من وثائق منظمة الى الامام :-لنبن الحزب الثوري تحث نيران العدو--
يوغرتن الباعمراني
2007 / 2 / 7 - 11:52
إن الدرس المركزي الذي أبرزته الماركسية، كنظرية للثورة البروليتارية، منذ البداية، هو ضرورة بناء حزب شيوعي، كنواة قائدة لهذه الثورة. وليس من قبيل الصدف، أن كان أول نص يشكل اندماج هذه النظرية الثورية بالحركة الثورية البروليتارية، يسمى بـ ”البيان الشيوعي“.
وقد ذكر المؤتمر الثاني للأممية الثالثة المنعقد في يونيو 1920، حول دور الحزب الشيوعي في الثورة البروليتارية، بما يلي :
”لو كانت الطبقة العاملة، خلال كمونة باريز (1871)، تتوفر على حزب شيوعي منظم تنظيما محكما، مع أنها قليلة العدد، لكانت أول انتفاضة للبروليتاريا الفرنسية البطلة أكثر قوة ولتجنب أخطاء وأغلاطا عديدة. إن المعارك التي ستخوضها البروليتاريا، في ظروف تاريخية مخالفة تماما، ستكون لها نتائج خطيرة أكتر مما كان سنة 1871“1
إن هذا الدرس مقبول، بكل وضوح، من طرف جميع الثوريين الذين يرون بأن الماركسية-اللينينية هي وحدها القادرة على قيادة النضال التحرري للبروليتاريا والشعوب المضطهدة. ولكن كيف يتم بناء هذا الحزب الثوري الماركسي-اللينيني، الحزب القائد للثورة ؟
كيف يتم بناؤه، عندما يحطم قمع العدو الفاشي المنظمات الثورية، بمعدل يساوي تقريبا معدل تركيبها ؟
قد يرى البعض أنه للإفلات من هذا القمع المدمر، يجب بناء هذا الحزب بعمل داخلي ووضع تنظيماته الثورية بعيدا عن نيران العدو، باستقطاب مجموعة من الكوادر وتثقيفها خارج كفاح الجماهير الذي يلازم القمع، إنها نظرية بناء الحزب في السلم.
وسنتفحص بالتتابع الموقف المبدئي والدروس التي برزت من خلال تاريخ الحركة العمالية، وسنرى ما هي ركائزها النظرية ثم ما هي، مع هذه الاعتبارات، مبادئ الدفاع الإستراتيجي ضد هجوم العدو.
التجربة التاريخية وموقف الحركة العمالية المبدئي
هذه بعض الأمثلة الخاصة التي تشخص تاريخ الحركة العمالية :
1 - كيف كان موقف الحزب البلشفي إبان فترة القمع القيصري، الأكثر قسوة، التي عرفتها الحركة العمالية الروسية سنوات 1907 إلى 1910 ؟
لقد ختم لينين تقرير اجتماع المجلس الخامس للحزب، الذي عقد في ديسمبر 1908، بما يلي : “سيعرف (الحزب البلشفي) كيف يبقى اليوم أيضا حزبا طبقيا، حزب الجماهير، سيبقى الطليعة التي لن تفصل عن الجيش في أقسى اللحظات، سيعرف كيف يساعده على التغلب على صعاب المرحلة الشاقة، على تقوية الصفوف ثانية، وعلى تكوين مقاتلين جدد باستمرار“2.
