|
فصيلة الأسئلة المغيَّبة في النقاش حول حرف كتابة الأمازيغية (1)
محمد المدلاوي المنبهي
الحوار المتمدن-العدد: 1998 - 2007 / 8 / 5 - 05:49
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
أولا. طرح المسألة قيل كلام كثير حول حرف كتابة اللغة الأمازيغية، وتدوين متونها الأدبية، وإعداد أدواتها البيداغوجية، من معاجم مدرسية، وكراريس مدرسية ، وكتب قواعد، ومدونات نصوص قرائية وغيرها. وقد تم طرحُ المسألة بشكل مفاجئ خلال سنتي 2002-2003 بمفاهيم وقاموس خطابٍ حادّ، جَعَلَ بعضَ المنابر الصحفية تزايد حينئذ في "التسخين" الصحفي فـتُطلقُ على المسألة "معركة الحرف"؛ وهي تسمية لا تبتعد في الحقيقة كثيراً عن حقيقة الطرح ورُوحه إذا ما نُظر إلى أدواته المفهومية، والاصطلاحية ( معركة ، حرب ، تجييش ...) وإلى نوعية المواقف السُوسْيُو-سياسية التي عمل ذلك الطرحُ على بلورتها وتجذيرها. فقد تميز ذلك الطرح إجمالا بما يلي: ألميزة أ- انعدام طرح الأسئلة المعرفية المتعلقة بالأمر طرحاً جدّياً من طرف من يمتلك الآلة المعرفية المتعلقة بالقطاع، لا مِن طرف من يحترف خطاب الرأى، في حين أن ذلك الطرح المعرفي يعتبر مرحلةً ضرورية، بعد حصول الاستعداد الساسي المبدئي، لقيام التدرُّج من تشخيص جوانب المسألة لسانيا وتربويا وتقنياً واجتماعياً وهوياتيا، نحو بناء تصورات جامعة ملائمة لجوهرها وأعراضها قصد التخطيط، في الزمان والمكان، لمعالجة الأمر في علاقته بالإنسان المغربي في صيرورة ظرفيته ومرحليتها من جهة، وفي أفق مستقبله، وطموحاته، وإمكاناته، من جهة ثانية. وفي هذا الباب يقول المناطقة: "الحكمُ على الشيء فرعٌ من تصوُّره"؛
الميزة ب - سيادة المواقف الإطلاقية، المبنية على مجرد شعاراتٍ تُقدَّم كبديهيات لا تحتاج إلى تأسيس عقلاني، ولا إلى تبرير ظرفي- تاريخي، ولا إلى آلية سوسيو-اجتماعية، وسوسيو-تربوية، لإدراجها إدراجا ملموسا في أرضية الواقع الزمكاني المغربي الملموس؛
الميزة ج - جنوحُ الأطراف المنخرطة في الحلبة نحو الاتهامات ومحاكمات النيات انطلاقا من عقلية المؤامرة كأسلوب لفرض الشعارات، ولإضفاء المشروعية على المسلمات المقدَّمة كبديهيات.
من بين مظاهر المواقف الشعارية الإطلاقية ما تمّ من انشطار بشأن مسألة الحرف - بعدما رفعـتـْها المُهارشةُ الداخلية بين بعض فصائل الحركة الأمازيغية نفسها إلى مستوى شعارٍ، بل معركةٍ - إلى مواقفَ إطلاقية ثلاثة، لا جسور بينها بالرغم من تقلُّب موازين قواها الضاغط بسرعة، لا على أساس تقدُّمٍ في إنجاز التشخيصات المعرفية، ولكن بناء على تنجيمات التقديرات التاكتيكية السياسوية. إنها المواقف الثلاثة الآتية: - موقف الانتصار للحرف اللاتيني، هُنا، والآن، وإلى الأبد، وعلى سبيل الحصر والإقصاء؛ - موقف الانتصار للحرف العربي، هنا، والآن، وإلى الأبد، وعلى سبيل الحصر والإقصاء؛ - موقف الانتصار لحرف +تفيناغ، هنا، والآن، وإلى الأبد، وعلى سبيل الحصر والإقصاء.
وإذا كانت "معركةُ الحرف"، كما سنرى، قد دُشّنت، أولَ ما أُعلِن عن قيامها، كمعركة داخلية بين بعض نشطاء الحركة الأمازيغية أنفسهم، فإن جذوتها ما لبثت أن اجتذبت إليها أطرافاً أخرى، وهو أمرٌ يقتضي بيانُه الرجوعَ شيئا ما إلى الوراء. فلقد كانت هناك فترةٌ من الذُهول استبدَّتْ إلى حين بفصائل النخبة الثقافية والسياسية التقليدية في المغرب، تفاوتت حِدّتُها حسبَ مواقع تلك الفصائل على الطيف السياسي-الأيديولوجي، وذلك على إثْر صدور الظهير الملكي المؤسس للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بأجدير يوم 17 أكتوبر 2001، الذي تقدَّمتْ من خلاله المؤسسة الملكية، مُفَعِّـلَـةً للفصل 19 من الدستور، وذلك لِملْءِ الفراغ الذي كان قد أصبح مُخيفا في حقل من الحقول الحساسة مما عَجَزَتْ تكل النخبةُ عن تدبير أمره وإنتاج مضامين فكرية بشأنه، والتقدم فيه بمشاريع في التدبير اللغوي والتربوي والاجتماعي، وفي الفلسفة والأدب تبلغ من الإقناعية والكفاية ما يضمن تأطير المواطنين سياسيا وأدبيا حوْلَها وحول غيرها من أوجه الشأن العام؛ وذلك على الرغم من احتدام التحولات المتلاحقة بشأن هذا الحقل وطنياً ("البيان الأمازيغي" مثلا)، وجهويا (الانتفاضة الثانية بمنطقة القبايل بالجزائر)، وعالميا (نظام العولمة، والنظام العالمي الجديد، منعطف 11 سبتمبر 2001، بروز الهويات عبر العالم، الكونغرس الأمازيغي، الخ.)، وعلى الرغم من سلسلة من "الإشارات" والدعوات التي ما فتئت المؤسسة الملكية وُجِّهَتْها في هذا الباب إلى النخبة السياسية على الخصوص داعيةً إياها إلى تأهيل نفسها سياسيا ومعرفيا فيما يتعلق بهذا الملف؛ وأبرز تلك الإشارات والدعوات الخطابُ المكلي ليوم 20 غشت 1994 الذي دعا فيه الملك الراحل الحسن الثاني لأول مرة إلى العناية باللغة الأمازيغية. ولقد دُشِّنَتْ تلك الفترةُ من الذهول السياسي والشرودِ الإعلامي للنخبة السياسية بهروب نحو الإمام للتركيز على أحداث ديبلوماسية هي هامشية بالقياس إلى حجم الظهير (رحلة الوزير الأول مثلا إلى آسيا) في تنكُّر وإنكار عجيبين لذلك الحدث التاريخي المتمثل في ظهير أجدير، بل حتى للأنشطة الرمزية (إعادة الاعتبار إلى البادية والهامش) التي أعقبت إصدار الظهير، كماراطون الزيارات الملكية إلى الوسط والجنوب الشرقي وسوس؛ وهو أمرٌ سبقَ لي أن لفتْتُ الانتباه إليه من خلال مقالٍ لي بكل من أسبوعية "المستقل الأسبوعي" (3 ديسمبر 2001) و يومية "الأحداث المغربية" (5 ديسمبر 2001) تحت عنوان "لُعبة الحدث واللاحدث في غمرة ما حدث". فلا أحد من "المحللين" المحترفين قد تناول ذلك الحدث، لا من الوجهة الدستورية - مع أنه كان قد كثر الحديث مع ذلك عن الفصل 19 من الدستور - ولا من ناحية الدلالات السياسية، ناهيك عن الدلالات الحضارية والثقافية. لقد انتصرت ثقافةُ "المسكوت عنه" بامتياز من جديد في معالجة القضايا بــ مؤامرة الصمت". ثم لقد تعمّقتْ هذه الحالةُ من الذهول لدي النخبة فأخذت تتحوّل إلى توجّسٍ، فحَذَرٍ، فحسابٍ، بمقدار ما كانت تلُوح في الأفق الاستحقاقاتُ الانتخابية التشريعية لخريف 2002 بما كانت تحبـِـلُ به التخمينات بشأنها من تحالفاتٍ ومواقف، مما جعل بعض أطراف الأمازيغية ينساق مع فهمٍ خاص لمبادرة ظهير أجدير، فيعتقد أن الحركة الأمازيغية في عمومها أصبحت سياسيا سيدة الموقف بمقاييس موازين القوى فيما يتعلق على الأقل بالحسم الاختيارات الكبرى للمسألة الثقافية، وما يُنتظر - في تقديرات تلك الأطراف - أن يترتّب عن ذلك الوضع من ترتيبات، وإعادة ترتيبات سياسية، خصوصا باعتبار الطابع الانتقالي القائم حينئذ على صعيد إعادة هيكلة مؤسسات الحكم بين عهدين. ويُعبـِّــر عن هذا الفهم الخاص لدلالة ظهير أجدير، وللمعهد الملكي المنبثق عنه ما وَرَدَ مثلا، وليس على سبيل الحصر، في تدخل للأستاذ أولحاج، عضو المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، خلال ندوة نظمتها الشبكةُ الأمازيغية بمقر الاتحاد المغربي للشغل بالرباط يوم 19 أكتوبر 2002، حيث أشار ذلك الأستاذ إلى أنه، أمام تراجع القدرات التأطيرية للأحزاب التقليدية في اعتباره وتقديره، وبروز حركتين فتيّتين، في تقديره كذلك، ألا وهما ما أسماه بــ"الحركة الظلامية" من جهة و"الحركة الأمازيغية" من جهة ثانية، وبالنظر إلى توافق ظرفية كل ذلك مع مُنعطَف الحادي عشر من سبتمبر 2001 من جهة، بما تولَّد عنه من قيود دولية جديدة، ومع ما يفرضه الانتقال من عهد إلى عهد على مستوى المؤسسات بالمغرب من جهة أخرى، فإن ظهير أجدير وما تأسس عليه يندرج، حسب تحليل ذلك الأستاذ، في إطار تحالفٍ ضمني للمؤسسة الملكية مع الحركة الأمازيغية، ومراهنة تلك المؤسسة على القدرات التأطيرية لتلك الحركة (انظر أسبوعية "الصحيفة" عدد 30 أكتوبر 2002؛ ص 32 وكذلك جريردة "التجديد"، عدد 21 أكتوبر 2002، ص3). ويؤكد عضو آخر من أعضاء نفس نفس المجلس الإداري للثقافة الأمازيغية، ألا وهو الأستاذ بودهان، هذا الفهم الخاص لدلالة الظهير ولوظيفة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حين قال مؤخراً، في سلسلة ما أطلق عليه "معركة الحرف"، التي لن تُكْسَبَ إلا باعتماد الحرف اللاتيني حَسَبَ اعتقاده، ما يلي: "وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن أحد أهداف إنشاء المعهد هو إقامة نوع من المصالحة بين الحركة الأمازيغية والمؤسسات الرسمية، تلافيا لاشتداد التوتر بينهما وتجنُّبا لأي تجذير وتسييس للمطالب الأمازيغية، فإنه لن يكون منطقيا ولا مفهوما أن يحاول أصحابُ الحلّ والعقد فرضَ حرفٍ رَفَضَتْه الحركة الأمازيغية (...) لأن ذلك سيعني العودة إلى التوتر والصراع بين الحركة الأمازيغية والمؤسسات الرسمية، وهو ما يتناقض مع أهداف المعهد التي ترمي، من بين ما ترمي إليه، إلى التهدئة وتلطيف الأجواء بين الحركة الأمازيغية والمؤسسات البرسمية" (شهرية "تاويزا"، عدد 69، يناير 2003).
