من وثائق منظمة الى الامام : الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينية
يوغرتن الباعمراني
2007 / 1 / 30 - 11:17
الى الامام
تشتد حاجة الماركسيين في مثل هذه الظروف حين تطرأ على الوضع العام تحولات كالتي نعيشها حاليا، يكون الماركسيون اللينينيون أشد عرضة لاحتمالات الانزلاق في التحليل وتحديد المهام، ولارتكاب الأخطاء. ويكون لزاما عليهم حينئذ إعادة تدقيق رؤيتهم، تحليلهم للوضع وتقييم التحولات الطارئة عليه وتحديد المهام المطلوبة، وذلك عن طريق التشبث بالمنهج الجدلي العلمي في التحليل.
هذا ما أثبته بشكل قاطع عديد من الآراء الخاطئة التي تروج داخل حركة اليسار الماركسي اللينيني حاليا، وبشكل خاص حين انطلاق عمليات الجناح الاتحادي1 التي جرفت عديدا من الرفاق إلى الإعجاب والتبني وحتى محاولة اتهام اليسار بـ”الانتظارية“ و”الإصلاحية“.
وتزداد هذه الحاجة إلحاحا حين تكون الحركة الماركسية اللينينية في طور النشوء والتبلور، ويكون الخط السياسي العام والوضع النظري لمختلف قضايا الثورة في بلادنا ما يزال في أطواره الأولى، حيث يكون بناء تكتيك سديد لهذه المرحلة بأكملها في المسيرة الثورية، أشد صعوبة.
وبصفة عامة فإن معظم التحاليل لليسار الماركسي اللينيني لم تكن تتوفر فيها شروط الوضوح الدقيق للمرحلة التاريخية الراهنة من نمو الصراع الطبقي ببلادنا. فهي غالبا ما تظل مطروحة على مستوى الأحداث اليومية والأحداث الرسمية بصفة خاصة، وفي رد انفعالي اتجاهها، دون أن تربط الأحداث الجارية بالعلاقات الطبقية التي تعبر عنها. ولهذا فهي تتخذ شكل التحليل الصحافي، وتكون وقتية، لأنها لا تنظر إليها ضمن مرحلة تاريخية من نمو الصراع الطبقي لا تشكل الأحداث إلا تعبيرا عنه، ليس بشكل مبسط ومباشر، لكن بشكل معقد وملتوي. وهذا النقص كثيرا ما يضطر الرفاق محاولات الربط بين الأحداث بشكل متعسف وإيجاد الخطوط والعلاقات الوهمية التي تشدها بعضها إلى البعض.
إن الرؤية التي سنسوقها في الصفحات التالية للوضع الراهن، وبصفة خاصة لمهامنا العاجلة، هي محاولة للإسهام في الجهود المبذولة داخل اليسار الثوري من أجل الوصول إلى رؤية أوضح للوضع الراهن وللمهام التي يتطلبها. وبذلك فهي استمرار في نفس العمل الشاق الذي بدأناه من أجل قفزة كيفية في خط وممارسة الحركة الماركسية اللينينية بصفة عامة.
أولا : مميزات الوضع الراهن
يمكن إجمالها في المميزات الرئيسية الأربعة التالية : أزمة النظام، انحلال البرجوازية الوطنية، اندحار الجناح البلانكي البرجوازي الصغير، نمو الحركة الجماهيرية.
1 - أزمة النظام
تشكل أزمة النظام التي ما انفكت تتعمق باستمرار، الميزة الرئيسية الأولى للوضع الراهن. إن آراء مخالفة داخل الحركة الماركسية اللينينية تطمس هذه الأزمة وتطمس تناقضاتها، وترى أن الاتجاه الأساسي للنظام هو جمع قواه، حل تناقضاته وإلتفات مختلف القوى الإمبريالية حوله وتدعيمه، وتصعده للإرهاب والبطش الذي يمارسه ضد نمو الحركة الجماهيرية وضد اليسار الثوري والجناح البرجوازي الصغير البلانكي.
وفي نظرنا أن هذه النظرة خاطئة جدا وهي بعيدة النتائج حول تحديد مجمل الوضع الراهن ومهام الحركة الماركسية اللينينية، وهي غير جدلية - كما سنرى - لأنها لا تنظر لأزمة النظام وتناقضاته في أساسها الموضوعي، في ربطها بتناقضات الإمبريالية من جهة، والحركة الجماهيرية من جهة أخرى.
1 - لقد تردد كثيرا في تحاليلنا الأخيرة أن النظام قد أختار طريقه الفاشي. إن هذه الموضوعة صحيحة تمتما، تؤكدها سياسة النظام تجاه الحركة الجماهيرية في الأسابيع الأخيرة التي تميزت بشراسة لم يسبق لها مثيل في قمع الحركة الطلابية، حل منظماتها المناضلة إ.و.ط.م. واعتقال مناضليها، إلى الطرود البريدية الملغومة وعشرات الاختطافات والاعتقالات، إلى إعدام الضباط والاعتقالات الأخيرة في صفوف اليسار الثوري والجناح الاتحادي الانقلابي، وتوقيف الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، بالإضافة إلى حجز وقمع الحريات العامة (حجز الصحافة المعارضة، منع التجمعات...). كل هذا في الوقت الذي يقوم فيه النظام بعملية تدعيم وبناء جهاز بوليسي فاشي بمساعدة خبراء الإمبريالية الفرنسية بصفة خاصة (تأسيس إدارة حماية التراب الوطني DST بقيادة إدريس البصري و”إدارة الوثائق السرية“ بقيادة الدليمي). بيد أن هذه الموضوعة لا تطرح إلا كوصف لسياسة النظام الإرهابية تجاه نمو الحركة الجماهيرية دون أن ترقى إلى مستوى التصنيف العلمي الذي تضمنته كلمة ”الفاشية“ تاريخيا. وهذا ما يتطلب مزيدا من دراسة النظام وتناقضاته الداخلية وارتباطاته بالإمبريالية، وتعميق طبيعة هذا الاختيار الفاشي وعلاقاته بتناقضاته وبنمو تجذير الحركة الجماهيرية وحدوده ضمن أزمة النظام الراهنة واستراتيجية الإمبريالية وتناقضاتها.
2 - لقد نشأت الفاشية تاريخيا في السنوات العشرين من ها القرن، كحل للأزمة الشديدة للرأسمالية الاحتكارية، من جراء انطلاق المد الثوري البروليتاري الهائل الذي كان يهدد بالعصف بها، والذي دشنته ثورة أكتوبر 1917 الكبرى. وحين عجزت الرأسمالية ببنيتها الليبرالية أن تقف في وجه الزحف الهائل للبروليتاريا ابتداء من أكتوبر 1917، سلكت سياسة الإرهاب والبطش وسيلة لحل هذه الأزمة في صورة الديكتاتورية الاستبدادية. هذه الأزمة المتعاظمة أيضا بفضل التطاحن بين مختلف الإمبرياليات. فالبرجوازية الألمانية كانت قد عجزت عن فرض إعادة تقسيم ”عادل“ بالنسبة لها للمستعمرات، كما أن البرجوازية الإيطالية واليابانية كانت تبحث عن حل جديد لنموها، إعادة تقسيم جديد للمستعمرات يناسب مطامحها، في وجه الإمبريالية البريطانية والفرنسة والأمريكية. كل هذا يتطلب بناء الديكتاتورية الاستبدادية. وقد استندت الفاشية بشكل أساسي إلى الطبقات الوسطى التي كانت تعاني من البؤس وتفاقم وضعيتها واستطاعت هذه الفاشيات أن تكسب طابعا وطنيا شوفينيا، وأن تملك جذورا اجتماعية أكثر ثباتا وأساسا جماهيريا، حين طرحت نفسه لحل الأزمة الثورية الناشئة التي لم يكن بمقدوره البروليتاريا أن تحسم فيها نتيجة خيانات الأممية الثانية.
3 - كما أن الفاشية الجديدة والنامية في عدة بلدان داخل ما يسمى بالعالم الثالث تملك هذه الجذور. فهي تدخل ضمن الاستراتيجية الجديدة للإمبريالية الأمريكية بصفة خاصة في بناء أنظمة إرهابية قوية، تلعب دور الإمبريالية في قمع وسحق نضالات الشعوب المتنامية، مثل البرازيل داخل أمريكا اللاتينية وإيران في منطقة الخليج العربي وجنوب إفريقيا وتركيا... وهذه الأنظمة ترتكز إلى دعم برجوازيات هذه البلدان، ذات الطبيعة الكمبرادورية، بحيث تتحكم في كل موارد البلاد، وتعتمد على جيش قوي وجهاز بوليسي لإرهابي منظم، يديره خبراء الإمبريالية بطريق غير مباشر عن طريق عملاء C.I.A. أو ”كتائب السلام“، وتدعمها اقتصاديا بالمساعدات والقروض، والبعثات... وتستند هذه البرجوازيات إلى نخب عسكرية منظمة تشكل أساس هذه البرجوازية الكمبرادورية.
4 - في بلادنا نمت الطبقة الحاكمة، بشكل مضاد للبرجوازية الوطنية نفسها، وفي اتجاه نسف أساسها الاقتصادي الموضوعي، بارتباط مباشر مع النهب الاستعماري الجديد. إن إحدى المميزات الرئيسية لدينامكية الصراع الطبقي في بلادنا هي الانحلال والتفسخ المتزايد للبرجوازية الوطنية اقتصاديا وسياسيا، وتمركز كل موارد اقتصاد البلاد في يد أقلية تتقلص قاعدتها الاجتماعية باستمرار - من المعمرين الجدد ووسطاء الرأسمال الأجنبي وعلى رأسهم الملكية المغربية التي تشكل رمز هذه الأقلية الحاكمة وضامن وحدة وتماسك فئاتها.
إن هذا الاتجاه في نمو هذه الطبقة الحاكمة يرجع إلى الإستراتيجية الموضوعة في إيكس ليبان في إطار استراتيجية الإمبريالية المتمثلة في الاستعمار الجديد. فقد استطاعت الإمبريالية الفرنسية أن تصحح خطأها بالتحالف من جديد مع الملكية والطبقة الحاكمة والبرجوازية الوطنية في شكل الاستعمار الجديد، وذلك حين بدأت الثورة الشعبية المنطلقة تحمل بذور نمو جذري لحركة شعبية ديمقراطية مسلحة تهدد بنسف مستقبل مصالح الإمبريالية الفرنسية في بلادنا كلية. كانت تلك الإستراتيجية تقوم على بناء الطبقة الحاكمة العميلة وعلى رأسها الملكية، الإسمنت الذي يلحم مختلف فئات الطبقة الحاكمة. وتبع ذلك تكسير وتفتيت المنظمات الشعبية ذات الأفق الجذري المتزايد (حركة المقاومة، جيش التحرير) بالقمع الدموي من جهة، والمناورات السياسية من جهة أخرى، في غياب أي استراتيجية، فراغ سياسي هائل لدى هذه المنظمات. ثم إفراغ منظمات العمال النقابية، الإتحاد المغربي للشغل (إ.م.ش) المنبثقة في إطار المعركة الوطنية من مضمونها النضالي على يد البيروقراطية النقابية. كل هذا مع الضمانات الأكيدة للبرجوازية الوطنية بكل أجنحتها، وبتنفيذ من طرف حكوماتها الوطنية، وتحت غطاء الوحدة الوطنية والحماس الوطني .. وتوج ذلك بطرد البرجوازية الوطنية من الحكم على مرحلتين في 1960 و1962، والشروع بشكل لا مثيل له في عملية تصعيد النهب الاستعماري الجديد وتفقير وتشريد الجماهير الكادحة.
5 - ويشكل نمو جهاز الدولة الطفيلي وفساده أيضا الوجه البارز لعملية تكثيف النهب بشكل لا مثيل له، حيث يتوسع ويتضخم جهاز الدولة، نفوذه وهيمنته على كل القطاعات عن طريق ما يسمى بالمكاتب الوطنية بصفة خاصة، مكتب التسويق والتصدير، مكاتب الزراعة، مكتب الري، مكتب الشاي والسكر...
وتشكل سياسة السدود، القائمة على تطوير الرأسمالية في البادية بانتزاع الأراضي من أيدي الفلاحين الفقراء وتحويل المغرب إلى مزرعة لأوروبا، ونمو قطاع السياحة الذي يضمن أرباحا سهلة وسريعة ودون مصاعب للراساميل الأجنبية، أبرز مظاهر مجالات نشاط سياسة الطبقة الحاكمة الاقتصادية القائمة على التبعية المطلقة للإمبريالية ومعادات التصنيع الحقيقي للبلاد والتحرر الاقتصادي.
