مطالب الجماهير، تحولت الى حركة سياسية مضادة لها


سامان كريم
الحوار المتمدن - العدد: 6368 - 2019 / 10 / 3 - 21:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


اكثرية الجماهير في العراق لديها، مطالب قديمة وواضحة، من توفير فرص العمل الى الخدمات والقائمة تطول. هذا واقع العراق منذ الاحتلال الامريكي وسلطة البرجوازية للإسلام السياسي والمتحالفين معه. هذه السلطة، هي سلطة وليس دولة، سلطة لجمع من الميلشيات البرجوازية المختلفة. سلطة برجوازية اسلامية – قومية.
نزلت الجماهير مرة اخرى، وتوسع نطاق التظاهرات الى مدن وأقضية مختلفة، واحتلت المحافظات... الاجواء مهيئة للانفجار دائما، وهي مسألة موضوعية. الناس لديهم مطالب، وهناك اختناق سياسي واجتماعي واسع، فقط يستوجب" ضرب الدبوس" ليس مهما من يضربه، المهم سينفجر الوضع بسبب الحالة الموضوعية الراهنة من الفقر والبطالة وقلة الاجور واجواء من الاختناق السياسي. هذه هي صورة الاحتجاجات التي نعيشها في العراق.
من ضرب الدبوس في هذه المرحلة؟ ولماذا الان؟! لدينا تجارب سابقة حيث العبادي والصدر تجمعوا وقاموا بتحشيد الجماهير ... اليوم وفي هذه المرحلة هناك تيار العبادي" كتلة النصر" وجماعة الحكيم" ومعهم الصدر بصورة خجولة والقوى الاخرى في طرف القوى السنية القومية... هذا الاتجاه الذي لا يريد تدخل ايراني مطلق، بل يريده تدخلا تحت السيطرة او سيطرتهم... هذه القوى أقرب من المحور السعودي الامريكي من المحور الايراني، لكن لديها صلة وعلاقة مع إيران ايضا. الصراع بين القوتين او المحورين باق في مكانه... اليوم أصبح لصالح إيران... لماذا؟؟ وهنا وقت الدبوس. جاء بعد فتح معبر " البوكمال- القائم " الحدودي مع سوريا، وهذا يعني وصول إيران الى سوريا عبر الاراضي العراقية، ويعني كسر الحصار الاقتصادي عل سوريا، ويعني ان بناء طريق" طريق واحد، حزام واحد" الصيني تم تدشينه او بداية لتدشينها من الصين الى البحر المتوسط اي المياه الدافئة وقبل ذلك زيارة عبد المهدي الى الصين وعقد اتفاقات اقتصادية هذه هي القضية... الاجواء الاحتجاجية مهيئة منذ 2008....والجماهير لديها مطالب، من ينظمها او من يقودها او من يؤججها ويدفعها...؟! هذه القوى مجتمعة اقدمت على هذا الامر لتضيق الخناق على عادل عبد المهدي، وممارساته السياسية الاخيرة في فتح المعبر وعدد من التنقلات لقادة العسكريين المحسوب على المحور الامريكي، وتصريحه الصريح ضد اسرائيل، ومحاولات السعودية لضرب إيران في داخل العراق. المحور الامريكي وعبر القوى البرجوازية العراقية، يهدف الى عزل عبد المهدي او تحجيمه أكثر، او المجيء بشخص اخر على شاكلة المالكي بالعبادي في مرحلة سيطرة الداعش على الموصل.