إن هذا الفهم الخاص جدا للدلالات السياسية والثقافية والحضارية للظهير عامة ولوظيفة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية خاصة، الذي لم يكن في الحقيقة في حد ذاته سوى أداة واحدة من بين الأدوات المتعددة الممكنة بمقتضى روحُ ديباجة الأسباب المُوجِبَة للظهير نفسه، بما كان يلوح في أفق ذلك الفهم من ترتيبات وإعادة ترتيبات محتملة هُو ما جَعَلَ بعضَ أطراف الحركة الأمازيغية يُدشّنـون، في غير قليل من الاستعجال والتهافت، مرحلة تصفية التناقضات الداخلية الضيقة، على المستويات الشخصية، والزعامية، والتنظيمية والجهوية، مُعَبِّرين عنها بمزايدات في المبادئ والشعارات، على شكل اتاهامات متبادلة بالتخوين تارة، وبالتكسُّبِ بالأمازيغية تارة أخرى، كما تجلّى ذلك من خلال الحملة التي شُــنّــَــتْ طيلة عدة أشهر على المشاركين في تجربة MEDERSATCOM للتعليم الخاص للأمازيغية بالوسط القروي الممولة من طرف مؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية والتي كانت قد انطلقت في أكتوبر 2000 (أنظر شهرية العالم الأمازيغي، عدد 25؛ 05 أكتوبر 2002، فيما يتعلق بهذه المدارس).
غير أنه ما لبثت أن وضعت المعركةُ الانتخابية أوزارها، بما رافقها من فتور، وما أسفرتْ عنه من انهزام من انهزم، أو انتصار من ظن أنه قد انتصر، حتى انخرطت أطراف أخرى في جبهة "معركة الحرف" التي كان قد دَشَّن معركتها بعضُ نشطاء الحركة الأمازيغية فيما بينهم وخارج اللعبة الانتخابية كما أسلفنا، ليجدوا أنفسهم في النهاية، وبعد انتهاء أطوار تلك اللعبة، في مواجهة أطراف سياسية أخرى قد مَرَّ عليها حينٌ معتبرٌ من الدهر وما يكفي من الأحداث والاستحقاقات، ليجعلها تَخْرُجُ من ذهولها ومن حَرَجها المتولد عن الصدمة المفاجئة لظهير أجدير، مُراهِنةً في خروجها ذاك على مجرَّد تَقادُم الأمور، وقِصَر ذاكرة الجمهور. فلقد تعزّزت "جبهة الحرف العربي" باعتباره لا بديل عنه، هنا والآن وإلى الأبد وعلى سبيل الحصر والإقصاء، وهي الجبهة التي كانت أضعف الجبهات من حيث "موازين القوى" في ساحة النقاش حول الأمازيغية، وذلك ببروز مفاجيء لـــ"حوالي 65 جمعية أمازيغية وتنموية" حسب تعبير وتقدير جريدة "التجديد" (في عددي 24، 25 أكتوبر 2002). وبين عشية وضحاها تتمكَّنُ تلك الأرمادا من الجمعيات من الإمكانيات التنظيمية واللوجيستيكية الضرورية لإصدار بيان مشترك موجّه للرأي العام الوطني بتاريخ 22 أكتوبر 2002 ردّاً على ما عُرف بـــ"بيان مكناس" الذي لم يكن قد صدر إلا قبل أسبوعين من ذلك (أي 05 أكتوبر 2002) والذي تدعو من خلاله مجموعة من الجمعيات الأمازيغية إلى اعتماد الحرف اللاتيني على سبيل الإطلاق والحصر كذلك. هذه "الجمعيات الأمازيغية والتنموية" المضادة لبيان مكناس، لم يحتفظ التاريخ مع ذلك بأي ذكرى عن "أمازيغيتها"، لا كمنشورات أو أنشطة ثقافية أيامَ العمل الجدّي الصامت في الأعماق خلال الستينات والسبعينات والثمانينات حينما كان الاهتمام بالأمازيغية على المستوى الثقافي والإعلامي من باب التشويشات الشاذة والمشبوهة إزاء ما كان رائجاً ونافقاً من القيم االثورية الأممية، والاشتراكية، والقومية العربية، وحينما كان الاشتغال بها، لغةً أوأدباً على المستوى الأكاديمي، يُعرِّض صاحبه لسلسلة من المضايقات المهنية تستمر عواقبها طيلة العمر المهني، ولا كمواقف وبيانات في أي محطة من محطات مسيرة الحركة الثقافية الأمازيغية (تأسيس الجمعيات ابتداء من الستينات، ميثاق أكادير، مجلس التنسيق، البيان الأمازيغي، ظهير أجدير، إلخ.) إلى أن صَدَرَ عنها بيانُها الموثّق في الزمان (22 أكتوبر 2002) والمجرَّدُ عن المكان (؟) في إطار تنسيق وطني لم توضَّح بعدُ للرأي العام الوطني لا إحداثياته الزمكانية ولا أسُسُه التنظيمية والقانونية.
فما الذي سهل مأمورية هذا التأهيل السريع للخروج من لحظة الذهول، ثم التوجُّس، فالحذر، فالحسابات السياسوية، نحو الانتقال إلى الهجوم، وإلى الكرِّ بعد الفرّ ؟ إن ما سهل ذلك هو بالضبط ذلك الفهم الخاص من طرف بعض نشطاء الحركة الأمازيغية لرسالة ظهير أجدير، ولوظيفة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مما سبق أن أشرنا إليه اعتماد على نماذج من الأقوال المنسوبة إلى أهلها. لقد استدرج الترويجُ لذلك الفهم تلك الفئة من النشطاء إلى فخِّ اعتبارِ هياكل وأجهزة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية نهايةَ المطاف بالنسبة لكل أشكال التعبئة والنشاط والمساهمة الفعّالة على طريق التقدم نحو إنعاش الأمازيغية مع يرتبط بذلك من إعادة توازنات الشخصية الوطنية، وإلى اعتبار هذه المؤسسة حلبة أخيرة لكل الرهانات الممكنة (أنظر مقالا الأستاذ بودهان بجريدة "تــاويز" عدد 69، يناير 2003 بعنوان "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية: الرهانات والحسابات"). ويترتّب بالضرورة عن هذا الفهم - وفي إطار التحالف السياسي، المفترض حسب نفس الفهم - أن يُختزَلَ العملُ الجمعوي الأمازيغي أكثر فأكثر في التصرف كمجرّد جماعات ضغطٍ متنوعة وفي مستويات مختلفة إزاء هذه المؤسسة بما يُعتقدُ بأنه قد أوكل إليها من دور سياسوي خارج-دستوري (extraconstitutionnel)، وما يترتب عن هذا الدور التآمري المزعوم من إعادة توزيع، وإعادة انتشار مصادر النفوذ على مستوى الموارد البشرية الفردية والشرائح والفئات والجهات. إنه تصرُّفٌ خاص تجاه مؤسسة المعهد، ليس باعتبارها مؤسسة أكاديمية طال انتظارها ويتعيَّنُ تكميلها بإنجازات مكملة في ميادين أخرى كالتعليم والإعلام والإدارة وغيرها، ويُنتظرُ منها العملُ حسب الشروط الأكاديمية على إعداد التشخيصات والتخطيطات الإنجازية العملية في الميادين المحدَّدة لها بحُكم النصوص المؤسسة، ولكن باعتبارها مجرّد ذراعٍ وواجهة سياسية متقدّمة، القصد منها تصريفُ عناصر صراعٍ وتدافعٍ ليسا على كل حالٍ مِنْ صميم الاجتهادات المعرفية المتعلقة بأساليب إنعاش اللغة والثقافة الأمازيغيتين في ظرفية تاريخية واجتماعية معينة، وفي أفق طموحات وطنية منفتحة على مستقبل أغنى من الخطاطات الأحادية التي سادت حتى الآن. فبدلا من التنجيمات السياسية لأسباب النزول، و من محاولاتِ قراءاتٍ جفرية لماورائيات ديباجة بيان الأسباب الموجبة للظهير المحدث للمعهد الملكي، يجدر الوقوف على ما تقوله النصوص المنظمةُ لهذه المؤسسة بخصوص ما له علاقة بمسألة الحرف، التي استقطبت فجأةً كلَّ الاهتمامات والمواقف، وتحولت إلى أساس للشعارات الإطلاقية الثلاثة السابق ذكرها. فمن بين ما ورد في ديباجة بيان الأسباب الموجبة للظهير المؤسسة النقطُ المختارةُ الآنية مرقمةً بأرقامها داخل تلك الديباجة ما يلي :
- " واقتناعا من جلالتنا الشريفة بأن الاعتراف بمجمل الإرث الثقافي واللغوي لشعبنا يُقوِّي الوحدة الوطنية ويعزّزُ هُويتنا" (النقطة 3)؛
- " واقتناعا من جلالتنا الشريفة بأن تدوين كتابة الأمازيغية سوف يسهّل تدريسها وتعلُّمها وانتشارها ويضمنُ تكافؤ الفرص أمام جميع أطفال بلادنا في اكتساب العلم والمعرفة، ويساعد على تقوية الوحدة الوطنية" (النقطة 7)؛ - " وحرصا منا على ضرورة إعطاء دفعة جديدة لثقافتنا الأمازيغية باعتبارها ثروة وطنية تشكل مصدر فخر واعتزاز لجميع المغاربة، قررنا أن نحدث بجانب جلالتنا الشريفة، وفي ظل رعايتنا السامية، مؤسسة يُعهد إليها بالحفاظ على هذه الثقافة والنهوض بها وتعزيز مكانتها في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني وكذا في الشأن المحلي والجهوي" (النقطة 8).
ومن بين أوجه وقـُـبُـل النشاط والعمل الثمانية التي كُـلـِّفَ المعهدُ بالقيام بها بمقتضى المادة الثالثة من الظهير، في أفق الاضطلاع بالمهام المسندة إليه، نُورد النقط الرابعة والخامسة والسابعة من هذه المادة.
(النقطة 4) : "دراسة التعابير الخطية الكفيلة بتسهيل تعليم الأمازيغية عن طريق: - "إنتاج الأدوات الديداكتيكية اللازمة لتحقيق هذه الغاية، وإعداد معاجم عامة وقواميس متخصصة"؛ - "إعداد خُطط عملٍ بيداغوجية في التعليم العام وفي جزء البرامج المتعلق بالشأن المحلي والحياة الجهوية؛ وكل ذلك بانسجام مع السياسة العامة التي تنهجها الدولة في ميدان التربية الوطنية"؛
(النقطة 5) : "الإسهام في إعداد برامج للتكوين الأساسي والمستمر لفائدة الأطر التربوية المكلفة بتدريس الأمازيغية والموظفين والمستخدمين الذين تقتضي مهنتهم استعمالها (... إلخ)
(النقطة 7) : "البحث عن المناهج الكفيلة بتعزيز وتشجيع مكانة الأمازيغية في مجالي التواصل والإعلام".