2 - في سنة 1921، كان رد الفعل الإمبريالي الشامل لكل أوربا، يدفع الحركة الثورية إلى التراجع. وتؤكد الأطروحات المنبثقة عن المؤتمر الثالث للأممية الثالثة المنعقد في يونيو من نفس السنة ”أن مهمة الحزب الشيوعي الرئيسية، في الأزمة التي نجتازها، هي قيادة المعارك الدفاعية للبروليتاريا، توسيعها، تعميقها، تجميعها وتحويلها - حسب التطور - إلى معارك سياسية من أجل الهدف النهائي. ولكن إذا كانت الأحداث تتطور ببطء أكثر، بحيث تعقب الأزمة الاقتصادية الطبيعية، مرحلة من الانتعاش، وذلك في عدد من البلدان يقل أو يكثر، فلا يمكن تفسير واعتبار هذه الفترة، كفترة "التنظيم". وما دامت الرأسمالية موجودة، فإن التقلبات في التطور ستكون لا مفر منها، هذه التقلبات ستصحب الرأسمالية في انحطاطها، كما صحبتها في شبابها وفي نضجها أيضا3. ونظيف كذلك بأن الحركة الثورية خلال المدة القادمة ستتبع سيرا إما أكثر نشاطا أو أكثر بطء، وعلى الحزب الشيوعي في كلتا الحالتين، أن يصبح حزب عمل، فيكون في قيادة الجماهير المناضلة للتعبير بحزم ووضوح عن شعارات النضال، كما يفضح شعارات الاشتراكية الديمقراطية الملتبسة المبنية دائما على التنازل. فعلى الحزب الشيوعي إذن أن يبذل كل جهده خلال كل مراحل النضال، وأن يقوى بإمكانيات تنظيمية مرتكزاته الجديدة، عليه أيضا أن يعد الجماهير للعمليات الفعالة وأن يسلحها بطرق وخطط جديدة مبنية على الصدام المباشر والمفتوح مع قوات العدو“4.
3 - في فبراير 1929، في الوقت الذي كانت فيه الجيوش البيضاء لتشان كاي تشيك منتصرة في كل مكان، أعطت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني الأوامر لانسحاب شوته وماو تسي تونغ من الجيش الأحمر لكي لا يقدموا للعدو الأهداف الرئيسية، فأجاب ماو تسي تونغ حينئذ : ”كلما اشتدت قسوة الظروف ازدادت الحاجة إلى حشد القوات وتركيزها وإلى قيام القادة بنضال حازم، وبهذه الطريق وحدها نستطيع أن نحقق الوحدة الداخلية ونتصدى للعدو“5.
4 - أثناء بناء الحزب الشيوعي الألباني، كان على المجموعات الماركسية-اللينينية أن تناضل خلال الثلاثينات وتحت الديكتاتورية الفاشية للملك زوفو ضد ”نظرية تربية وحماية الكوادر“.
إن ”تاريخ حزب العمل الألباني“ المؤلف بقرار من اللجنة المركزية لهذا الحزب (الفصل الأول) يعلمنا أنه، ”حسب هذه النظرية لا يجب على الشيوعيين أن يعملوا ولا أن يلتحموا بالجماهير وينظموها، بل أن يظلوا منعزلين في خلاياهم ولا يهتموا إلا بالتكوين النظري“6. إن هذه النظرية في الواقع ”ترى أن العلاقة بالجماهير والعمل وسطها مؤديان، لأن ذلك يعرض الكوادر للخطر !“7
في إطار صراع سياسي طويل، انعقد المؤتمر التأسيسي للحزب الشيوعي الألباني في شتمبر 1941. وكما كتب الرفيق جلبير موري لقد ”تغلبت الضرورة التاريخية على النزعة الحلقية“8. ومن ضمن قراراته كان فضح المؤتمر بالخصوص لنظرية الكوادر كنظرية انهزامية وانتهازية، تبعد الشيوعيين عن الجماهير الشعبية وتحتفظ بهم ذيليين لها، وتحولهم إلى مجرد حلقة، تؤدي في النهاية إلى تصفية الحزب.9
5 - لقد تكون الحزب الشيوعي الفيتنامي وأصبح محنكا تحت أسوأ ضروب القمع البوليسي والعسكري للاستعمار الفرنسي. وفي سنوات 1931 إلى 1936، عرف معظم كوادر الحزب، الذي كان حديث التكوين، السجن والأشغال الشاقة والموت أيضا، خاصة بالنسبة لعدد من الكوادر الرئيسية. ومن جديد وابتداء من 1938 إلى حدود ثورة غشت 1945 لم يكن النضال أكثر سهولة، وهذا ما أظهره مناضل ثوري فيتنامي عضو في اللجنة المركزية لهذا الحزب حينما كان يذكر سنواته الماضية ”... كلما أحرزنا على نتائج، كلما طاردنا البوليس. وقد كانت كوادرنا الجديدة تعتقل بكل سهولة نظرا لقلة تجاربهم، حتى أن البعض كان يعتقل بعد شهرين أو ثلاثة من نشاطه. أما الأكثر ذكاء فإنهم يستطيعون المقاومة حتى حدود ستة أشهر. وفي كل مرة كنا نشعر بأن هذه الوضعية تمثل بالنسبة لنا خسارة فظيعة. وكل هذا كان يحدث بسرعة بحيث لا نتمكن من تكوين عدد من الكوادر في مستوى اتساع تنظيمنا10. فلم يبق أمامنا إلا حل واحد هو تهريب المعتقلين السياسيين من السجون. وقد كان هذا أحسن ما نعتمد عليه“. ونشير إلى أن لي دوكتو كان من بين من فروا من معتقلات الأشغال الشاقة.
