إن القفزة التي يعرفها المغرب على مستوى توسع العمران بالمدن، لا يواكبه بنفس الوثيرة توفير بقية الحاجيات الضرورية للسكان، كما أن غالبية هؤلاء لم يستطيعوا بعد الانتقال على المستوى المعرفي والذهني إلى المجتمع المديني، الذي تنظمه علائق جديدة، تعتمد الإحساس الجماعي بالانتماء لفضاء جديد اسمه المدينة، من ضمن ما يتطلبه ذلك تنوع مؤسسات المدينة في ارتباطها بالجماعة المحلية محور كل حركة وتخطيط وتنفيذ وتنشيط بالمدينة، لكن عدة عوامل سياسية وثقافية أساسا ما تزال تحد من ذلك، فإلى متى ستظل تكبر مدننا في عشوائية مقننة؟هل سنترك ذلك للزمن لتحدث " القفزة النوعية" على مستوى الأذهان والتصورات؟ أم لابد من عامل متدخل لتسريع وتيرة الانتقال دون خسارات كبيرة؟ تكون من آلياته المدرسة والإعلام وتحرك المجتمع المدني ونظرة موضوعية ومسؤولة من قبل كل السلطات... متى ستتحمل كل جهة مسؤولياتها في ذلك؟
( للمزيد من الاطلاع خاصة على السور، يرجى زيارة مدونة يشرف عليها الكاتب، باستعمال الرابط التالي: http://zide.maktoobblog.com/ )



#مصطفى_لمودن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مراجعة أوضاع المراكز الفلاحية (المغرب)
- قرية بن اصميم تحتج من جديد على قرار تفويت الماء (المغرب)
- من قصده إهانة وزير سابق؟ (المغرب)
- من يؤكد سلامة لعب الأطفال في المغرب ؟
- يتهيأ المدونون المغاربة لتأسيس إطار تنظيمي خاص بهم
- عين على مهزلة
- قصة قصيرة: الحيرة
- قصة: تاء التأنيث المتحركة
- تأسيس جمعية العقد العالمي للماء بالمغرب (أكمي المغرب) خطورة ...
- حسين السلاوي، جرأة في التعبير وجدارة في الإبداع (من الفن الم ...
- المعروف على الرصيف!
- اسبانيا تستورد اليد العاملة النسوية من منطقة الغرب (المغرب)
- المعروف على الصيف
- أعمال شاقة وعائد هزيل
- قصة قصيرة: الحيرة


المزيد.....




- وفد إقتصادي تركي يزور غرفة تجارة حلب لأول مرة منذ 13 عاما
- تيراهابتكس النيجيرية لصناعة الدرون تكسب مليوني دولار في عامه ...
- وفد اقتصادي تركي يزور غرفة تجارة حلب لأول مرة منذ 13 عاما
- الإدارة الجديدة في سوريا تصدر لائحة أسعار بيع المحروقات والغ ...
- مديرية الجمارك في سوريا تلغي 10 رسوم أرهقت المواطنين خلال نظ ...
- الإعلان عن إجراءات جديدة في المصارف والجمارك السورية
- موردو قطاع السيارات في أوروبا يعانون.. مأساة تاريخية لصانعي ...
- ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما
- استقرار كميات الغاز المتدفق من أوكرانيا إلى سلوفاكيا
- الكويت.. التضخم السنوي يرتفع خلال نوفمبر الماضي


المزيد.....

- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - مصطفى لمودن - مدن صغيرة ومتوسطة أشبه بقرى كبيرة (المغرب)