|
إضرابات بدون هدف و تنظيم، لا شيء
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 1948 - 2007 / 6 / 16 - 10:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ فترة كتب الأستاذ الفاضل إبراهيم عيسى، مقالاً في جريدة الدستور المصرية، إطلعت عليه من خلال موقع حركة كفاية، بعد أن تعذر علي الوصول لأي موقع للجريدة، كتب فيه، و روح الإحباط تبدو إنها كانت الغالبة علية ساعتها، ما خلاصته: ان كافة الحركات التي بدأت مطالبة بالتغيير في مصر، قد إنتهت تقريباً، فحركة القضاة خمدت، و لم يعد هناك أمل في التغيير الشامل سوى في إنتظار ما سوف تسفر عنه الإضرابات العمالية المتتالية، التي ربما تؤدي للتغيير المرجو، فتوقظ الشعب من سباته. ليسمح لي الأستاذ إبراهيم عيسى في أن أختلف معه، لأقول بأن الإضرابات العمالية وحدها لن تؤدي إلى شيء ذي بال، بل و حتى لو كان في كل شهر إضراب عمالي، في مصنع مختلف، و مدينة مختلفة، فلكي ندرك ما ستؤدي إليه تلك الإضرابات، يجب أن نضعها تحت المجهر، لندرسها، سواء من ناحية طبيعتها، أي اسبابها، و مطالبها، و تنظيمها. الإضرابات العمالية الحالية تكمن أسبابها في أسباب ضيقة، و إن كانت مهمة لأصحابها، و لكن أعني بكلمة ضيقة، علاقتها بمجموع الشعب المصري، فالإضرابات الحالية لم تقم سوى لأسباب متعلقة بلقمة عيش أصحابها، من صرف مستحقات، من رواتب متأخرة، أو علاوات مستحقة، أو خوف من صرف جماعي من الوظائف، ليس أكثر، و لا أقل، إنها لا تتعلق بنظرة شاملة للقضية المصرية، أي لا تتعلق بنظرة أصحاب الإضرابات للأسباب الحقيقية، و العميقة، لتدهور أحوالهم المعيشية، أي لا تنظر لأخطاء النظام المباركي الحاكم، و أنه السبب الحقيقي في كل ما ألم بهم، و بغيرهم من قطاعات الشعب. مثلما تفتقد تلك الإضرابات الصلة بالمطالب الشعبية، من حرية، و تبادل للسلطة، و حرب على الفساد، و عدم الإذعان للخارج، أكان لأمريكا أو لآل سعود، بهذا الشكل المهين الحالي، فالإضرابات تبدو كالجزر المنعزلة، لأصحابها نظرتهم الداخلية البحتة، و لا صلة لهم بالعالم المحيط بهم، و لهذا أيضا، إفتقدت إضراباتهم للدعم الشعبي، من القطاعات الأخرى، كالطلاب، أو حتى بقية العمال، الذين إما عانوا من سكين الخصخصة، على الطريقة المباركية، أو ينتظرون في طابور المذبح المباركي، ليتم ذبحهم مثل من سبقوهم. لكي تنجح الإضرابات في تغيير الواقع المصري، و قبل أن نضع عليها أمل مخادع، و ننتظر ما لن يأتي، فعلينا أولاً، أن ننظمها، فبدون تنظيم و تنسيق، فلا أمل في شيء، و سوف تظل مجرد إضرابات، تنتهي بعد قليل من التنازلات الحكومية التافهة، أو التهويش بعصى الحكومة الغليظة. الإضرابات العمالية تحتاج قيادة واعية، قيادة مشتركة، تضم العمال، و الطلاب، و المثقفين، و المزارعين، و كافة قطاعات الشعب المصري، تقوم بالتثقيف، لتوضيح عمق المأساة التي يعيش في ظلها الشعب المصري، و أسباب تلك المأساة، و الطريق الأوحد للخروج منها، أي بثورة شعبية، مما يعني بث الطموح في النفوس الغاضبة لما هو أكبر من صرف منحة، أو علاوة، أو مجرد إستجداء الحفاظ على وظيفة، أو إعادة طلاب مفصولين ظلماً إلى صفوفهم الدراسية، مثلما تلك الثورة ا تحتاج للتثقيف الجماهيري، و تهيئة الشعب، فإنها تحتاج لأمور إدارية مثل التخطيط، و التنظيم، و عملية الإرتباط بين القطاعات المختلفة، حتى إذا حان الحين، كانت العاصفة التي تطيح بهذا النظام المهترئ. كافة الثورات الشعبية الناجحة، إحتاجت نفس المتطلبات الأساسية لتثمر، فقط الأمر يتعلق بالمرحلة التاريخية، و كيفة تطبيق تلك المتطلبات، سواء كانت تلك