أسس هذا الموقف
(1) هذا الموقف الراسخ للحركة الماركسية-اللينينية يرتكز على أسس، هي نفسها ماركسية، وترتكز بصفة أدق على المبدأين التاليين :
أ - أن الجماهير هي التي تصنع الثورة تحت القيادة السياسية والإيديولوجية للبروليتاريا.
ب - هذه القيادة يحققها الحزب الماركسي-اللينيني، كنواة قائدة للطبقة العاملة والجاهير الثورية.
ونستنتج من هذا بأن عزل البذرة عن الأرض التي تغذيها يعني الحكم عليها بالهلاك والعدم.
لقد وضع ماركس في ”أطروحات حول فيورباخ“، التصور البروليتاري الأساسي الذي يؤسس تلك المبادئ. إن تصور الحزب كنواة قائدة تتغذى بالنضال الثوري للجماهير وفي نفس الوقت تقودها، يظهر خاصة في الأطروحة الثالثة حيث ينتقد ماركس التصور المادي البرجوازي للمعرفة، هذا التصور ”العلماني“ للمثقفين البرجوازيين الصغار، ويقابله بالتصور البروليتاري المادي الدياليكتيكي : ”إن النظرية المادية التي تقر بأن الناس هم نتاج الظروف والتربية، وبالتالي بأن الذين تغيروا هم نتاج ظروف أخرى وتربية متغيرة، هذه النظرية تنسى أن الناس هم الذين يغيرون الظروف وأن المربي هو نفسه بحاجة للتربية. ولهذا فهي تصل بالضرورة إلى تقسيم المجتمع قسمين أحدهما فوق المجتمع. إن توافق تبدل الظروف والنشاط الإنساني لا يمكن بحثه وفهمه فهما عقلانيا إلا بوصفه عملا ثوريا“.
ونستنتج من هذا أن ليس هناك ”قادة“ يمتازون بامتلاك المعرفة ويقدمونها للمناضلين، ونستنتج أيضا أن تكوين منظمة ماركسية-لينينية في قلب نضال الجماهير وفي قلب ممارستها الثورية هو وحده الذي يسمح، حتى من خلال هجمات العدو، بإعداد خط سياسي صحيح يدفع بدوره إلى بروز مقاتلين جدد وكوادر ثورية جديدة من وسط هذه الجماهير. ولهذا فإن أوائل المناضلين الذين مهدوا لهذه العملية ومهما بلغت جدارتهم، ليسوا ذوي تفوق نوعي بالنسبة لهذه الكوادر الجديدة المنبثقة عن نضال الجماهير.
إن هذا التصور وحده الكفيل، عن طريق الممارسة الدائمة التي هي أساسا المركزية الديمقراطية والانضباط الثوري، كفيل بتصحيح الأخطاء السياسية والتنظيمية، وفي نفس الوقت ببناء الخط السياسي الصحيح الذي يبلور نضالات الجماهير الثورية والمنظمة الماركسية-اللينينية كنواة قائدة لهذه النضالات. هكذا، وهكذا فقط يتكون القادة كأشخاص يربطون ما بين أعلى سلطة ونفوذ وتجربة11.
