|
هل هناك مؤامرة على الترجمةإلى اللغة العربية ؟
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 1923 - 2007 / 5 / 22 - 11:08
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
عاتبتُ أحد أصحاب المطابع قائلا : لماذا لا تساهمون في النشاط الثقافي بطباعة [ الكتب الثقافية ] .. فكل ما تطبعون ، يدخل ضمن النشاط التجاري ؟ وسردت عليه الدور الخطير الذي تلعبه المطابع في الحياة الثقافية ، وقلت له : إن من أهم مقاييس التقدم في عالم اليوم ( استهلاك الفرد من الورق ) ! ففي الولايات المتحدة يستهلك الفرد في المتوسط ستمائة كيلو غرام من الورق ، وفي بريطانيا أقل من ثلاثمائة كيلو غرام ، وفي ألمانيا يستهلك الفرد مائتين وخمسين .. أما في مصر ، وهي البلد العربي الوحيد الذي أجرى [ الاستبانة ] في نهاية عام 1990 ، وأشار إلى ذلك د. شعبان خليفة في كتابه النشر العام فيبلغ متوسط استهلاك الفرد ، سبعة كيلو غرامات فقط ! وواصلت : أتعرف النسبة المئوية للنشر في العالم العربي ، من مجموع النشر العالمي ؟ إنه أقل من واحد في المائة فقط ، كما أن هذا الواحد في المائة ، ثلثه كتب تعليمية ومدرسية ومهنية !!
فردّ متسائلا : بالله عليك أين الكتب الثقافية ، التي تقصدها ؟… وهب أنها كانت متوفرة فمن يسوّقها ، ومن يشتريها ؟ .إن الثقافة – في عالم اليوم – تجارة أيضا .. فهل تظنّن بأن أصحاب المطابع يجهلون دورهم في الثقافة ؟ فهم حين يقارنون بين الخسارة الماحقة ، إذا تخصّصوا في الطباعة الثقافية ، وبين الربح الوفير إذا تخصصوا في طباعة البطاقات المذهبة ، وأغلفة البضائع المصقولة ، والموشاة ، والجرائد والمجلات [ المخملية] التي تكون ألبوم صور لأصحابها ، وأتباعها ، ومريديها ، ومموليها ؛.. فإنهم سيختارون الربح ، بلا شك ، أليس كذلك ؟ قلت : لا أحد ينكر الربح باعتبار المطابع مشروعا تجاريا ، غير أن الربح ،لا يجب أن يكون الغاية ، لأن المطابع تصوغ مستقبل الأمم ، فيخلد أصحابها إذا ساهموا في هذه الصياغة ، ويتحولوا من طبقة التجار ، إلى طبقة المثقِّفين ( بكسر القاف ) واستطاعت بعض المطابع أن تتحوّل من ( آلية مطبعية ) تفاخر بأحدث الآلات ، إلى آلية ثقافية ، تفاخر بأروع الإبداعات الخالدة ، كما حدث مع شركة آشيت الفرنسية ، وبنجوين ، وماك غراو العالمية ، ودار المعارف، حتى الهيئة المصرية العامة للكتاب .. وتمكنت بعض المطابع الثقافية من تكوين جماعة [ سدنة الكتاب ] ويتكون سدنة الكتاب من المنقبين عن الكتب ، والباعثين لهمم المؤلفين ، والمنضدين ، والمزينين ، والمصححين ،والمخرجين ، والطابعين ، والمعلنين ، حتى المسوِّقين هذا العقد الثقافي الثمين ، يمكن إعادة بعثه للحياة من جديد كمشروع ثقافي وطني ، ينبغي أن تعطى له الأولوية ، وبخاصة في مجتمعنا الفلسطيني الوليد ، الذي ينبغي أن يكون غذاؤه في فترة الميلاد ، غذاء ثقافيا مكونا من بروتينات [ التراث الثقافي ] وفيتامينات [ الثقافة المعاصرة ] .. ويجب أن يقوم آباؤه بأنفسهم بعملية التغذية . فلا يعقل أن قطاع غزة ، الذي يسكنه مليون وأكثر ، ليس فيه سوى مشروعين هيكليين شخصيين للنشر ، لم يتمكنا من إثبات وجودهما بعد بشكل عملي . بالإضافة إلى ما سبق يبدو أن يدا [ آثمة ] نجحت في "شلّ " قدراتنا على الترجمة .. فلا أجد تفسيرا مقنعا يفسر لي المعضلة التالية : تمتليْ جامعاتنا ومعاهدنا بالمتخصصين في