من هو سلام عادل؟ (5)


ارا خاجادور
الحوار المتمدن - العدد: 5206 - 2016 / 6 / 27 - 18:12
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     

مع سلام عادل في موسكو
إنعقد المؤتمر الخامس لإتحاد النقابات العالمي سنة 1961 في موسكو، شاركت في المؤتمر رئيساَ لوفد الإتحاد العام للنقابات العمالية في العراق. وألقيت كلمة قصيرة لاقت إستحساناً لدى عدد من رؤساء النقابات، وذلك بفضل وتحت تأثير الحالة الثورية للنقابات العمالية العراقية.

وقبل إنتهاء المؤتمر دعاني السكرتير العام لويس سايان الفرنسي وڤيكتور غريشن رئيس المجلس المركزي للنقابات السوفيتية، وهو عضو في هيئة رئاسية الحزب البلشفي، وحضر الرفيق العزيز المرحوم إبراهيم زكريا أيضاً، وهو نقابي سوداني بارز و مشهور في كل الأوساط النقابية. إلتفت غريشن إليّ قائلاً: نحن نريد تشكيل سكرتارية الإتحاد لشؤون الشرق الأوسط ما تقول. وأردف: يوجد مرشحان أنت أو زكريا؟
فكان جوابي فورياً: زكريا.
وأضفت: أنا عائد الى بغداد بعد إنفضاض المؤتمر، لقد جئت فقط لحضور المؤتمر.
إنتهى الإجتماع وأصبح المرحوم زكريا هو سكرتير شؤون الشرق الأوسط، وبعد الإجتماع جائني الرفيق سلام عادل إلى فندق موسكو، وسألني لماذا رفضت.
قال: أنا اقترحت عليهم إسمك، وأنت قلت لهم أنك عائد إلى بغداد.
وأضاف سلام عادل: أنا عائد الى بغداد، وأريد أن يبقى عشرة رفاق على الدوام في الخارج يتداورون في المدارس الحزبية أو المنظمات العالمية وغيرها، سأرسل رسالة الى م. س. ليوافقوا على أن تدخل المدرسة الحزبية وننتظر. وبعد إنتظار أكثر من الشهر تقريباً جاء جواب م. س. بالموافقة.

دخلنا المدرسة الحزبية، وعاد سلام عادل إلى بغداد لقيادة الحزب. ومن الصعب جداً نقل كل تعليقات الأشقاء التي تعكس مدى الإعجاب بشخصية سلام عادل، وما يحملونه له من حب واحترام. كما إن وجوده لبعض الوقت في الخارج قد وضع الأشقاء في موقع الإطلاع عن قرب على تفاصيل الوضع في م. س. وعن النقد الذاتي الذي فرض على سلام عادل أمام ل. م. وكان الضغط منطلقاً من مواقع ذاتية في المحاسبة على أخطاء تكتيكية تحصل في أي حزب خلال العمل الحزبي دون ضجة أو ضحية أو إساءة لسمعة الحزب أو أعطاء سلاح بيد أعداء الحزب والاشتراكيه لاستغلالها، ولاحقاً وصفت الحالة بالجلد الذاتي وليس النقد الذاتي.

ما قام به سلام عادل بعد عودته الى بغداد، هو إقناع أعضاء ل. م. بضرورة إبعاد أعضاء ما عُرف بالكتلة اليمينية: زكي؛ بهاء؛ عامر؛ وأبو العيس، والأخير درج مع الثلاثة لعلاقاته غير المبدئية ضد تذبذب سلام عادل من منطلق يساري. وفي وقت لاحق وصلت رسالة إلى موسكو لمحاسبة عامر وبهاء، وتشكلت لجنة تحقيق من: عبد السلام الناصري مرشح م. س.، حسين سلطان، ثابت حبيب العاني وآرا الموجودين في موسكو. وجاء طلب محاسبة عامر وبهاء بعد محاسبة زكي وأبو العيس في بغداد.

وبعد كل ما حصل أستطيع القول: أن عودة سلام عادل إلى بغداد وإستلامه قيادة الحزب في ذلك الوقت، كانت كمن يذهب للإستشهاد بحكم الظروف القائمة في حينها، ولكنه كان يفكر فقط بإستمرارية العمل الحزبي بعد كل ضربة لأية جهة تعادي الحزب، وكان شاغله الأول ومركز إهتمامه أن يبقى الحزب قوياً ومتماسكاً.

ذكرت سابقاً وفي مناسبات عديدة دور الرفيق فهد وإجراءاته للحفاظ على إستمرارية الحزب، وذلك من خلال تشخيصه للقيادات البديلة لمختلف المهمات والهيئات الحزبية. وكان سلام عادل أيضاً يُعد البدائل لقيادة الحزب في حالة إستشهاده المتوقع.