إن الملاحظة العامة حول طبيعة المهامِّ الموكل أمرُها للمعهد بمقتضى الفقرات السابقة من الظهير - بما في ذلك مسألة الحرف - أو ما عَبَّرَ عنه الظهيرُ، مستعملا صيغة الجمع، بـ"التعابير الخطية الكفيلة بتسهيل تعليم الأمازيغية"، مع ما يتعلق بهذه المسألة من إشكالات تربوية وسوسيولغوية وتواصلية، هي أن تلك المهام تطرحُ كلها دون استثناء أسئلة معرفية في الحقول العلمية المعنية، ولا يصحُّ، للبتُّ في أمورها، مجرّدُ إرادات سياسية مبنية على محض الرأي العام أو الخاص بناءً على تقديرات موازين التدافع السياسي للظرفية المعطاة. ولهذا فإن الظهير المؤسس للمعهد قد تصوّر هذه المؤسسة لا كهيئة سياسية لرفع توصيات فضفاضة وإعلان مبادئ شعارية، ولا كعُلبة لضبط وتوضيب أصوات التدافعات الأيديولوجية والسياسية، إذ أن ذلك يتناقض مع ما أكد عليه الخطاب الملكي المؤذن بإصدار الظهير من "أنه لا يمكن اتخاذ الأمازيغية مطيةً لخدمة أغراض سياسية كيفما كانت طبيعتُها" نظرا لكون "الأمازيغية، التي تمتدُّ جذورها في أعماق تاريخ الشعب المغربي، هي ملكٌ لكل المغاربة بدون استثناء"، ونظرا لكون قرار إصدار الظهير المؤسس والمنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية "ينطوي على دلالات متعددة، تسمو بمغزاها على موضوع القرار ذاته"، كما يضيف الخطاب.
لقد تصور الظهيرُ المعهدَ إذن، خلافا لكل تنجيمات وجفريات الشطحات السياسوية التي تدفع به في اتجاه آخر، كهيئة أكاديمية تقترحُ برامجَ بحثٍ سنويةً وما فوق-سنوية (المادة السابعة) تُفتحُ بمقتضاها أوراشُ العمل الأكاديمي بعد المصادقة على تلك البرامج من طرف مجلس إداري هو من حيث الروح والمبدأ بمثابة مجالس شيوخ المؤسسات الأكاديمية العريقة (Seant)؛ وبذلك تنطلق أشغال الدراسات والتشخيصات والتقديرات الميدانية والتخطيطية على أيدي الخبراء المتخصصين بحكم التكوين والتجربة الطويلة لا بمفهوم الهواية، حتّى يتسنّى اتخاذُ القرارات التخطيطية على المستويات الإدارية والسياسية بعد ذلك على ضوء معطيات الدراسة لا على مُجرَّدِ الرأي والهوى. ومن أجل ذلك فإن هيكلة المعهد تتضمن بمقتضى النصوص طاقما من الخبراء والمتخصصين يباشرون عملهم في البحث بمقتضى عقود لمُدَدٍ محدَّدة، أو يوضعون رهن إشارة المعهد من قبل مؤسسات التعليم والبحث التابعة للقطاع العام لمدد محدَّدة أيضا(المادة 16 من الظهير). فما هي إذن أهم الأسئلة المعرفية الكبرى التي تطرحها النقطة الرابعة من المادة الثالثة من الظهير، والمتعلقة بمسألة حرف كتابة الأمازيغية مما تَمَّ حولَهُ الاستقطابُ في الشارع في صيغة ما أطلق عليه "معركة الحرف"؟
ثانيا. الأسئلة المغيّبة من النقاش حول الحرف:
إذا تم الانطلاق من المُعْطى المتمثل في وجودِ ثلاثة اختيارات في الساحة السوسيو-ثقافية فيما يتعلق بحرف كتابة اللغة الأمازيغية، أمكن طرحُ بطارية من الأسئلة المعرفية الممكنة، أهمها:
(سؤال 1) : على أي أساس يُطرَحُ الاختيارُ بين الأحرف، اللاتيني: والعربي، والتيفيــناغ، طرحا إطلاقيا وإقصائيا؟ أليس هناك خيارات أخرى ممكنة تأخذ الظرفية والتطور والمرحلية الزمكانية بعين الاعتبار؟ (سؤال 2) : حينما يُنظر في هذا الحرف أو ذاك في حدّ ذاته، ما هي إمكانياته الذاتية، محسوبةً محصاةً بالنسبة له كما هو عليه في الاستعمال في بابه ودون أي تعديل يُدخل عليه، وذلك من حيث توفيره لأكبر قدر ممكن من صُور الحروف المطابق نطقها لأصوات اللغة الأمازيغية الفصحي الثلاثة والثلاثين، حسب استعمال النظام التعليمي المغربي لذالك الحرف؟ ذلك أن معظم القيم النطقية للحرف اللاتيني مثلا تختلف حسب تقاليد الأملائية الفرنسية أو الإنجليزية أو الألمانية أو الاسبانية المستعملة (القيم النطقية مثلا لكل من /v/، /w/، /z/ /s/، /ch/ /sh/ /sch/ /j/، وغيرها في الإملائيات المذكورة). فالحرف اللاتيني مُؤوّلٌ في النظام التعليمي المغربي الأساسي حسب القيم التأويلية للإملائية الفرنسية، وليس حسب تأويله في الإملائية الألمانية حيث يُؤوَّلُ الحرف /s/ زايا، والثنائي الحرفي /ch/ خاء مثلا، والثلاثي الحرفي /sch/ شيناً مثلا، أو في الإملائية الايطالية حيث يُؤَوَّلُ حرف /c/ المسكور شيناً مركَّبة، أو الإملائية الإسبانية حيث يُؤَوَّلُ حرف /j/ خاءً، وحرف /z/ ثاء، على سبيل المثال. كما أن الحرف العربي مثلا مؤوَّلٌ في المدرسة المغربية حَسَبَ قيم استعماله في تدوين العربية الفصحى، وليس حَسَبَ القيم الصوتية لتأويله في تدوين الفارسية أو الأردية مثلا أو حتى النطق المصري للعربية (مثلا: /ث/، /ذ/، /ظ/، /ج/، الخ). وبعبارة أخرى نقول:
إذا كانت كتابة الأمازيغية الفصحى المشتركة الحالية تتطلب من حيث نظامها الصوتي لائحة من 33 حرفا تستغرق كافة أحرف الحلق، وكافة أحرف التفخيم الموجودة في العربية، وتزيد عليها الزاي المفخمة، والراء المفخمة (والجيم المفخَّمة)، وإذا كان الأساس الأبجدي العربي، كما هو مؤول في استعماله العربي بالمغرب، يوفّر من هذه اللائحة 25 حرفا صامتا (زيادة على توفره، من باب الكماليات، على الظاء والذال والثاء الموجودة، على مستوى التلفظ لا التقدير، في بعض أوجه الأمازيغية، وغير اللازمة في كتابة الأمازيغية المشتركة الفصحى)، وإذا كان الأساس الأبجدي التيفيناغي الأصيل يُوفّر من تلك اللائحة 22 حرفا على غرار الأساس الكنعاني من فيـنيـقي، وبونيـقي وعبراني وآرامي، وكان الأساسُ الأبجدي اللاتيني، حََسَبَ عادات تأويله الفرنسي (تأويل حرف /j/ مثلا جيما مغربية وليس ياء ولا خاء)، يوفر من ذلك 16 حرفاً صامتا، فما هما الكلفتان، الكلفة التقنية (برمجة أنظمة الحروف، صناعة ألواح المفاتيح... إلخ) والكلفة التربوية (تعلُّمُ أشكال أو تأويلات "الأحرف الروادف" الملحقة أو المعدَّلة، أو تغيير تأويل حَرفٍ معيّن حَسَبَ الاستعمال الجديد)، اللتان يكلِّفهما اعتمادُ الحرف المعين من هذه الأحرف الثلاثة كأساس لتهيئة نظام ملائم لكتابة الأمازيغية في إطار النظام التربوي المغربي؟
تانك الكلفتان يمكن حسابهما حسابا ملموسا وصوريا على شكل جداول موازنة ومفاضلة - وليس تقديرهما تقديرا جزافيا دمغيا - وذلك باعتماد نقطة سالبة على المستوى التربوي، ونقطة سالبة على المستوى التقني، لكل حرف ناقص في الأساس الأبجدي المعين (انظر نموذجا لهذا الحساب في بحثنا المعنون بــ "نحو تدوين الآداب الشفهية المغربية في إطار الحرف العربي الموسع"). (2) (سؤال 3) : انطلاقا من الواقع السوسيو-لغوي الراهن في المدرسة المغربية، والذي يشكل أيُّ تغيير ممكن له في هذا الاتجاه أو ذاك مسألة أجيال وليس مسألة سُداسي معيّن، أو دخول مدرسي معيّن، أو ولاية حكومية معينة، والذي يتميز تربويا بازدواجية في الحرف (Bigraphie) يتمثل طرفاها في الحرفُ العربي والحرفُ اللاتيني، يتعين التساؤل عمّـا هي الانعكاسات التربوية، والسوسيولوجية، الممكن حصولها على مستوى أداء المدرسة المغربية العمومية، وعلى مدى ثقة شرائح اجتماعية معينة من ذوات الإمكانيات المتوسطة والعالية في هذه المدرسة إذا ما أضيف حرفُ ثالث إلى المنظومة التربوية الأساسية باعتباره مند البداية حرفا وحيدا وإلزاميا لكتابة اللغة الأمازيغية التي ينتظر أن تحتل مكانتها في هذه المدرسة؟ ألن تترتّب عن هذا الأمر تعقيداتٌ تربوية تذهبُ بما بقي من ثقة شرائح اجتماعية كثيرة بالمدرسة العمومية، وتجعلُ الضحية من جديد هُم سُكّان الجبال والبوادي النائية وسكان هوامش المدن ممن لا يقوون على متطلبات اختيار التعليم الخاص الممهّد للتعليم العالي فيما وراء البحار والمحيطات كما فعل جيل سابق موازاة مع شعارات التعريب والتوحيد والمغربة و التعميم، وكما يمكن أن يفعل جيل آخر اليوم بموازاة مع شعارات أخرى طنانة، في تناف تام مع مقصدية وغائية ما ورد في النقطة السابعة من ديباجة الأسياب الموجبة لظهير إنعاش الأمازيغية من أن "تدوين كتابة الأمازيغية سوف يسهّل تدريسها وتعلُّمها وانتشارها ويضمنُ تكافؤ الفرص أمام جميع أطفال بلادنا في اكتساب العلم والمعرفة، ويساعد على تقوية الوحدة الوطنية ". (سؤال 4) : ماهو الحرف الذي يضمن أكبر حظ من التحويل البيداغوجي للمعرفة الكتابية (أي المعرفة البصرية والمهارة الحركية المتعلقتين بصور وأشكال حروف معينة، والمعرفة التأولية بقيم تأويلها الصوتي) تحويلا بيداغوجيا مربحا من دروس لغة معينة إلى دروس لغة أخرى من لغات المنظومة التعليمية المغربية للجيل الحالي؟ فإذا ما حصَّل المتعلمُ مثلا المهارة الكتابية، واكتسب الملكة القرائية للأحرف العربية (/غ/، /ق/، /ع/، /ح/، /هـ/، /ض/، /ط/، /ص/، /ش/... إلخ) مثلا، إما في دروس العربية، وإما في دروس الأمازيغية، أمكن نقلُ هذين الوجهين من المعرفة إلى اللغة الأخرى من بين هاتين اللغتين دون أي مجهود تربوي إضافي. فالذي تعلم أن يكتب وأن يقرأ الكلمات العربية، /غاض/-/يغيض/، أو /ضاق/-/يضيق/، أو /ضرّ/-/يضرّ/ في دروس العربية، ستمكنه نفس العدة المعرفية من كتابة وقراءة كلمات أمازيغية من قبيل /اغاض/ "ماعز"، أو /اقوضاض/ "قصير"، أو /اضار/ "رٍجْلٌ") في دروس الأمازيغية دون مجهود تربوي إضافي. والعكس صحيح في حالة الانطلاق في مثل هذه الأمثلة من درس الأمازغية إلى درس العربية. هذا القبيل من النقل في مثل هذه الأمثلة غير متوفر فيما بين الفرنسة والأمازيغية في حالة اعتماد الأساس اللاتيني، الذي لا يتوفر على ضاد /ض/ تتميز عن الدال /د/، ولا عن قاف /ق/ تتميز عن الكاف /كـ/، والذي لا يتوفر، في تأويله الفرنسي السائد في المدرسة المغربية، على غين /غ/ تتميز عن الراء /ر/. (سؤال 5) : إذا ما أخذ الواقع السوسيولغوي المغربي القائم، بعين الاعتبار، والذي أنتج أجيالاً وشرائح تتفاوت في قدراتها الكتابية والقرآنية بحُكم نوعية التكوين والتربية، كما تختلف في الأدوات والحوامل الألفبائية التي تعوّدَتْ عليها بحكم نفس الظروف، فما هو الاختيار الحرفي، الواحد الأحد، أو الاختيار الثنائي أو الاختيار الثلاثي التعددي المكيف حسب الظرفيات الانتقالية الزمكانية، الذي من شأنها أن يضمن للأمازيغية أسْهلَ سُبُل التعلُّم والانتشار، وأوسعَ الحظوظ التواصلية والإعلامية مع الشرائح التي تجاوزت سن التمدرس واستقرت عاداتها القرائية والكتابية، وخُتِــمَ على استعداداتها في هذا الباب، سواءٌ أكانت متعلمة، أم كانت نصف متعلمة في البوادي، وفي القطاعات الحرفية، والتجارية، وفي قطاع التعليم العتيق بالبادية، أم كانت محتاجة إلى برامج لمحو الأمية يتوقّف نجاحُها على حُسن استعمال ما يتماشى مع الاستعدادات الشعبية في ما يتعلق برمزية الحوامل الكتابية وبمدى انتشارها هنا والآن في المحيط العام الذي من أجل تيسير الاندماج فيه تُستدرَك برامج محو الأمية بالنسبة لشرائح معينة؟ فما فائدة محو الأمية بالنسبة لجيل معين بحرف لا وجود له في محيطه. (سؤال 6) : ما هو الاختيار، الأوحد أو التعددي، الذي من شأنه، أن يضمن التواصل مع تراكمات سابقة مهمة كانت قد تمت في ميدان تدوين الأمازيغية سواء في القرون الوسطى على يد الكتبة من الموثّـقيـن وأصحاب المناقب، ومن الصوفية والفقهاء الورّاشيين، أم ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر مع انطلاق حركة المستمزعين الأوروبيين الذين تدينُ لهم الأمازيغية بإنقاذهم لنصيب هامّ من تُراثها الأدبي ، كما تدين العربية للمستشرقين في نفس القرن ببعث تراثها وتحقيق أمهات متونها الأساسية، أم انطلاقا من منتصف الستينات مع انطلاق حركة التدوين التلقائية والعفوية على أيدي بعض الأفراد، وبعض الجمعيات، وحتى بعض المؤسسات، كما هو شأن المعجم العربي الأمازيغي الكبير، الجامع والمحيط ،الذي صدر للأـستاذ محمد شفيق ضمن منشورات أكاديمية المملكة المغربية في إطار وحيثيات بينها المؤلف في تصدير الجزء الأول؟ الحقيقة أن هناك جهلا مفزعا لدى المختصين المغاربة أنفسهم بما هو متوفر في هذه القبل المختلفة من تراكمات مدونة، وهو جهل استغربه بعض المستمزغين الأجانب أمثال العالم الهولندي المحقق نيكو فان- دان بوخرت (Nico Van den Boogert) حين قال مستغربا في معرض حديثه عن الأوجه الغنية للتراث الأمازيغي المدون بناحية سوس: ما معناه "ومن أحدث الأحكام المتعلقة بتقاليد التراث الأمازيغي السوسي ذلك الحكم الصادر عن اللساني المغربي أحمد بوكوس [الذي أصبح عميدا للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية]. لقد قال في Grande Encyclopédie du Marocما يلي: "لم يبق من هذا الأدب [يقصد الأدب الأمازيغي المدون بالحرف العربي] إلا كتابين للهوزالي، الحوض و بحر الدموع ". إن هذا ليبين إلى أي حد يبقى حتى الناطقون بالأمازيغية السوسية، المنخرطون مهنيا في في دراسة لغتهم ناقصي المعرفة بتراثها الأدبي" (Boogert (1997) The Berber Litterary Tradition of the Sous. Pp. 39-40 ). ثم أن من الاختيارات ما إذا تمّ الأخذ به بصيغة إطلاقية، هنا، والآن، وإلى الأبد، وعلى سبيل الحصر والإقصاء للإختيارات الأخرى الممكنة مرحلياً أو موازاةً، سييحكمُ بين عشية وضحاها وعلى مستوى آخر، بالإقصاء على ثمرات مجهودات أجيال بكاملها من المؤلفين المبدعين، ومن الدارسين والأكاديميين، من مُعربّين أو مُفرنسين أو منجلزين، وذلك بأن تجد هذه الأعمال والأطر المكونة تكوينا معينا نفسها خارج نطاق دائرة العمل والإنتاج المدعَّم والمتعهَّد من طرف المؤسسات الرسمية باعتباره أدوات عملٍ أدبية ولغوية وديداكتيكية. كما أن من شأن مثل تلك الاختيارات الإطلاقية أن تُوقف مسيرة العطاء الإبداعي والأكاديمي لدى شرائح وازنة من حيث ما قدمَتْه للأمازيغية، بما أن تغيير عادات القراءة والكتابة ليست بالأمر الذي يتمّ لدى الفرد بمجرّد توفُّر الإرادة ولا حتى الحماس، ناهيك عما إذا كان الأمر بالنسبة إليه مجرَّدَ قرار إداري في اتجاه معين على سبيل الإقصاء والحصر. فمن ذا الذي يضمن لنا قدرة أمثال محمد مستاوي، وعبد الله حفيظي، وأحمد عصيد، والحسين جهادي، وابراهيم وبلاّ، وعبد الرحمان بيلوش، وأحمد بوزيد، وعمر أمرير، ومحمد وخزان، والحسين بن احيا، وغيرهم ممن تعودوا على الحرف العربي وعودوا عليه قراءهم من النخبة ومن الشعبيين في الدكاكين والأكشاك، في العمل على الاستمرار في العمل على إيصال إنتاجهم إلى أهله إذا كان الدعم والتعهد لا يشمل الحرف الذي ألفوا أن يدونو به وينشروا. ولا معنى هنا لما يرُوج من القول بأن الرهان هو البتُّ في الحرف الرسمي الذي سيُعتمد في المدرسة والإدارة، وأن الناس بعد ذلك أحرارٌ في استعمال هذا الحرف أو ذاك في إنتاجاتهم الخاصة. فما لم يُنصَّ على دَعم وتعهُّد كافة أوجه الإنتاج التي تفرضها المعطيات السوسيوثقافية المرحلية، بموازاة مع ما يمكن أن يكون سياسة متوسطة الأمد أو بعيدة الأمد لتوحيد الحرف في اتجاه معيّن يأخذ بعين الاعتبار الأسئلة السابقة ومجمل النظام التربوية المغربي، تبقى هذه الليبرالية المزعومة كمن يبشّر بأنه لن تكون هناك رقابة على تداول بقية الحروف بعد التصويت القطعي لصالح أحدها بصفة إطلاقية وإقصائية كحرف رسمي له وحده حق الدعم والتعهد. كل هذا هو ما يجعل من التفكير في معالم وآلية التدبير الانتقالي المرحلي أسبق في الأحقية من التفكير في كيفية الانتصار لهذا الحرف هنا والآن وإلى الأبد، كما سنرى في مسألة الفقرة التالية: (سؤال 7) : ماهي الكلفة التقنية والاقتصادية لهذا الاختيار الحرفي أو ذاك من حيث توفير الأدوات الكتابية العصرية (مفتحانات الحاسوب، برامج حاسوبية للتصيح والترتيب،الخ.) مع اعتبار العلاقة ما بين الكلفة الإجمالية والطاقات الاستيعابية للسوق المستهدفة الممكنة حسب الحالات؟ (سؤال 8) : هل يصح أن نفاضل بين الأحرف الثلاثة بنفس البطارية من المقاييس التنافسية الوظيفية من حيث القدرات الذاتية الحالية للحرف المعين، ومن حيث إمكاناته التواصلية ومزاياه التربوية في إطار ما هو قائم في مرحلة تتسم بانعدام التوازنات السوسيولغوية، أم أنه يتعين اعتماد تراتبية ترفعُ من مُعامِلات بعض الأبعاد الخاصة، كبعد الهوية والأصالة مثلا؟ مما يفرض مثلا ألا يُوازن بين حرف تيفيناغ وغيره بمجرد المقاييس الوظيفية، بما أن لهذا الحرف وضعاً خاصا، وأن العناية به في حد ذاته تدخل ضمن الأسباب الموجبة للظهير المؤسس للمعهد باعتبارهذا الحرف من صميم رمزيات الثقافة الأمازيغية، مما يوجب له رعاية خاصة بقطع النظر عن الوظائف الممكن أسنادها له حاليا، وبقطع النظر عن قدراته التنافسية الحالية على مستوى وظيفة الاستعمال التواصلي؟
ثم إن هناك أسئلة معرفية أخرى تتعلق بباب الإملاء من قبيل معايير الفصل والوصل في تقطيع الكلام إلى وحدات كتابية تفصل بينها بياضات، أو تربط بينها علامات وصلٍ، إلى غير ذلك مما لا يخطر على بال من لا يتناول مسألة الحرف والكتابة إلا من المنطلقات الشعارية (انظر بخصوص مسائل الفصل والوصل في الإملائية الأمازيغية كتابيا لسنة 1999 من منشورات كلية الآداب بوجدة تحت عنوان (: Principes d orthographe berbère en graphie arabe ou latine.)، تلك المنطلقات التي تترجم في العمق موقفا عفويا وشعبويا تجاه اللغة الأمازيغية، هو في الحقيقة امتدادٌ غيرُ واع للتصورات العامية التحقيرية التي كانت تعتقد أن هذه اللغة مجرَّدُ رطانة لا قواعد ولا نحوَ لها يمكن أن ينتمي إلى دائرة المعرفة العالمة، وأنه حتى إذا ما جَرَتْ المقادر بالعناية بتلك اللغة لغاية من الغايات الظرفية، فيكفي أن تكون جدّتي أمازيغية اللسان، أو أن أعرفَ معنى /اغروم/ أو /امان/ لكي أعلن نفسي مُؤهَّلا للخوض في أمور ديداكتيكيتها، ونحوها، وإملائيتها، دون حاجة إلى سلخ سنوات من البذل لتحصيل المعرفة الدرائية العالمة بها من مصادرها، وبوسائلها، تمييزاً لها عن المعرفة الروائية السليقية التي تفوقُـنا في أمرها الجدّات الأميات في الجبال بما أن لسانهن لم يفسده الاختلاط والتخبط اللغوي كما أصاب ذلك أهل المدن مثقفين كانوأ أميين أم أنصاف مثقفين وهم الكثر.