(2) أضافت اللينينية إلى هذين المبدأين، الذين أعادت توضيحهما وعمقتهما، مبدءا ثالثا هو : معاصرة الثورة مرحلة الإمبريالية، وهذا ما أشار إليه ماو تسي تونغ في تصريحه في ماي 1970 بهذه العبارة : ”.. الآن، الاتجاه الرئيسي هو الثورة“
وكما كتب لينين في فبراير 1909 متحدثا عن رئيس الحكومة القيصرية : ”إن السيد ستوبيلين، رغم حكمته العالية، لا يمكن أن يتقدم خطوة واحدة بدون أن يسرع بسقوط اوتوقراطية هي في توازن غير مستقر“12. ويبقى هذا أكثر صحة بالنسبة لظلال الإمبريالية الباهتة التي تسمى اليوم : عصمان، حدو الشيكر أو الحسن.
ومن هذا المبدأ نستنتج بالخصوص على أن الثورة الوطنية الديمقراطية لا يمكن أن تكون بتاتا من صنع البرجوازية - حتى تلك التي سميت بشكل غريب ”راديكالية“، خاصة في بلد يوجد تحت سيطرة قمع الإستعمار والاستعمار الجديد (هذا الاصطلاح - أي الراديكالية - يتناقض الماركسية التي لا تعترف إلا بطبقة واحدة راديكالية هي البروليتاريا) - ولكن فقط بواسطة ”حكم العمال والفلاحين تحت قيادة الطبقة العاملة“13.
كل هذا يدعم أهمية الموقف المبدئي الذي هو موقف الحركة العمالية الثورية في مواجهة العدو.
فهل يجب علينا إذن في نفس الوقت الذي ”تحرق فيه البرجوازية آخر أوراق لعبها“ أن ننزوي أم أن نحافظ ونتمسك بحزم براية النضال ؟
(3) هل يمكن القول أن على الحركة الثورية أن تحدد موقفها بالهجوم فقط ؟ إن كان هذا ممكنا، فإنه يعني ارتكاب أفظع الأخطاء.
”من المستحيل أن ننتصر بدون معرفة علم الهجوم والتراجع“، هذا ما كتبه لينين سنة 1921، ملخصا في كتابه ”مرض الشيوعية اليساري الطفولي“ التجربة التاريخية للحزب البلشفي، ومتحدثا عن الفترة ما بين 1907 و1910 بالضبط مضيفا كذلك بأن ”علم الهجوم يجب أن يكتمل بعلم آخر : معرفة كيف نتراجع“.
ولكن هل يمكن أن نتصور أن تتراجع قيادة أركان حرب تاركة الجيش يتدبر أمره وحده ؟ هل يمكن أن نتصور قيادة أركان حرب لا تنظم التراجع ؟ إن هكذا لا يعني معرفة وإتقان التراجع، ولكنه وبكل بساطة عدم تحمل مسؤولياتها. وهذه المسؤولية لا ينقص منها كون هذا الجيش - الذي مازال في طور التكوين - لازال يعتمد على مجموعة من الشباب الثوري، بل بالعكس يمكننا أن نستخلص من التحليل الملموس للواقع الملموس، أن هذه المجموعات المتقدمة بالذات هي التي ستكون أو بدأت في تكوين حلقة الوصل الجماهيرية (لا على أنها حلقة نخبوية) مع الطبقة العاملة والفلاحين. ولكن بشرط أن نحافظ على التحام ونضالية هذه المجموعات.
وضع ماو تسي تونغ مبادئ التراجع في كتابه ”قضايا الاستراتيجية في الحرب الثورية الصينية“14. ومن الواجب دراسة الفصل الخامس المتعلق بهذه المسائل والموجودة تحت عنوان ”الدفاع الاستراتيجي“ لماو تسي تونغ، مع التفكير في تطبيق المبادئ على المراحل السياسية من النضال التي نعيشها.
كل هذا سيطرح أهمية دراسة علم الدفاع الاستراتيجي لماو تسي تونغ (الدفاع الاستراتيجي)15.
وسنعود مستقبلا إلى دراسة نضالات هذه السنة وتقييم تجاربنا النضالية، ونذكر بخلاصات ماو تسي تونغ حول الدفاع الاستراتيجي فيما يلي : ”إن التراجع الاستراتيجي يستهدف كليا الإنتقال إلى الهجوم المضاد، والتراجع الاستراتيجي ليس سوى المرحلة الأولى من الدفاع الاستراتيجي، وأن الحلقة الحاسمة في كل استراتيجية هي النصر أو الفشل في المرحلة اللاحقة، مرحلة الهجوم المضاد16.