الحركة السياسية الحالية لا علاقة لها بمطالب الناس بأية صورة من الصور. يقودها شبح، ينظمها شبح اخر، يمولها شبح عبر الفيسبوك والتويتر ... هذه الاشباح التي تصنعها البرجوازية، او أطرف من اطرافها تكسر او تدمر الطاقة المعنوية للجماهير، خصوصا ان تلك الاحتجاجات اصبحت متكررة...ولا يتحقق شيئا. المطالب واضحة ومحقة وعادلة. لكن لتحويل المطالب العادلة الى حركة احتجاجية نضالية يتحقق فيها مكسب ما!! يستوجب حركة اجتماعية محقة وعادلة ايضا. بهذا المعنى يحب ان تكون ثورية حقا. ليس بإمكان طرح المطالب العادلة في إطار غير اطارها.... لان ذلك يتحول الى شيء اخر تماما يتحول الى " اسقاط النظام؟!!!!" اي "النظام!!" ليس لدينا نظام حتى يسقط، لدينا دولة في طور التكوين، دولة برجوازية ناقصة، لا سيادة ولا قانون ولا مؤسسات، تديرها جملة او عدد من الميليشيات. عندئذ ومثل هذه الحالات نحن امام مطالب عادلة وحركة سياسية لا علاقة لها بالمطالب، وهذا قانون حركة التاريخ في مرحلتنا، حين تكون الطبقة العاملة غير حاضرة لتثوير الوضع والمجتمع. حين تكون المناخ الفكري والسياسي والتقاليد الاجتماعية السائدة، كلها لصالح الطبقة الرجعية الحاكمة، حين يكون المناخ الفكري والثقافي مجردا من التقدمية ومن الفكر الماركسي والتوجه الطبقي العمالي... الناس والجماهير الغاضبة يرددون وبالآلاف" لبيك يا حسين" و "ثورة حسين ضد زيد" و " اسقاط النظام" ويحرقون الاعلام الايرانية.... هذه حركة سياسية لا علاقة لها بمطالب الناس والجماهير، لا علاقة لها بتوفير فرص العمل ولا ضمان البطالة ولا ولا. الجماهير تموضعت فيها اي في هذا القالب الذي رسمتها البرجوازية. بهذا المعنى تشيأت الحركة باسم الاحتجاجات وهذه هي لعبة برجوازية ذكية خلال العقدين الماضين، حيث الساحة خالية من قوة ثورية عمالية تنشد لتغير الجذري.
قضية المشاركة الان او عدم المشاركة. هذه قضية بسيطة او ربما تكتيك بسيط لحركة سياسية معينة. القضية في فهم هذه العلاقة وهذه الهبات والغليانات الجماهيرية المتكررة، مع مطالب الجماهير وتطلعاتهم. القضية هي كيف يمكن تعبئة الناس وتربيتهم وفق مصلحتهم ومطالبهم، وكيف يكونون حركة منظمة. هذه قضية لا يتحقق بالنداءات والشعارات ورفعها، بل قضية عملية بحتة. حين تكون النظرية الثورية اوجدت تجسديها العملي في حركاتهم واحتجاجاتهم وتنظيمهم.
اما اليوم في الحالة الراهنة، يجب فصل الصف الاحتجاجي العمالي والجماهيري بالكامل عن هذه الحركة السياسية، فصلها عمليا وجغرافيا. عمليا وجغرافيا، يعني رفع مطالب الجماهير انفة الذكر، وبناء التجمعات التنظيمية الجماهيرية والعمالية في المحلات والمعامل والمؤسسات. هذا يعني عدم المشاركة في الحركة السياسية هذه التي تمثل صراعا مريرا وشديدا بين المحور الامريكي والايراني. يعني عدم المشاركة في الشوارع والساحات العامة. المناضلين الاحتجاجين يحولون انظار المجتمع الى مؤسسات الدولة وأحياء سكنية في سبيل كسب الجماهير وتنظيمهم والحيلولة دون وقوعهم في ذيل البرجوازية. انضموا في سبيل تحقيق مطالبكم في مكان عملكم ومعيشتكم.
بطبيعة الحال، ان الممارسات والسياسات القمعية لحكومة عبد المهدي مدانة، القتل وإطلاق النار مدان ويجب ان يحاكم المجرمون، ويجري تعويض كافة العوائل الذين قتل ابنائهم والذين جرحوا او تم القاء القبض عليهم... هذه الممارسات مدانة ويجب وقف حملة الاعتقالات فورا، ومنع مداهمة البيوت. انتهى.