|
وهرب الفيلسوف المصري د. مراد وهبه من المواجهة
محمد الحسيني إسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 1836 - 2007 / 2 / 24 - 10:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في الواقع ؛ كانت لدي رغبة ملحة لمقابلة هذا الكاتب ( أو الفيلسوف ) العالماني الدكتور مراد وهبه خصوصا بعد أن حمل لي أحد الأصدقاء كتابه [ 1 ] المعنون باسم : " مُلاَّك الحقيقة المطلقة " بعد أن بحثت عنه في السوق ولم أجده ( وهو كتاب من إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ من ضمن مكتبة الأسرة ) . وبعد تصفحي للكتاب أدركت أنه موجه أساسا للرد على كتابي السابق : " الحقيقة المطلقة .. الله والدين والإنسان " وإن لم يشر هو إلى ذلك صراحة .. خصوصا وإن كتابي قد سبق كتاب د. مراد وهبه .. بفارق زمني لأكثر من ثلاث سنوات وهو وقت كاف يسمح لمراد وهبه لكتابة الرد على كتابي .. بشكل غير متسرع .
وفي الحقيقة لقد خُدِعْت في هوية مراد وهبه الدينية .. حيث اعتقدت ـ قبل مقابلتي له ـ أنه مسلم وليس مسيحيا .. وذلك للأسباب التالية :
السبب الأول : هو كونه " عضوا في الهيئة العلمية للجامعة العالمية للعلوم الإسلامية " . السبب الثاني : هو دعوته لعقد " المؤتمر الفلسفي الإسلامي الأول " الذي عقد في القاهرة في عام 1979 تحت عنوان .. " الإسلام والحضارة " . السبب الثالث : كونه .. " رئيسا للجمعية الدولية لابن رشد والتنوير " .
فكيف يتثنى لمن يحمل هذه الألقاب الإسلامية والقيام بهذه الدعوة أن يكون شخصا غير مسلم وأن يكون مسيحيا ..؟!!! نعم قد يكون عالمانيا .. ولكن على الأقل يجب أن يكون مسلما . ولهذا لم أكن أتوقع أن يكون هذا الكاتب غير مسلم .. خصوصا بعد أدركت أنه يكتب عن الإسلام بجهل واضح وهي صفة يتفق فيها جميع العالمانيين المسلمين بلا استثناء ..!!!
ولما كنت أعلم يقينا بأن كل الكتاب العالمانيين لا يكتبون عن الإسلام عن دراسة .. بل ويتجنبون النصوص القرآنية تماما .. إلا فيما ندر .. وإذا ذكرت الآيات فعادة ما تكون مبتورة وأبعد ما يمكن عن موضوع الكتابة أو المناقشة .. أو تكون مقطـوعة عن سياق معناها الكلي والجزئي والموضوعي ..!!! لذا فقد كنت تواقا عند مقابلتي له أن أقف على حقيقته وحقيقة هؤلاء القوم وأتأكد من قناعتي هذه بشكل نهائي وقاطع ..!!! ولذلك قمت باختباره بأسئلة مباشرة مثل : هل كتاباته عن الإسلام تتم عن ثقافة عامة أم عن دراسة حقيقية ..؟!!! فرغم تأكدي من أن كتاباته عن الإسلام لم تتجاوز معنى الثقافة العامة والساذجة أيضا ( أي هي ثقافة مقاهي ودردشة عامة أثناء مشاهدة ماتش كورة مثلا .. أو احتساء كوب شاي .. وشد نفس شيشة أثناء لعب دور طاولة مع صديق ..!!! .. حيث لا يوجد فيها بعد فكري ينم عن دراسة ما ) .. إلا أني كنت قد عقدت العزم أن أسأله ـ هذا السؤال ـ بشكل مباشر .. وعن تناوله للإسلام في كتاباته عنه .
• اللقـاء .. والهروب ..
وبحثت عن د. مراد وهبه .. ووجدته أخيرا .. وعندما وجهت إليه هذا السؤال ( هل تكتب عن الإسلام عن ثقافة عامة أم عن دراسة ؟!!! ) أصابته الحيرة في فهم هذا السؤال البسيط ( وفي الحقيقة لقد فاجأني بأنه لم يفهم السؤال .. وهو الفيلسوف المتمرس .. على حد زعمه ) وبعد أن شرحت له ماذا أقصد ..؟!!! ادعى بأنه يكتب عن الاثنين .. أي أنه يكتب عن الإسلام عن ثقافة .. وعن دراسة ..!!! وهو قول يحوي في طياته التناقض الذاتي ولهذا أكدت له أنه أبعد ما يمكن عن فهم الإسلام معنى ودينا .. حتى وإن ادعى بأنه يكتب عنه عن دراسة ..!!!
وعندما واجهته بسؤال عن هويته الدينية .. وهل هو مسلم أم مسيحي ..؟!!! ( وكان سؤالي لـه من قبيل : هل اسمه : مراد محمد وهبه .. أم .. محمد مراد وهبه ..؟! ) .. ففوجئت بابتسامة عريضة تكسو وجهه واعتدل في جلسته وقال : بأنه أستاذ فلسفة وإنه على مدى حياته وقيامه بتدريس مادة الفلسفة في الجامعة .. كان طلبته لا يكتشفون بأي حال من الأحوال .. هويته الدينية .. أي مسيحيته .
وللحق لقد أسعدني أن أسمع منه هذا .. أي أنه مسيحي الهوية وقلت له في صراحة تامة : في الحقيقة ؛ يسعدني أن أسمع منك أنك مسيحي الديانة .. لأن هذا سوف يثري الحوار بيني وبينك فإلي جانب مناقشة القضايا الفلسفية ( وبالذات فلسفة ابن رشد ) فإننا يمكننا أن نطرح القضايا الدينية الأخرى للحوار أيضا . خصوصا ؛ وإني كنت في تلك الفترة على اتصال بالشيخ فوزي فاضل الزفزاف ( رئيس اللجنة الدائمة لحوار الأديان السماوية [ 2 ] ) وكذا الدكتور على السمّان ـ وذلك بالاتفاق مع الدكتور عبد الصبور مرزوق : نائب رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ لإبداء ملاحظاتي على موضوع لجنة حوار الأديان الدائر في هذه الفترة مع الفاتيكان .. ونقد هذا الحوار من منظور عقلاني مع الأخذ في الاعتبار الرؤية المسيحية الشاملة والمحذوفة من الحوار .. ولماذا قصر العالم المسيحي الحوار على موضوع السلام فقط .