وهذا يفرض الحرص على استراتيجية مبنية على المبادئ الثلاثة المرتبطة بينها التي ذكرنا بها فيما قبل، أولا حول دور الجماهير كفاعل للثورة، ثانيا حول بناء الحزب الماركسي-اللينيني كنواة قائدة للبروليتاريا وللجماهير الثورية وثالثا حول معاصرة الثورة.
(4) مبادئ نظرية لبناء الحزب الثوري
يمكننا الآن أن نفهم أحسن، التصور اللينيني للحزب الثوري ولبنائه تحت نيران العدو.
لنقل الآن أنه لا يمكننا حتى أن ندعي الماركسية، إذا ما اعتبرنا أن المقصود هو إعادة المسيرة التي حدثت في روسيا ما بين 1895 و1917 بصفة آلية، ولكن المقصود هو إعادة بناء استراتيجية تكون في نفس الوقت استراتيجية الثورة واستراتيجية التنظيم، وذلك انطلاقا من المبادئ الأساسية التي برزت من هذه التجربة ومن تجربة الحركة العمالية العالمية ون جهة’ وانطلاقا من الواقع الملموس لبلادنا سنة 1973 من جهة أخرى.
إن الممارسة الثورية لسنوات 1970 إلى 1972 المرتبطة ارتباطا وثيقا بممارسة النقد والنقد الذاتي، مكنتنا من الوصول إلى مثل هذا الإعداد (إعداد استراتيجية الثورة واستراتيجية التنظيم) وذلك من النصف الأول لسنة 1972. ولقد أعطينا في نص ”الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية-اللينينية“ بتاريخ 6 أبريل 1973 العناصر الرئيسية لهذه الاستراتيجية الثورية.
يضاف إلى هذا، وعلى أساس المبادئ اللينينية، استراتيجية التنظيم والتي سنعطي هنا عناصرها الرئيسية. سنتطرق إذن إلى :
- المبادئ اللينينية للحزب الثوري
- كيف ترتبط الإستراتيجية الثورية في المغرب باستراتيجية التنظيم
- كيف ترتبط استراتيجية التنظيم بمبادئ الدفاع الإستراتيجي المذكورة سابقا.
(أ) المبادئ اللينينية للحزب الثوري :
(نذكر على أنها تقوم على الأسس المذكورة في القسم الثاني) يمكننا تلخيص هذه المبادئ كما يلي :
1 - إن الثوريين المحترفين والمتجدرين داخل نضال الجماهير، هي الدعامة التي يقوم عليها الحزب.
2 - إن منظمة المحترفين الثوريين تتكون من مناضلين انبثقوا من نضال الجماهير في صيرورة مرتبطة جدليا بإعداد الخط السياسي للحزب وانطلاقا من هذه الممارسة الثورية الجماهيرية نفسها. لا من خلال تكوين إيديولوجي داخل حلقة مغلقة.
3 - إن الحزب ليس منظمة الثوريين المحترفين المتفوقين على الجماهير، كما يدعي تقديم ”ما العمل ؟“ في الطبعة الفرنسية لسلسلة ”كتاب الجيب Livre de Poche“، بل ان الحزب مجموعة مكونة من منظمة الثوريين المحترفين إضافة إلى المناضلين الماركسيين-اللينينيين في المنظمات الثورية الجماهيرية.
4 - من هنا بالذات، ومن خلال هؤلاء المناضلين، فإن الحزب يرتبط ويندمج (...) بالمنظمات الجماهيرية، في نفس الوقت الذي يقودها على مستويات مختلفة من الوعي الثوري، ويتغذى منها.