مجال اللغات العالمية ، وتقوم في كل عام بتخريج آلاف المجازين في اللغات العالمية ، ويعود لنا آلاف المبعوثين من البلاد العالمية ، وهم يتقنون لغات البلاد ، التي تعلموا فيها ؛ وفي الوقت نفسه ، لا نجد كتابا واحدا قام هؤلاء الخريجون ، والمبعوثون ، والمحاضرون بترجمته إلى لغتنا !! فهل يرجع ذلك إلى خلل في قدراتهم اللغوية ، وعدم تمكنهم من امتلاك ناصية اللغات ؟! .. أم أنهم يحجمون عن الترجمة ، ضنا منهم على مجتمعهم ، ورغبة في احتكار مصادر معلوماتهم ؟!أم أن الترجمة لم تعد مطلوبة لأننا جميعا ضالعون في اللغات ، وقادرون على قراءة الكتب بلغاتها الأصلية ؟! أم أن يدا آثمة " مجهولة الهوية " لا ترغب في أن يقوم هؤلاء بتثقيف أبناء جلدتهم ، حتى يظل الجاهلون جاهلين ، والخاملون خاملين ، لتبقى السيادة ، والرفعة والرقي بيد " السيد الأعظم " ؟! اعتمادا على القول المشهور :[ المعرفــــــــة سُلطةٌ ] واحتكار وسلطة المعرفة أقوى من كل السلطات .. فسلطة القيادة ، وسلطة الانتصار في المعارك ، وسلطة الأعراق والأنساب ، وسلطة الرعب ؛ سلطات مؤقتة زائلة ، لا تدوم … لكنّ سلطة المعرفة ، سلطة أبدية ؟! هل يُعقل أن يطبع في أمريكا في العام أكثر من خمسة وثمانين ألف عنوان في العام ، بينما تطبع مصر ، وهي الدولة العربية الأكبر ثمانية آلاف كتاب ؟! وهل يُعقل أيضا أن تطبع مطابع قطاع غزة خلال سنتين ونصف السنة ، والتي يبلغ عددها أربعين مطبعة مائتين وثمان وخمسين كتابا فقط لا غير ، حسب إحصاء دائرة المطبوعات والنشر في وزارة الإعلام .. والمؤلم ؛ أن أقل من نصف العدد السابق محسوب على الثقافة ، لأنه إبداعات فردية . أما في مجال الترجمة فلم يطبع سوى كتابين مترجمين فقط بجهد شخصي ؟!! قصاصات - الاستثمارات في مجال الثقافة مربحة ، ولكن ربحها ليس عاجلا - اشترط الخليفة المأمون على ملك الفرنجة ، بعد موقعة عمورية كشرط للصلح أن يسلمه المخطوطات التي لم تترجم إلى اللغة العربية بعد .. ليقوم – طبعا – بترجمتها ! - لا تقاس المؤسسات الثقافية ، والجامعات بعدد خريجيها بل تقاس بإشعاعاتها الثقافية المتنوعة !
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من فنون اللجوء الفلسطيني
-
عجائب ثقافية
-
بلاد الفرز ... والحراسات
-
ابتسم .. أنت في غزة
-
وجادلهم ..... بالمتفجرات
-
علاقة الأحزاب الفلسطينية بمنظمات المجتمع المدني
-
هل الإحباط مرض عربيٌ ؟
-
هل أنظمة الاختبارات التقليدية إرهاب ؟
-
المرأة بين الحقيقة والخيال
-
المبدعون قرون استشعار
-
إحراق الكتب في فلسطين
المزيد.....
-
صور سريالية لأغرب -فنادق الحب- في اليابان
-
-حزب الله-: اشتبك مقاتلونا صباحا مع قوة إسرائيلية من مسافة ق
...
-
-كتائب القسام- تعلن استهداف قوة مشاة إسرائيلية وناقلة جند جن
...
-
الجزائر والجماعات المتشددة.. هاجس أمني في الداخل وتهديد إقلي
...
-
كييف تكشف عن تعرضها لهجمات بصواريخ باليستية روسية ثلثها أسلح
...
-
جمال كريمي بنشقرون : ظاهرة غياب البرلمانيين مسيئة لصورة المؤ
...
-
-تدمير ميركافا واشتباك وإيقاع قتلى وجرحى-..-حزب الله- ينفذ 1
...
-
مصدر: مقتل 3 مقاتلين في القوات الرديفة للجيش السوري بضربات أ
...
-
مصر تكشف تطورات أعمال الربط الكهربائي مع السعودية
-
أطعمة ومشروبات خطيرة على تلاميذ المدارس
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|