ورفض الدكتور مراد وهبه رفضا قاطعا أن يدخل معي في أي نوع من أنواع الحوار الديني .. أو حتى الفلسفي ..!!! مع العلم أني قد طلبت منه أن يرشح من يشاء .. وأن يضم إلينا من يريد من رجال الدين المسيحي وبأي عدد وبدون تحفظات ( وليس هذا ثقة مني في علمي .. بقدر ما هو ثقة مني في الله عز وجل ) .. ومع ذلك رفض المواجهة .. بشكل مطلق ..!!! وقد أعلمته بأني سألوذ بالصمت أمامه ( حيث أني معتاد على مثل هذا الأسلوب المستفز والهابط .. لهروب هؤلاء القوم من المواجهة لهشاشة عقيدتهم ) .. وليس عليه سوى أن يذكر لي مجرد رؤيته لما ينبغي أن يكون عليه " حوار الأديان " ولكنه رفض كذلك أن يبين لي رؤيته لحوار الأديان .. وتحت ضغطي وإلحاحي اكتفى بأن يقول : " أن حوار الأديان ما هو إلا موضوع سياسي فحسب وليس موضوعا دينيا .. وإنه لا يود أن يدخل في حوار عن السياسة ..!!! " وطلبت منه توضيحا أكثر ولكنه لم يزد بحرف واحد عن هذه الجملة السابقة ..!!! ثم أنهي الحوار على ألا يراني مرة أخرى .. حيث لا جدوى من هذه الرؤية ..!!!
وكان علىّ أن أنبهه بأني سوف أسجل عليه " هروبه من المواجهة الفكرية .. ورفضه مبدأ الحوار بصفة عامة .. وحوار الأديان بصفة خاصة .. " .. ولكنه لم يستجب ..!!!
أما مهزلة المهازل ـ في محاولة الحوار مع هؤلاء القوم ـ فقد أتت من تلميذة مراد وهبه النجيبة .. الدكتورة منى أبو سنة .. سكرتيرة جمعية ابن رشد ( والتي يمكن أن تستشعر من نظراتها إلى أستاذها الموهوب مراد وهبه .. بأنها في حضرة نبي ..!!! ) .. والتي أصابها مس من الشيطان عندما أخبرتها بأن رؤيتهما ـ هي وأستاذها ـ للقضية الدينية هي رؤية نسبية وليست رؤية مطلقة .. وهي رؤية تنم عن عدم رؤية المعنى الحقيقي للدين وتعريفه .. وعقب قولي هذا فوجئت بأنها قامت بعصبية بالغة وغادرت الجلسة .. ومعها كوب الشاي الممتلئة .. بعد أن اتهمتني بعدم الفهم ( وذلك بعد أقل من خمس دقائق فقط من انضمامها للجلسة التي دارت بيني وبين أستاذها الدكتور مراد وهبه ) .. مما سببت إحراجا ملحوظا لأستاذها نفسه .. الذي ظل يعتذر لي ـ عدة مرات ـ عما بدر من سلوك غير لائق من هذه المرأة ..!!! وبهذا السلوك قطعت ـ هذه المرأة ـ على نفسها سماع ما في جعبتي من براهين رياضية وفيزيائية التي تؤكد منظوري هذا ..
فهذا هو الحوار من منظور أدعياء الفكر والتنويـر ..!!! والذين ينـادون : بإعمـال العقل بجرأة ..!!! فلا بأس من الجرأة .. إذا ارتبطت بقلب حقائق العلم إذا جاء هذا العلم من القرآن العظيم .. ولا بأس من التأويل إذا ألصق الخرافات والأساطير بتأويل وتفسير القرآن العظيم . أما الحوار المنطقي والفكري معهم فهو أمر مرفوض تماما ..!!! فهم يخشون المواجهة حتى لا ينكشف أمرهم .. وأمر فكرهم الهش والهزيل ولهذا هم يرفضون كل صور الحوار بأي شكل من الأشكال ..!!! بل وينسحبون من الحوار مع أول بادرة لا تتفق وهواهم ..!!! أو بالأحرى هم يختلقون الفرص اختلاقا لإنهاء الحوار بأي صورة من الصور ..!!! وهذا هو دأب الفكر المسيحي بصفة دائمة أيضا ..!!!
[ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (23) ] ( القرآن المجيد : الأنفال )
• مُلاّك الحقيقة المطلقة ..
ونعود لكتاب د. مراد وهبه : " ملاك الحقيقة المطلقة " . فالكتاب يدور حول الفلسفة وضياعها وعدم قدرتها على معرفة الحقيقة المطلقة . ويتخذ هذا الفيلسوف ـ مراد وهبه ـ الناتج النهائي لموقف الفلسفة وضياعها ( بدون أن يدري ) دليل كافي على عـدم وجود الحقيقة المطلقة . وليس أدل على ضياع مراد وهبه نفسه .. هو والفلسفة والفلاسفة معه هو إعادة كتابة آراء وأفكار مجموعة من الفلاسفة الغربيين أمثال ديكارت / وهيدجر / ولودفج فتجنشين وغيرهم .. والذين أصابونا بالملل من كثرة ما كتب عنهم وعن ضياعهم الفكري . كما تكلم أيضا عن بعض الفلاسفة المصريين أمثال : يوسف كرم .. ويوسف مراد .. وزكي نجيب محمود .. وغيرهم .. وجميعهم عالمانيون أو ماركسيون في الغالب الأعم .. وإن كان زكي نجيب محمود قد أعلن تراجعه وعودته إلى حظيرة الإيمان بالدين الإسلامي قبل موته بفترة ليست بالطويلة ( سمعنا منه بعدها جعجعات كثيرة ـ بدون علم ـ في مهاجمة التفسير العلمي لآيات القرآن المجيد .. على النحو الذي سوف نراه في الكتاب السادس من سلسلة : " حوار الأديان أمام القضاء العالمي / وماذا بقي للفلسفة ؟ التنوير والحداثة .. وما بعد الحداثة والغزو الثقافي " ) .
