|
العرب بعد أربع سنواب من غزو العراق
محمد مصطفى علوش
الحوار المتمدن-العدد: 1886 - 2007 / 4 / 15 - 11:49
المحور:
ملف / الكتاب الشهري - في الذكرى الرابعة للغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري , العراق إلى أين؟
يمر علينا اليوم التاسع من إبريل وسط جدل حاد ونظرة متناقضة بين مؤيدي الغزو الأمريكي للعراق -وما أقلهم- وبين معارضي هذه الحرب وما أكثرهم عرباً وعجماً.
سقطت بغداد، فسقط العراق، فطُويت صفحة من تاريخ العرب بحُلوها ومرّها وجدلها الدائم، وها هو اليوم التاسع من إبريل يعود، فلا العراق هو العراق، ولا العرب هم العرب، ولا دول الجوار هي دول الجوار. الشرق الأوسط بعد سقوط بغداد ليس هو الشرق الأوسط الذي قام قبله. إنه الشرق الذي يشهد ولادة إيران العظيمة وذل أمريكا المتعجرفة وضياع العرب الذين اكتشفت معظم أنظمتهم أن إسرائيل العدوة التاريخية لهم ولقوميتهم ودينهم لم تكن كذلك، بدؤوا يعترفون ضمناً أنهم كانوا مخطئين، وأن إسرائيل دولة جديرة بالاعتراف بها لو أرجعت لهم بعض حقوقهم التي سلبتها منهم طيلة (40) سنة أو يزيد!!
ها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت و-بحسب ما تنقل عنه صحيفة يدعوت احرنوت اليوم -على قناعة بأن الحرب الأخيرة على لبنان أوجدت بداية تحركات، وتقديرات جديدة للوضع، مقترحاً دراسة ما يحصل في "الدول العربية المعتدلة" هذه الأيام، وبحسبه، فمن الممكن أن تكون هذه الدول قد أدركت أنها على خطأ حين اعتقدت طوال الوقت أن إسرائيل هي الهدف الذي يجب القضاء عليه، في حين أن الإسلام الأصولي هو الذي يعرض حكوماتها للخطر، وها هي باتت تنظر إلى إسرائيل في سياق جديد، لم يكن قائماً في الماضي.
فهل بات العرب والعراقيون منهم لا يعرفون أين تكمن مصالحهم؟ وهل دخلوا في مرحلة ما يعرف بـ" أرذل العمر" التي تجعل من حق الحاكم – ولعله اليوم الولايات المتحدة وإسرائيل- الحجر عليهم؟! فمن يتابع تعليقات وتصريحات وانطباعات الساسة والمهتمين بالشأن العربي عموماً والعراقي خصوصاً يُصاب بالذهول من التناقض في النتائج والتقييم بين بغداد قبل التاسع من إبريل 2003 وبغداد اليوم! قد لا تعجب حين تسمع جورج بوش يصف العراق اليوم بأنها أفضل حالاً مما كانت عليه أيام صدام، وأن العالم اليوم أكثر أمناً، ولكن ما يثير أشد العجب أن تسمع عراقيين ممن يذيلون أسماءهم بمديري مراكز وبحوث سياسية يصفون اليوم التاسع من إبريل بأنه يوم الظفر، يوم القضاء على أعتى الديكتاتوريات في الشرق الأوسط، يوم القضاء على الأنظمة الشمولية القمعية في الوقت الذي يراه آخرون إعلان موت العراق وتحوله إلى عراقيات شيعية وسنية وفارسية وعربية وكردية.