ثـــالثا. ما يستفاد من طبيعة الأسئلة المعرفية المغيبة:
يستفاد من خلال استعراض عينة من الأسئلة المعرفية بخصوص مسألة حرف كتابة اللغة الأمازيغية أن المسألة تفترض إنجاز دراسات وصفية وتشخيصية على محاور متعددة، وأنه يستحيل إعطاء إجابة إطلاقية وقطعية في الزمان، وفي المكان، وفي أساليب الإنجاز فيما يتعلق بمسألة حرف أو أحرف كتابة اللغة الأمازيغية بالمغرب لهذا العهد. فهناك محاورُ متعددة لتقويم وحساب المزايا أو الحدود الخاصة بهذا الحرف أو ذاك؛ وهو تعدُّدٌ مرتبط في كثير من أوجهه إمّا بما هو قائم، وإما بما هو مرحليّ، وإما بالأفُق البعيد، وذلك بشكل يجعل كل تصوُّرٍ لمعالجة المسألة في غير أفق التدرُّج، والمرحلية، والانتقالية، تصوراً يستخفُّ بطبيعة الأمر، وبعواقب الاستعجال، مع أن المثل المغربي يقول "زواج ليلة تدبيرو عام"، كما يقول "ميّـات تخميمة وتخميمة، ولا ضربة بــلمقصّ". وأتذكّر أنني كُنت أمازح زميلي الأستاذ محمد الشامي خلال بعض دردشاتنا لسنين خلت قبل الإعلان عن تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية فأقول ما ما معناه: "لو كنتُ صاحبَ قرار، وكُنت مسيئا للظنّ بما تمثله اللغة والثقافة الأمازيغيتان بالنسبة للكيان المغربي عامّة، لأصدرتُ قراراً في الصيف يقضي بإدراج الأمازيغية في التعليم العمومي في الدخول المدرسي المقبل". فبالإضافة إلى ما يسمح به التدبير المرحلي الانتقالي من معالجة للأمور المطروحة في الأسئلة 2، 3، 4، 5، 6 أعلاه معالجةَ كفايةٍ وملاءَمَةٍ، يبقى هذا الاختيار المرن في الزمان وفي أساليب المعالجة هو أحسن جواب وأنسبه بالنسبة للسؤال الأول من قائمة الأسئلة؛ إذ هو الجواب الوحيد الكفيل بخلق ظروف إنجاز المهام المسطرة في الفقرة الرابعة من المادة الثالثة من الظهير المؤسس للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. فدراسة خصائص، وإمكانات ومزايا وحدود "التعابير الخطية الكفيلة بتسهيل تعليم الأمازيغية" وبضمان "إشعاعها في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني والجهوي"، وبإنتاج "الأدوات الديداكتيكية اللازمة لتحقيق هذه الغاية"، وكذا "إعداد خُططِ عَملٍ بيداغوجية في التعليم العام وفي جزء البرامج المتعلق بالشأن المحلي والحياة الجهوية"، "بانسجام مع السياسة العامة التي تنهجها الدولة في ميدان التربية الوطنية"، مَهَامُّ لا يمكن تصوّرُ إنجازها على وجه الجِدّ فيما له علاقة بإشكالية الحَرْف الحَامِل لمتن اللغة ما لم يتم الانطلاق من تجارب الميدان في المراحل الانتقالية، التي يتعيّن تصوّرُ مَعَالِمها. إن من شأن تلك التجارب الميدانية أن تخلِّفَ أرصدةً من حصائل المتابعة والتقويم والافتحاص البيداغوجي تمكّــن من استخلاص النتائج التشخيصية، ومن صياغة التعميمات اللازمة لوضع برامج المراحل اللاحقة بما يضمن أكثر فأكثر، وفي كل مرحلة "تعزيز وتشجيع مكانة الأمازيغية" كما تنُصُّ على ذلك الفقرة السابعة من المادة الثالثة من الظهير، وذلك في انسجام وحوار متبادل مع "السياسة العامة التي تنهجها الدولة في ميدان التربية الوطنية". ذلك لأن أيَّ محاولة لمعالجة المسألة الأمازيغية بمعزل عن التفكير في علاقتها بالسياسة العامة للتربية الوطنية، بما تطرحه تلك السياسة من قضايا التعدّد اللغوي، ومن تفاوت القدرات التأهيلية للغات المستعملة، وعلاقة مضامين الحمولات المعرفية لهذه اللغات بفُرَصِ الشغل، وبمقومات الهوية المغربية العامة، محاولة محكومٌ عليها بالفشل بالمقاييس الوطنية، وذلك بنفس المنطق الذي حكم بالفشل، بالمقاييس الوطنية والوظيفية معاً، على المعالجات والتصورات الشعاراتية السابقة للسياسة العامة للتربية الوطنية التي كانت تتم ما بين الستينات والتسعينات من القرن الماضي بمعزل عن علاقة هذه المنظومة بتنمية وترقية وإدماج الأمازيغية في محيطها الوطني الرسمي. . إن المسألة - بالإضافة إلى أبعادها الوظيفية والفعالية النفعية- مسألةُ حضور أو غياب للبعد الوطني في تدبير الملف اللغوي. فإذا كان من باب خيانة للأمانة الوطنية على المستوى السياسي على الأقل القولُ مثلا، انطلاقاً من حساب سياسي معين: "فليأخذوا عنّا معهدَهُم الأمازيغي، وليُعالجوا فيه أمر أمازيغيتهم، وليريحونا!"، فإن الاعتقاد بإمكانية معالجة أمر الأمازيغية بين /ايتـــماتن/ ("الإخوة") على سبيل الحصر والإقصاء، وذلك خارج المساهمة الصعبة في التدبير العام لمشكل التعليم في مجمله، لا يمكن إلا أن ينمّ عن غياب بُعدِ المواطنة، زيادة على ما يترجمه ذلك الاعتقاد من سذاجة سياسية أساسُها الاعتقاد الساذج بوجود فعلي لذلك التحالف السياسي الضمني المزعوم المشار إليه سابقا، وزيادة على ما يمثله ذلك التصور لمعالجة أمر الأمازيغية من خُروج عن نص الظهير المؤسس للمعهد، والذي تنص الفقرة الأخيرة من النقطة الرابعة من المادة الثالثة منه على ضرورة إنجاز المهام الموكلة إلى المعهد "بانسجام مع السياسة العامة التي تنهجها الدولة في ميدان التربية الوطنية".
رابــعا. عودة إلى مظاهر الطرح الشعاري لمسألة الحرف:
تلك إذن عينة من الأسئلة المعرفية الكبرى التي تطرحها، من الوجهة الموضوعية، النقطةُ الرابعة من المادة الثالثة من الظهير المؤسس للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والتي تمَّ حَوْلها الاستقطابُ في الشارع في صيغة ما أطلق عليه البعض "معركة الحرف". وذلك بعضُ ما كان سيستفادُ من طبيعة تلك الأسئلة لو أنها كانت قد طُرحت وانبرى من يهُمُّه الأمر، بحُكم التكوين أولا، وبحُكم المهامّ الوظيفية ثانيا، للعمل على الإجابة عنها. لكن الذي حصل هو أنه قد استُعيض عن طرح تلك الأسئلة وعن الإنصات إلى من يطرحها ومن يُنجز إجابات موصوفةً ومدعَّمة عنها، بمجرد ترديد شعاراتٍ من قبيل تسمية هذا الحرف جهالةً، ومِن أجل التنقيص كأداة إقناع، بـــ"الحرف الآرامي" بدل "الحرف العربي"، وتسمية ذلك الحرف، مغالَطةً، كأداة إقناع كذلك، بـــ"الحرف الكوني"، أو من قبيل اعتبار هذا الحرف من مُكمِّلات شؤون العبادة وتثبيت ركائز وأركان العقيدة، واعتبار اعتمادِ ذلك الحرف جريمةً تندرج في "السياق العام للصراع الحضاري بين المنظومة الحضارية العربية الإسلامية والمنظومة الحضارية الغربية" (سعد الدين العثماني، جريدة "التجديد"، 21 ديسمبر 2002) في ارتباط مع "بعض الجهات المعروفة بارتباطاتها بفرنسا والقوة الفرانكوفونية الدولية، حتى الأمريكية والصهيونية منها" (أبو زيد المقري الإدريسي، جريدة "العصر"، عدد 248، 27 ديسمبر 2002)، أو اعتبار أن هذا الحرف سيجعل من الأمازيغية أَمـَة وجارية في خدمة العربية، وأن ذلك الحرف سيجعل منها سيدة ذات أبعاد كونية، إلى آخر ما هناك من أدبيات النقائض غير الموزونة وغير المعَفّاة وغير الدالة على معنى. ومن بين أبشع مظاهر عدم الدلالة على معنى التقاءُ فريقين متناقضين حسب ما يعتقد من حيث المواقف الإيديولوجية، في نفس التفسير المؤامراتي لمصدر الخطيئة المنسوبة من طرف كل واحد منهما إلى الآخر. فإذا استحضرنا مؤامرة الفرانكوفونية التي أوردناها على التو على لسان الأستاذ المقري الإدريسي، وهي الوجهُ المعاصر لتهمة "الظهير البربري" وللقب "حفدة اليوطي" التي سادت في الماضي، والتي كانت تُوجَّهُ لكلّ اهتمام بالأمازيغية، تعين علينا أن نقارنه بمقال مطول لأحد أبرز إعلاميي الحركة الأمازيغية والعضو بالمجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الأستاذ محمد بودهان، وهو مقال كان قد نُشر قبل أشهر على أعمدة جريدة "تاويزا" للتدليل - في إطار حملة التدافُع الداخلي لهذه لحركة في شأن تقويم تجربة مؤسسة MEDERSATCOM للتعليم الخاص للأمازيغية - على أنّ ترويج هذه التجربة للحرف العربي مؤامرة فرانكفونية، من حيث أن الأمازيغية هي اللغة الحية الوحيدة التي من شأنها أن تنافس الفرنسية في هذه البلاد، وأن الوسيلة الناجعة الوحيدة لعرقلة نموّ هذه الأمازيغية المنافسة هي أن تسجن في قفص الحرف العربي وأن يحال دون استفادتها من فضائل "الحرف الكوني" الموصوف بذلك ادعاء! هذا الحرف السحري الذي لم نره بعد، مع ذلك، يرقى بأي من الرطانيات الخلاسية (Créoles) بجزر الكارايب، ولا بأي من اللغات الإفريقية أو الأسيوية المدونة به، إلى مصاف اللغات العالمية، والذي لم يمنع عدمُ اعتماده لا اللغة اليابانية، ولا اللغة الصينية مثلا، من بلوغ ما بلغتا من درجات العالمية أو الجهوية.
إن هذا التغييب للطرح المعرفي للمسألة يترجِمُ لدى الحركة الأمازيغية خاصة احتقاراً عميقاً للعلم، وللأمازيغية نفسها من حيث العمق، بما أنه يترجم ضمنيا الاعتقاد بأنْ لا حاجة إلى العلم في معالجة أمر هذه اللغة، وأنه، خلافا للغات الأخرى "المحترمة"، يمكن معالجةُ أمرها بمجرّد العرفان "الدمغي" الشعبي والشعبوي بما أن "الآداب البربرية الهزيلة الشفوية البحتة تتكون من أساطير عن الحيوانات، ومن قصص خرافية وأغان تقليدية أو مرتجلة"، كما أوردت ذلك جريدة العصر في الصفحة 7 من المحور الذي خصه العدد 248، 27 ديسمبر 2002 للمسألة تحت عنوان مصوَّر بالصفحة الأولى بصيغة "الحرب على الحرف العربي". ففي إطار هذا الاحتقار لوظيفة العلم، وهذا التشكك غير الواعي في أهلية الأمازيغية لأن تشكل موضوعاً له، يبتدعُ الأستاذ بودهان مصطلحاً قدحيا جديداً يزيد به في إثراء قاموس العربية في باب التلابُز. إنه مصطلح "الأكاديماوية" الذي التحقتْ بمقتضاه كلمةُ "الأكاديمية" بذوات زيادة واوِ النسبة النزعوية والقدحية. ففي مقال مخصّص للمسألة تحت عنوان "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية: الرهانات والحسابات"، نقرأ ما يلي تحت فقرة "النزعة الأكاديماوية"؛ يقول: "يتوفّر المعهد على مراكز للبحث من أجل تطوير وتنمية الأمازيغية على جميع المستويات، التعليمية، والإعلامية والإشعاعية. العاملون بهذه المراكز فيهم مناضلون معروفون، لكن فيهم كذلك جامعيين أكاديميين مشهورين. ومن هنا الخوفُ أن تطغى النزعةُ الأكاديماوية بهذه المراكز على حساب الالتزام النضالي والمطلبي، بدعوى أنه ايديولوجي وجمعوي وغير علمي ولا أكاديمي ، فيصبح التعامل مع الأمازيغية كموضوع بارد ومفصول عن الذات لا يثير حماسا ولا تعاطفا ولا تفاعلا" (تاويزا، ع69، يناير 2003).