ويبلغ تضخم جهاز الدولة الطفيلي إلى الحد الذي يمتص في ميزانية سنة 1972 ما يقرب من 600 مليار فرنك من مجموع 1 500 مليار تشكل مجموع الدخل الوطني السنوي. إن نتائج هذه السياسة تتجلى في تمركز الثراء والبذخ لدى الطبقة الحاكمة، وتمركز الفقر والبطالة والجوع والجهل لدى الجماهير الكادحة. فالنظام عاجز عن أي تحسين لوضعية الجماهير ولو في حدود تخفيف حدة البطالة الشديدة أو تعميم ولو جزئي للتعليم من أجل امتصاص مؤقت لنقمتها. وينتج عن ذلك تعمق الأزمة الاقتصادية الدائمة للنظام الدائمة للنظام تسرع به نحو الإفلاس الاقتصادي، أبرز النتائج لهذه الأزمة :
• تراكم الديون بشكل مستمر لتغطية الأزمة.
• الارتكاز إلى إرهاق الجماهير الكادحة بالضرائب المباشرة أو غير المباشرة.
• العجز الدائم في الميزان التجاري.
وتؤدي سياسة النظام هذه إلى تفكيك وتفقير البرجوازية الصغيرة والمتوسطة وخنقها اقتصاديا، ودفع فئات منها إلى صف الجماهير الكادحة، ثم دمجها اقتصاديا وتحويلها إلى أطر في أجهزة الدولة المضخم باستمرار، ثم تفكيكها ودمجها سياسيا.
كل هذا يفقد النظام الأساس الموضوعي لبناء نظام فاشي ذو جذور اجتماعية وطيدة، وليس في مقدوره إلا استعمال الأساليب الفاشية في القمع والإرهاب، لوقف زحف الجماهير المسحوقة.
6 - كما أن محاولات النظام الرامية إلى عملية بناء أساس إيديولوجي لنظام فاشي تمنحه المشروعية في أعين الجماهير، محكوم عليها بالفشل.
إن ارتكاز هذه العملية في عملية الانبعاث الإسلامي، والهيبة الدينية الشعبية لـ”أمير المؤمنين“ و”الإمام“، خلق جماعات الإخوان المسلمين - هذه العملية التي يقودها الكاهن المكي الناصري - تفتقد أسسها الموضوعية، لأنها ترمي إلى إعطاء المشروعية إلى نظام يعيش يوميا قمع وامتصاص دماء الجماهير الكادحة. إن النجاح النسبي الذي لاقته حركة الإخوان المسلمين قبل 1952 بصفة خاصة، داخل الجماهير العربية في الشرق يرجع إلى كونها كانت إيديولوجية معارضة، إيديولوجية تنطلق من موقع نقد الأنظمة الخائنة والمتخاذلة في الشرق. كما أن أفراد الطبقة الحاكمة هم أول من يسيء إلى الدين في سلوكهم اليوم. إن الأوتوقراطية التي تزرع الاضطهاد في كل مكان ولا تحصد إلا الحقد (...) أدت إلى كون مفاهيم ”أمير المؤمنين“ و”الإمام“ تفقد مفعولها الإيديولوجي لدى الجماهير الكادحة (...)
7 - إن عجز النظام المتعفن عن وقف المد الجماهيري المتنامي يهدد مستقبل المصالح الإمبريالية، بحكم تضارب مصالحها في الوطن العربي وفي منطقة غرب البحر المتوسط ذات الأهمية الحاسمة بالنسبة لمختلف الإمبرياليات.
وهذه التناقضات ترتبط بتناقضات الطبقة الحاكمة بحكم عمالتها وتفانيها في خدمة مختلف المصالح الإمبريالية ببلادنا.
إن جوهر التناقض يكمن في الخلاف بين الإمبريالية الفرنسية التي تتمركز مصالحها الإقتصادية الضخمة في بلادنا عن طريق الأبناك الكبرى (وضمنها بنك روتشيلد الصهيوني الكبير) والإمبريالية الأمريكية التي يمثل المغرب بالنسبة لها في الدرجة الأولى موقعا استراتيجيا هاما في إطار الصراع حول مناطق النفوذ مع التحريفية السوفيتية وقمع كفاحات الشعوب المتنامية.
كما أن عملية نهب الصحراء الغربية الغنية بالمواد الهامة وذات الموقع الاستراتيجي الهام هو أحد عوامل هذا التناقض. هذه المنطقة التي تتراكم عليها المؤامرات من كل جانب. فقد تم اكتشاف حقول بترول ضخمة من حجم حقول الخليج العربي، وفي شروط مناسبة للاستخراج. وظل هذا الاكتشاف سريا إلى حين تسوية وضعية المنطقة سياسيا2.
وبالرغم من كون الإمبريالية الفرنسية، التي كانت تنهج في زمن ديغول سياسة شبه مستقلة عن الإمبريالية الأمريكية، قد بدأت تعود تدريجيا ضمن الهيمنة الأمريكية التي تقود المعسكر الإمبريالي، فإن ثقل المصالح الاقتصادية للرأسمالية الفرنسية في بلادنا، وضعفها النسبي من جهة أخرى يجعل منها السند الأساسي للنظام الملكي من أجل إصلاحه ودفعه في طريق ليبرالي أكثر، من أجل امتصاص حركة الجماهير المتصاعدة ونقمة فئات الطبقة الحاكمة نفسها، هذه هي استراتيجية الإمبريالية الرئيسية داخل العالم الثالث.
أما الإمبريالية الأمريكية، فبحكم دورها في قيادة المعسكر الإمبريالي في الصراع ضد المعسكر الاشتراكي وكفاحات الشعوب المتنامية، نتيجة الآلية الاقتصادية والعسكرية الضخمة التي تتوفر لديها، يجعل استراتيجيتها تنبني من جهة على التدخل المباشر (كوريا، الفيتنام، الاووس، الدومينيكان...) ومن جهة أخرى على بناء أنظمة عسكرية فاشية - كما أوضحنا سابقا - تكون قادرة، بقوة الدعم الإمبريالي، على وقف زحف الجماهير الكادحة وضمان المصالح الإمبريالية، والقيام بدور الإمبريالية في سحق بلدان أخرى مجاورة وتستند في ذلك إلى تدعيم وتقوية برجوازيات هذه البلدان سياسيا واقتصاديا، وبناء نخب عسكرية ذات جهاز فاشي ضخم يكون قادرا على تكسير الحركات الثورية وسحق انتفاضات الجماهير، وعلى امتصاص سخط الجماهير في إطار إصلاحات ”وطنية“ لا تضر بالمصالح الاستراتيجية الإمبريالية، والأمثلة الشهيرة واضحة في هذا المجال.
في هذا الإطار يجب وضع انقلابي 10 يوليوز 1971 و16 غشت 1972، الذين ليسا إلا تعبيرا عن استراتيجية الإمبريالية الأمريكية في قلب اوتوقراطية الحسن العاجزة عن القيام بدورها المطلوب في ضمان المصالح الإمبريالية الأساسية، بوقف نمو الحركة الجماهيرية التي يتحول تدريجيا شعار الجمهورية إلى مطمحها المباشر.
فالأوتوقراطية المتعفنة، وهي رمز الطبقة الحاكمة وضمان وحدتها، لم تعد قادرة على القيام بدورها المطلوب في تخدير الجماهير، وتوازن والتحام فئات الطبقة الحاكمة. حيث يقوم حسن وعبد اللـه بشره مخيف بتحويل المغرب إلى ضيعة لهما، وتضييق الخناق على كمشة الطبقة الحاكمة، مما يزيد في رغبة الطبقة الحاكمة في إزاحة عرقلة الأوتوقراطية الطفيلية، وتعويضها بدكتاتورية عسكرية فاشية تضمن مصالح الطبقة الحاكمة وضمان الهيمنة الإمبريالية وتوقف الزحف الجماهيري ونمو القوى الثورية المتزايد.
8 - على مستوى الوطن العربي، فإن عزلة النظام تتعمق بحكم كونه أحد الأنظمة الرجعية التي تمارس التآمر خفية ضد الثورة الفلسطينية طلعة الثورة العربية. أما مهزلة إرسال الجيش إلى سوريا فلن تستطيع ستر خياناته للثورة العربية (...) وتزداد هذه العزلة على مستوى المغرب العربي، أمام تخاذل حسن واتجاهه للمساومة على الصحراء الغربية مع الاستعمار الإسباني، مما يدفع النظام الجزائري والموريتاني الذين يعتبران أنفسهما من الأطراف المعنية باستثمار خيرات المنطقة، إلى الابتعاد عن النظام وبصفة خاصة النظام الجزائري (...) وبالرغم من التحركات الأخيرة (زيارة وزير خارجية الحسن إلى واشنطن..) لتمزيق طوق العزلة، والبحث عن علاقات اقتصادية ومساعدات من الإتحاد السوفييتي، فهي محاولات محكوم عليها بالفشل، ولن تحد من غضب هذه الأطراف على نظام الحسن المتعفن.
9 - كل هذه العوامل تجعل من النظام العميل، موضوعيا، مركز تناقضات متزايدة تتعمق باستمرار، وقابلة للانفجار والعصف به، وتجعل من عملية تغطية وجهه بقناع ليبرالي مزيف محاولة فاشلة. وقد عدل حسن نفسه عن اللعبة البرلمانية بعد أن انكشف زيفها. إلا أن اشتداد هذه التناقضات وانفجارها، لا يمكن أن يتعمق ويتوسع إلا بمقدار نمو الحركة الجماهيرية وجذريتها، واشتداد قوى الثورة العربية في المنطقة، مما يقرب نهاية النظام، ويجعل من مصلحة كل القوى الإطاحة به، وهو الاتجاه الذي بدأت تظهر بوادره لدى الإمبريالية الفرنسية نفسها (التهديد الأخير من طرف النظام بإعادة النظر في في المصالح الفرنسية وحملته على الأساتذة الفرنسيين..)... لا يكفي أن يكون النظام مفككا وضعيفا بل لا بد من تنامي حركة الجماهير حتى يتم تعميق وتوسيع أزمته وعزلته وهذا هو اتجاه الأحداث. وما دامت ساحة الصراع لم تفرز القوة البديلة للنظام ولكل الطبقة الحاكمة، فالبرجوازية الوطنية لا يمكنها أن تكون تلك القوة وفي الوقت الذي لم تبلغ فيه الحركة الجماهيرية - حركة الطبقة العاملة والفلاحين - مرحلة القدرة على الحسم ف الصراع مع النظام، فإن الطبقة الحاكمة سترمي بنظام الحسن العاجز، وستوفر الشروط لتحقيق استراتيجية الإمبريالية في المنطقة، في سحق مد الثورة المتنامي هنا في الجناح الغربي للوطن العربي.
2 - انحلال البرجوازية الوطنية
1) تقدم البرجوازية هذه الأيام دعما سياسيا سافرا للنظام بصورة لم يسبق لها مثيل، في حملته الفاشية المتصاعدة للنظام ضد الحركة الجماهيرية وقواها المناضلة، ابتداء من اليسار الماركسي اللينيني إلى الجناح الاتحادي البلانكي، وإلى الحد الذي تساهم فيه البرجوازية في حفلات النظام دون خجل. ففي الماضي حين كان مناضلو الإتحاد الوطني للقوات الشعبية يعذبون في الفيلات السرية على أيدي جلادي النظام، لم يجد عبد اللـه إبراهيم أ حرج، وهو الزعيم المزعوم للإتحاد الوطني للقوات الشعبية، في حضور حفلة زفاف ”;أمينة“ علانية ومصافحة حسن المجرم. وحين كان المقاومون الحقيقيون يذوقون صنوف التعذيب الجهنمي، كان علال الفاسي المهترئ يجلس إلى مائدة عصمان في حفلة تأسيس المقاومين/العملاء والبوليس3. وقبل ذلك قامت صحافة حزب الاستقلال بالتحريض والتغطية الدعائية لعملية الحكم في تصفية اليسار الثوري، وبعملية تهجم شديد ضد الفكر الثوري، والبحث عن أفضل الصيغ القانونية لحل منظمة الجماهير الطلابية المناضلة : الإتحاد الوطني لطلبة المغرب. ثم بالصمت المتواطئ في تصفية المناضلين الاتحاديين في الأيام الأخيرة وتوقيف حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية. أما البيروقراطية النقابية فإنها تقوم بالدور الموكل إليها في تكسير نضالات الطبقة العاملة وإجهاضها بأشد الطرق الفاشية، وبشكل يغدو معه من المستحيل على طبقتنا العاملة إذا هي أرادت أن تحتل موقعها التاريخي في قيادة كفاح شعبنا أن تفصل بين النضال ضد الباطرونات والبوليس وبين النضال ضد عصابات البيروقراطية النقابية.
