|
المغرب بصيغة الجمع
ابراهيم فيلالي
الحوار المتمدن-العدد: 2038 - 2007 / 9 / 14 - 11:38
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
النظام والشعب ،الدولة و المجتمع والأفراد . ما يجمع بين كل هذا ليس قضية معينة من حيث المبدأ ،لأن هذا خليط من المتناقضات . غير أن الشيء الوحيد الذي يجعل ممكنا وجود هذا و ذاك من هذه التركيبة في وحدة التناقض و الصراع هو المجال ،هو الأرض ، هو المكان ؛ هذا الذي يسمى المغرب . كل طرف يفهم هذه الأرض : المغرب بالمعنى الذي تحدده شروط وجوده المادية . فالدولة كأجهزة و مؤسسات و أداة للنظام تفهم المغرب كأمة ، و تدعي تمثيليته والدفاع عنه من موقع طبقي يوفر لها دون غيرها أدوات الإقناع القسري و الإخضاع ،و قبول تمثيلية الدولة هذه رغم أنف الجميع ، لأن الدولة ليست ،طبعا ، فوق المجتمع ، كما لا تمثله قاطبة ، ثم ليست حكما كما نصبت نفسها لطمس حقيقتها . مرادفة المغرب هنا هي المصالح والسلطة ، وفي استمراريتها و ديمومتها يتم التوريث . وحين نقول الوراثة نقول الشرعية التاريخية و التلاحم أو اللحمة و الارتباط المتين ، إلى غير ذلك . إنها ترسانة من المصطلحات و المفاهيم تستحضر ليوجد مغرب معين بالقوة وليس بالفعل . حتى الشعب الواحد لا يخرج من هذا المنطق الوحدوي – يعني المنطق الذي يريد أن يوحد كل الاختلافات و التباينات و التناقضات لتنصهر في شيء واحد هو الأمة ، الشعب ،الوطن ،التاريخ المشترك ...- ولكن المجتمع ليس بالضرورة شعبا واحدا . فهو متعدد الثقافات و الأجناس وكذا الشروط الواقعية الملموسة للحياة .إن اللاتطابق و اللاوحدة هما اللذان يجعلان من الحديث عن شعب واحد مجرد مفهوم سياسي إن لم نقل ديماغوجي . هناك من الأفراد من يردد في أكثر من مناسبة أن تناول قضايا المغرب ، أو المشاكل التي يتخبط فيها ، من زاوية نقدية تسمح بفضح واقعه دون أقنعة ، هو تحامل عليه و اصطفاف إلى جانب خصومه و أعدائه. على هذا الأساس و دفاعا عن المغرب يرفض من يعتقد ذلك أي حديث يسيء له و يمس بسمعته ، ولكن في المقابل نجده يصنف نفسه إلى جانب الشعب و قواه الحية ، دفاعا عن المحرومين و الضحايا والمشردين؟ يلومون السلطات و يعاتبونها ثم يعرضون عليها أنصاف الحلول فيقدمون لها النصائح ...هم لايسعون لتدميرها ، بل يحاولون التقرب منها كي "ينتزعوا" الاعتراف فتبدأ رحلة "تنبيت" الأنياب فيفتتحون كلامهم كعربون صداقة و حسن النية بقولهم " إن الأسلوب الحضاري في الصراع هو الذي سيمكننا من فرض أنفسنا بين الأمم وليس الشغب والخروج إلى الشوارع ،لقد انتهى زمن الايديولوجيات و النظريات الكبرى ، العالم تغير و انتهى زمن الثورات " بهذه اللغة يحصدون بعض الكراسي و فتات هنا و هناك على مائدة آلهتهم ... ما هو المغرب إذن ؟ هل هو مجال جغرافي ؟ أم شعب ؟ أم نظام ؟ أم ماذا ؟ وحين ننتقد ، هل هذا النقد يضر بالشعب أم بالنظام ؟ من في مصلحته تلميع صورة المغرب ، هذا المفهوم الشبح لحد الآن ، ما دام ليست لنا مرجعية واحدة لرؤية الأشياء و تسميتها ؟ كما لا توحدنا هموم و قضايا و طموحات بعينها ، المغرب إذن هو طابو ، و لكن من يرسم حدود القول والفعل ؟ من يملك سلطة البدايات و النهايات ؟ حتى العادات و التقاليد التي نرجعها إلى بنية المجتمع الثقافية ، من يحافظ عليها و يعطيها طابع الديمومة و يحصنها و يقيها من شر التحولات ؟ من في مصلحته أن يبقي الأشياء على ما هي عليه ؟ المغرب مفهوم فضفاض يتسع لأكثر من فهم و تفسير و يشمل أكثر من مجال و لأكثر من شعب. ما يهم هو تبيان كيف نفهم المغرب بصيغة الجمع نحن أبناؤه الحقيقيون ، فيه ولدنا وهو أمنا الحقيقية ، هنا تاريخنا و جذورنا و فيه تكبر آلامنا و أفراحنا و آمالنا و أحلامنا .من يستطيع أن ينكر ذلك ؟ على هذا الأساس لن نقبل أن تتحول هذه الأرض إلى سجون و قبور لنا .كثيرة هي الأشجار التي كبرت فوق قبور أجدادنا الذين ضحوا بحياتهم من أجل أن يبقى المغرب حرا لا يباع و يشترى، و هؤلاء السماسرة الذين انتفخت بطونهم بما تدره عليهم عمليات النهب و البيع و الشراء و التصرف في أرضنا ، هم لقطاء و أوغاد لم تلدهم هذه الأرض في يوم من الأيام ،و ليست لنا أم واحدة ، على هذا الأساس لا يحسون بأي ذنب و لا عقدة ، ولا ضمير لهم حين يجلسون على طاولة الصفقات في فنادق خمسة نجوم أو في قصورهم لتسليم مفاتيح الدخول لكل من هب و دب ... هؤلاء الديناصورات هم الذين يرسمون حدود الحلال و الحرام للقول و الفعل باسم الوطن و المقدسات...هذا هراء، لأن لنا مقدساتنا نحن. فلماذا تدنس كل يوم ؟ مقدساتهم مجرد شعارات و أكاذيب مصطنعة أملتها مصالحهم كأدوات للحفاظ على المال و السلطة و هي تشرعن ممارسة العنف ضد من لا ينضبط و لا يخضع للأمر الواقع و يخرج من القطيع و لايؤمن بالآلهة . أما مقدساتنا فهي حقائق ملموسة : التراب و الأرض المعطاء و الهواء الذي نتنفس فسمموه بمصانعهم ، و الماء الذي يروي أرضنا و عطشنا هو أيضا لوثوه ، والأشجار المغروسة التي قطعوها لخلق مجال للمضاربات العقارية ، والغابات التي من حولنا ينهبونها ، فقضوا بذلك على النباتات و الحيوانات و العصافير ، فهجرتنا . أما تلك التي اختارت أن تبقى معنا فقد سيجوها في محميات و حدائق ، و الباقية روضوها و أدخلوها في ألعاب السيرك ، أما تلك التي تقع خارج هذا و ذاك فسموها وحوش مفترسة و رخصوا للقنا صين باصطيادها ، لتشكل أطباقا لذيذة على موائدهم أثناء الليالي الراقصة المخمورة ، و هذه الوديان التي يمارسون عليها أنواعا من الرياضة لا أعرف اسمها ، و العيون و البحيرات التي خصخصوها و سيجوها لخلق ضيعاتهم ومصانع لتعليب مياه عيونها ...حتى الكلاب التي كانت تحرس قطعاننا حولوها إلى كائنات معدة لتمزيق لحمنا إن مررنا من هنا ، لأننا صرنا في عيونها لصوصا .ولكن من يسرق من ؟ لا نستطيع الذهاب إلى البحر لأن شطآننا اقتحمتها الخنازير ، فغابت عن رمالها الشمس وهربت الأسماك أو خرجت من البحر لتنتحر جماعة لأنها لا تقبل الذل .أما آباؤنا وإخوتنا فقد أصبحوا عبيدا " أحرارا" لبيع أنفسهم إن أرادوا العيش في مستوى الغريزة ، كي يعيدوا إنتاج ذواتهم خدمة لأسيادهم المجرمين . نساؤنا، بائعات الهوى ، مشتتة في فنادق العواصم العربية ، أطفالنا مشردون في الشوارع و جثتا على الرمال في الشمال و الجنوب، جريا وراء حلم مستحيل التحقق في زمن الأوغاد ،يهربون كي لا ينسوا أنهم منسيون هنا ، فيموتون غرقا أو اختناقا أو رميا بالرصاص ...ولكن كما الشهيد غسان كنفاني "... لماذا لم يدقوا جدران الخزان ؟ " .هذه هي مقدساتنا و هكذا يتعاملون معها و معنا ، ويريدون أن ننسى الماضي و الحاضر ،فنجلس لنتفاوض و نتحاور باسم المصالحة ،على أرضية سجودنا للأصنام ، و أن نستبدل مقدساتنا بمقدساتهم ، وندافع على عبوديتنا و رغد عيشهم ، و نؤكد باسم السلم و الأسلوب الحضاري في الصراع على نضجنا و نتفهم صعوبات الظرفية ...لأن حتى الدول العريقة في الديمقراطية و حقوق الإنسان تعرف كيف تحافظ على مقدساتها المعلنة و غير المعلنة. ومن ثمة فالوطن غفور رحيم و الثوبة باب مفتوح ، و للعصيان و التمرد نهاية مأساوية منتظرة . هل لدينا هنا و الآن واقع و مصير واحد ؟؟؟ و ما معنى مغربنا ؟؟؟
#ابراهيم_فيلالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذا الكلام...او معنى سياسي لمفهوم غير صحيح
-
الفنان و الاشهار
-
يقال ان...ا
-
2001 /سبتمبر11/
-
العشق زين وسط الهموم
-
هذا الطريق ...
-
ثقافة الحوار والاختلاف
-
الإنسان و القضية، الإنسان قضية
-
احنجيف -
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|