إن تغييب الطرح المعرفي للمسألة انطلاقا من ذلك الميل الطبيعي نحو احتقار قيمة التشخيص العلمي في معالجة الأمور، وانطلاقا من ذلك الفهم الخاص لوظيفة المعهد وللدلالات السياسية للظهير باعتبار هذا الأخير ينمّ - في اعتقاد بعض أصحاب ذلك الفهم - عن إشارة إلى تحالف سياسي ضمني في ظرفية معينة، على شكل "نيوديل" (New Deal) في صيغة "موروكانية" جديدة، لا في صيغته الماريكانية الأصلية، هو ما أهّل، على التّو، مَنْ لم يقتنعْ قطّ بالقضية الأمازيغية كقضية وطنية مصيرية، وسهـّل عليه الخروج من حالة الذهول التي كانت قد أوقعته فيها مبادرةُ صدور الظهير الملكي للأمازيغية، ليستخرج من جديد نفس السلاح الصديء ويُعيد تحميضَ ومعالجة نفس صكِّ الاتهام السرمدي الذي تراوحت صِيغُهُ، حَسَبَ الظرفية التاريخية، مِنْ تهمة "ردة البربر"، إلى تهمة تنبؤ صالح بن طريف البرغواطي ومعارضته للتنزيل، إلى تهمة "الظهير البربري"، فـــ"حَفدة اليوطي"، فــ"أذبال الفرانكفونية" المناهضة للعربية والعروبة والإسلام، وربما سمعنا غداً بــ"الهولندوفونية" أو الألمانوفونية، إذ أن هولندا وألمانيا هما بلدا الهجرة الوحيدين اللذين لهما اليوم سياسة لغوية تحتلّ فيها الأمازيغية حيزاً مُهمّاً بمقتضى عينية المناطق المغربية التي تنطلق منها الهجرة إليهما. ذلك أن الأمر لا يتطلب من الناحية السياسوية بالنسبة لمَنْ لم يقتنعْ قطّ بالقضية الأمازيغية أكثر من مقارعة شعار طنان في مسامع الشارع بشعارات أشد وقعا في الأسماع العامية، ولا يتطلب أكثر من مقابلة سياسةٍ لممارسة الضغط (Lobbying) من داخل ومن خارج المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بــ"لوبَــويّــةٍ" أخرى من عيار الضغط العالي انطلاقا مما رُسّخ في الأذهان من خطاطات "تاريخ" يتمحور على محاربة "الظهير الربري" ، واعتماداً على وسائل لم تخطر على بال من آمنوا بسراب التحالف الجديد كما آمن أشعبُ الطفيليُّ بكِذبة المأدبة، التي كانت مع ذلك من محض بنات قريحته الولائمية الجشعة. فإذا كانت الشحنة الايدويولجية للوجه العروبي لتلك التهم السرمدية ضد الأمازيغية من طرف من يشترون بالعربية ثمناً قليلاً قد أخذت تضعف وتخبو جذونُها شيئا فشيئا بفعل مصاعب ومتاعب المشرق السياسية والإيديولوجية وحتى المالية، فإن إعادة التحميض لنفس التهمة بمسوح "الإسلامية الحركية" قد رشَّح على التو حركيي الأسلامية النشيطة لمنصب المُدّعي العام فاستساغوا ووظفوا الصيغة التي جعل بمقتضاها بعضُ حركيي الأمازيغية حركتـَـهم كنقيض للإسلامية الحركية من خلال خطاطة التحالف الضمني التي آمنوا بها. لقد استساغوا ذلك الوجه وتلك الصيغة واهتبلوا فرصة تلك الخطاطة لأنها تمكنهم من اللعب في ميدان تعوّدوا عليه وبأدوات خبروها، ويعرفون كيف يضبطون ووتيرة، وإيقاع اللعب فيه. إن ذلك هو ما يفسّر التخلي اليوم، في مواجهة الأمازيغية - عن صيغة التخوين القومي لتحل محلها جميع درجات التهمة بمحاربة رموز الإسلام وربما أسسه. إنها الصيغةُ الملائمة لمسايرة الظرفية كما يُعتقد. ولقد تنبّه الأستاذ عبد الصمد بلكبير إلى هذا التطور نحو الصيغة الجديدة، وربما تنبأ بها منذ منتصف التسعينات لمّا صاغ ورقةً حول الثقافة نشرها مؤخراً في مجلة "الملتقى"، عدد 9-10، س6- 2002 ، حيث يقول (ص10): "وأمام النزوعات الثقافية-اللغوية العدمية، والأخرى الانشقاقية، فضلا عن الهجوم اللغوي - الثقافي الاستعماري، فلا شيء تملكه اللغةُ العربية والذاكرة الثقافية اليوم غير الإسلام سلاحا للدفاع عنها وإعادة الاعتبار لها ونشرها وترسيخها".
فمن هذا المنطلق، ومن باب الربط السرمدي لإسلام المغاربة خاصةً دون غيرهم، من فرس وأتراك، وزنج، وخزر، وآسيويين، بمجموعة من الرموز الإثنية والثقافية كاللغة، والحرف، وأسماء الأعلام، وغيرها، ومن باب الربط الآلي، كنتيجة لذلك التصور، ما بين أيّ مطالبة بإنصاف الأمازيغية وإنعاشها وبين محاربة العربية ومناهضتها كما رسخّت ذلك الثقافةُ الرسمية التقليدية، وَقَعَ الانقضاض على الفرصة الذهبية التي وفّرها تغييبُ الأسئلة المعرفية في معالجة مسألة حرف كتابة الأمازيغية، وزادت من سنُوحها كثرةُ الصخبِ واللغط عن إجماع مزعوم هنا وهناك حول مبايعة "الحرف الكوني" المناقض لــ"لحرف الآرامي"، فكانت النتيجةُ التنظيمية لذلك الانقضاض هي تفريخ عشائر من "الجمعيات الأمازيغية والتنموية" تكاثرتْ بين عشية وضحاها كالفطر. ولقد جعلت هذه الجمعيات البعضَ ممن كان إبان فترة ذهوله وصُمته الاضطراري (والصُمتُ يدلّ على الرضا في حكم بعض الفقهاء) في وضع من كان قد اضطر إلى أن يعبد الله على حرف، يقْوى بَغْتثـةً على أن ينقلب على عقبيه باسم الدفاع عن استمرارية "اختيار الأجداد الأمازيغ" فيما يتعلق بكتابة لغتهم (انظر جريدتي "التجديد"، 21 ديسمبر 2002 و "العصر"، 27 ديسمر 2002). إن الوجه الانتهازي المغالط لهذا الدفاع المزعوم عن "اختيار الأجداد الأمازيغ" لا يمكن أن يزول إلا بالشروط الآتية:
1) نقلُ الاعتراف الشخصي لمسؤولٍ مثل الأستاذ سعد الدين العثماني، من مستوى الشخص إلى مستوى الهيأة السياسية التي ينتمي إليها الأستاذ، وذلك بأن تُترجم تلك الهيئة مضمونَ ذلك الاعتراف في مواثيقها المؤسّسة، وأن تصدر، في ممارساتها السياسية، عن برامج وخطوات ومقترحات تترجم النية والإرادة السياسية لإصلاح الخطأ المعترف به في حق الأمازيغية والذي يقول في شأنه الأستاذ العثماني (جريدة "العصر" نفس العدد، ص4): "أنا دائما أقول في عدة تدخلات إنه من بين أكبر الأخطاء التي ارتكبت في مغرب ما بعد الاستقلال - وإن كان ليس الخطأ الوحيد- هو تهميش الأمازيغية؛ ويتم هذا التهميش بالدرجة الأولى في إبعادها عن التعليم"؛ 2) ترجمة تلك الإرادة، عندما تكون قد توفرت، في اتجاه عمل طويل الأمد يتعلق بإنعاش الأمازيغية ضمن أنشطة الهيئة وحضورها الثقافي، عن طريق النشر، والتدوين، وتوجيه الأطر للتمكن من العلوم اللغوية والأدبية والحضارية للأمازيغية.
إن هذين الشرطين ينسحبان في الحقيقة على كل الهيئات التي لا تتحدث عن الأمازيغية إلا لكي تقول "الأمازيغية ملك للجميع" قبل أن تستدرك بـــ "ولكن ..."، مستدركة وملوحة بالفزّاعات التقليدية المعهودة. إن الأمر يعني في نهاية المطاف أن الأهلية والمشروعية لا يمكن أن تحصُل للأشخاص ولا للهيئات في مثل هذه الأمور في ظرف أسبوعين، وذلك مهما اشتهر المغاربة بالفبركة على جميع الأصعدة بما في ذلك استنبات النخيل فوق الإسفلت بين عشية وضحاها. فلو أن نخبة الاستقلال، التي عملتْ على توقيف تدريس الأمازيغية في المعاهد، قد فعلتْ ذلك قصد إحلال الحرف العربي محلّ اللاتيني وتوسيع ذلك التعليم ليتعدى قاعات بعض المعاهد النخبوية لكانت للمطالبة بـــاستمرارية "اختيار الأجداد الأمازيغ" معنى؛ أما وقد بلغ الأمر ببعض امتدادات تلك النخبة أن يــُرفض مثلا تسجيلُ رسالة جامعية حول اللغة الأمازيغية بقسم اللغة العربية في عاصمة المملكة في بداية الثمانينات مثلا بدعوى - من مسؤولي هذا القسم - بأن القسم قسمٌ للغة العربية وليس لغيرها، مما اضطر صاحب الرسالة إلى الاغتراب اجتماعيا ومهنيا وأكاديميا - وهذا مجرد مثال- فإن أي حديث، مع مثل هذه الوقائع، عن التشبث باستمرارية "اختيار الأجداد الأمازيغ" لا يعدو أن يكون إلا من باب محاولة إسكات الخصم بما اتّفق، ومن باب افتعال كل الذرائع لخوض غمار اللعبة التي يبدو أن طرفـَي خوضها قد استساغاها ووجدا فيها حسابيهما، كلٌّ من موقعه الخاص؛ ولذلك تم فتحُ القاموس الحربـي فجأة وفي إقبال منقطع النظير. فبعد سلسلة المقالات التي عُرفت في صحيفة "تاويزا" بملف"معركة الحرف"، نقرأ في الصفحة الأولى من شهرية "العالم الأمازيغي" (30 نوفمبر 2002) ما يلي: "اختيار الحرف يشعل فتيل حرب بين الإسلامويين والأمازيغ"؛ وفي الصفحة الأولى من أسبوعية "العصر" (27 ديسمبر 2002 ) نقرأ: "الحرب على الحرف العربي"؛ وفي الصفحة الأولى من أسبوعية "الصحيفة" (عدد 95، 3-9 يناير 2003) نقرأ: "حرب الهوية بالمغرب هل تقع؟ أطلقها حرفُ الكتابة، وأجّجها بيان مكناس، ودخلها الإسلاميون". ومع ذلك، وبما أنه لا فوات قطّ للأوان - في مثل هذه الأمور وعلى مثل هذه المستويات - لتدارك ما لا يزال يمكن تداركه، فإن السنوات القليلة القادمة هي الكفيلة بإعطاء مدلول حقيقي لشعار "اختيار الأجداد الأمازيغ" وما تفرع عنه من تحريكات وتعبئات. فبمقدار ما يمكن أن تُفلح الأطرافُ المختلفة التي تلوح اليوم بهذا الشعار في صخب، أن تراكمه اليوم في كل السنة من دراسات أكاديمية، جامعية أوجمعياتية عالمة، ومن تحقيق نصوص قديمة، ومن منشورات حول الأمازيغية، لغةً، وأدبا، وحضارةً، باستعمال ذلك الاختيار، الذي تم التهديدُ، من أجل الدفاع عنه، بالاحتكام إلى الشارع، هو وحدَه الكفيلُ بإعطاء مدول قطعي لذلك الشعار، وليس محاكمةُ نيات تلك الأطراف، مهما كانت دلالةُ السوابقِ في هذا الباب.