وفي الحقيقة ؛ لقد لخص مراد وهبه نفسه ـ بدون أن يدري ـ وضياعه وضياع الفلسفة والفلاسفة معه عندما كتب عن الفيلسوف المصري يوسف مراد .. وهو في نهاية حياته .. حيث نجده يقول عنه في صفحة 59 من كتابه المذكور ( ملاك الحقيقة المطلقة ) ..
[ .. وقبل موت ـ يوسف مراد ـ بعشر سنوات مارس فن التصوير ، وقرأ للفنانين وعن الفنانين ، وكان يعتقد أن هذه الممارسة من شأنها تزيل من نفسه إحساسا مريرا بالاغتراب ، أو على حد تعبيره : أن تعيد إليه تكامله . وكان عامل التكامل السيكولوجي ، وهو الذاكرة ، بدأ يتفكك . وكانت علامات التفكك بداية فقدان الذاكرة ، ولكنه كان على وعي بذلك . وقبل موته بثلاثة أشهر سألني : هل ثمة حياة أخرى ؟ ولم أجب [ 3 ] . وسألني : لماذا لا تجيب . أجبت : ولماذا السؤال ؟ قال : لأنه إذا لم تكن ثمة حياة أخرى فالانتحار واجب .
وفي الثالث والعشرين من شهر سبتمبر 1966 مات يوسف مراد وقبل موته بدقائق قال لابنته : قولي لهم .. إنني أحبهم جميعا . وهكذا يلتزم يوسف مراد بالمذهب التكاملي : حب بفضل الكراهية وعلى الرغم منها ] ( انتهى )
قمة الضياع .. للفيلسوف والفلسفة معه ..!!! وكما نرى ؛ لم يجد الفيلسوف ـ يوسف مراد ـ في الفلسفة سوى الضياع .. فاتجه إلى دراسة الفن والفنانين .. وهي الدراسة التي قال عنها إنها تعيـد إليه تكامله النفسي ..!!! دراسة استغرقت عشر سنوات من حياته .. ولم تحقق له أي تكامل نفسي أو غير نفسي كان يصبو إليه .. وتركته في نفس التيه الذي بدأ به ..!!! لقد كان حريا بهذا الفيلسوف ـ يوسف مراد ـ أن يتجه إلى دراسة الأديان للبحث عن الحقيقة المطلقة لعله يجدها في إحداها .. وربما فعل ذلك ولكنه بالتأكيد لم يقترب من الإسلام ..!!!
وانتهت حياة هذا الفيلسوف بمحنة المواجهة مع الموت ـ المواجهة مع الحقيقة المطلقة ـ وهو لا يدري أين موقعه من الوجـود ..!!! وهل كان عليه أن يحقق الغايات من خلقه ..؟! بل وهل كان يعلم بوجود لهذه الغايات ..؟! وهل كان عليه أن يسعى لمعرفتها ..؟! وهل توجد حياة أخرى أم لا ..؟! أسئلة كثيرة كان عليه أن ينصت لصوت العقل فيها فقط .. ويقترب من الإسلام ـ ولو عن بعد ـ حتى يدركها جميعا .. ومات المسكين .. ولا عذر له ..
[ .. أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) ] ( القرآن المجيد : الأعراف )
أسئلة لم يسعى الفيلسوف للحصول عليها بوعي .. على طول حياته .. بل وأغمض عينيه دونها .. وأغلق سمعه عنها .. وقام بإلغاء عقله .. وهو الفيلسوف الذي يتشدق بالعقل مع رفيق عمره الفيلسوف مراد وهبه .. ليأتي الحسم الإلهي لهذا الصنف من الناس .. في قوله تعالى ..
[ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) ] ( القرآن المجيد : الأعراف )
وأتمنى أن يعي فيلسوفنا ـ مراد وهبه ـ معنى هذه الآيات . وسؤال أخير أتوجه به لفيلسوفنا الذي هرب من المواجهة : هل هذه الآيات الكريمة لدين لا يحترم العقل .. ودين لا يعترف بالفهم ( والفقه هو ذروة سنام العقل والحكمة ) .. وهو النص الكريم الذي يصف كل من لا يستخدم عقله بأنه أضل من الماشية ..؟!!! وأتمنى أن يجاوب الفيلسوف مراد وهبه على هذا السؤال فيما بينه وبين نفسه ..!!! وهل أدرك ـ مراد وهبه ـ أن جميع خلجاته وفكره وأسئلة صاحبه ـ الفيلسوف يوسف مراد ـ لن تجد لها إجابات قاطعة إلا في الدين الإسلامي وبعلم وببرهان ( وليس بأساطير وخرافات كمـا تأتي بها الديانات الوثنية الأخرى ) ..؟!!!
• التظاهر بالعالمانية ..
أما عن تظاهر د. مراد وهبه بالعالمانية ورفضه للأديان ـ على الرغم من مسيحيته حتى النخاع ـ فكان هذا واضحا تماما من كتاباته .. حيث يقول في كتابه " مُلاّكُ الحقيقة المطلقة " ( ص : 247 ) بأنه ..