إنه زمن التناقضات ، بل زمن الاستخفاف العربي، وزمن الاستخفاف بهم. فالولايات المتحدة الأمريكية التي تُعدّ المسؤولة اليوم ـ قانونياً ودولياً وأخلاقياً ـ عن مأساة العراق بكل أبعادها، حين حلّت الجيش العراقي، وأمرت باجتثاث البعث قبل صدور قانون ينظم الأحزاب، وفتحت الأبواب للطائفيين واللصوص والتكفيريين والقتلة عبر الحدود، وسلمت العراق للمخابرات ـ ليست الإيرانية فحسب ـ بل من كل دول المنطقة، وبشكل خاص الموساد الإسرائيلي، و"سلمت المليارات لحكومات انتقالية شكلت على أسس المحاصصة الطائفية، وراحت تغض الطرف عن الانتهاكات البشعة لقوات وزارة الداخلية تحت قيادة بيان جبر"، وهي نفسها التي تحمّل جيران العراق المسؤولية عن إخفاق العملية السياسية هناك فتقرير بيكر-هاملتون يلقى باللوم على العراق وجيرانه؛ إذ يقول: "جيران العراق لا يعملون بالقدر الكافي لتمكين العراق من تحقيق استقراره، وبعضهم يقوّض الاستقرار"!! فـ"عراقنا اليوم" – كما يحلو للمنخرطين في العملية السياسية تسميته- يشهد تهجير أكثر من مليوني عراقي لسوريا والأردن وغيرها، وقتل ما يزيد على (660) ألف عراقي، ومعدل التضخم بلغ 60%، وبطالة تتراوح بين 25 – 50% و47% من أهله لا يحصلون أبداً على إمدادات كافية من الكهرباء، و 70% منهم يعانون من سوء خدمات الصرف الصحي، فضلاً عن سرقة ما يزيد عن (36) مليار دولار على يد وزراء الحكومات المتعاقبة منذ التاسع من إبريل عام 2003 وحتى اليوم.
مع كل هذه الإحصائيات الموثقة والتي قامت بها مؤسسات غربية محايدة ترى وزير الخارجية العرقي هوشيار زيباري يقول في ذكرى سقوط بغداد "إن اليوم التاسع من إبريل كان يوماً عظيماً يحتفل به الشعب العراقي؛ لأنه يوم سقوط النظام الذي قمع شعبه لثلاثين سنة ماضية"، طبعاً السيد زيباري يصرح بكلامه هذا في نفس اليوم الذي ينظم فيه مناصرو مقتدى الصدر تظاهرة ضد الاحتلال في الجنوب، في حين يُفرض حظر التجوال في المدينة التي سقطت في هذا اليوم عام 2003 م.
قد لا يكون غريباً أن تسمع هذا الكلام من مسؤول عربي؛ لأننا تعودنا على تصريحات الساسة العرب، أما أن تسمع مثل هذا الكلام من مؤسسات عربية تُعنى بالبحث العلمي فهذا شأن آخر.
نعم لا يزال في عالمنا العربي أناس يناطحون السحاب بعنادهم محاولين ليّ عنق الحقائق؛ لأنها لا تتفق مع أهوائهم ورغباتهم، فهذا "طالب الرمّاحي" مدير "المركز العراقي للإعلام والدراسات" يقول بأنه لا وجود لمقاومة عراقية، وإنما هناك تمرد ضد حكومة منتخبة من قبل (12) مليون عراقي، بل ويذهب إلى حد اعتبار استهداف القوات الأمريكية في العراق هو إرهاب وتمرد وليس مقاومة، لأن وجود هذه القوات الأمريكية وغيرها جاء بناء على قرارات الأمم المتحدة، وهو يحمل شرعية دولية، على الرغم من تأكيد الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان بأن الوجود الأمريكي في العراق يتنافى مع دستور الأمم المتحدة الذي يمنع من مهاجمة دولة لدولة مستقلة.
لا أدري إذا كان هذا وأمثاله من المتأمركين الجدد قد قرؤوا ما نقلته صحيفة الاندبدنت البريطانية عن مؤسسة إحصائية في 17/5/2005 بأن 90% من الضحايا المدنيين الذين سقطوا في العراق كان على يد الجيوش الأجنبية الموجودة على الأرض العراقية، أما علموا أن الاحتلال الأمريكي للعراق تحت ذريعة الدفاع عن النفس بوجه القاعدة وأسلحة الدمار الشامل العراقية سقطت بعد أن أكدت الوثائق بأن صدام لم يكن له علاقة بالقاعدة لا من قريب ولا من بعيد، وأن ما كان يُعرض من صور لمنشآت أسلحة الدمار الشامل العراقية لم تكن سوى خدعة اعترف بها وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن بول!!