خامسا. خلاصة عامة:
نخلص إلى القول بأن مسألة حرف كتابة اللغة الأمازيغية، لو أنها كانت قد طُرحت طرحاً معرفياً، وتم فيها تجنب الطرح الشعاري المعتمد على سياسة ممارسة الضغط والابتزاز الزبوني تجاه مؤسسة المعهد الملكي على خلفية فهم خاص لوظيفة هذه المؤسسة ولدلالة الظهير المؤسس لها كما تجلت تلك الممارسة مؤخرا بشكل ملموس من خلال البيان الذي عُمم على الصحافة الوطنية باسم اللجنة التقنية "من خبراء، وعلماء، ولسانيين، ومختصين في علوم التربية..." المكلَّفة من طرف وزارة التربية الوطنية، والتي قررت بالإجماع، حسب البيان المشار إليه، اعتمادَ الحرف اللاتيني دون غيره لكتابة الأمازيغية، وذلك يوم 5 يونيو 2002 (انظر مقالنا حول هذا الأمر تحت عنوان "مسافات فاصلة" بجريدة "الأحداث المغربية" عدد 1280، 24 يوليوز 2002)، ثم تلا ذلك "بيانُ مكناس" الذي عُمّم بدوره على الصحافة وعلى المؤسسات المعنية؛ نقول: لو طُرحت المسألة طرحاً معرفياً بالدرجة الأولى، لما أمكن الانقضاضُ عليها كذريعة سياسية، ولما أمكن الخوضُ فيها إلا لمن راكم - فرداً كان أم جماعة أم هيئة- حصيلة سنين من الجهد والبذل في الميدان للتعرف على معالمه، مُقدِّماً بين يديه وبيمينه إنتاجات ملموسة ومراجع ومستندات، وهو شيء لا يتسنّى إلا لمن كان قد آمن فعلا ومنذ زمان بالقضية قبل أن تصبح موجة سانحة تُركب من مواقع وفي أوضاع مختلفة. أما الموقف الشعاري فلا يُكلِّف أكثرَ من شعار مضاد؛ كما أن تشكيل جماعة ضغط لا تكلّف أكثر من تشكيل جماعة مضادّة، وهي أمورٌ يمكن إنضاجها بالعمل السياسوي المحترف في أسبوع أو أسبوعين حينما يرى السياسي أن الظرف مُواتٍ، فيكُون الاحتكامُ حينئذ إلى الشارع، أو ما يسمى عند الإغريق بالديماغوجيا أو الغوغائية. فها هي الصحافة تتساءل عما إذا كانت ذريعة حرف الأمازيغية ستُعيد طبعة سينارْيو خُطّة إدماج المرأة، كتمرين سياسي أثيـت نجاعته، خصوصا بعد أن اقتحم بعض الخطباء ميدان اللسانيات، والسوسيولغويات، وعلوم الألفبائية والإملائية. تقول أسبوعية "المستقل الأسبوعي" في صفحتها الأولى (عدد: 640؛ 3-5 يناير 2003): "بعد تحرُّك حزب خطباء الجمعة ، هل تعيد قضيةُ حرف كتاية اللغة الأمازيغي صراع خطة إدماج المرأة في التنمية إلى الواجهة؟". ولعل هذا ليس مجرد تخمين مبني على القياس. ففي إطار الانقضاض على الفرصة التي وفرتها سُـنّـــة ممارسة الضغط على أعمال المعهد الملكي، ضمّنتْ حركةُ التوحيد والإصلاح بيانها الختامي لجمعها العام الثاني (14-15 دسمبر 2002) فقرة أبرزتــْها جريدةُ "التجديد" بالبنط الغليظ كعنوان للبيان هكذا: "استنكار الدعوة إلى كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني" ("التجديد" عدد 539؛ 18 ديسمبر 2002). ثم تلتْ ذلك رسالةُ الأستاذ أحمد الريسوني، رئيس نفس الحركة المُعادُ انتخابه، إلى عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الأستاذ محمد شفيق، وهي رسالة تنُصُّ في فقرتها الثالثة على "أن كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني خيارٌ استعماري جاء في سياق محاولات سلخ الأمازيغ عن الإسلام، وزرع التفرقة بينهم وبين إخوانهم العرب من أبناء المغرب"؛ وتختم الرسالةُ بقولها: "ولهذا فإننا نطالب المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالتبني الرسمي للحرف العربي في كتابة الأمازيغية". وإلى جانب تحذيرات الأستاذ المقرئ الإدريسي - الذي ربط أمر حرف كتابة الأمازيغية بالأطراف الفرانكفونية، والأمريكية، والصهيونية - من مغبّة "العواقب الوخيمة لأي قرار يزيد من تمزيق وتشطير المغاربة إلى أُمتين وشعبين"، نقرأ في نفس العدد من جريدة "العصر" التي استقينا منها الشواهد الأخيرة ما يلي، تحت عنوان "الإسلاميون يُحذّرون من اعتماد الحرف اللاتيني، والأحزاب تلتزم الصمْت"، وذلك بقلم السيد عبد الحق بلشكر؛ يقول: "ولعلّ ما فجّر معركة الكتابة الآن، وجعلها تتّخذ أبعاداً أخرى قد لا تقل عن المعركة التي تم خوضُها فيما يخصُّ خطّة إدماج المرأة في التنمية هو البلاغُ الذي أصدرته مجموعة من الجمعيات الأمازيغية التي حضرت لقاء وطنيا دعتْ إليه جمعيةُ "أسيد" بمكناس في 5 أكتوبر 2002..."، إلى أن يقول في مكان آخر: "وفي هذا السياق يؤكد الدكتور سعد الدين العثماني في ندوة نظمتها جريدة "العصر" حول حرف الكتابة الأمازيغية أنه إذا تمّ فرضُ الحرف اللاتيني فإن الحركة الإسلامية ستنزل إلى الشارع تماماً كما وقع ضد خُطّة إدماج المرأة..." (العصر، عدد 248، 27 ديسمبر 2002).
ونختم الآن هذه الخلاصة العامة بالعودة إلى الأسئلة فنطرح سؤالين: أحدهم متعلق بالتعاطي الجمعوي العام للحركة الأمازيغية في الأونة الأخيرة مع مسألة الحرف، ومن خلالها مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والثاني متعلق بتعامل بعض فاعلي الحركة الإسلامية مع هذه المسألة، ومن خلالها مع المسألة الأمازيغية عامة، باعتبار هؤلاء الفاعلين عيــّــنـــةً لحدود ما وَصَلَ إليه وعْيُ الطبقة السياسية بهذه القضية الوطنية. ويتفرع عن السؤالين سؤال ختامي حول المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.
السؤال الأول: انطلاقا مما يُستفادُ مما تطرحه عينةُ الأسئلة المعرفية (س1- س8) بالقسم الثاني من هذا المقال، كما بسطنا ذلك في القسم الثالث، من كون الطرح الإطلاقي القطعي والإقصائي لمسألة خيارات حرف كتابة الأمازيغية لا يستقيم حتى من الوجهة الوظيفية المحض، دع عنك أوجه الاعتبارات الأخرى المتعلقة بالسياسة وبالثقافة السياسية والحقوقية الحداثية التي يسعى المغرب للانخراط فيها بمساهمة جميع قُواه الاجتماعية والفكرية والثقافية، يحق التساؤل: إلى أيّ حدّ يمكن القول بأن ُ الطريقةُ التي تعاملتْ بها الحركة الأمازيغية مؤخّراً مع مسألةٍ خلافية مثل مسألة الحرف تعكس ذلك الإطارَ الفكريَ والثقافيَ البديلَ الذي يسعى المغاربة إلى تأسيسه، والذي كان لتلك الحركة سبقٌ في طرح أول شعاراته، وعلى رأسها شعار "الوحدة في التنوع"، الذي رفعته الجامعة الصيفية منذ تأسيسها سنة 1980؟ الذي يبدو ويتجلى من خلال التعامل مع المسألة هو أن كُلّ أصحاب المواقف داخل هذه الحركة يراهنون اليوم على القرارات الإدارية والرسمية كوسيلة وحيدة لحسم الخلاف، لذلك يسعى كلّ طرف من خلال الممارسة اللوبَــوية إلى استصدار القرار لما يعتبره في صالحه من الناحية الجمعوية أو السياسية قصد إقصاء الآخرين. ومما له عميق الدلالة في هذا الباب، كمقياس للدلالة على مدى استمرارية الاقتناع بروح شعار "الوحدة في التنوع" أو تلاشي ذلك الاقتناع أمام سراب التعاقُد الضمني الموهوم الذي أشرنا سابقا إلى بعض أعراض تمكّــُـنــِه من الأذهان، ما صرّح به الأستاذُ عبد العزيز بوراس، وهو من قيدومي الحركة الأمازيغية، في اللقاء الذي نظمته أسبوعية "الصحيفة" حول مسألة الحرف وخصصت له عددها رقم 95، 3-9 يناير 2003، حيث قال: "وأعتقد أنه بعد الحسم في الإشكاليات الكبرى التي كانت تطرحها القضيةُ الأمازيغية، فإن إشكالية الحرف تبقى مصطنعة ومخلوقة؛ ولو حسم صاحب الجلالة فيها لكان قد جَنَّبَنَا هذا الصراع الذي قد يؤدي بنا إلى ما لا تحمد عقباه، خاصة وأننا نسمع اليوم مثلا من يُهدّد بالنزول إلى الشارع والمطالبة استفتاء شعبي، إلخ". ثم يضيف: "وهُنا يُطرح التساؤلُ: لماذا لم تستيقظ مثلُ هذه الخطابات إلا بعد َ أن طُرِح موضوعُ الحرف؟ ولماذا صمتت عندما طرح صاحبُ الجلالة القضية في جوهرها من خلال الاعتراف بها؟ إن المسألة مصطنعةٌ لأنه كان من الممكن لأصحاب هذا التهديد أن ينتبهوا إلى أن هناك هيئة مختصّة هي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية تضم علماءَ ولسانيين وفقهاءَ ستحْسِمُ في الموضوع. أكثر من ذلك كان على هؤلاء أن ينتبهوا إلى أن الأمر من اختصاص صاحب الجلالة ما دام أن المعهد ما هو إلا هيئةٌ استشارية لا يمكن لأي توصية منه أن تدخل حيز الوجود إلا بموافقته المسبقة عليها". إنه اعتداد صريح بما يُتوهّم بأنه تعاقد ضمني مُبرَمٌ، اعتدادٌ يُغري بإعفاء النفس من تقوية الحجة في إطار ممارسة التنوع داخل الوحدة، وبالركون إلى التلويح بحُحّة قوة وهمية مكتسبة، والعودة إلى تقاليد الوحدة بالغلبة والشوكة والقرارات الإدارية والرسمية كخيار وأسلوب وحيد لتدبير الاختلاف، واختلاق وحدة قسرية. نفس الذهنية والمنطق، يُفصِحُ عنهما، بشكل آخر، مقالُ عمّمه قيدومٌ آخر من قيادمة الحركة الأمازيغية على الصحافة، هو الدكتور عبد المالك اوسادّن، في أفق اجتماع هيئة المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ليوم 23 ديسمبر 2002، وهو الاجتماع الذي كان يُعتقد بأنه سيبُتُّ في مسألة الحرف. فبعد مقدمة وضّح فيها الدكتور الأبعاد التاريخية والحضارية والهوياتية المرتبطة، حسب تحليله، بمسألة اختيار الحرف، وبَعْد أن بيّن مزايا الحرف اللاتيني باعتباره حرفا كونيا وملائما، حسب اعتقاده، لأصوات الأمازيغية، انتقل إلى مخاطبة ضمائر وذِمَم أعضاء المجلس الإداري في لهجة بلشفية مذكّرا إياهم بجلال الموقف وثقل مسؤولياتهم أمام محاسبة التاريخ، فقال: "يتعين على المجلس أن يـَعتمد رفْعَ اليد خلال كلّ تصويت محتمل على القضية، وذلك لإزاحة كل إبهام، بحيث يُصرّح كلّ مصوت بهويته على أساس أن يُوثَّق كلَّ ذلك في محضر للجلسة يُودَعُ في الأرشيف ليشهد على مسؤولية كلّ فرد أمام الجميع وأمام التاريخ"(انظـر جريـدة Libération, 18 déc. 2002).