[ .. يمكن القول بأن ثمة توترا بين الفلسفة والعلم من جهة ، والدين من جهة أخرى ، أو بالأدق علم العقيدة . وهذا التوتر مردود إلى أن علم العقيدة يزعم امتلاك الحقيقة المطلقة ، ومن ثم فإن نقده يستلزم تكفير الناقد ، ويلزم من ذلك أن مقولة التكفير كامنة في علم العقيدة ، وليس في الإمكان إزالة هذا التوتر إلا بإزالة مقولة التكفير ، وليس في الإمكان إزالة مقولة التكفير إلا بإزالة علم العقيدة . ] ( انتهى )
وكما نرى من التسلسل المنطقي ـ والمبني على الباطل ، لأن الإسلام يملك الحقيقة المطلقة ـ والذي يحاول إيهامنا بأنه كلام علمي يرى المؤلف ضرورة التخلص من علم العقيدة .. حتى يمكن الانتهاء من لفظ : التكفير . فلفظ " التكفير " يرد ذكره في الأديان ومن ثم فعلينا التخلص من الأديان حتى يمكن التخلص من لفظ التكفير .
وكنت أتمنى أن يقوم د. مراد وهبه بتعريف : " الحقيقة المطلقة " .. قبل أن يقول بأن : " الدين يزعم امتلاك الحقيقة المطلقة " .. ولكن بديهي لم يقم .. لأنه لا يعرف للحقيقة المطلقة ـ والذي يتكلم عنها ـ معنى حتى يقوم بتعريفها [ 4 ] . وحتى لا يخطئ التحليل فيما بعد .. أبدأ بتعريف الحقيقة المطلقة والتي تتلخص في احتوائها ـ في أقل معنى لها ـ على البنود التالية :
• وجود الخالق المطلق ( سبحانه وتعالى ) لهذا الوجود المدرك وغير المدرك .. وهو صاحب الكمالات المطلقة ( الأسماء الحسنى ) . ويمكن البرهنة العلمية على هذا .
• وجود الدين المطلق أو الحق : وهو البلاغ الصادر عن الخالق المطلق لهذا الوجود ( المدرك وغير المدرك ) .. لتعريف مخلوقاته به ( كمالات وفعل ) .. وبالغايات من خلقهم ( الإيمان العاقل .. أو الإيمان المبني على العقل ) .. كما وأن عليهم تحقيق هذه الغايات ( اتباع المنهاج الإلهي : العبادة / العمل الصالح / الأخلاق / المعاملات / .. إلى آخره ) حتى يمكنهم الفـوز بالسعادة الأبدية المنشودة . ويمكن البرهنة العلمية على ذلك .
• الدين ليس " قضية وهمية من صنع خيال الإنسان " ( بمعنى أن الإنسان هو الذي خلق الإله ، وليس الإله هو الذي خلق الإنسان ) .. كما وإنه ليس " قضية اعتقاديه " قد يؤمن بها الإنسان أو لا يؤمن بـها .. أي لا برهان لها . بل الدين هو : " قضية علمية كلية " لها براهينها الراسخة بمثل البراهين اللازمة لأي قضية علمية كبرى أخرى .
• وجود الأنبياء والرسل ( وكتبهم المنزلة ) وأنهم الوسطاء بين البشرية وبين الله عز وجل .. لتوجيهها إلى طريق السعادة الأبدية المنشودة .. ويمكن البرهنة العلمية على ذلك .
• كفالة حرية الإنسان في اختيار العقيدة .. ولكن عليه تبعات هذا الاختيار .
• وجود الجنة .. ووجود النار .. ووجود البعث والجزاء من نفس العمل .. إن خيرا فخير وإن شرا فشر .. ويمكن البرهنة العلمية على ذلك .
• وجود العوالم الأخرى ( عالمي الجن والملائكة ) .. والحياة الآخرة والبعث والحساب والجزاء من صنف العمل إن خيرا فخير .. وإن شرا فشر . ويمكن البرهنة العلمية على ذلك .
• الإنسان ليس المخلوق الوحيد لله في هذا الكون المادي .. بل يوجد عوالم أخرى .. وأكوان أخرى غيرنا . ويمكن البرهنة العلمية على ذلك .
• بيان طبيعة خلق الإنسان بمستوياته المختلفة .. الروح والنفس والجسد .. والأدوار التي يلعبها كل مستوى .
فهذا ما تعبر عنه " الحقيقة المطلقة " .. وهذا ما أقصد به " الدين الحق " . والآن ؛ إذا قال المولى عز وجل ..
[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ [ 5 ] وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا (174) ] ( القرآن المجيد : النساء )
فلابد وأن يحوي القرآن المجيد كل البراهين العلمية الراسخة لكل ما سبق ذكره عن الحقيقة المطلقة . وهنا يصبح الدين المسئولية الإلهية تجاه الإنسان .. أي مسئولية الخالق تجاه المخلوق وتقديم البراهين الدالة على ضرورة تحقيق الإنسان للغايات من خلقه .. وبمنطق ( رياضي ) مفهوم . فلا بد من التنبه أن المنطق الإنساني هو عين المنطق الإلهي الذي أمدنا به أو ركبه فينا المولى ( عز وجل ) .. كما جاء هذا في قوله تعالى ..
[ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ (8) ] ( القرآن المجيد : الإنفطار )
ولهذا كان على المولى ( عز وجل ) أن يمدنا بالبراهين الراسخة في هذا القرآن العظيم والتي تؤكد صحته .. وصحة الحقيقة المطلقة .. وليس على الإنسان سوى السعي لاستخراج هذه البراهين من هذا الكتاب العظيم .
وليس أدل على هذا .. من قوله تعالى ..
[ وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) ] ( القرآن المجيد : المؤمنون )
حيث نجد الخالق ( عز وجل ) يهتم بالبرهان في كل الأمور .. حتى في قضية الشرك به .. تنزه عن هذا . بمعنى ؛ إذا جاء إنسان ببرهان على شركه بالله .. فإن الله ( عز وجل ) سوف يقبل منه هذا البرهان . وبديهي ؛ هذا لن يحدث بشكل مطلق لسبب بسيط جدا .. هو أن هذا يعني النقص في الكمالات الإلهية .. تنزه عن هذا . فكما نرى من الآية الكريمة السابقة .. أن جملة [ .. لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ .. ] هي جملة اعتراضية .. كان يمكن أن ترفع من سياق الآية ما لم يهتم المولى ( عز وجل ) بالبرهان في كل شيء حتى في قضية الشرك به .. سبحانه وتعالى تنزه عن هذا .