رسالة عزيز محمد
كان الرفيق عزيز محمد قبل وبعد إستشهاد سلام عادل عضو م. س. في كردستان، ولم يكن في بغداد سنة 1959 أثناء مسيرة الأول من أيار ـ عيد العمال العالمي التي حولها أعضاء م. س. الموجودين في بغداد إلى مظاهرة حزبية سياسية محضة، خاصة بعد أن ردد المتظاهرون: (حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي).

كنّا عدد من الرفاق في موسكو سنة 1963 عشية الإنقلاب الفاشي، وبعد الإنقلاب وقف الإتحاد السوفيتي معنا وقفة أممية تستحق كل الثناء والإحترام والتقدير، وقدم الدعم والمشورة لإعادة بناء الحزب على أسس جديدة في ظرف فترة النضال ضد سلطة فاشية النزعة وأساليب. وقد إستقر الرأي على أن الرفاق التشيك لديهم خبرة في مواجهة ذات الظروف التي يمر بها حزبنا بعد إنقلاب شباط الدموي.

تم تشخيص ثلاثة رفاق لقيادة العمل، يرسلون إلى براغ أولاً للتدريب، وهم: حسين سلطان، ثابت حبيب وأنا. كان إسمي في المدرسة الحزبية محمد علي قاسم حسب جواز السفر الذي كنت أحمله، وتم تقسيم العمل بيننا من قبل رفاقنا القياديين الموجودين في موسكو.

بدأت دورة التدريب في مدينة تشيكية قريبة من العاصمة براغ، وخلالها إستفسر الرفاق التشيك: مَنْ منكم اسمه آرا خاجادور وسكانيان؟ ساد الصمت بعض الوقت، وأنا إستغربت من تعودي على الإسم، كما هو في الجواز، وكأني نسيت إسمي الحقيقي، نعم عودت نفسي على الإسم الجديد. قالوا: وصلنا من رفاقكم بأنك ستكون مسؤول صيانة الحزب.

كانت الدراسات النظرية والتطبيقات العملية متنوعة، وشملت حقولاً ومجالات عديدة، بما فيها إستعمال السلاح، ولقاءات مع قدامى المناضلين التشيك والسلوفاكيين، ومحاضرات ودروس خاصة في مجال أمن الحزب، وتحليلات علمية للأديان والقوميات، وتدريبات عملية أخرى تضمنت أكل لحوم الخيول وغيرها.

ذات يوم أخذوني الى براغ من المدينة التي كنّا نتدرب فيها، وهي تبعد نحو 60 كيلومتراً، وفي إحد بيوتهم الخاصة أعطوني ما يشبه سجارة اللف التي كنّا ندخنها في سجن نقرة السلمان. لم أستغرب تلك الدعوة حيث كنّا نحن الثلاثة في لقاءات متواصلة ومتكررة مع المدربين التشيك بصورة فردية وجماعية.

قالوا لي: إفتح هذه الورقة!
فتحت سيجارة اللف، وإذا بها رسالة.
قالوا لي: إقرأ أولاً من مَنْ هذه الرسالة؟
قرأت أسم المرسل، وقلت: من الرفيق عزيز محمد.
إستغربت، وسألت: كيف حصلتم على هذه الرسالة؟
إنها من رفيق عضو م. س. مسؤول كردستان إسمه عزيز محمد.

كان مسؤول الدورة ميلان سدلاك، وهو مساعد وزير الداخلية للشؤون الخارجية برتبة جنرال، أما مساعده ياروسلاف سولدان، وهو برتبة عقيد، وهما يتكلمان الروسية، والإنجليزية والجنرال يتكلم الألمانية أيضاً.
قال ميلان سدلاك: أولاً إقرأ الرسالة وترجمها.
سألت: لماذا أنا وحدي وليس نحن الثلاثة؟
قال الجنرال وهو يضحك: نحن لسنا مراسليكم، نحن عندنا مصدرنا الخاصة، كيف نحمل رسالة بدون معرفة ما فيها؟
وأضاف مزاحاً وبود: قد يكون فيها شي كيماوي أو شي ينفجر.

أنقل حالياً محتوى رسالة الرفيق عزيز، وليس لدي نسخه منها. أعتمد على الذاكرة، والرفيق حي يرزق، ويستطيع أن يُعلق عليها كما يريد، وحتماً أن الرسالة موجودة في أرشيف موسكو أو في براغ.

جاء في الرسالة: "فور إستلامي رسالة من الرفيق سلام عادل في أول يوم للإنقلاب الفاشي (يقصد إنقلاب 8 شباط/ فبراير سنة 1963) المعنونة: الى السلاح. إنتقلنا الى الكفاح المسلح، وبدأنا بتكوين فرق الأنصار، وجمع بعض قطع السلاح المتوفرة".