ونجيب أولئك الذين يظنون أننا نحرف التصور اللينيني بأن الفكر اللينيني، المتماسك تماما في كتاب ”ما العمل ؟“ لسنة 1902، يظهر بوضوح تام حين نقرأ هذا النص في مجمله، شريطة أن نكون قد استوعبنا التصور البروليتاري للعالم الذي وضحه ماركس في أطروحته التالية حول فيورباخ، هذا الفكر الذي نقحه ووضحه لينين في ”رسالة إلى رفيق“ في 1903. ولقد أعاد لينين تنقيحها من جديد وتركيزها - ضد كل معارضيه الذين يحاولون تحريفها - لنقدها أحسن في المؤتمر الثاني للحزب العمالي الاشتراكي الديمقراطي بروسيا، الذي سجل بداية البلشفية. ويعطي مؤلف لينين ”خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء“ تحليلا مفصلا عن نقاشات هذا المؤتمر17.
وعلى العكس من أولئك الذين يريدون استعمال تلك الحجة الجد عادية والجد مبتذلة، والتي يريد لينين حسبها ”تحديد عدد المنخرطين في الحزب بعدد المتآمرين“، يجيب لينين ”لا يجب الاعتقاد بأن تنظيمات الحزب تتكون من الثوريين المحترفين فحسب، بل إننا نحتاج لتنظيمات جد متعددة، من كل الأنواع، من كل الدرجات ابتداء من المنظمات الأكثر ضيقا وتآمرا إلى الأكثر اتساعا وحرية.18.
لقد تم وضع التصور اللينيني بوضوح أكثر في هذا النص نفسه بالعبارات التالية : ”يمكننا أن نميز بين الأصناف التالية حسب درجة التنظيم عامة ودرجة السرية خاصة : 1- منظمات الثوريين، 2- منظمات العمال الموسعة والمنوعة بقدر الإمكان (أقتصر على الطبقة العاملة وحدها ولكن افترض أن مشاركة بعض العناصر من الطبقات الأخرى باعتبار بعض الشروط، شيء مسلم به). ويتكون الحزب من هذين الصنفين. 3- منظمات عمالية مرتبطة بالحزب، 4- منظمات عمالية غير مرتبطة بالحزب ولكنها في الواقع تحت رقابته وتحت قيادته. 5- عناصر من الطبقة غير منظمة لكنها تخضع بصفة جزئية لقيادة الاشتراكية الديمقراطية وذلك على الأقل خلال المظاهرات الكبرى للصراع الطبقي“19.
فعلى الرفاق الذين يصرون على أن نقاش وإعداد الخط السياسي هو من اختصاص نخبة معزولة، أن يتأملوا كثيرا هذا النص.
(ب) استراتيجية الثورة واستراتيجية التنظيم في المغرب
لقد أظهر لنا لينين فيما قبل أن ”تطور الوعي الثوري لدى الطبقة العاملة، لا يمكن أن يتم إلا بتحريك كل طبقات الشعب..“، فبالأحرى في بلد كالمغرب، حيث يتكون ثلثا السكان من الفلاحين، وحيث لا تكون الطبقة العاملة نفسها إلا قسما قليلا من مجموع سكان المدن. إذن يمكننا الوصول إلى الهدف الاستراتيجي المتمثل في انطلاق الحرب الشعبية ؛ التي يوجد من بين شروطها الأساسية انطلاق النضالات السياسية والثورية لجماهير البوادي، ويبقى نمو هذه النضالات نفسه مرتبطا بنمو النضالات في المدن، في نفس الوقت الذي يكون عاملا قويا للدفع بتبلور الوعي البروليتاري، ولبناء قيادة الطبقة العاملة في الجبهة الثورية للعمال والفلاحين. ومرة أخرى فإن بناء جبهة ثورية كهذه وبناء قيادة بروليتارية، ليس بناء آليا، أكاديميا : إعطاء العلم من المثقفين إلى العمال ومن جماهير العمال إلى جماهير الفلاحين. هذا البناء هو تحريك دياليكتيكي للعناصر المتقدمة أكثر التي تتأصل وتتجذر اليوم موضوعيا داخل قوى الشباب وداخل مجموع الجماهير الثورية في البلاد، أي داخل جماهير الفلاحين وفي نفس الوقت داخل الطبقة العاملة.