وبهذه المعانى ـ أي احتواء النص القرآني على البراهين الدالة على صدق القرآن المجيد ـ لابد وأن يؤكد الدين الإسلامي على نقد الخطاب الديني .. لأن النقد سوف يقود مباشرة إلى البراهين الدالة على صدق هذا الكتاب .. وهو ما يحقق مصلحة الإنسان بتحقيق الغايات من خلقه .
والآن ؛ من الذي قال بأن نقد " الحقيقة المطلقة " ـ على النحو السابق ذكره ـ تؤدي إلى تكفير الناقد ..؟!!! [ 6 ] د. مراد وهبه هو الذي قال وهو الذي صدق ..!!! لسبب بسيط جدا هو أن الديانة المسيحية ( عقيدته ) ترفض العلم .. كما ترفض التحكيم العقلي في كل سطر من سطور كتابها المقدس ..!!! بينما نجد الدين الإسلامي أبعد ما يكون عن هذه المقولة . بل أن الدين الإسلامي يرحب بالنقد .. في كل شيء .. بل ويطلب من الإنسان البرهان على شركه بالله .. على النحو السابق ذكره في الآية الكريمة السابقة .
وهنا نرى بوضوح أن الدكتور مراد وهبه أصبح أسيرا لوعيه الديني المسيحي في كل ما يكتب .. وبكل أسف .. بدون تحكيم العقل والعلم . وقد نبه المولى ( عز وجل ) الإنسان إلى هذا المعنى في قوله تعالى ..
[ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170) ] ( القرآن المجيد : البقرة )
وفي قوله تعالى ..
[ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ (104) ] ( القرآن المجيد : المائدة )
فهل تنبه د. مراد وهبه إلى هذه المعاني ..!!! أي ينبغي للإنسان الاحتكام إلى العقل والعلم قبل محاولة الاقتداء بدين الآباء . وقد نبهت إلى هذا مرارا .. بأنه لا يجوز سحب نتائج التجربة البشرية مع الديانتين اليهودية والمسيحية وتطبيقها على الدين الإسلامي بدون دراسة . بمعنى لا ينبغي الانتهاء إلى أن القرآن المجيد يحوي خرافات وأساطير طالما وأن الكتاب المقدس يحوي الخرافات والأساطير ..!!! بل ينبغي الحكم على الدين الإسلامي من خلال دراسة مستقلة ومحايدة عن الديانتين اليهودية والمسيحية . وبناء على ذلك .. فإن مقولة هذا الفيلسوف العاجز تنم عن جهل واضح وعدم دراية بالدين الإسلامي .
ونأتي إلى مقولة أخرى لهذا الفيلسوف المؤلف .. ففي صفحة ( 239 / 241 ) .. من كتابه المذكور .. نجده يقول ..
[ تاريخيا ، ثمة توتر بين الفلسفة والعلم والدين بسبب تباين الرؤى الكونية وفي العصر الوسيط ازداد التوتر بين الفلسفة والدين مع بزوغ المسيحية والإسلام .. ] ( انتهى )
وكما نرى يصر مراد وهبه على الجمع بين المسيحية والإسلام في رؤيتهما للعلم والفلسفة . ودائما ما يصيغ ـ مراد وهبه ـ آراءه على هذا الأساس وعلى أساس وجود التناقض بين الرؤى الكونية التي جاء بها القرآن المجيد ـ بدون النظر في النصوص ـ وبين ما آتت بها المعارف الحديثة وبإصرار غريب .. وهو لا يدري بأنه الخاسر الوحيد لوجوده ومصيره معا . وما زلت أؤكد .. بأننا لسنا بصدد مباراة كلامية فيها رابح وخاسر .. بل نحن بصدد وجود الإنسان ومصيره .. ولهذا جاء قوله لمحمد ( ) ليخاطب البشرية .. بقوله تعالى ..
[ قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) ] ( القرآن المجيد : سبأ )
فهل تنبه الإنسان أن الأجر الحقيقي هو له .. [ قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ .. ] .. وليس لأحد سواه . فالإنسان هو الرابح الوحيد لوجوده ومصيره .. إذا أدرك الحقيقة المطلقة .
والآن ؛ نسأل د. مراد وهبه : من الذي قال أنه يوجد توتر بين الفلسفة والعلم من جانب .. والدين من جانب آخر ..؟!!! أنت الذي قلت .. وأنت الذي صدقت ..!!! لسبب بسيط جدا .. هو أن ديانتك المسيحية هي التي تقول بهذا ..!!! بينما الدين الإسلامي أبعد ما يكون عن هذه المقولة . فكما نعلم ـ جيدا ـ بأنه لا يوجد توتر بين الفلسفة والعلم من جانب وبين الدين الإسلامي من جانب آخر . بل أن الدين الإسلامي ، في حقيقة الأمر ، يصحح للفلسفة مفاهيمها الغائبة عنها .. هذا إلى جانب احتواء الدين الإسلامي للعلم نفسه . ومع ذلك يعمم هذا الفيلسوف الضال أو التائه المعنى ليشمل الدين الإسلامي أيضا .
ويجنح ـ مراد وهبه ـ دائما إلى اتهام الإسلام باللاعقلانية .. حيث يقول في صفحة 182 ..