الثورة هي الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، أو الإيرانية في القرن العشرين، أو ثورات شعوب شرق أوروبا، أو ثورات الشعب المصري في العصر الحديث. قبل ثورة 1805، و قبل قدوم الحملة الفرنسية، مر الشعب المصري بمرحلة إضرابات مماثلة، نتيجة فساد بكوات المماليك الذين أحكموا سيطرتهم على مقاليد الأمور، و تقاسموا السلطة مع الباب العالي العثماني، فالحكومة الإسمية كانت للعثمانيين و الفعلية لبكوات المماليك، حتى أُطلق على القرنين السابع عشر، و الثامن عشر، الميلاديين، و بخاصة القرن الأخير منهما، العصر المملوكي - التركي، في ذلك العصر حدث الكثير من الغلاء في المعيشة، ليس بسبب إنخفاض النيل، بل في أكثر الأحوال بسبب الفساد، مثل المضاربات في العملة، و تخفيض قيمتها، كالذي تم حين تم تخفيض قيمة الجنية المصري مقابل الدولار في العصر الحالي، لصالح رجال الأعمال الذين أخذوا من البنوك قروض بالجنية المصري، حين كان سعر الدولار ثلاثة جنيهات و ثلاثين قرش، و سددوا للبنوك حين وصل سعر الدولار، في فترة، إلى سبعة جنيهات، قبل أن ينخفض بعض الشيء للسعر الحالي، في العصر المملوكي – التركي كان هناك أيضاً تلاعب في قيمة العملة، و مضاربات أضرت بالطبقتين الوسطى و البسيطة، من أجل أن يغتني ذوي النفوذ، و لكن كانت هناك يقظة شعبية، و كان هناك إضرابات، لو عددناها لصدمت كل من يظن بأن الشعب المصري شعب مستكين، كما يروج البعض، لغرض معروف في نفوسهم. على سبيل المثال، و ليس الحصر، ثار سكان القاهرة ضد فساد النظام الحاكم في عصرهم، و ما نتج عنه من غلاء في المعيشة، في الأعوام التالية:1667، و 1677، و التي مات جراءها ثلاثة عشر شخصا نتيجة القمع الوحشي، و في 1695، و في 1715، و 1722، و 1723، و في 1724، و في 1733، ثم تطورت تلك الحركات من مجرد حركات شعبية غير منظمة إلى تطور سياسي في 1777، ثم في إحتجاج عام 1786، الذي فرض فيه الشعب، ممثلاً في زعماء حركته الشعبية، شروطاً إقتصادية على بكوات المماليك، ثم يستمر الرسم البياني في الصعود لأعلى، مع دخول الحملة الفرنسية، و ما حملته من أفكار الثورة، لتندمج تلك الأفكار مع التطورات التي حدثت في أسلوب الإحتجاج، و ظهور قيادات شعبية مصرية، ليتوج هذا في ثورات القاهرة ضد الفرنسيين، ثم ثورة مصر الكبرى الأولى، في 1805، و إختيار الشعب لحاكمه، و فرضه لإرادته الشعبية على الجميع. من إستعراض ذلك التاريخ يمكننا أن نلحظ إن الإضرابات الشعبية، التي تحركها المعدة الخاوية، لو تركت على حالها، لما أثمرت شيئاً، و لإستمرت مجرد إضرابات، تنتهي إما بالتلويح بإستخدام القوة، أو بإستخدامها بالفعل، أو ببعض التنازلات، أو بدمج سياسة التلويح بالقوة، مع بعض التنازلات، تلك السياسة المسماة بالعصا و الجزرة. بوجود القيادة الشعبية الفعالة، مع تطور الوعي الشعبي، و نضوجه، تطورت الإضرابات إلى شروط إقتصادية فرضت على الحكام، كما في عام 1786، ثم بدخول أفكار التنوير الثورية مع الحملة الفرنسية، و في نفس الوقت إدراك الشعب المصري بأنه من قام حقيقة بمقاومة الفرنسيين، كما في ثورتي القاهرة، و تمرد السيد عمر كريم في الأسكندرية، و كل التمردات المسلحة في كافة محافظات مصر، و التي أصبح ذكرى بعضها أعياد قومية لبعض المحافظات اليوم، ثم تنظيم القيادات الشعبية نفسها في قيادة واحدة فعالة، تتحدث بصوت واحد، مع توفير دعم مسلح من سكان بعض الأحياء مثل حي الحسنية بالقاهرة، لحماية الثورة، و مقاومة القوات الموالية للحكام، كل هذا كان سبب في نجاح ثورة 1805، و تحول الأمر من مجرد هياج جماعي للجياع، كما في تمردات