إنه الانحلال الذي تعرفه البرجوازية الوطنية منذ صفقة إيكس-ليبان المخزية، الانحلال الذي يجعل من هؤلاء السادة في نهاية المطاف قوة احتياطية أخيرة للنظام، كلما احتاج إلى التنفيس عن أزمته المتنامية.
2 - إن الأساس الموضوعي لهذا الانحلال هو التفكك الاقتصادي الشديد للبرجوازية المتوسطة، وهي التي تسمى عادة بالوطنية أو الليبرالية، في بنية النظام التبعية، وهذه إحدى المميزات الرئيسية لدينامكية الصراع الطبقي ببلادنا. ففي نظام التبعية تنعدم الأسس الموضوعية لنمو وازدهار البرجوازية المتوسطة بحكم هيمنة المصالح الإمبريالية الاحتكارية وتحويلها ببلادنا إلى مصدر للمواد الأولية وسوق لمنتوجاتها الصناعية، واستيلاء الكمشة الحاكمة على موارد البلاد واقتصاده. إن نسف الأساس الاقتصادي وتفكيك الأوصال السياسية للبرجوازية الوطنية، كان الشرط الأول بالنسبة لإستراتيجية الاستعمار الجديد منذ استقلال 1956 الشكلي. وبحكم التخطيط الاقتصادي للاستعمار الجديد لم يكن للبرجوازية المتوسطة إلا مجال هامشي تحت مراقبة جهاز الدولة الطفيلي يتم تضييقه باستمرار. ويتكون من بعض الصناعات الخفيفة والتحويلية وقطاع الخدمات... ينتهي إلى الاندماج تدريجيا في جهاز الدولة الذي يوسع احتكاره وهيمنته على كل اقتصاد البلاد، ويقلص قاعدة البرجوازية المتوسطة ويدفع بأقسام منها إلى خدمة جهاز الدولة في شكل برجوازية تقنوقراطية، وبأقسام أخرى إلى صف البرجوازية الصغرى وحتى إلى الجماهير الكادحة. أما عملية توزيع الأراضي فلا تؤدي مطلقا إلى نموها (أ البرجوازية الوطنية)، لأن هذه الأراضي تبقى ملك بشتى الأشكال (التعاونيات، القروض...) ولا تؤدي إلى نمو فلاحين متوسطين من البرجوازية الصغرى، يلعبون دور صمام أمن بالنسبة لإستحواد الملاكين الكبار على الأراضي.
3) ذلك هو الأساس الموضوعي لهذا الانحلال، والذي يعبر عنه تقلص الأجهزة السياسية البرجوازية إلى فئات من المحترفين السياسيين، لا مستقبل لهم إلا في إطار خدمة النظام كأطر له، وتحويله كقوة احتياطية له.
في بلدان عديدة مما يسمى بالعالم الثالث، استطاعت بعض البرجوازيات الوطنية أن تحقق نموا نسبيا مستقلا في الإطار التبعي بنفسه، وفقا لشروط خاصة، مثل الهند والشيلي... وبنسبة أقل تونس. واستطاعت هذه البرجوازيات نتيجة لذلك أن تقطع أشواطا في بناء أنظمة ليبرالية، بحكم أن هذه البرجوازيات لم تستنفذ شعاراتها الوطنية نهائيا. في بلادنا - كما أوضحنا سابقا - تنعدم هذه الأسس بتاتا، وتنعدم تبعا لذلك أسس تطو ليبرالي في إطار النظام الحالي، وتنعدم بالتالي أسس النضال الديمقراطي الليبرالي. هذا التطور ما تظهره المحاولات اليائسة لبرجوازيتنا في تحقيق ذلك، وهو ما يظهر عبث هذه المحاولات الآن، تلك التي يريد من خلالها عبد اللـه ابراهيم أن يجعل من نفسه ”ألندي“ المغرب، تحت ستار تحليلاته العلمية، وما يظهر أيضا سخافة أوهام علال الفاسي في ملكية دستورية في ظل الحسن ونظامه. إن هذا الانحلال يؤدي إلى انفصال الاتجاهات الجذرية عن هذه البرجوازيات - كما هو الحال بالنسبة للعمليات الأخيرة للجناح الاتحادي البلانكي (...) - أما الاتجاهات المتحجرة والمتعفنة منها التي تظل سجينة أوهامها الإصلاحية والليبرالية فهي ستتحول إلى خدمة النظام في نهاية المطاف وهو التحول التي تبدو بوادره منذ الآن.
3 - اندحار الجناح البلانكي البرجوازي الصغير
1) يشكل اندحار المغامرة الجديدة للجناح البلانكي البرجوازي الصغير، المدعو بجناح البصري الميزة الأساسية للوضع الراهن، بسبب ما تفرضه على اليسار من تقويم لاختياراته وخطته، وبسبب ما يتركه على وعي وتطوير الحركة الجماهيرية من آثار سلبية، وما يفرضه على النظام من تحول في سياسته وتصعيد أساليبه الفاشية. لقد اتضح الآن إلى أي مأزق انقاد إليه هذا الجناح، واتضح أيضا كم هي خاطئة تلك التقديرات المتسرعة التي أفقدت عديدا من المناضلين الرؤية الاستراتيجية السليمة. أوضح هذا أن المأزق لا تسببه أخطاء عسكرية، ولا عدم اختيار الشروط السياسية المناسبة لانطلاق العمل المسلح، بل يرجع في العمق إلى التصور الطبقي البرجوازي الصغير للثورة، الذي يقود إلى النهج التآمري المغامر، يقفز عن حركة الجماهير الثورية وقدرتها على صنع الثورة خلال مسيرة الحرب الشعبية في تحطيم العدو الطبقي وأسياده الإمبرياليين.
2) لم تحمل هذه العملية تحولا جديدا في النهج الإصلاحي-البلانكي المزدوج لدى الجناح الجديد هو تمكن الشبكات هذه من إنجاز بعض عمليات، ومهما كان حجمها وفعاليتها فقد اعتادت المخابرات البوليسية للنظام اصطياد هذه الشبكات بسهولة كبيرة قبل إكمال نموها. هكذا كان الحال في 1963 و1969 وفي غشت 1972. إن كثيرا من الرفاق يحاولون تخطئة تحليلنا السياسي السابق حول مراهنة هذا الجناح على البرلمان والانتخابات. وفي الحقيقة فإن هذا الجناح كان يزاوج دائما بين خط إرهابي تآمري في شكل البحث عن الانقلاب أو تنظيم شبكات تقنية مسلحة لقلب الحكم، وبين خط إصلاحي انتهازي تفاوضي يستعمل كواجهة وتغطية للخط الأول. وهو في الحقيقة توفيق بين فئتين، كل منهما يستخدم الآخر بتنفيذ خطته. ونقص التحليل السابق يكمن في عدم طرحه المراهنة على البرلمان ضمن هذه الازدواجية.
إن من بين أهم التقديرات السياسية التي قادت مجموعة البصري، الذي لا يستفيد من الدروس أبدا، إلى المأزق المأساوي الراهن، الذي يعرفه إرهاب البرجوازيين الصغار في كل مكان وزمان هي :
أ - المراهنة على خلق ظرف ثوري سيجر الجماهير إلى معمعة النضال لإسقاط الملكية وإقامة الجمهورية.
ب - المراهنة على انفجار التناقضات داخل الجيش، في شكل انقلاب يحمل المجموعة إلى السلطة، أو في شكل انضمام قوات الجيش إلى المجموعات المقاتلة.
3) هل يمكن أن تخلق هذه العمليات وضعا ثوريا مناسبا أو ”الثورة“ كما تصرح بذلك إذاعة الجناح من ليبيا ؟
ما هو أولا بوجه عام الظرف الثوري ؟ يتميز أولا بأزمة خانقة للطبقة الحاكمة بحيث تكون غير قادرة على الاستمرار في الحكم بأي من الوسائل. أن يتفاقم بؤس الجماهير الكادحة (...)، وأن تكون هذه الجماهير الثورية بحكم نضال طويل ومتعاظم في شكل الحرب الشعبية في مرحلة القوة التاريخية القادرة على استلام السلطة. هذه هي الشروط الموضوعية الثلاثة الأولى. وأن تكون الطبقة الثورية القائدة - الطبقة العاملة - في طليعة الكفاح الطويل والشاق لتحطيم العدو الطبقي وإرساء الجمهورية الديمقراطية الشعبية كشرط ذاتي رابعا.
4) قد لا يحتاج إلى تحليل عميق لنذرك انهيار هذه المراهنة، فأي من الشروط التي ذكرناها (...) لا يتوفر بنفس الحجم المطلوب، والذي يشكل فيه عامل نمو حركة الجماهير وتجذرها وتمريسها في النضال وصولا إلى الكفاح المسلح وتحطيم العدو الطبقي وأسياده الإمبرياليين عبر الحرب الشعبية الطويلة الأمد، الشرط الأساسي. وهي المسيرة التي تفرض قيادة البروليتاريا من خلال ممثلها السياسي الحزب الثوري، الذي لا يتبلور إلا من عمل سياسي وتنظيمي طويل النفس في قلب الحركة الجماهيرية - في مقدمتها الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء - ويتقوى ويتصلب عبر مرحلة الكفاح المسلح نفسه. إن تعويض هذا الشرط بإلهاب حماس الجماهير عن طريق إذاعة مهما بلغت درجة بلاغاتها الثورية، أو من خلال حزب سياسي منخور تتحكم فيه ممارسة إصلاحية انتهازية لا يمكن أن تقود إلا إلى المأزق الحالي.
لقد رأينا سابقا أن أزمة النظام لا يمكن أن تأخذ حجمها الكامل كما يستوجب الظرف الثوري، إلا بقدرة الحركة الجماهيرية على التنامي والتجدر بطاقات متعاظمة باستمرار.
وفي ظل غياب هذه الشروط وغياب الوعي الثوري المقترن بوجود الطليعة البروليتارية المنظمة، فإن هذه العملية ستترك آثارا سلبية على وعي الحركة الجماهيرية، التي رأت بفضل كل المحاولات الفوقية لقلب النظام العميل، ويزكي في وعيها الحسي رسوخ النظام وقوته الزائفة، في نفس الوقت التي تدرك فيه بعدم قدرتها على تحطيم النظام وإقامة الجمهورية الديمقراطية الشعبية : جمهورية مجالس العمال والفلاحين الفقراء والجنود الثوريين. وستعجز هذه العمليات حتى عن إعطاء المثال الملموس للكفاح كما يزعم البعض لأن إدراك الجماهير لضرورة العنف الثوري كشكل ضروري لتحطيم عدوها لا يأتي إلى عبر التجربة الملموسة للجماهير وإدراكها الملموس لطاقتها في النضال الثوري أولا، ويقترن ذلك بعمل دعائي واسع ومنظم للطليعة الثورية ثانيا.
5) إن التدخل السريع والفعال لقوات النظام القمعية وقدرتها بسرعة على عزل المقاتلين وتصفيتهم يرجع إلى سوء تقدير للنظام، واحتقار دور الجماهير في بناء طريق الثورة. يفقد النظام سرعة التدخل والحركة في تصفية المجموعات المسلحة، ويسمح لهم ببناء قواعد صغيرة محررة مستغلة ظروف التطاحن بين فئاته كما وقع في الصين في إقامة مناطق السلطة الحمراء الأولى في السنوات الأولى للثورة الصينية. إن هذه الظاهرة لم يعرفها الحكم في المغرب إلا خلال ساعات قليلة يوم 10 يوليوز 1971. فالنظام ضعيف ولكنه مركزي في الوقت الذي لم تزل فيه حركة الجماهير غير قادرة على تعميق هذه الأزمة وتفجيرها. ومن المؤكد أن هذا الوضع لن يستمر على هذا الشكل في المستقبل، وأن طابع الصراع بين فئات النظام سيأخذ طريقة الحسم السريع (الانقلاب العسكري بصفة خاصة) بحكم الشروط الملموسة لبلادنا، وفي مقدمتها اهتمام الإمبريالية ببلادنا بحكم موقعها الإستراتيجي العام والمتمركز في المنطقة عبر قواعدها داخل بلادنا أو قواعدها الضخمة في إسبانيا، وهذه استراتيجية الإمبريالية في عصر اندحار على نطاق عالمي كما تبرزه أمثلة كوريا والفيتنام والدومنيكان والعدوان الحاصل الآن على الكمبودج والاووس... كل هذه الشروط تجعل من تكتيك حرب العصابات المتنقلة كما وقع في كوبا، يمكن أن تجر الجماهير إلى الكفاح والاستيلاء على السلطة (حيث اقترن في الواقع الكفاح السياسي بالكفاح المسلح)، طريقا غير صائب بالنسبة للثوريين، ويؤدي بها حتى في حالة استمرارها إلى عزلها وحصرها في المناطق الجبلية الوعرة التي لا تسمح بتنمية الكفاح الثوري الجماهيري وفي المناطق الرئيسية التي يتمركز فيها الصراع الطبقي.