[ أما ما يبدو اليوم أنه قطيعة بين الإسلام والغرب فمردوده إلى تيارات فكرية ترفض التأويل ، أي ترفض إعمال العقل في النص الديني ، كما ترفض تطور العلم ، ولا ترى في التكنولوجيا سوى سلبيات . وهذه التيارات الفكرية هي على وجه التحديد أصوليات دينية دخلت مع حضارة العصر فتوقف التقدم وتعثر السلام . ] ( انتهى )
وكأن الدين الإسلامي يرفض إعمال العقل عند تأويل النص الديني ( سبق التعرض لمعنى التأويل في مقالات سابقة ) .. كما يرفض تطور العلم . ولهذا يرفض أتباعه التأويل والتطور العلمي ..!!! ففي كتابه " ملاك الحقيقة المطلقة " يتناول ـ مراد وهبه ـ أحكام نهائية بمعزل عن النص القرآني .. بفكر ساذج وحكم مسبق .. لا أساس له إلا الوهم في خياله .. والتعصب الشديد لعقيدة وثنية مملوءة بالخرافات والأساطير .. ولهذا هرب من المواجهة .. ورفض الدخول في حوار أو مناقشة .. لأنه يعلم مدى هشاشة فكره وهشاشة عقيدته سواء الفلسفية منها أو الدينية . ومثل هذا النمط الإنساني قد عرضه المولى ( ) كنماذج إنسانية كانت تواجه الأنبياء أثناء دعوتهم لهداية أقوامهم .. كما جاء هذا في شكوى نوح ( عليه السلام ) لله .. سبحانه تعالى ..
[ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ] ( القرآن المجيد : نوح )
[ التفسير : جعلوا أصابعهم في آذانهم : حتى لا يسمعوني / واسغشوا ثيابهم : غطوا رؤسهم بها حتى لا يروني ]
وما كان رد قوم نوح عليه .. إلا الإصرار على الاحتفاظ بوثنيتهن وغرقهم في الضلال ( كحال فيلسوفنا الهزيل مراد وهبه ) .. فكانت النتيجة ..
[ مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا (25) ] ( القرآن المجيد : نوح )
• غاندي ..
ومن الأمور الطبيعية أن يعرض ـ مراد وهبه ـ للزعيم الهندي غاندي [ 7 ] .. ويستشهد بآراء آينشتين ( اليهودي ) الذي قال عن غاندي ( ص : 85 ) :
[ قد يصعب على الأجيال القادمة تصور مثل هذا الرجل بلحمه وشحمه كان يطأ الأرض ]
كما قال توينبي : " في هذه اللحظة الخطرة من تـاريخ البشرية ليس لدينـا سوى طريق غاندي فهو الطريق الوحيد لخلاص البشرية " .
وبهذه الأقوال الساذجة وضع مراد وهبه .. غاندي وطريقه .. فوق النبي ( ص ) والدين الإسلامي . وهنا نرى أن " أي " منهاج ـ من منظور مراد وهبه ـ يمكن أن يكون الطريق إلى خلاص البشرية إلا الدين الإسلامي ..!!!
وفي الحقيقة ؛ ليس لغاندي أي قيمة دينية تذكر على الإطلاق على الرغم من إطلاق عليه لقب : " الزعيم الروحي للهند " . فحقيقة الأمر ؛ أن غاندي كان زعيما سياسيا .. وكان أبعد ما يمكن عن فهم الدين الصحيح ..!!! كما كان عليه أن يرضي جمـوع الهنود على اختلاف مذاهبهم ولهذا عبـد كل الآلهة ( أي أشرك مع الله .. آلهة أخرى ) .. بما في ذلك عبادة البقرة كإله ..!!! ومن أقوال غاندي عن عبادته للبقرة :
[ عندمـا أرى البقرة لا أعدني أرى حيوانا ، لأني أعبد البقرة وسأدافع عن عبادتها أمام العالم كله . إن أمي البقرة تفضل أمي الحقيقية من عدة وجوه ، فالأم الحقيقية ترضعنا مدة عام أو عامين وتتطلب منا خدمات طول العمر نظير هذا ، ولكن أمنا البقرة تمنحنا اللبن دائما ، ولا تتطلب منا شيئا مقابل ذلك سوى الطعام العادي .. وعندما تمرض الأم الحقيقية تكلفنا نفقات باهظة ، ولكن عندما تمرض أمنا البقرة فلا نخسر لها شيئا ذا بال .. ]
ويستمر غاندي فى سرد مآثر " أمه البقرة " .. التي تفوق مآثر أمه الحقيقية وفضائلها عليه ..!!! إلى أن ينتهي إلى القول : " .. أن ملايين الهنود يتجهون إلى البقرة بالعبادة والإجلال ، وأنا أعد نفسي واحدا من هؤلاء الملايين " ..!!! وهكذا عَبَدَ " غاندي " البقرة .. ولم يتنبه إلى عبادة خالق البقرة وخالقه ..!!!
فهذا هو غاندي ( الزعيم الروحي للهند ) في كلماته الشخصية ..!!! الذي رفعه الفيلسوف مراد وهبه فوق منزلة الأنبياء والرسل ..!!! لقد أشرك غاندي " البقرة " مع الله ( سبحانه وتعالى ) وعبدها ..!!! بل وكان غاندي يقول إني أعبد الإله بنصوص من الإنجيل والقرآن ..!!! فهذا هو غاندي .. وطريقه الوحيد لخلاص البشرية .. الخلط بين الحق والباطل ..!!! أي هو جهل ديني .. ما بعده جهل ..!!!
• إله غيور ..