القرن السابع عشر، إلى ثورة أتت بمصر الحداثة. الأمر لا يختلف مع ثورة 1919، التي لولا القيادة الجماعية، و التنظيم الطلابي السري، الذي نشر أفكار الثورة في حواضر مصر و ريفها، و ربط تذمر الريف المصري، مما حدث من سخرة في أثناء الحرب العالمية الأولى، بمطالب الإستقلال، لما كانت هناك ثورة 1919، و ما كانت هناك فترة 1923 - 1952 الذهبية، و لتأخر إستقلال مصر، فبدون التنسيق، لكان تمرد الريف المصري على نظام التجنيد الإجباري إنحصر في بعض التمردات المسلحة، و قلب للقطارات، و قطع للسكك الحديدية، و لإستمر مثقفين في كتاباتهم، و بعض الثوريين في إغتيالاتهم لعساكر الإنجليز، و لكن بلا فائدة تذكر، لأن كل تلك الأساليب كانت مطبقة منذ دخول البريطانيون لمصر، و لم تفلح سوى الثورة الشعبية، في الإتيان بنتائج قيمة. أيضاً بدون تنسيق، و وضع أهداف كبيرة، و رفض مطلق للتنازل عن تلك الأهداف، و الإستعداد للتضحية، و ربط طموحات كل فئة بفكرة التغيير الجذري، فإن الإضرابات العمالية، سوف تظل مجرد إضرابات عمالية، متقطعة، تنفض ببعض الإعتقالات، و في أفضل الأحوال، ببعض الفتات، بصرف بعض المستحقات، و منح بعض العلاوت، و وعود كاذبة بعدم تسريح العمالة. الإضرابات العمالية، سوف تلحق بإحتجاجات القضاة، و مظاهرات الطلاب، مادمنا نفتقد للأهداف الكبيرة، و القيادة الجماعية المنظمة، و الإصرار على التغيير، و هو ما توافر في حركة تضامن العمالية في بولندا، التي أسهمت، مع عوامل أخرى، في تقوض النظام الشمولي هناك، و هو ما توافر أيضا في ثورتي 1805، و 1919، و كافة الثورات الناجحة. ان ما تحتاجه مصر أولاً هو الهدف الكبير، و الإرادة الصلبة، و التمسك بهما في كل مراحل الإعداد، و الصراع، و ليس بعض الإحتجاجات على تجاوزت الشرطة، أو فصل بعض الطلاب، أو تسريح مجموعة من العمال، أو تلفيق تهمة لبعض النشطاء.
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر ليست أحادية الإنتماء
-
الإنقلاب العسكري المصري القادم، أسبابه و مبرراته
-
حمر عيناك، تأخذ حقوقك
-
حد السرقة في الفقه السعودي
-
السيد أحمد فؤاد و السيد سيمون
-
ضجة رضاع الكبير فرصة لإحياء الإسلام
-
مواطنون لا غزاة
-
معالم النهاية تتضح
-
الإنتظار لن يأتي بخير
-
للأجنة الحق في أن تحيا أيضاً
-
إتحاد المتوسط، حلم يكمن أن نبدأ فيه
-
مؤتمر شرم شيخ المنصر، و الضحك على الذقون
-
العدالة ليست فقط للأكثر عدداً أو الأعز نفراً
-
عودة الوعي الباكستاني، هل بداية لإنحسار الوهابية؟
-
الخلافة السعودية
-
حتى لا يكون هناك زيورخ 2007، إنسوا إنكم أقليات
-
شم النسيم و عيد المائدة، من وجهة نظر إسلامية
-
مع حماية الملكية الخاصة بشرط
-
مفهوم الإستقلال بين الماضي و الحاضر
-
وداعاً سيادة المستشار المحافظ
المزيد.....
-
تعود إلى عام 1532.. نسخة نادرة من كتاب لمكيافيلّي إلى المزاد
...
-
قهوة مجانية للزبائن رائجة على -تيك توك- لكن بشرط.. ما هو؟
-
وزيرة سويدية تعاني من -رهاب الموز-.. فوبيا غير مألوفة تشعل ا
...
-
مراسلنا: تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيرو
...
-
الرئيس الأمريكي: -أنا زوج جو بايدن.. وهذا المنصب الذي أفتخر
...
-
مسيرة إسرائيلية تستهدف صيادين على شاطئ صور اللبنانية
-
شاهد.. صاروخ -إسكندر- الروسي يدمر مقاتلة أوكرانية في مطارها
...
-
-نوفوستي-: سفير إيطاليا لدى دمشق يباشر أعماله بعد انقطاع دام
...
-
ميركل: زيلينسكي جعلني -كبش فداء-
-
الجيش السوداني يسيطر على مدينة سنجة الاستراتيجية في سنار
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|