إن هذه الشروط تظهر بشكل قاطع صحة الحرب الشعبية، الطريق الوحيد للثورة في بلادنا، طريق بناء الطليعة البروليتارية، وبناء جبهة العمال والفلاحين الفقراء المعتمدة على نضال الفلاحين في الاستيلاء على الأرض وتصفية المعمرين الجدد، وتأسيس الكتائب الأولى من الجيش الأحمر في شكل القواعد الحمراء المتحركة لتجنب سرعة تدخل قوات العدو، وتوسيع وتعميق نضال الجماهير الشعبية في المدن، وصولا إلى بناء المناطق المحررة الأولى لجمهورية مجالس العمال والفلاحين، وتوسيع جبهة الكفاح في المنطقة إلى معركة التحرر الوطني في الصحراء الغربية وكفاح الشعب الموريتاني.
هذه العمليات ليست إذن عاجزة عن دفع نمو تجذير الحركة الجماهيرية وبلورة الطليعة البروليتارية بل إنها تعطي للنظام زمام المبادرة في حل أزمته وتشديد أساليبه الفاشية وإرهاب الحركة الجماهيرية (...) وهي العملية التي بدأها النظام في الشهور الأخيرة في بناء البوليس وتشتيت الجيش وإرسال جزء منه إلى سوريا، وأخيرا في بناء منظمة من العملاء والمخبرين والانتهازيين، وهذا هو أساسا تحركات الدبلوماسية في واشنطن والجزائر واسبانيا، وتعجل بشكل أساسي للحل الإمبريالي الأمريكي، وتدفع فئات الطبقة الحاكمة إلى التعجيل بإنهاء أزمة النظام وأخطار الانفجار التي يحملها الوضع الراهن. إن اتجاه هذا الحل وطابعه الأساسي - كما أوضحنا في تحليلنا لأزمة النظام - يرشح الحل العسكري اليميني، وقد تعلمت الإمبريالية في مثل هذه الظروف، كيف تحتوي نقمة الجماهير وسخطها في انقلاب عسكري فاشي يزعم لنفسه إقامة جمهورية ”وطنية“ وإصلاحات ”وطنية“ وحتى ”ثورية“، والأمثلة معروفة.
6) إن مبدأ الماركسية-اللينينية الأول هو أن الثورة من صنع الجماهير. إن الثورة هي ممارسة الجماهير المنتجة والمنظمة بطليعة البروليتاريا، الطبقة الثورية حتى النهاية، بتحالف مع جماهير الفلاحين الفقراء والمعدمين : الحليف الدائم للبروليتاريا ليس في الثورة الديمقراطية المعادية للإمبريالية والإقطاع فحسب، ولكن حتى في الثورة الاشتراكية التي تهدف إلى تحطيم الرأسمالية وبناء الاشتراكية، وصولا إلى المجتمع اللاطبقي التي تنمحي فيه كل أشكال الاستغلال، وبتحالف مع جماهير البرجوازية الصغيرة والفئات الوطنية داخل البرجوازية المتوسطة : الحليف المؤقت للبروليتاريا، في جبهة عريضة تستهدف إقامة الجمهورية الديمقراطية الشعبية، جمهورية مجالس العمال والفلاحين والجنود الثوريين. هذه هي طريق الماركسيين اللينينيين الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يضعوه موضع تردد أو تحريف. ليست الثورة فقط من صنع الجماهير، لأن الجماهير المنتجة والمضطهدة هي القادرة على تحطيم سلطة المعمرين الجدد والوسطاء والرأسمال الأجنبي والجلادين وتدمير جهاز الدولة الاستغلالي والقمعي عبر الحرب الشعبية الطويلة الأمد، ولكن لضمان مسيرة الثورة وتأمين قوتها في وجه الأعداء، والقوى التي تريد الارتداد إلى الرأسمالية، وفي وجه أي تحريف بيروقراطي لن يكون إلا لصالح البرجوازية. فالثورة البروليتارية هي أول ثورة في التاريخ يصنعها العبيد هذه المرة لحسابهم. فالعنف الثوري إذن هو تتويج لممارسة الجماهير الثورية، وليس عملا تقنيا، يمكن أن تقوم به شبكات معدة أحسن إعداد. إن هذا الفهم لا يمكن أن يقود إلا إلى المأزق الدموي للمناضلين، مهما بلغت درجة تنظيمهم وتسليحهم، الشيء الذي أثبتته الأيام الأخيرة، حين شملت هذه الاعتقالات كل المجموعات تقريبا (مما يظهر أن الجناح قد زج بكل مناضليه في هذا المأزق) وطالت سياسيي الحزب المسالمين، وسقوط كميات هامة من الأسلحة الجيدة التي لم يتم استعمالها بعد.
يمكننا أن نضيف الخطأين التاليين في نفس المنظور السابق :
أ - لم يكن اختيار الأماكن المحددة للعمليات اختيارا مدروسا... إن شن العمليات في مناطق معزولة لا يحدده فقط وضع جغرافي مناسب، بل حدة الصراع الطبقي في المنطقة وتمركز المصالح الإمبريالية، مما يعطي مناخا مناسبا لعمليات عسكرية تستهدف مصالح الأعداء الطبقيين (المعمرين الجدد) ودفع جماهير الفلاحين إلى احتلال الأرض ومقاومة العدو (تادلة، الغرب، سوس...) كما وقع بصورة عفوية وجزئية في خنيفرة.
ب - مهاجمة المخازنية ورجال البوليس العاديين. مما سيسيء إلى هذه العمليات، مادام مطلوبا من هذه الفئات، التي هي جزء لا يتجزأ من الجماهير الشعبية، بأن تحول بنادقها إلى صدر النظام بجانب الجماهير وطلائعها المسلحة، الأمر الذي لا يكون عفويا، بل من خلال عمل سياسي وتنظيمي للطليعة البروليتارية داخل هذه الفئات. ولا يمكن هذه العمليات إلا أن تفيد العدو وتدفع إلى ضمان إخلاص هذه القوات إليه ومنع أي تصدع داخل جهازه القمعي.
7) أما برنامج "الثورة" المقدم في إذاعة ليبيا، نفس البرنامج الإصلاحي التفاوضي، وهو تعبير عن نفس الروح الطبقية البرجوازية التي تحرك هؤلاء في إقامة جمهورية ديمقراطية برجوازية، وتأكيدا بالتالي لفشلهم التاريخي. وهو يختلف اختلافا جذريا عن البرنامج البروليتاري الذي يستهدف تصفية المصالح الإقطاعية والرأسمالية وبناء نظامها الاشتراكي الحقيقي، عبر دكتاتوريتها الحقة وتحالفها مع الفلاحين الفقراء، إن النقطتين التاليتين كافيتان لإبراز الخلاف العميق والأساسي بينهما :
- إن شكل الدولة في البرنامج البرجوازي، هو عين الجمهورية الديمقراطية البرجوازية في أرقى أشكالها، جمهورية المجلس التأسيسي. أما دولة البروليتاريا فتقوم على أساس تنظيم المجالس الشعبية التي تمارس من خلالها السلطة السياسية والاقتصادية. إن المجلس التأسيسي هو تنظيم البرجوازية وديكتاتوريتها، وهي ديكتاتورية الأقلية على الأغلبية، في حين المجالس هي تنظيم سلطة البروليتاريا وحلفائها في الجمهورية الديمقراطية الشعبية، وهي ديكتاتورية الأغلبية على الأقلية.
- إن الإصلاح الزراعي المقترح ليس إلا تركيزا لهيمنة الرأسمالية البرجوازية على جماهير الفلاحين الفقراء. أما الثورة الزراعية، التي هي عماد الثورة الديمقراطية، فهي انتزاع الأراضي من المعمرين الجدد من طرف الفلاحين المسلحين والمنظمين في مجالسهم.
4 - نمو الحركة الجماهيرية
1) عرفت الحركة الجماهيرية منذ سنة 1968، وبصفة خاصة منذ 1970 نهوضا جديدا أعقب سنوات الركود التي تلت مارس 1965، حين أسال رصاص العدو دماء الجماهير الغاضبة في شوارع البيضاء.
لقد شكلت مارس 1965 منعطف تحول حاسم في نمو المسيرة النضالية لشعبنا، لا يقاس فقط بمقدار الضحايا والدماء التي صبغت شوارع البيضاء، ولكن بسبب شعاراتها التي تنادي بإسقاط الملكية، ورفع شعار الجمهورية لأول مرة في تاريخ الحركة الجماهيرية.
لقد كانت 1965 حاصلا موضوعيا لاشتداد عملية النهب الاستعماري الجديد، بعد فشل وإبعاد البرجوازية الوطنية من الحكم، وإنفراد الطبقة الحاكمة بالسلطة ابتداء من 1962، وتدشين عهد الإرهاب بشكل مباشر منذ 1963. وأدت عملية النهب الشديد إلى تفاحش وضعية الجماهير بشكل لم يسبق له مثيل، جعل منها أيضا في وضعية قابلة للانفجار وبالقدر الذي كانت عليه في مارس 1965.
شكلت مارس 1965 أيضا، بعفويتها، نقدا دمويا للإصلاحية التي كانت حتى ذلك الحين، في مقدمة الحركة الجماهيرية، وإدانة لبرنامجها وخطها الديمقراطي الليبرالي، والبلانكي المتستر.
وبسبب غياب الأداة الثورية القادرة على بلورة الطاقات الثورية للجماهير الكادحة، وضمان السير بها نحو انتزاع مكاسب من النظام، بسبب تخاذل الإصلاحية وطبيعتها المساومة وخوفها من الحركة الجماهيرية، قد تحولت مارس 1965 إلى مذبحة، ومما أدى إلى جمود وركود حركة الجماهير لفترة قصيرة، ودفعت النظام إلى تصعيد عملية النهب والقمع في شروط أفضل من مرحلة ما قبل مارس 1965.
لقد كانت هزيمة الأنظمة المتخاذلة في يونيو 1967، ونمو المقاومة الفلسطينية المسلحة عاملا لا يمكن إغفاله في نمو الحركة الجماهيرية ونهوضها. هكذا بدأت تستعيد الحركة الجماهيرية، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، طاقاتها النضالية، كما يتجلى ذلك في إضرابات عمال مناجم جرادة وخريبكة الطويلة ولإضرابات التلاميذ والطلبة. وتطورت نضاليتها بصفة خاصة ابتداء من 1970، سواء داخل القطاع العمالي أو داخل جماهير الفلاحين مع انتفاضة فلاحي أولاد خليفة المجيدة وسطات، أو في حركة الشبيبة المدرسية التي خاضت نضالاات هائلة في فبراير ومارس -التي توجت بمناورة إفران التي شكلت رصيدا جديدا للإصلاحية في المساومة على ظهر نضالات الجماهير-، وإضراب الجماهير الطلابية الشامل في 4 يونيو ضد زيارة "لوبيز برافو" وزير خارجية الاستعمار الإسباني، أو في نضالاتها ضد التجنيد في مايو ويونيو (...).
2) لقد صاحب هذا النمو المتزايد تجذير نضالية الحركة الجماهيرية، تجذير شعاراتها ومطامحها، وتجدير أساليبها النضالية.
وشكلت الشبيبة المدرسية، حركة التلاميذ وحركة الطلبة، الفئة المتقدمة داخل الحركة الجماهيرية التي حملت لواء هذا التجذير وعبرت عنه. فالتلاميذ بحكم انتمائهم العضوي إلى الجماهير الكادحة يشكلون مثقفي هذه الجماهير والمعبرين عن وعيها الحسي. فهم يعكسون بداية تبلور الوعي لدى الجماهير، ابتداء من مارس 1965 وابتداء من يوليوز 1967. وهذا ما يفسر انبثاق اليسار وحمله لخط جذري اتجاه مختلف قضايا المسيرة الثورية الجماهيرية، من داخل طلائع حركة التلاميذ والحركة الطلابية. وهذا الانبثاق هو التعبير الناضج عن تجدير الحركة الجماهيرية واكتسابها طابعا أقوى (...) وتنامي الحركة الجماهيرية كقوة تاريخية حاسمة.