والآن ؛ أتوجه بالسؤال التالي لفيلسوفنا مراد وهبه : هل يحق للإنسان أن يعبد الإله ( لاحظ أن الله ليس إلهك .. فالله هو إله المسلمين .. كما سبق وأن بينت في كتابات سابقة ) بالأسلوب الذي يراه هو مناسب له .. أم أن الإله هو صاحب الحق في تحديد أسلوب عبادته ..؟!!! وقبل أن أعرض المنظور الإسلامي .. أعرض ـ أولا ـ على فيلسوفنا نصوص كتابه المقدس ( توراة موسى ) .. لرؤية الإله لنفسه .. [ (3) لا يكن لك آلهة أخرى أمامي . (4) لا تصنع لك تمثالا منحوتا ولا صورة ما مّما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض . (5) لا تسجد لهنّ ولا تعبدهن ّ.لأني أنا الرب إلهك اله غيور .. ] ( الكتاب المقدس : سفر الخروج : {20} : 3 - 5 )
أي أن إلهك يا مراد وهبه ( أي المسيح عيسى ابن مريم .. وهو الإله الخروف ـ أيضا ـ ذو القرون السبع ) .. يرفض أن يُعبد معه إله آخر لأنه إله غيور ..!!! وهو " الإله " الذي تجسد في صورة إنسان .. وجاء إلى الأرض لينهال عليه اليهود : بالبصق .. والضرب .. والركل .. والجلد ثم علقوه على الصليب وقتلوه ..!!! وبعد قبوله لكل هذه الإهانات والذل .. يرفض أن يعبد معه إله آخر ..!!! فما بالك بالإله الحقيقي .. الإله المطلق : " الله " .. سبحانه وتعالى عما يصفون .. خالق كل الوجود وخالقك ..
[ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) ] ( القرآن المجيد : الإسراء )
[ التفسير : السماوات السبع : الأكوان المتطابقة . ويمكن الرجوع إلى مرجع الكاتب السابق : " الدين والعلم .. وقصور الفكر البشري " مكتبة وهبة . لرؤية النموذج القرآني للوجود .. وفكر الأكوان المتطابقة أو الموازية . ]
إنه كان " حليما " على جهل الإنسان وإعراضه عنه .. " غفورا " للإنسان إذا ما تاب وأناب إليه .
والآن ؛ انتقل إلى الفكر الإسلامي .. لنأتي إلى الإحكام في الصياغة والدقة في العرض كما جاءت في قوله تعالى على لسان يوسف الصديق ( عليه السلام ) ـ أحد أنبياء بني إسرائيل ونبينا أيضا ـ ليقول لصاحبيه وهو في السجن ..
[ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (40) ] ( القرآن المجيد : يوسف )
سبحان الله .. [ .. إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ .. ] وليس الحكم لأي إنسان مهما كان حتى لو كان " غاندي " الذي كان يعبد البقرة .. والذي صنفه أينشتين ( اليهودي ) بأنه كالآلهة [ 8 ] .. حيث لا يتخيل أنـه كان يطأ الأرض برجليه ..!!! فالإنسان ليس حرا فيما يعبد .. والأمر كله لله سبحانه وتعالى ..
[ .. أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ .. ]
فهل وعى الفيلسوف هذه المعاني ..؟!!
• الأصولية ..
وأخيرا ؛ نأتي إلى نوع آخر من هجومه على كتابي : " الحقيقة المطلقة .. الله والدين والإنسان " .. وهجومه على ملاك الحقيقة المطلقة . فقد قام بتعريف الأصولية المسيحية على أنها تتسم : بضيق الأفق ورفض إعمال العقل في النص الديني ( وهو محق في هذا ) [ 9 ] . ثم عمم هذا التعريف ليشمل الأديان جميعها بما في ذلك الدين الإسلامي .. وكذا " ملاك الحقيقة المطلقة " . ففي ( ص : 229 / 230 ) من كتابه المذكور نجده يقول :
[ أن حركة " الغالبية الأخلاقية " التي أسسها القس الأمريكي " جيري فالويل " في عام 1979 من التحالف بين الكاثوليك واليهود والمورمون .. وكان ينشد منها : إطلاق البنادق اللاهوتية على الليبرالية والنزعة الإنسانية والعالمانية .. والعودة إلى القيم . وقد أطلق على هذه الحركة مصطلح " الأصولية المسيحية " .. بيد أن هذا المصطلح قد امتد إلى أية حركة دينية تدور على المبادئ الآتية :
1. رفض إعمال العقل في النص الديني ، أي التأويل . 2. رفض النظريات العلمية ، وعلى الأخص الدارونية ، المهددة لقصة الخلق على نحو ما وردت في التوراة . 3. تأسيس المجتمع على العقيدة المسيحية على نحو ما تحددها الأصولية المسيحية . وقد شاعت بالفعل هذه المبادئ لدى الأصوليين في الديانات الإحدى عشرة القائمة في هذا العصر ( بما فيها الإسلام ) .. أو بالأدق لدى ملاك الحقيقة المطلقة . ] ( انتهى )
وكما نرى من تعميم الفيلسوف أن هذه المبادئ السابقة تشمل كل الأديان بما في ذلك الدين الإسلامي .. وكذا : بالأدق لدى ملاك الحقيقة المطلقة ..!!!
ففي حقيقة الأمر ؛ أن الدين الإسلامي لا تنطبق عليه المبادئ الثلاثة السابقة تماما ولا علاقة له بها على الإطلاق .. من قريب أو بعيد . فالإسلام يعتبر العقل هو السبيل الوحيد أو المدخل الوحيد للإيمان الصحيح وكل سطر من سطور كتابه العظيم " القرآن المجيد " أو " العهد الحديث " يطلب من الإنسان التحكيم العقلي في " القضية الدينية " .. والحكم على مدى صحتها وصدقها . كما وأن الإسلام يقبل بالنظريات العلمية .. بل وجاء بنظرية التطور [ 10 ] بمفهـوم أعم وأشمل مما جاء به دارون . أما تأسيس المجتمع على أساس العقيدة الإسلامية .. فالتاريخ خير شاهد على أن الإنسان قد تمتع بحقوقه المدنية كاملة .. وكذا تمتعت الأقليات بالحرية الدينية في ظل المجتمعات والحكم الإسلامي .. وسوف نناقش ذلك بالتفصيل في الكتاب الخامس : " في غياب المطلق الديني / الدارونية الاجتماعية .. ومجتمع الذئاب البشرية " .