وبعد إعدام الرفيق سلام عادل حسب ما جاء في الرسالة: جرى الإتفاق مع الملا مصطفى البرزاني على مواصلة الثورة حتى نهايتها.

ويشير الرفيق عزيز في رسالته الى قيادة الحزب في الخارج، أو الأدق الرفاق القياديين في الخارج، بأنه قبل إعتقال الرفيق سلام عادل، وإستشهاده تحت التعذيب الوحشي:
"طلبت من الرفاق جمال حيدري ومحمد صالح عبلي بأن ينسحبوا إلى كردستان مؤقتاً، ولم يستجيبوا، يبدو كان عندهم مهمة في بغداد". وقدم الرفيق طلباً محدداً، وجاء في طلبه حسب تلك الرسالة: "نحن محتاجون الآن إلا ربع مليون دولار لا الى السلاح، لأن السلاح متوفر هنا، نحتاج الى الأموال لمساعدات عوائل المقاتلين".

تلك هي الجوانب الجوهرية التي تضمنتها الرسالة. وأنا كلما أسأل كيف وصلتكم تلك الرساله، وهي أول صلة بالداخل. كانوا يقولون: هذا ليس صعب علينا. وأكدوا أنهم سوف يرسلون العقيد إلى موسكو لطلب في نقل قيادتنا إلى أقرب نقطة الى كردستان.
قلت: ليس هناك حدود مشتركة بين القفقازي والعراق، وتبلغ المسافة نحو 200 ميل من نهر آراس الى حدود العراق.
قالوا: نعرف المنطقة. توجد قبائل كردية وقوافل تجارية تروح وتأتي، وعن طريقهم نقوم بنقل كل شيء والوصول اليكم.

عاد العقيد سولدان من موسكو وتحدث بالتفصيل عن موقف بريجينيف الذي كان محبطاً. قال سولدان: الرفاق في موسكو قالوا: الآن علاقتنا جيده مع شاه إيران، إذا إنكشف مثل ذلك العمل سيسيء الى تلك العلاقات. يُذكر أنه في تلك الأيام كانت زوجة الشاه ثريا تعالج في ريغا من أجل الإنجاب. أنا أعرف أن مدينة ريغا كانت مشهورة بعلاج النساء من أجل الإنجاب.
في حينها لم أستوعب الموقف، وتساءلت: هل ثورتنا مرتبطة مع قضية ثريا أم سياسة دولة أم شيء آخر؟

بعد فترة وجيزة جاءنا رفيقنا عبد السلام الناصري (أنور مصطفي) عضو مرشح م. س. مسؤول الخارج، وكان في المدرسة الحزبية أيضاً، وفي أوقات سابقة كان يمر علينا بين الحين والحين لنقل بعض الأخبار والمعلومات الحزبية، ولكن هذه المرة يبدو أنه يحمل غاية أخرى. إجتمع بنا نحن الثلاثة وعلامات التوتر ظاهرة عليه، أخرج الرسالة من جيبة وتوجه نحوي سائلاً: هذه الرسالة أنت ترجمتها؟
قلت: بلى.
قال: لماذا أنت وحدك؟
وأضاف: لماذا لم تُسلم الرسالة إلى أبو علي لكي يرسلها لي إلى موسكو؟
شرحت الموضوع. وقلت له: هم طلبوا ذلك، وهم الذين جلبوا الرسالة.
قال: هذه الرسالة بها رائحة البارود. ووضع الرسالة على أنفه وهو يشمها.
وأضاف: هذه الرسالة مكتوبة من خلف السوبيرات (الخنادق).

هذا الوضع أثارني، وقارنت بين جواب بريجينيف ورسالة السوبيرات، فيما بعد توضحت لي الحالة نسبياً بسبب كثرة نقاشاتي في المجالات السياسية والفكرية مع رفيقنا حسين سلطان، وهو مسؤول الدورة، وكذلك من خلال زيارة رفيقنا انور مصطفى، وكان رفيقنا ثابت حبيب حمامة السلام كالعادة في تلك المعمعة. بعد كل الإجتماع أحث أبا حسان على أن يتكلم مع الرفاق، ولكن ظهر فيما بعد بوضوح أن خطوط ما عُرف بخط آب بدأت تتكامل.

إن موقف عزيز محمد من موضوع سمة العصر عبر عنها بقوله المعروف: "إنها لم تصل إلى كردستان بعد".

على أي حال كانت مساهمة الرفاق التشيك في دعمنا كبيرة، حيث وفر لنا الحزب الشقيق من خلال مسؤول الدورة الجنرال ميلان سدلاك مساعد وزير الداخلية التشيكوسلوفاكي للشؤون الخارجية فرصة أن يعقد الحزب إجتماعاً يضم الرفاق أعضاء ل. م. الموجودين في الخارج ومن إلتحق بهم من الداخل، إذ من غير الممكن أن يكون الحزب بلا قيادة؟