أما بالنسبة للطبقة العاملة فإن هذا التجذير، لا يمكن وضعه من زاوية مقياس الدور التاريخي الذي ستلعبه كطليعة ثورية، ولكن من زاوية الشروط الموضوعية التي تحدد وضع الطبقة العاملة. فمنذ 1968 تتواصل وتتعمق إضرابات الطبقة العاملة وبصفة خاصة منذ 1971. وتواجه الطبقة العاملة في نضالها بشكل خاص ظاهرة الاستنزاف القوية، المتمثلة في تشريد الطبقة العاملة، وهي إحدى النتائج الحتمية لسياسة النظام التبعية القائمة على معاداة التصنيع الحقيقي للبلاد، الذي ينمي البطالة بشكل قوي في ظل تزايد السكان الهائل. وهذا ما يجعل شعارات مواجهة الطرد وفصل العمال وإقفال المعامل تتصدر نضالات الطبقة العاملة، بالإضافة إلى شعارات الحريات النقابية والنضال ضد الممثلين النقابيين والقمع... وهذا تحول كيفي مهم في نضالات الطبقة العاملة، إذا قارنا بين نضالات 1971 وما قبلها التي كانت تتصدرها نضالات الزيادة في الأجور، وأدت إلى تحقيق رفع الأجور العام. إن هذا النمو والتجذر في نضالات الطبقة العاملة يجعلها في مواجهة جهاز القمع كما هو واضح في نضال عمال قطارة ونضالات عمال النسيج. ومن مظاهر هذا التحول الكيفي تحول على مستوى أساليب التنظيم، هذا ما دشنه عمال المناجم في خريبكة وقطارة، وأبرز بشكل واضح في إضراب عمال السكك الحديدية البطولي الأخير حين قام العمال قاعديا بتنظيم لجن الإضراب التي نظمت الإضراب وسهرت عليه. كما أن النضالات والمظاهرات الضخمة التي قامت بها الطبقة العاملة في الخارج في الأسابيع الأخيرة تسير في نفس الاتجاه.
إلا أن البيروقراطية النقابية لا زالت تشكل عرقلة كبيرة في وجه الطبقة العاملة وتمارس تكسير نضالاتها وتفتيتها، وإجهاض ظهور الوعي البروليتاري الذي يتنامى لدى الطبقة العاملة، الشيء الذي يجعل من البيروقراطية النقابية الحليف الموضوعي للرأسمال في تشريد الطبقة العاملة واضطهادها، مما يفرض على هذه لأخيرة ربط نضالها ضد الرأسمال والقمع بالنضال ضد البيروقراطية النقابية.
أما داخل حركة الفلاحين فإن هذا التجذير يكتسب طابعا أكثر حدة، فالجماهير الفلاحية الفقيرة تجد نفسها مباشرة في مواجهة نظام المعمرين الجدد وجهازه القمعي حيث تمارس عملية انتزاع أراضيهم وتشريدهم وتحويلهم إلى عمال زراعيين أو عاطلين يحالون على معسكرات الاعتقال الجماعية في مدن القصدير، وفي أحسن الأحوال يصدرون إلى الخارج في شكل يد عاملة. وبدلا من أن تستطيع مهزلة ”الثورة الزراعية“ من تجميد وإخماد التمردات الفلاحية التي تتسع فإنها خلقت جوا متوترا بسبب الكيفية التي تم بها توزيع الأراضي مما يجعل من الأراضي القليلة الموزعة في النهاية، ملكا لجهاز الدولة... (ما يسمى بالتعاونيات، القروض الإجبارية، الضرائب...).
هكذا نجد شعار الأرض يتصدر نضالات الفلاحين ومطالبهم، وبأساليب أكثر جذرية (احتلال الأرض) مما يضعهم في مواقع الصدام المباشر مع الجهاز القمعي والأمثلة معروفة في هذا المجال (أولاد خليفة، سطات، أولاد تايمة، تاسلطانت، أنكاد، أيت عطة...).
وتعرف جماهير البرجوازية الصغيرة بدورها نموا كيفيا في نضالاتها، ليس فقط على مستوى الحركة الطلابية، التي ترتبط شديد الارتباط بحركة الجماهير الكادحة، وتتأثر بعدة عوامل في مقدمتها تزايد قاعدتها من أبناء الجماهير الكادحة، وتمركز متقدم للفكر الثوري ولليسار داخلها، بل كذلك قطاعات الأساتذة والمعلمين الذين شنوا هذه السنة إضرابا وطنيا موحدا وشاملا لأول مرة منذ 1965، وكذلك المهندسون والتقنيون وصغار التجار... الذين يتعرضون للاضطهاد الاقتصادي والثقافي من طرف كمشة الطبقة الحاكمة.
3) من إحدى الظواهر الأساسية المميزة لنمو الحركة الجماهيرية هو اتجاهها في نضالاتها نحو الوحدة، وهذه الظاهرة رغم أنها لا تزال في مرحلتها البدائية إلا أنها تكتسي أهمية خاصة في نظرنا. لأن هذه الوحدة تعني إزاحة عراقيل التقسيم التي يمارسها الحكم وأذنابها البيروقراطيين النقابيين والانتهازيين، وتعطي للحركة الجماهيرية قوة أمتن. لقد بدأ يتجلى في التحام حركتي التلاميذ والطلبة ودعم الجماهير لهما وتبلور أكثر في الإضراب الموحد والشامل على مستوى قطاع السكك الحديدية بكامله، وعلى مستوى إضرابات الأساتذة والمعلمين حول شعارات موحدة، وبدأ يتطور نسبيا داخل قطاع النسيج. كما أن أشكال التضامن قد بدأت تتسع وتهدد بتكسير كل العوائق والحواجز بين مختلف فصائل الحركة الجماهيرية.
وواضح أن هذه الوحدة لا تزال عفوية وجزئية ولا زالت في مراحلها البدائية الأولى. فالقوى الانتهازية والبيروقراطية، وقصور الوعي الجماهيري من بين العراقيل القوية التي لا تزال تمنع هذه الوحدة من أن تأخذ طابعها المتماسك والمتلاحم الذي من شأنه أن يخيف بحق النظام والانتهازيين.
إن غياب الحزب الثوري البروليتاري القادر على بلورة الطاقات الثورية للجماهير في جبهة ثورية واحدة بقيادة البروليتاريا هو العامل الحاسم، فهذه الوحدة تشتد وتتماسك في ظل النضال السياسي الثوري في مواجهة النظام ولا يمكن أن تتبلور في ظل نضالات مهنية تفرض تقسيما في نضالات الجماهير بين هذا القطاع وذاك، وهذا المعمل أو آخر، إلا أن اتجاه الحركة الجماهيرية يحمل بذور وحدتها وقوتها.
4) نريد أن نشدد هنا على طابع هذا النمو. إن هذا النمو والتجذير داخل الحركة الجماهيرية، ليس نموا مستقيما وصاعدا على شكل خط مستمر بدون انعراجات، بل هو نمو في اتجاه التصاعد والتجذير والوحدة عبر النكبات والأخطاء التي تفرضها بشكل أساسي عفوية الحركة الجماهيرية التي تظل الطابع الأساسي للحركة الجماهيرية في الوضع الراهن.
إن هذا النمو لا يقاس بتراجعات جزئية في هذا القطاع أو ذاك، بل بطابع المرحلة التاريخية ككل ابتداء من 1986، والتي يحددها بشكل أساسي العامل الموضوعي الرئيسي : تصعيد الاضطهاد والاستغلال من طرف الأقلية الحاكمة وتفاقم وضعية وبؤس الجماهير، هذا التصعيد الذي يمركز في هذا القطب الثراء والبذخ، وفي القطب الآخر الفقر والجهل، والحفز على النضال أيضا. إن الواقع الموضوعي يدفع الجماهير إلى النضال بكل أخطاء هذا النضال وقصوره عن عفوية الحركة الجماهيرية. بيد أن العامل الموضوعي لا يكفي في حد ذاته، ولا يمكن أن ينقل نضال الجماهير إلى مرحلة النضال الثوري الجذري بل أن هذا الانتقال رهين بعملية نشوء وتبلور الحزب الثوري.
نريد أن نشدد على هذه المسألة لأن نزعات متعددة قد تبلورت داخل المناضلين، بعضها يرى في الحركة الجماهيرية الخصائص التي أشرنا إليها في شكل إيجابي بشكل يدفع إلى نزعة مغامرة قد تجره إلى أخطاء قاتلة في ظل الوضع الذاتي للحركة الماركسية-اللينينية وتصاعد فاشية النظام (نفس أخطاء البلانكيين). وأخرى تبالغ في تقدير تلك التراجعات الجزئية وتجعل منها ردة يمينية داخل حركة الجماهير وهذا التقدير يهدد بنشوء انعزالية مميتة دخل اليسار الماركسي-اللينيني.
إن أخطاء هذا التقدير تقوم أساسا على نظرة ضيقة وسطحية للحركة الجماهيرية، نظرة ضيقة وسطحية في علاقة الحركة الجماهيرية بالقمع المسلط، نظرة ضيقة لتراجعات الحركة الجماهيرية والاضطهاد في قطاعات يوجد داخلها اليسار.
فما يسمى بالردة داخل الحركة الجماهيرية لا يمكن قياسه بتراجعات محدودة داخل هذا القطاع أو ذاك، إنه مرتبط بتصاعد فاشية النظام. وهذا التصاعد نفسه هو رد فعل النظام على نمو الحركة الجماهيرية ونمو جذريتها. كما أن أخطاء اليسار الماركسي اللينيني في التوجيه، وقصوره في العمل الدعائي الثوري وفي التأطير، يفرض ذلك. بالإضافة إلى العراقيل التي تزرعها البيروقراطية النقابية والانتهازية في وجه هذا النمو، والتي يمكنها استغلال شروط مثل هذه لتحقيق مآربها في تكسير الحركة الجماهيرية وفرض تراجعات داخلها والاحتفاظ بها تحت وصايتها.
إن طابع المرحلة، كما رأينا، هو النمو والجذرية، وهو نمو لا يتم في شكل خط مستقيم وسهل، ووفق رغبات الثوريين الذاتية، إنه نمو وتجذير يرفضهما واقع الجماهير المضطهدة نفسها، من خلال الأخطاء والانتصارات، مادام الطابع الأساسي هو العفوية بكل ما تحمله هذه العفوية من تفكيك وتشتيت في قوة الحركة الجماهيرية. ومادام تجاوز هذه العفوية والمشروط في المقام الأول بانبثاق الأداة الثورية البروليتارية، القادرة على بلورة الطاقات الثورية الجماهيرية وبلورتها كقوة متراصة وحاسمة في مواجهة العدو الطبقي وسيدته الإمبريالية، فإن هذا الطرح بالدرجة الأولى على اليسار الماركسي-اللينيني مهامه الأساسية في عملية نشوء وتبلور الأداة، باعتباره البديل الناشئ لكل القيادات الإصلاحية والانتهازية المتعفنة أو الانقلابية، وذلك من خلال قدرته على نهج خط سليم وطرح نفسه في قلب الحركة الجماهيرية، داخل الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، وقدرته على تعميق تناقضات النظام والإمبريالية، تلك التناقضات المشروطة في تعمقها بنمو قوة وجذرية الحركة الجماهيرية.
ثانيا : مهام الحركة الماركسية-اللينينية
يشكل قصور الحركة الماركسية-اللينينية في تأطير وتنمية نضالات الحركة الجماهيرية : الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والشباب الثوري، عملا أساسيا في تأخر تبلور الحركة الجماهيرية كقوة على ساحة الصراع الطبقي الذي يدخل مرحلة جديدة في ظل الوضع الراهن، كما رأينا. فما دامت الطبقة العاملة ومجموع الجماهير الكادحة لم تفرز طليعتها البروليتارية، فسيبقى أمامها قطع مراحل طويلة في نضالها، أمام تزايد قمع النظام وتصعيد فاشيته وأمام انحلال البرجوازية الوطنية وانحدار الجناح التآمري البرجوازي الصغير.
وعلى الحركة الماركسية-اللينينية، وهي المرشحة تاريخيا للقيام بدور حاسم في عملية بناء الأداة الثورية البروليتارية، بحكم أنها حاملة إيديولوجية الطبقة العاملة، وعليها أن تحقق قفزة كيفية جديدة في خطها وممارستها، من أجل السير قدما في عملية تبلور الأداة. وإذا لم تستطع تحقيق هذه القفزة المطلوبة بشكل حاسم، في الشروط الجديدة للوضع الراهن، الذي يتطلب تحولا جديدا في مختلف مستويات العمل الثوري، السياسية والإيديولوجية والتنظيمية، فإنها تعجز عن القيام بدورها في عملية انبثاق الأداة الثورية، التي هي بالدرجة الأولى عملية اندماج الطليعة الثورية المنظمة بحركة الطبقة العاملة أولا، ومجموع الجماهير الكادحة، وهي عملية كفاحية شاملة، تتطلب خطا إيديولوجيا وسياسيا وتنظيميا سديدا. إن الحزب الثوري هو حصيلة هذا الاندماج، فهو يتأسس ويتدعم كقيادة عامة لكفاح الجماهير، من خلال تقدم هذا الكفاح نفسه وتعمقه. ليس بناء الحزب الثوري عملية تتم خارج كفاح الجماهير بشكل سلمي وهادئ، وليس الحزب الثوري معطى سابقا على الحركة الجماهيرية أو نتيجة لها، إنه منتج ونتيجة لها في نفس الوقت، يتصلب وينصهر في عنف الكفاحات الشاقة للجماهير الكادحة.