وأكتفي بهذا القدر في هذه المقالة .. وسأعود لمناقشة فكر فيلسوفنا ـ المغرض ـ مراد وهبه ( هو وتوأمه الفكري د. عاطف العراقي والذي هرب من المواجهة الفكرية معي أيضا ) عند مناقشة التأويل وابن رشد ـ مثلهما الأعلى ـ في الكتاب السادس من سلسلة : " حوار الأديان أمام القضاء العالمي / وماذا بقي للفلسفة ؟ الحداثة .. وما بعد الحداثة .. والغزو الثقافي " .
****************
هوامش المقالة :
[1] " ملاك الحقيقة المطلقة " ؛ مـراد وهبة . الهيئة المصرية للكتاب ( مهرجان القراءة للجميع ـ مكتبة الأسرة ـ الأعمال الفكرية ) . وكنت أتمنى من مكتبة الأسرة القيام بنشر كتابي : " الحقيقة المطلقة .. الله والدين والإنسان " .. طالما وأنها قامت بنشر الرد عليه في صورة كتاب د. مراد وهبه . وإذا كانت لا تعلم مكتبة الأسرة بهذا حين قامت بنشر كتاب د. مراد وهبه .. فإني أعلمها بهذا الآن .. ولا عذر لها .. أمام الله سبحانه وتعالى .
[2] وبكل أسف ؛ فإن هذا العنوان فيه اعتراف ضمني بان اليهودية والمسيحية ديانات سماوية .. وهو ما يعني تضليل هذه الشعوب ..!!! فحقيقة الأمر أن المسيحية واليهودية ليستا ديانتين سماويتين . للتفاصيل : أنظر مرجع الكاتب السابق : " بنو إسرائيل .. من التاريخ القديم وحتى الوقت الحاضر " ؛ مكتبة وهبة .
[3] يحاول ـ مراد وهبه ـ إيهامنا بأنه لم يجب على هذا السؤال .. لأنه فيلسوف ..!!! بينما حقيقة الأمر أنه لاذ بالصمت لأنه يجهل الإجابة على هذا السؤال ..!!! فهو لا يعرف معنى لوجوده .. كما لا يرى لنفسه مصيرا من خلال عقيدته المسيحية ..!!!
[4] أنظر مرجع الكاتب السابق : " الإنسان والدين .. ولهذا هم يرفضون الحوار " . لحتمية احتواء الدين الحق على الحقيقة المطلقة .
[5] على سبيل الذكر ( وليس المقارنة ) لم تأت كلمة : " برهان " على الإطلاق في العهد القديم للكتاب المقدس بالكامل والذي يبلغ عدد صفحاته 1358 صفحة .. كما لم تأت ذكر هذه الكلمة ـ برهان ـ على طول الأناجيل الأربعة بكاملها والبالغ عدد صفحاتها حوالي مائتي صفحة ..!!!
[6] يعرّف النقد بأنه : التمييز بين الجيد والرديء في الشيء الواحد . ويقـال نقد الدراهم : ميز جيدها من رديئها . ويقال نقد النثر أو نقد الشعر : أظهر ما فيهما من حسن أو عيب .
[7] غاندي ( موهانداس كرمشند غاندى : Gandhi, Mohandas Karamchand ) ( 1869 - 1948 ) زعيم سياسي وروحي هندي ، نادى باللاعنف ، وبالمقاومة السلبية ، وعمل على استقلال الهند من الاستعمار الإنجليزي .
[8] يماثل موقف آينشتين هذا .. موقف اليهود حينما سألتهم قبيلة قريش ( قبل غزوة الخندق ) : يا معشر يهود ، إنكم أهل الكتاب الأول وأهل العلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد ، أفديننا خير أم دينه ؟ قالت اليهود : بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أولى بالحق منه .
ويقول د. إسرائيل ولفنستون في كتابه : " تاريخ اليهود في بلاد العرب " : " كان واجب اليهود ألا يتورطوا في مثل هذا الخطأ الفاحش ، وألا يصرحوا أمام زعماء قريش بأن عبادة الأصنام أفضل من التوحيد الإسلامي .. بل كان عليهم أن يخذلوا المشركين وألا يلجأوا إلى عبّاد الأصنام لكي يحاربوا محمد .. فإنهم كانوا يحاربون أنفسهم ويتناقضون مع تعاليم التوراة التي توصيهم بالنفور من أصحاب الأصنام .. وبالوقوف منهم موقف الخصومة " . [9] تشمل الأصولية المسيحية الإيمان ـ بلا مناقشة ـ بالمبادئ الخمسة التالية :
• الاعتقاد في عصمة الكتاب المقدس من الخطأ ( على الرغم من أنه كتاب مملوء بالأخطاء والخرافات والأساطير ) . • الاعتقاد في قضية خلق الإنسان وحدوث المعجزات . • الاعتقاد في قضية ميلاد المسيح ( الإله المتجسد ) من مريم العذراء . • الاعتقاد في آلام السيد المسيح وموته تكفيرا عن خطايا البشرية ؛ من خلال صلبه وموته على الصليب . • الاعتقاد في المجيء الثاني للمسيح ( العقيدة الألفية السعيدة ، والتي تعتبر أساس صدام الحضارات )
[10] " الحقيقة المطلقة .. الله والدين والإنسان " ؛ لنفس الكاتب . مكتبـة وهبة .
#محمد_الحسيني_إسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
على هامش الرد على وفاء سلطان .. ولماذا الديانة المسيحية ؟!
-
ورسالة إلى حكماء بني إسرائيل .. هذا إن كان فيهم حكماء ..!!!
-
وفاء سلطان .. و النجار 1/3
-
وفاء سلطان / الجزء الثالث : العقلانية والعلم بين المسيحية وا
...
-
الرد على دكتورة علم النفس الأمريكية وفاء سلطان 3/5
-
الرد على دكتورة علم النفس الأمريكية وفاء سلطان 2/5
-
الرد على دكتورة علم النفس الأمريكية وفاء سلطان 1/5
المزيد.....
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|