ولن نتردد في الإلحاح على التأكيد بأن إحدى الميزتين التي تجعل من بلدنا الحلقة الضعيفة في سلسلة الإمبريالية في المنطقة، زيادة على الضعف الموضوعي للنظام، هو كون الجماهير الشعبية تفرز بمعدل قل ما يوصل إليه تاريخ المجتمعات الماقبل-اشتراكية، مثقفيها العضويين -بنفس المعنى المعمق عند غرامشي- ؛ أي جماهير الشباب المدرسي المنحدر من الأحياء الشعبية بالمدن أو من البوادي. (بالنسبة لأولئك الذين نسوا الواقع الحي لثانويات بلادنا، يمكنهم على كل حال أن يرجعوا إلى الدراسة التي صدرت في ”أنفاس“ الفرنسية في عددها المزدوج 20/21، سنة 1971 حول ”التعليم بالمغرب منذ الاستقلال الشكلي“).
ولنذكر مرة أخرى بأهمية توطيد المنظمات الثورية للشباب المدرسي للمدن والبوادي، (..)، وربطها أكثر بنضالات الطبقة العاملة وجماهير الفلاحين.
وتبعا للمبادئ اللينينية نفسها، فإن بناء منظمة الثوريين المحترفين لا يمكنه إلا أن يتجدر ويتغذى وينمو من هذه المنظمات الثورية للشباب، بحيث توجه نضالاتها في نفس الوقت، ومن خلال المناضلين الماركسيين اللينينيين لهذه المنظمات الثورية الجماهيرية، في إطار الإستراتيجية الثورية.
وأثناء هذه النضالات في أطوارها الهجومية وأطوارها الدفاعية على السواء، تخلق تدريجيا إمكانيات جديدة لربط علاقات بين المناضلين العمال المتقدمين وبين بعض العناصر الثورية من الفلاحين ومن البرجوازية الصغيرة بالمدن والذين يستنتجون دروسا من الإنهزامات المتتالية للسياسيين البرجوازيين الصغار.
ولأولئك الذين يظنون أنه لا يمكن أن يوجد هؤلاء المناضلون العمال المتقدمون إلا انطلاقا من حلقات للتكوين النظري، نذكر هذه الجملة للينين في ”ما العمل ؟“ : ”بقدر ما يصبح اندفاع الجماهير العمالية العفوي واسعا وعميقا، بقدر ما يدفع بمحرضين وموهوبين إلى الأمام وكذلك بمنظمين وبدعاة موهوبين وبمتمرسين (..) فليس ذلك التلميذ المجد في حلقة الدراسات العمالية (بالمعنى الذي يتصوره بعض الرفاق)، هو الذي سيكون الكادر البروليتاري، ولكنه ذلك المناضل العامل المتقدم في نضالات الجماهير، والذي على المنظمة الماركسية-اللينينية أن نساعده على التكوين كثوري محترف“.
ومن هنا كذلك نرى الدور الرئيسي للجريدة كمنظم جماعي - على حد تعبير لينين - ونرى أيضا أهمية ”إلى الأمام“ في المرحلة الراهنة، كما تظهر ضرورة تطوير هذا المكسب النضالي لا إجهاضه، وضرورة جعلها أداة لتوجيه نضالات الجماهير، ولتكوين الكوادر البروليتارية في نفس الوقت، وذلك بالاندماج في الحركة الماركسية-اللينينية، بالوصول إلى منظمة الثوريين المحترفين والمناضلين العمال والمناضلين المنحدرين من الشبيبة المدرسية.
(ج) استراتيجية التنظيم وإستراتيجية الدفاع الإستراتيجي
يجب أن نعلم، كما توضح لنا تجربة الحركة الثورية العمالية، وتجربتنا الخاصة والقاسية الآن :
1 - بأنه في الوقت الذي نركز فيه مجهوداتنا لبناء حركة ثورية صلبة، فإن من المستحيل تجنب على الدوام أي اعتقال في صفوف المنظمات الماركسية-اللينينية كيفما كانت درجة إتقان هيكلتها العضوية.
2 - بان قدرة الرفاق على الصمود، كشرط أساسي لكي تكون الضربات التي يوجهها العدو محدودة، متعلقة مباشرة بتجدرهم داخل الجماهير، المصدر الوحيد والعميق للقوة وللثقة في الإيديولوجية الثورية.