سنحاول من خلال طرح وتحديد المهام الأولية والضرورية في الوضع الراهن معالجة وضعية الحركة اللينينية وقصورها، والتي تشكل في نظرنا أرضية لالتقاء وتظافر جهود جميع الماركسيين-اللينينيين لمواجهة حازمة لواجباتهم في المرحلة الراهنة. ويبقى واضحا أننا ما لم نواجه بشجاعة هذه الوضعية الذاتية، وما لم ننكب عليها، فلن نستطيع إلا ترديد الشعارات الفارغة والصراخ الدائم حول القمع وفاشية النظام، أو تخلف الحركة الجماهيرية، أو خيانة الأحزاب الإصلاحية. ومعالجة وضعية الحركة الماركسية-اللينينية هو أمر لا يمكن أن يتم خارج الحركة الجماهيرية، في نقاش هادئ، بل يتم في صلب الحركة الجماهيرية، ومن خلال الصعوبات اليومية التي تثيرها، من خلال الأخطاء والقمع ذاته، وتمتين الحركة الماركسية-اللينينية وتصليبها بدروس النضال ذاته.
1 - الطبقة العاملة
يرتبط تبلور الأداة الثورية، بتجذر الحركة الماركسية-اللينينية داخل الطبقة العاملة بحكم أن هذه الأخيرة هي طليعة الثورة.
ليست موضوعة الطبقة العاملة طليعة الثورة، موضوعة عقائدية جامدة، بل حقيقة موضوعية تؤكدها نضالات الطبقة العاملة في طليعة كفاح شعبنا، سواء قبل 1955 من أجل الاستقلال، أو بعده وبصفة خاصة في السنوات الأخيرة. إنه الدور الذي يبرز يوميا رغم العراقيل العديدة المزروعة في وجه الطبقة العاملة من طرف البيروقراطية النقابية ذنب الرأسمالية المتدلي داخل الطبقة العاملة إلى إلى بروليتاريا، إلى طليعة لكفاح شعبنا.
لهذا يتحتم على الماركسيين-اللينينيين تكثيف مجهوداتهم من أجل تبلور الوعي البروليتاري، يجب أن نأخذ شعار التجذر داخل الطبقة العاملة المكانة الأولى والأساسية في مجالات العمل الثوري ووسائله الدعائية والتنظيمية، إلا أن هذا العمل داخل الطبقة العاملة لا يتم فقط ضمن علاقة ضيقة بالطبقة العاملة وتأخر تبلور الوعي البروليتاري الذي يشكل العملية الحاسمة في تحول الطبقة العاملة وبها وحدها فقط، بل إنه يتم من خلال إنجاز كل المهام التي سنعرضها، من خلال إنجاز الجريدة ونشر الفكر الثوري، من خلال رؤية سياسية واضحة للوضع الراهن وشعارات واضحة للنضال، من خلال ربط نضالات حركة الشبيبة المدرسية بالطبقة العاملة، وفضح طبيعة النظام الفاشية، وكذلك بتوفر حركة ماركسية-لينينية صلبة وطليعية. من أجل ذلك فإن هذا العمل لا يمكن إنجازه إلا بمراعاة الاعتبارات الأساسية التالية :
1) ينبغي أولا رفع الوعي السياسي لجماهيرنا العمالية، ولأجل ذلك يجب على الماركسيين-اللينينيين العمل على شن النضال السياسي ضد النظام، ووسط جميع فئات الجماهير الكادحة، من أجل فضح النظام وتعرية طبيعته القمعية والاستغلالية، وتبيان ارتباط الباطرونات بالنظام وبأجهزته البوليسية وسجونه، وداخل أشد فئات الحركة الجماهيرية ديناميكية وقدرة في المرحلة الراهنة على فضح النظام وإزاحة الأقنعة التي يتستر بها أحيانا، داخل حركة التلاميذ والطلبة التي تمكن من ذلك، والدفع بها إلى الجماهير العمالية، والقيام بالدعاية والتحريض وسطها كحركات نضالية، أو لتكوين أطر مناضلة مستعدة للقيام بهذا الدور العظيم. ينبغي أولا أن لا يسقط الماركسيون-اللينينيون في خطأ حصر علاقتهم بالطبقة العاملة، وبها لا غير، ذلك لأن الوعي السياسي الطبقي لا يمكن أن نستمد منه هذه المعرفة هو ميدان علاقات جميع الطبقات والفئات تجاه الدولة والحكومة، ميدان علاقات جميع الطبقات بعضها تجاه بعض، وذلك فإنه على سؤال، ماذا ينبغي لحمل المعرفة السياسية إلى العمال ؟ لا يمكن تقديم ذلك الجواب الوحيد الذي يكتفي به معظم الحالات المشتغلون في الميدان العملي، فضلا عن أولئك الذين يميلون إلى ”الاقتصادية“، ونعني جوانب ”الذهاب إلى العمال“. ”فلكي يحمل الاشتراكيون-الديمقراطيون (الشيوعيون) إلى العمال المعرفة السياسية ينبغي لهم التوجه إلى جميع طبقات السكان، ينبغي أن يرسلوا فصائل جيشهم إلى جميع الجهات“ (لينين، ”ما العمل ؟“ ص 105).
2) هكذا ينبغي على الماركسيين-اللينينيين التوجه إلى جميع طبقات وفئات الحركة الجماهيرية، من أجل النضال السياسي العام ضد النظام وفضحه. وهو عمل يتم في شروطنا الراهنة داخل حركة التلاميذ وحركة الطلبة، التي يمكنها، بنضالاتها السياسية المتصاعدة، أن تفضح طبيعته وأن تظهر لجماهير العمال، ارتباط الباطرونات بجهاز الدولة القمعي، وبصفة خاصة حين تنبثق هذه الحركات من الجماهير الكادحة التي التي يشكلون مثقفيها، ولا يمكن أن نقلل من التأثير الذي خلفته نضالات السنوات الأخيرة. وفي هذه الحركة يمكن للحركة الماركسية-اللينينية أن تتزود بأطر مناضلة للقيام بمهام العمل الثوري داخل الطبقة العاملة، أطر تكون قد تمرست بالعمل الثوري، الدعائي والتنظيمي داخل حركة الشبيبة المدرسية وأصبحت قادرة على القيام بدور المحترف الثوري. كما أن نضالات جماهير الفلاحين المتزايدة والمتجذرة بشكل أساسي تشكل عاملا أساسيا في دفع الوعي داخل الطبقة العاملة وتعميقه باستمرار، مما يخلق الأسس الأولى لعمليات بناء جبهة العمال والفلاحين الفقراء، ليس فقط عمال المناجم الموجودة في قلب البادية، ولكن داخل الصناعات التي يقيمها النظام في البوادي بشكل أساسي (معامل السكر والمصنوعات التي تعتمد على الزراعة)، نفس الشيء بالنسبة لجماهيرنا العاملة في الخرج المتزايدة باستمرار. ويشكل جماهير التلاميذ السند التكتيكي الرئيسي للحركة الماركسية-اللينينية في العمل داخل البادية بحكم تزايد جماهير التلاميذ من أبناء الفلاحين الفقراء.
3) في الشروط الملموسة لبلادنا، لا يشكل كفاح الطبقة العاملة ذاته القوة التي ستسقط النظام، إن هذه المسيرة لا تتم إلا في البلاد الرأسمالية المتقدمة حيث يتمركز الصراع الطبقي بشكل رئيسي بين البروليتاريا والبرجوازية، ويكون مفروضا على الماركسيين-اللينينيين القيام بعمل سياسي دعائي طويل، مستغلين كل الأشكال الشرعية الموجودة، إلى حين نضج شروط الانتفاضة، فيتم إزاحة البرجوازية من السلطة واستيلاء البروليتاريا عليها، فتشرع حالا في بناء الاشتراكية، التي تتوفر كل شروطها المادية. أما طليعة الثورة، في بنية شبه استعمارية وشبه إقطاعية، يشكل فيها الفلاحون قوة رئيسية في الثورة، وجماهير واسعة من شبه البروليتاريا، فيكون لزاما على الطبقة العاملة وحزبها السياسي بناء تحالف ثوري مع جماهير الفلاحين الفقراء والمعدمين الذين يشكلون 75% من السكان، ويكون الشكل الرئيسي للكفاح من أجل السلطة تبعا لذلك هو الحرب الشعبية الطويلة الأمد. إن هذه الشروط تفرض على الحركة الماركسية-اللينينية تنظيم إرسال مناضليها إلى جماهير الفلاحين الفقراء وبصفة خاصة العمال الزراعيين الذين يشكلون محور الاتصال بين الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، مما يساعد على بلورة الطليعة البروليتارية وضمان قيادتها للثورة.
4) إن رفع الوعي البروليتاري لطبقتنا العاملة وتكوين الأطر البروايتارية، يتطلب من الحركة الماركسية-اللينينية أن تكون قادرة على القيام بعمل دعائي لنشر الماركسية-اللينينية ، باعتبارها النظرية الثورية للطبقة العاملة، بشكل كثيف وواسع. فالطبقة العاملة تعاني من هيمنة الإيديولوجية البرجوازية التي لا تزول من تلقاء نفسها، ولا من جراء معارك الطبقة العاملة العفوية، بل من خلال نضال الثوريين الحازم ضد مختلف أشكال الهيمنة البرجوازية على الطبقة العاملة، وبما فيها أبشع صورها المتمثلة في البيروقراطية النقابية. ولا يزال هذا العمل قاصرا جدا، متخلفا وعاجزا أمام ثقل هذه الهيمنة. هذا العمل الذي يجب أن ينوع أشكاله من المناشير إلى الكراريس إلى التحريض والدعاية الشفوية. إلا أن الجريدة هي الشكل الرئيسي في هذه المهمة، التي ينبغي ألا تحصر عملها على نضالات الطبقة العاملة، بل أن تقوم أيضا بفضح النظام وطبيعته، وتهتم بالصراع الطبقي والتناقضات بين مختلف القوى الاجتماعية. يجب أن تتوجه الجريدة إلى كل الشعب وفئاته وأن تتوفر على شبكة توزيع ولجان القراءة وجمع التقارير في كل أنحاء البلاد وعلى مستوى كل قطاعات المجتمع. لقد بدأ تحقيق هذه المهمة الحاسمة مع بروز ”إلى الأمام“ التي يتعمق دورها، رغم أنها مازالت قاصرة عن القيام بهذا الدور على أحسن وجه، وذلك بحكم معاملة المناضلين الثوريين لها، الذين لا يجعلون منها منبرا عاما، للتشهير بالنظام أمام الشعب كله، ذلك عبر توزيعها بالشكل المطلوب داخل الطبقة العاملة وتنظيم لجن قراءتها ومساندتها، وجمع التقارير والأخبار لها لإنجاز دورها على الوجه المطلوب.
5) إن الوسيلة الرئيسية لمهمة التجذر داخل الطبقة العاملة والدفع بنضالاتها وتكوين الأطر البروليتارية هي اللجان العمالية السرية. إن قدرتنا على بناء هاته اللجان بشكل كثير وتوسيعها، والقيام داخلها بعمل سياسي وإيديولوجي موسع، ينطلق من الواقع الملموس للعمال ومشاكلهم اليومية، هو مقياس تمركزنا داخل الطبقة العاملة. إن اللجان العمالية هي وسيلة تكوين الأطر البروليتارية التي ستشكل الطليعة البروليتارية، وهي وسيلة لرفع وعي العمال وتجاوز النضال النقابي الضيق. وهي وسيلة إيصال الفكر الثوري إلى جماهير العمال، ليس بشكل سطحي وفوقي، بل وفق الممارسة الملموسة للاستغلال والاضطهاد الذي يعانيه العمال وبلغة العمال البسيطة والرائعة. وهي الوسيلة الرئيسية لإزاحة هيمنة البيروقراطية النقابية وكل أشكال سيطرة الفكر البرجوازي، وتسيير العمال لنضالهم وفرض المجالس النضالية القاعدية التي يمارس العمال فيها توجيه نضالهم وفق مطامحهم، وهي التي أثبت إضراب عمال السكك الحديدية الأخير ضرورتها كشكل ديمقراطي للتحكم في نضالهم بأنفسهم من خلال لجان الإضراب، يتم تكوين هذه اللجان العمالية السرية حسب الواقع الملموس للعمال وإمكانيات عمل المناضلين داخلهم. فهي تتكون كحلقات للمناضلين من أجل تنظيم إضراب نقابي أو كحلقة لدراسة ”إلى الأمام“ أو كلجان لجمع المساعدات المادية لعمال آخرين مضربين أو مطرودين أو لجان سياسية في حالة توفر عمال متقدمين، ويتم تحويل هذه اللجان إلى لجان ثورية بمقدار تطور عملنا معها، ويتطور هؤلاء العمال داخل هذه اللجان كأطر بروليتارية متقدمة.