السؤال الثاني: انطلاقا من التصديق باعتراف مسؤول حزبي، وشخصية فكرية وثقافية مثل الأستاذ سعد الدين العثماني، نائب الأمين عام لحزب العدالة والتنمية بأنه "من بين أكبر الأخطاء التي ارتُكبت في مغرب ما بعد الاستقلال (...) هو تهميش الأمازيغي..."، وانطلاقا مما أشرنا إليه في نهاية القسم الرابع من هذا المقال من ضرورة إزالة طابع الانتهاز والمغالطة عما يُقدَّم في صحافة حزب فتى مثل حزب العدالة على أنه دفاعٌ عن اختيار الأجداد الأمازيغ، و من أن تأهيل هذا الحزب وامتداداته الثقافية والجمعوية، كتأهيل بقية الأحزاب والهيئات التي تحاول أن تُبلور تصورا وتحدد موقفا ملائمين من المسألة الأمازيغية، إنما يحصُلُ متى تُرجم ذلك الاعتراف الشخصي في الوثائق المرجعية الأساسية للحزب والهيئة، ومتى أصبحَ بُعدُ هذه القضية حاضراً في الممارسة السياسية التشريعية والتنفيذية والاقتراحية اليومية له، إضافة إلى تكوين الأطر في الميدان، والمساهمة في الإنعاش الفعلي للأمازيغية؛ انطلاقا من كل هذا، يحق التساؤل عما إذا كانت الإدانات الإطلاقية، والتهديد بالنزول لقراءة اللطيف في الشارع، والتمادي في الربط السرمدي لهذه القضية بشياطين كل حقبة ومردة كل عصر (الردة الوثنية، التشيّع، التخوْرُج، حَـفَـدةُ اليوطي، الظهير الاستعماري، الفرانكوفونية، الأمريكانية، الصهيونية) هو المدخلُ الموفق لذلك التأهيل بالنسبة لحزب فتي يطمح حسب بعض أدبياته إلى أن يُساهم في تجديد أسُسِ التعامل السياسي وتعامُلِ تدبير الخلاف والاختلاف؟
ويتفرع عن السؤالين الأخيرين سؤال ختامي وأخير هو: إلى أي حدّ يُؤمَنُ الدفعُ بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية - من خلال تعاملُ مختلف الأطراف مع مسألة الحرف، إلى التورُّطِ في مآزق، وفي متاهاتٍ قد تكون دستورية، أو إلى إحراجات سياسية تجاه المؤسسة الملكية، بحُكم طبيعة نصوص الظهير المحدِّدة للمهام والاختصاصات والصلاحيات؟ ألا يكفي، في حالة ما إذا استمرت الأمور سائرة في أفق الاختيارات الإطلاقية الأحاديثة، مع ما يُؤسَّسُ عليها في واقع الأمر من تمرينات وتسخينات سياسيوية، وفي حالة ما إذا راهن الجميعُ على مثل تلك اللحظات البُــلْشِفية التي تصورها الدكتور أوسادن لحسم الأمر عن طريق رفع الأيدي والتصريح بالهوية أثناء التصويت في هذا الاتجاه أو ذاك؛ ألا يكفي، إذا ما استمر الأمر هكذا، أن تثار المسألةُ في مؤسسة دستورية ذات اختصاص، لكي تدخل المسألة برُمّتها، ومعها المعهدُ الملكي في متاهة الإفلاس والأبواب المسدودة؟ ولعلّ هذا ما لمّح إليه الأستاذ العثماني، وهو مسؤول حزبي وبرلماني نشيط يزن كلماته سياسيا ويعي ما يقول، حين صرّح في لقاء نُظم شأن مسألة الحرف قائلا: "أريد أن أشير إلى أن القضية لا يجب أن تكون من اختصاص المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كما جاء في مداخلة أحد الإخوان، لأن تركيبته ليست متوازنة، حيث يمكنه أن يعطي استشارة في هذا الموضوع أو ذاك، هذا من حقه؛ ولكن لا يجب أن يفرض آراءه على المغاربة جميعا، وإلا لم نعد نعرف من يقرر في هذه البلاد" (الصحيفة عدد 94، 3-9 يناير 2003، ص 7).
و إذا كان الأستاذ العثماني قد لمح، فإن الستاذ الأستاذ الدغرني قد فضل التصريح حين قال في نفس اللقاء وبنفس المرجع (ص9): "... ولماذا لم تتمّ مناقشة كيف أن إحداث المعهد عمل على سحب اختصاصات البرلمان في هذا المجال، وكذا الحكومة؟" ومن مظاهر الخطاب الملموس الذي يبين بأن هذا القبيل من الإشكالات الدستورية ليست مجرد مطارحات فقهية، ما ورد مؤخراً في مقال للأستاذ محمد الشامي تحت عنوان "الأمازيغية والمشروع الحكومي لإدريس جطّو" ("العالم الأمازيغي" عدد: 30، 31 دسمبر 2002، ص4)؛ يقول:
"... والتوجيهات الملكية الواردة في خطاب أجدير - خنيفرة أكثر وضوحا من سابقتها، وزادها وضوحا الظهير المحدث والمنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في مادته الثانية التي تؤكد على مسؤولية السلطات الحكومية والمؤسسات المعنية لإدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية وفي الفضاء الاجتماعي والثقافي وفي مجال التواصل والإعلام . فمسؤولية الحكومة هذه المرة محددة بظهير 1-101-1999. فأي إغفال أو تملص يطال تطبيق مقتضياته تكون مراقبة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمرصاد له. فالعمل الحكومي هذه المرة يكون بشراكة مع المعهد الملكي وتحت إشرافه لأن المعهد يعتبر سلطة عليا محفزة وفاعلة وموجهة لكل الوزارات المعنية، وكذا القطاعات والمؤسسات التابعة لها".
خلاصة الخلاصة هي أن الحركة الثقافية الأمازيغية قد قدمت الكثير للفكر المغربي المعاصر ولمسيرة تدرجه نحو ثقافة التعدد والتكامل. وإذا كان هذا الفكر قد تجاوز الآن الفلسفة والذهنية الأحاديتين على جميع الأصعدة، الثقافية والسياسية، فإنه لم يصل بعد إلى مرحلة التركيب التأليفي بين اللحظة ونقيضها. فإذا ساهمت الحركة الأمازيغية - إضافة إلى بقية أدبياتها- بــ"ميثاق أكادير" (1991)، ثم بــ"البيان الأمازيغي" (2000)، وهما محطتان رئيسيتان في طريق تأسيس الأطروحة النقيض للخطةِ الذهنيةِ الأحادية وزمن الوحدة القسرية الوحيدة القطب والاتجاه، فإن الفكر المغربي عامة بحاجة اليوم إلى أن يعقل نفسه ويعيد الوعي بذاته من جديد من خلال ميثاق ثقافي مغربي تساهم في بلورته كافة قوى المستقبل ويكون مستوعبا للمرحلة بمستحداتها ليشكل بذلك اللحظة التأليفية في أفق مطامح المستقبل. وأختم كلامي هنا بإيراد مقتطف، في هذا الباب، من مقال للأستاذ عبد الصمد بلكبير حيث يقول: "إن الميثاق الثقافي الذي لا يقل أهمية عن الميثاق السياسي أو الدستوري في نشأة وازدهار الأمم والدول، هو ما يحتاج أيضا، وفي كل حين إلى إعادة إنتاج وتركيب حتى يتلاءم، مثل غيره من المواثيق، مع المستجدات والمكونات المتجددة ضرورة، إن على المستوى المحلي الوطني أو الكوني المتمثل في تطور المعرفة والتقنيات الإنسانية، وإن عطب السياسي في شروطنا يكمُنُ في جزء من أسبابه في عطب الثقافي هذا" (مجلة "الملتقى"، عدد، 9-10، سنة 2002). الرباط 05 يناير 2003. ---------------------------------------------------------------------- (1) نشر هذا المقال على حلقتين في يومية "الأحداث المغربية"؛ (12 أكتوبر 2003)، (17 أكتوبر 2003) (2) المدلاوي ، محمد (2003) "نحو تدوين الآداب الشفهية المغربية في إطار الحرف العربي الموسع". أعمال ندوة الأمثال العامية في المغرب؛ تدوينها، و توظيفها العلمي والبيداغوجي. مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية – الرباط. سلسلة "الندوات".
#محمد_المدلاوي_المنبهي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسئلة حول اللسانيات والبحث العلمي بالمغرب (حوار)
-
هل من تعارض وطني بين إنصاف الأمازيغية وتأهيل العربية؟ (حوار)
-
موقع اللغة الأمازيغية من التعدد اللغوي بالمغرب
-
انطباعاتٌ عن طباع وطبوعٍ وإيقاعاتٍ من بايروت
-
عن اللقاء حول مسألة الديموقراطية في المملكة المغربية
المزيد.....
-
بعد اكتشاف أنه ضابط بنظام الأسد وتخفى على أنه سجين بتقرير شب
...
-
إسقاط طائرة عسكرية أمريكية -بنيران صديقة- فوق البحر الأحمر
-
-لن ندفع شيئا-.. لواء مصري يكشف تفاصيل صفقة الأسلحة الأمريكي
...
-
-دا شغل مخابرات-.. رسائل من السيسي للمصريين وتحذير من -مخطط
...
-
عدد مستخدمي منصة -بلوسكاي- يصل إلى 25 مليونا
-
اليانصيب الإسباني يعلن عن جوائز تزيد قيمتها عن 2.8 مليار دول
...
-
محمد علي الحوثي: الهجمات الأمريكية على اليمن إرهابية مدانة و
...
-
الولايات المتحدة.. رجل يرتكب جريمة وحشية بحق ابنه الرضيع
-
مجموعات استطلاع روسية تأسر جنودا أوكرانيين في دونيتسك
-
الموقف الصيني من فلسطين وإسرائيل بعد 14 شهر على حرب غزة
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|