3 - بأنه بقدر ما تكون المنظمات الماركسية-اللينينية متجدرة داخل الجماهير، حتى إن كانت هذه الجماهير -في المرحلة الراهنة- متكونة من الشباب الثوري ؛ بقدر ما يتكون مكافحون ثوريون جدد وكوادر ثورية جديدة، والتي تأتي لتخلف الرفاق الذين سقطوا في المعركة، ولتقدم هذه المعركة إلى الأمام رغم ضربات العدو.
4 - بأن الرفاق الذين اعتقلهم العدو ليسوا ضائعين من المعركة ؛ ففي سجون العدو تنصهر كما كتب هوشي منه نفسه من سجنه سنة 1931، الطليعة التي يمنحها الشعب ثقته، ففي يوم ما سيخرج نضال الشعب هؤلاء الرفاق من السجن، وأن الخمس سنوات من سجن الأشغال الشاقة التي قضاها معظم كوادر الحزب الشيوعي الفيتنامي من سنة 1931 إلى سنة 1936 تظهر جد قصيرة بالنسبة للتاريخ المظفر للثورة الفيتنامية..
ولكي نختم، نذكر بهذا الشعار البلشفي القديم : ”إن المطرقة تكر الزجاج، ولكنها تصلب الفولاذ“.
إن المناضلين المتجدرين من الشباب الثوري ببلادنا، أبناء العمال والفلاحين الذين أعطوا حياتهم في المعركة ضد الاحتلال الاستعماري، أبناء وإخوان أولئك الذين سقطوا برصاص الحسن في الريف وفي البيضاء، هؤلاء المناضلين ليسوا من الذين يخافون من مطرقة العدو. في المواجهة اليومية لجهاز العدو القمعي، سواء كان ذلك في ساحات الثانويات والجامعات، أو في الأحياء الشعبية، أو في المعامل وفي البوادي، أو في كهوف الكوميسريات وزنزانات السجون، سينصهر الفولاذ الأصيل الذي يسلح شعبنا، الفولاذ الذي يسلح ثورتنا.
أكيد أن هذا الفولاذ غير كاف اليوم، ولكن الفولاذ الممتاز الذي يكون شعبنا يمنحنا ثقة في المستقبل.
”إلى الأمام“ عدد 9 صيف 1973
--------------------------------------------------------------------------------
هوامش :
1- نصوص المؤتمرات الأربعة الأولى للأممية الشيوعية، الطبعة الثانية لماسبيرو، 1971.
2- لينين ”في الطريق الصحيح“، المؤلفات المختارة، الجزء الأول، ص 576.
3- الأطروحة 40.
4- الأطروحة 41.
5- ”رب شرارة أحرقت سهلا“، المؤلفات المختارة لماو تسي تونغ، الجزء الأول، ص 179.
6- نشر في ”الإنسانية الحمراء L’humanité Rouge“ الفرنسية، 1969، ص 48، تاريخ حزب العمل الألباني، الفصل الأول.
7- نفس المصدر، ص 105
8- مقدمة المؤلفات المختارة، لأزقير حج، ”في مواجهة التحريفية“، ماسبيرو 1972.
9- تاريخ حزب العمل الألباني، ص 161.
10- عروض حول المقاومة الفيتنامية، ص 161، السلسلة الصغيرة ماسبيرو، 1971.
11- لينين، ”مرض الشيوعية الطفولي“.
12- لينين ”في الطريق الصحيح“، المؤلفات المختارة، الجزء الأول، ص 576.
13- لي دوان، الكاتب العام لحزب العمال الفيتنامي، ”الثورة الفيتنامية، المشاكل الأساسية، المهام الأساسية“، ض 30، هانوي، 1970.
14- أنظر ”ستة ولفات عسكرية“ أو الجزء الثاني من المؤلفات المختارة ماو تسي تونغ.
15- نفس المرجع السابق.
16- ماو تسي تونغ، المجلد الأول ص 326.
17- تسطير من طرف لينين، ”ما العمل ؟“، ص 308.
18- لينين، نفس المرجع السابق، ص 312.
19- لينين، ”ما العمل ؟“، الفصل الرابع.