ويجب أن نضع في مقدمة عملنا، بناء هاته اللجان داخل القطاعات البروليتارية الأساسية (المعامل الكبرى، المناجم)، لأن هذه القطاعات توفر الشروط الموضوعية لبناء الأطر البروليتارية (درجة التنظيم، مستوى العمل المنتج، عدد العمال...). ولأجل معرفة هذه القطاعات الأساسية وتحديدها يجب القيام بتحقيقات واسعة لمعرفة واقع الطبقة العاملة وتحديد القطاعات البروليتارية الأساسية.
2 - البديل الثوري
برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية
يفرض الوضع الراهن، كما رأينا في مهمة التجذر وسط الطبقة العاملة، على الماركسيين-اللينينيين طرح معالم البرنامج الماركسي-اللينيني جماهيريا، وفي مقدمة عملهم الدعائي. فمنذ عدة شهور، منذ أن كانت الإصلاحية تنشر افتراءاتها المسمومة على اليسار الثوري، لم يقم الماركسيون بهذا العمل بالقدر اللازم. وفي الظرف الراهن حيث يواصل الحكم وحزب الاستقلال هذه الحملة على الفكر الثوري، وحيث يروج البرجوازيون الصغار البلانكيون عبر إذاعتهم في ليبيا برنامجهم البرجوازي بكلمات ثورية، مما يشوش البديل الثوري في وعي الجماهير، وحيث يحمل اليسار الماركسي-اللينيني بذور البديل الذي تدركه الجماهير الكادحة من خلال كفاحها الشاق، ويجذب أيضا أبصارها إلى الطريق الثوري السديد.
أ - تستهدف البروليتاريا في المرحلة الأولى من كفاحها إقامة الجمهورية الديمقراطية الشعبية. إذ لا تستهدف البروليتاريا إسقاط الملكية فقط، لأن الملكية ليست إلا بنية سياسية لديكتاتورية الطبقة الحاكمة (المعمرين الجدد وسماسرة الرأسمال الأجنبي وكبار البيروقراطيين) والتي يمكن أن تستمر تحت أشكال أخرى أكثر خداعا (جمهورية عسكرية فاشية...) بل تستهدف تحطيم النظام التبعي كله القائم على دعم الإمبريالية. إن شكل السلطة في الجمهورية الديمقراطية الشعبية سيكون هو مجالس العمال والفلاحين والجنود الثوريين تحت قيادة البروليتاريا. وهي وسيلة ممارسة سلطتها في مراقبة كل اقتصاد البلاد ومواردها وسياستها العربية والأممية. إن السلطة تنبثق عبر الكفاح الثوري الجماهيري في مسيرة الحرب الشعبية الطويلة، حيث تتمرس البروليتاريا وجماهير الفلاحين الفقراء من خلال النضال على ممارسة السلطة ضد أعداء الشعب.
ب - إن الثورة الزراعية هي عماد الثورة الديمقراطية، ولا يمكن أن تكون هي تحديد الملكية كما يروج التقنوقراطيون البرجوازيون. إن الثورة الزراعية هي ممارسة جماهير الفلاحين لانتزاع الأراضي من أيدي امعمرين الجدد، عبر مجالس الفلاحين المسلحة، وتنظيمها في شكل الكومونات الشعبية ؛ في حين تقوم مجالس البروليتاريا بقيادة عملية التحرر الاقتصادي الشاملة من كل أشكال هيمنة الإمبريالية وعملائها، وتحقيق تطور القوى المنتجة، تمهيدا لعملية البناء الاشتراكي، وبعملية بناء الثقافة الجديدة، ثقافة ديمقراطية شعبية عربية، وتصفية الثقافة الاستعمارية والإقطاعية والبرجوازية.
ج - تشكل الثورة المغربية جزءا من الثورة العربية الشاملة في أقصى الجناح الغربي للوطن العربي، بجانب الجماهير العربية في الصحراء الغربية. لهذا فجمهورية مجالس العمال والفلاحين والجنود الثوريين ستظل مجندة في الكفاح الشاق الذي تخوضه الجماهير العربية من جنوب اليمن وظفار في أقصى الوطن العربي، إلى الصحراء الغربية في أقصى غربه، وفي طليعته كفاح الشعب الفلسطيني البطل. فالثورة العربية هي الإطار الوحيد لبناء الاشتراكية.
د - وتلتزم جمهورية مجالس العمال والفلاحين والجنود الثوريين بالأممية البروليتارية والالتحام بكفاح المعسكر التقدمي العالمي المعادي للإمبريالية والصهيونية والرجعية، المتكون من الدول الاشتراكية الحقيقية والطبقة العاملة في البلدان الإمبريالية وحركات التحرر الوطني، وتحارب التشويه والتحريف الذي تمارسه الطغمة التحريفية الحاكمة في الإتحاد السوفييتي ومن يدور في فلكها، وترفع راية الماركسية-اللينينية وراية الثورة العالمية.
الإستراتيجية الثورية والعنف الثوري
لم يعد بإمكان اليسار الماركسي-اللينيني أن يتأخر أو يتردد في طرح استراتيجيته الثورية جماهيريا وفي طرح مفهومه للعنف الثوري ودوره في المسيرة الثورية.
إن الأحداث الأخيرة قد برهنت بشكل حاسم عن مدى هيمنة الإيديولوجية البرجوازية الصغيرة على الجماهير الكادحة، ومدى ما تسببه هذه الهيمنة من تأخير نمو وتجذير الحركة الجماهيرية وتأخير انطلاق مبادراتها الكفاحية وتفجير طاقاتها الثورية، وما تزكيه من مفاهيم فوقية عن الثورة في وعي الجماهير، كعمل يمكن أن تقوم به نخبة من الوطنيين المخلصين، في شكل انقلاب برجوازي صغير يقوم به ”الضباط الأحرار“، أو خارج الجيش عن طريق شبكة مسلحة يمنك أن تقوم بتحطيم الحكم. ويزداد هذا الثقل في تكبيل طاقات الجماهير حينما تنتهي هذه العمليات إلى نهاية مأساوية كما في الأيام الأخيرة.
وتقع على عاتق الماركسيين-اللينينيين بالدرجة الأولى، مهمة إزاحة هذه الهيمنة، وإعادة توضيح دور العنف الثوري في استراتيجية الثورة. وما لم تستطع الحركة الماركسية-اللينينية، في الشروط الجديدة للوضع الراهن، لنمو الحركة الجماهيرية، أن تدمج العنف الثوري بإحكام خطها السياسي وفي عملها الدعائي، فإنها ستحكم على نفسها، ليس بالتخلف عن الحركة الجماهيرية، ولكن بأن تصبح ذيلها ومتجاوزة.
وفي مقدمة ما يجب التأكيد عليه، دور الجماهير الكادحة في القيام بالعنف الثوري ومواجهة العدو الطبقي وأسياده الإمبرياليين. إن العنف الثوري هو الشكل الأعلى لكفاح الجماهير الكادحة في تحطيم العدو، وإرساء الجمهورية الديمقراطية الشعبية، شكل الكفاح الذي تمارسه في مواجهة العنف الرجعي الذي تمارس به الطبقة الحاكمة استغلال واضطهاد الجماهير.
وبحكم التناقض في بنية شبه إقطاعية وشبه استعمارية، بين نظام المعمرين الجدد وجماهير الفلاحين الفقراء، فإن الشكل الرئيسي للعنف الثوري هو الحرب الشعبية الطويلة الأمد بقيادة الطبقة العاملة، إنها المسيرة التي تقود فيها البروليتاريا جماهير الفلاحين المسلحين عبر الجبهة الثورية إلى انتزاع الأراضي وتصفية دولة المعمرين الجدد ووسطاء الرأسمال الأجنبي وطرد الإمبرياليين، وبتأسيس وتدعيم السلطة الثورية للعمال والفلاحين من خلال هذه المسيرة ذاتها، من خلال تأسيس مجالس العمال والفلاحين والجنود الثوريين. وهي المسيرة التي تقودها الطليعة البروليتارية المنظمة في الحزب الثوري. ولا يمكن لهذا الكفاح العنيف أن ينفجر إلا إذا مارسته الطليعة الثورية عملا سياسيا وتنظيميا طويلا وسط جماهير الفلاحين وجماهير المدن، التي تدرك من خلال النضال، طاقاتها الملموسة وقدرتها على تحطيم العدو وبناء الجمهورية الديمقراطية الشعبية. فالحرب ليست إلا ”امتدادا للسياسة بوسائل أخرى“.
وفي المرحلة الأولى من انفجار طاقات العنف الثوري الجماهيري، تقوم جماهير الفلاحين بقيادة الحزب الثوري، بعملية انتزاع الأراضي وحرثها بالقوة بواسطة اللجان الثورية، وانتزاع السلاح من أيدي العدو واستخدامه في تأسيس الكتائب المسلحة الأولى للجيش الأحمر. وتتسلسل هذه النضالات العنيفة من منطقة لأخرى لتشتيت قوات العدو، في الوقت الذي تقوم فيه جماهير المدن باحتلال المعامل والأحياء الشعبية، وبتنظيم المقاومة لتفكيك قوات العدو، التي تكون قادرة على التدخل والقمع بسرعة في المرحلة الأولى. وكلما تمكن الحزب الثوري من توسيع هذه النضالات في البوادي والمدن وتحريكها من منطقة لأخرى، كلما استطاع تفكيك قوى العدو وتهيئ مرحلة جديدة في الكفاح وهذه هي مرحلة القواعد الحمراء المتحركة.
وفي مرحلة أعلى يتم توسيع الكتائب المسلحة وتركيزها في مراكز حصينة، وتوسيع هذه المراكز بفعل نمو الطاقات الكفاحية للجماهير. وتتحول هذه المراكز الثابتة غلى مناطق محررة، وتبدأ عملية تأسي السلطة الجديدة، سلطة العمال والفلاحين المسلحين في هذه المناطق، والشروع في تطبيق البرنامج الثوري (تسليح كل الشعب، مصادرة أملاك المعمرين الجدد وكبار الرأسماليين، تصفية مصالح الإمبريالية...) وفي هذه المرحلة التي يحتمل فيها تدخل الإمبريالية لحماية مصالحها وتدعيم النظام المعرض للانهيار، فإن هذا التدخل لن يزيد الشعب إلا ضراوة، وبارتباط وثيق بكفاح الجماهير الصحراوية وتوسيع جبهة النضال ضد الإمبريالية في المنطقة حتى النصر النهائي.
هذا هو الطريق الذي أثبتته انتصارات الشعوب في الصين أو في كوريا أو في ظفار... وفي أماكن عديدة من العالم، وتثبته هذه الأيام بشكل خاص انتصارات الشعب الفيتنامي والشعب اللآووسي والشعب الكامبودجي الذي يستعد هذه الأيام لتصفية آخر مواقع أعداء الشعب. إن الحرب الشعبية هي طريق النصر في عصر اندحار الرأسمالية وانتصار الاشتراكية، وهي الطريق الوحيد ولكل الأمة العربية للقضاء على الصهيونية والإمبريالية والرجعية.
إن تنظيم هذه المسيرة وتأطيرها لم يتم إلا بطليعة الحزب الثوري، حزب البروليتاريا المتحالفة مع جماهير الفلاحين. فالماركسيون-اللينينيون لا يرمون بالعنف الثوري على عاتق الحركة الجماهيرية، بل إن دور الحزب الثوري هو تنظيم وتأطير العنف الثوري وتفجيره في الوقت المناسب، ابتداء من أبسط مرحلة، من المظاهرة التي ترد على قوات القمع في الأحياء الشعبية إلى تظاهرات الفلاحين في البادية، مرورا إلى المناجم والمعامل والأراضي وحرثها بالقوة، غلى تأسيس القواعد الحمراء المتحركة، المرحلة الحاسمة الأولى في الحرب الشعبية.
إن الحزب الثوري هو الذي يقود عملية إدراك الجماهير لطاقاتها الملموسة ولقدرتها على تحطيم العدو، باعتباره استراتيجيا نمرا من ورق. وهو إدراك لا يتم بعمل دعائي نظري من خلال الجرائد والمناشير والتحريض الخطابي فقط، بل بتفجير العنف من أبسط أشكاله وفي أبسط مراحل النضال، في النضال النقابي من أجل الزيادة في الأجور أو من أجل إصلاح التعليم، وبتنظيم وتأطير مبادرات الجماهير وتصعيدها وفق الشروط الملموسة وفي خطة محكمة، في المعامل والأحياء، في الدواوير والضيعات، في المدارس والكليات. إن الماركسيين-اللينينيين هم طليعة هذا النضال وهم الذين يقومون بتأطيره وتنظيمه عبر كل مراحله.