فهل حالة التردي التي وصل إليها الوعي العربي السياسي تسمح له باستمرار تصديق ما يروجه المسؤولون الأمريكيون للشعب الأمريكي بأن العراق كان على علاقة بالقاعدة، وأن احتلاله كان بدافع حماية البشرية من عصابات الإرهاب؟
في ذكرى سقوط بغداد، هل نصدق مناصري الحكومة العراقية بأن العراق اليوم يعيش انفتاحاً سياسياً حيث الأحزاب تعمل بحرية، مفتخراً بأن العراق الدولة الوحيدة التي ليس فيها وزارة للإعلام التي من مهامها مراقبة الصحافة.. أم نصدق مرشحة الديمقراطيين لرئاسة البيت الأبيض هيلاري كلينتون زوجة الرئيس السابق بيل كلينتون بأنه ينبغي على بوش الإقرار بالإخفاق في العراق، والاعتراف بأن ما يجري هو حرب أهلية، الأمر الذي اعتبره مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، (ز. بريجنسكي)، بالخطوة الأولى للانتحار ليس للعراق بل للولايات المتحدة الأمريكية، حين شبه السياسات الخارجية لبوش وبطانته، من المحافظين الجدد، التي رمت بأمريكا في أتون المحرقة العراقية بـ"فن الحكم الانتحاري للرئيس بوش"
#محمد_مصطفى_علوش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المبادرة العربية ضمانة لإسرائيل وخطر على العرب
-
المرامي السعودية من تأجيل الأزمة اللبنانية لما بعد القمة
-
بوش ولعنة ديقراطيته في العراق
-
مصير المبادرة العربية في موسم التنازلات
-
هل ارتدت -حماس- في نظر الظواهري؟
-
مؤتمر بغداد والنوايا الأمريكية السيئة
-
ايران وامريكا ومرحلة جديدة من الصراع
-
رسائل أحمدي نجاد للسعوديين خلال القمة المشتركة
-
مستقبل اسرائيل بعد عقدين
-
الفلسطينيون في لبنان ..أي دور ينتظرهم؟
-
هل لم يعد هناك مأمن حتى ل ديك تشيني في أفغانسان؟
-
التفجيرات المتنقلة في لبنان ...أي رسالة تحمل؟
-
لقاء مكة بين ضرورة الإتفاق وانعدام الثقة
-
عملية إيلات من المستفيد من رسائلها؟
-
بوش وسياسة الهروب الى الأمام
-
الى أين تتجه الأزمة في لبنان
-
المعارضة اللبنانية كيف تشكلت وما أجندتها؟
-
لماذا تُقوض الديمقراطية في لبنان؟
-
هل ستشهد المعارضة اللبنانية شرخاُ جديداً؟
-
الحكومة والمعارضة والسباق المحموم نحو الإنفجار
المزيد.....
-
وزارة الصحة اللبنانية: مقتل 13 شخصًا جراء غارات إسرائيلية ال
...
-
زيلينسكي يتوقع الحصول على مقترحات ترامب بشأن السلام في يناير
...
-
مصر تتطلع لتعزيز تعاونها مع تجمع -الميركوسور-
-
زالوجني: الناتو ليس مستعدا لخوض -حرب استنزاف- مع روسيا
-
أكبر الأحزاب في سويسرا يطالب بتشديد قواعد اللجوء للأوكرانيين
...
-
استطلاع جديد يوضح بالأرقام مدى تدهور شعبية شولتس وحزبه
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
هل تشعر بالتوتر؟ قد يساعدك إعداد قائمة بالمهام في التخفيف من
...
-
النيابة العامة تحسم الجدل حول أسباب وفاة الملحن المصري محمد
...
-
نتنياهو: التسريبات الأخيرة استهدفت سمعتي وعرّضت أمن إسرائيل
...
المزيد.....
|