مزيدا من الصمود والتماسك والالتحام الحقيقي بالجماهير
لقد أوضحنا أن قصور الحركة الماركسية-اللينينية عامل أساسي في تأخر تبلور الحركة الجماهيرية وانبثاق الأداة البروليتارية. وترجع بعض الأسباب العميقة لهذا القصور إلى الأساس الطبقي البرجوازي الصغير للحركة الماركسية-اللينينية وغياب تجذر الماركسيين-اللينينيين داخل الطبقة العاملة طليعة الثورة بصفة خاصة. مما يعرضهم لخطر الإنزلاقات عن الخط الخط البروليتاري السديد.
- 1) إن عملية بناء الطليعة البروليتارية عملية شاقة وطويلة كما رأينا، تفترض نضالا مستميتا داخل الطبقة العاملة، تبرهن فيه الحركة الماركسية عن صحة خطها وبرنامجها، لهذا فإن الحركة مطروح عليها التشبث في ممارستها بخط الماركسية-اللينينية، وتربية أطرها ومناضليها على المبادئ الماركسية-اللينينية، والمثابرة على استعمالها في تحليل الواقع والصعوبات التي يثيرها، وعلى معالجة وضعيتها الذاتية، وأساليب عملها الجماهيري والسري، وأساليب الدعاية والتحريض بروح بروليتارية صلبة.
فإذا كان صحيحا أن الأساس الطبقي البرجوازي الصغير يعرض الحركة الماركسية-اللينينية للمزالق المتعددة، وفي شروط القمع الرهيب الذي تعيشه حركتنا منذ أكثر من سنة بلا لإنقطاع، سواء نحو الإنتهازية اليسارية وكل مظاهر الليبيرالية وروح المغامرة.. فإن سلبيات وأخطاء الحركة الماركسية-اللينينية لا يجب أن تحل دفعة واحدة بشعار ”الذهاب إلى العمال“، وإلى حد يصبح فيه تفسير كل شيء بالبنية البرجوازية الصغيرة للتنظيم، وسيلة للتخلص من مسؤولية الخطأ والتوجيه...
- 2) لهذا تحتاج الحركة الماركسية-اللينينية من أجل معالجة وضعيتها الذاتية وقدرتها على تنفيذ المهام الضرورية إلى شعار الصمود والارتباط بالجماهير في مواجهة تصاعد فاشية النظام ونمو الحركة الجماهيرية.
ويفترض هذا الشعار أولا، الإيمان بنمو مقبل تتوفر شروطه الموضوعية داخل الحركة الجماهيرية. فالقول بالردة داخل الحركة الجماهيرية لن يؤدي إلا إلى التراجع والانعزال. إن هذا النمو داخل الحركة الجماهيرية يتطلب شروطا جديدة غير التي تتطلبها الشروط السابقة، وفي مقدمتها تصاعد فاشية النظام، وهذا يعني إيجاد أساليب تنظيمية دعائية أكثر قوة وأكثر مرونة أمام تزايد فاشية النظام وتزايد خبرته بأساليب نضال اليسار الماركسي-اللينيني. هكذا فإن تقلص نضالية الحركة الطلابية وحركة التلاميذ، لا يعني ردة داخل الحركة الجماهيرية، بقدر ما يعني عدم قدرة الحركة الماركسية-اللينينية على القيام بتأطير حقيقي للحركتين، أمام تصاعد فاشية النظام من جهة، والاعتماد على أساليب فوقية وسطحية في تحريك الجماهير وفق شعاراتنا الذاتية بدلا من العمل المنظم والعميق ونسج أوسع العلاقات بالجماهير. وتتطلب من الماركسيين-اللينينيين نسج علاقات جديدة مع الجماهير، والصمود في مواجهة صعوبات هذا العمل أمام القمع الرهيب للنظام.
وثانيا، لا يعني الصمود الاندفاع في الإضرابات والقيام بتحريض واسع أفقي.. إن عفوية الجماهير لم تعد كافية في الشروط الجديدة. إن الصمود يعني التحام الطليعة التحاما حقيقيا وعضويا بالجماهير وفق شروطها الذاتية. إن شعار الصمود والارتباط بالجماهير ليس شعارا مثاليا، إنه يستند إلى تدعيم التحولات الإيجابية وتصفية السلبيات، وطول النفس في العمل داخل الحركة الجماهيرية. ”فالتنظيم القائد يفقد جميع مبررات وجوده، إذا كان غاية في حد ذاته، وإذا لم يلتحم بالجماهير في أحلك شروط العمل وأشدها قسوة“.
ويعني الصمد ثالثا، عدم الانطلاق من التحليل الذاتي والتشخيص الإيديولوجي الذي يضع الهداف السياسية في شعارات سياسية لم تعاينها الجماهير بعد من خلال نضالها الملموس، ويعتبر بالتالي كافيا شحنها ببضع شحنات تحريضية سريعة لدفعها إلى النضال. إن الشعارات تنبع من معايشة وضعية الجماهير الملموسة، وبناء على تحديد الشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لوضعيتها. وذلك حتى يكون الصمود والالتحام بالجماهير علميا ينبني على المعايشة الملموسة لأوضاعها وليس من التحليل الإيديولوجي والسياسي العام. وهذا شرط انبثاق وصحة التوجيه.
وهو يعني، رابعا، صمود الحركة الماركسية-اللينينية أمام القمع الشرس بكل أشكاله، وأمام التعذيب بصفة خاصة الذي أثبت نجاعته بالنسبة للبوليس في تحطيم التنظيمات الثورية، منذ تحطيم منظمات المقاومة في 1956 إلى 1959، إلى تحطيم شبكات البرجوازيين الصغار، إلى حصد مجموعة من مناضلي اليسار الثوري منذ أكثر من سنة. يجب أن نعترف بهذا الواقع المر، بكونه السبب المباشر في قدرة البوليس على اكتشاف عديد من المناضلين وقمعهم. ولم يحدث قط أن كان النضال الجماهيري سببا في تحطيم أنوية ما. وإذا لم يستطع اليسار تقوية صلابة وكفاحية مناضليه في وجه كل أشكال القمع وفي مقدمتها التعذيب، فمن الأكيد أن الاعتقالات والاختطافات ستستمر، وسيكتشف البوليس مزيدا من المعلومات الدقيقة عن الحركة وأشكالها النضالية. إن بإمكان المناضلين الصمود في وجه التعذيب كيفما كانت أشكاله، ويجب أن يصمدوا. ولا تخلو مواجهة الحركة الماركسية-اللينينية للقمع من أمثلة مجيدة في مواجهة القمع، منذ المراحل الأولى إلى الحملات الأخيرة في ضرب اليسار، أمثلة تقيم الدليل الأكيد، في وجه المزاعم البرجوازية الصغيرة باستحالة المقاومة خلال التعذيب، على قدرة المناضلين على الصمود بالصمت الكامل وعلى ضرورته. إن الموت لا يخيف المناضل، بل هو واجب نستعد لتأديته كلما كان ذلك ضروريا. ويستطيع الماركسيون-اللينينيون مقاومة التعذيب لأنهم يدركون بأن ذلك أهون بكثير من العذابات اليومية التي تعيشها الجماهير، إنه جزء بسيط من آلاف التضحيات التي تقدمها الشعوب في كفاحاتها، في فلسطين والفيتنام والكامبودج واللآووس، في ظفار، في أنغولا وفي المزمبيق، في أمريكا اللاتينية وفي كل مكان، يستطيعون ذلك لأنهم يحملون معهم وفي قرارة أنفسهم إيمان بالجماهير وقدرتها على هزم الأعداء.
- 3) إن تصليب أنويتنا التنظيمية وتقويتها إذن، يشكل مركز عملنا الرئيسي في هذه المرحلة من أجل تقوية حركتنا وتقوية قدراتها على الصمود والالتحام الحقيقي بالجماهير في كل قطاعات الحركة الجماهيرية (الطبقة العاملة، الطلبة، التلاميذ...). بهذا يترتب على المناضلين الثوريين، من أجل إنجاز هذه المهمة، تكثيف مجهوداتهم وطاقاتهم حول هذا العمل بالذات، ابتداء من تصفية كل مظاهر الليبرالية المتفشية بشكل خطير في أساليب عملنا اليومي، وفي مقدمة هذه المظاهر تصفية التساهل والتهاون في نقذ الأخطاء واستخلاص الدروس منها. ثم تطعيم وتقوية حركتنا بمناضلين جدد، يجددون طاقات حركتنا ويكسبونها دماء جديدة وحماسا جديدا، وتربيتهم سياسيا وإيديولوجيا. وتتطلب هذه المرحلة أيضا بشكل خاص القيام بمهمة التثقيف الإيديولوجي الحزم من طرف كل المناضلين بحكم دوره الأساسي في تصليب حركتنا وضمان تشبثها بالماركسية-اللينينية ودمجها بواقعنا الملموس، وضرب التخلف النظري الخطير الذي يعاني منه مناضلو حركتنا، بسبب إعطائهم المكانة الخاصة للعمل الثوري وإهمالهم لما تصدره حركتنا من دراسات في نشراتها (”إلى الأمام“، ”أنفاس“، ”المناضل“...).
- 4) ويشكل التفاف المناضلين الماركسيين-اللينينيين حول نشرتهم المركزية ”إلى الأمام“ واهتمامهم الكامل بها وضمان تطويرها واجبا ثوريا لا مندوحة عنه في صمود حركتنا ونسج علاقات حقيقية مع الجماهير الكادحة، وفي تحقيق المهام الرئيسية التي ذكرناها. لقد بدأت ”إلى الأمام“ في فترة قصيرة جدا تلعب دورا مهما في فضح النظام وكشف مناوراته، وفضح الإصلاحية الانتهازية، والتعريف بواقع الحركة الجماهيرية الكادحة، وتحديد شعاراتها المرحلية الأساسية، وتربي المناضلين وترشيدهم في نضالهم الثوري اليومي، ونشر الفكر الثوري بحكم أن المرحلة الراهنة ذات طبيعة دعائية. وبقدر ما يتسع توزيع ”إلى الأمام“ ووصولها إلى أعمق وأوسع قطاعات جماهير شعبنا الكادح، بقدر ما يستحيل على البوليس حينئذ اقتلاعها من جذورها الجماهيرية الراسخة. ولا تشكل ”إلى الأمام“ وسيلة دعائية فحسب، بل إنها عامل حاسم في إنجاز شعار الصمود والارتباط بالجماهير، لأنها تلف حولها المناضلين وتوحدهم سياسيا وإيديولوجيا، وتوسع من إمكانياتهم، وتنسج علاقات متينة بينهم في ظروف الإرهاب الفاشي الشديد. وتتطلب ضبط علاقات متماسكة والحرص على توزيعها بشكل سديد وتوسيع شبكة التوزيع وكتابة المقالات والتقارير حول وضعية الجماهير ونضالاتها، مما يدفع بالمناضلين إلى الحرص الدائم على تتبع واقع الجماهير ونضالاتها، ويمكن بالتالي من استنتاج الشعارات السديدة من الواقع الملموس، لا من رغباتنا الذاتية ؛ فهي (”إلى الأمام“) تقوم من هذه الزاوية بدورها المنظم. ولهذا فهي تتطلب منا تطوير أساليب عملنا وعلاقاتنا، وتنظيم قوانا بشكل متين، ودعمها حتى تكون في مستوى تأدية مهامها وتكون أقرب إلى التعبير الصادق عن مطامح الجماهير، ومنبرا للدعاية وتعرية واقع النظام العميل وتناقضاته. وحتى تتوسع هذه الدائرة الصغيرة من المناضلين التي تلتف حولها،والتي ينبغي توسيعها وتعميقها أشد ما يمكن.
في هذا الاتجاه إذن، ينبغي أن تنصب جهود كل المناضلين الثوريين حتى لا تنطفأ تلك الشرارة الصغيرة التي بدأت تمزق الظلمة الحالكة التي يضربها الفكر الرجعي البرجوازي الصغير حول أبصار ووعي الجماهير الكادحة، الشرارة التي يجب أن تصبح ”جزء من منفاخ حداد هائل ينفخ في كل شرارة من شرارات النضال الطبقي والسخط الشعبي ويجعل منها حريقا عاما“.
تلك بعض القضايا الرئيسية لعملنا الثوري الذي يتوجب على الحركة الماركسية-اللينينية القيام به في هذه المرحلة ، من أجل تحقيق قفزة نوعية في ممارستها وخطها في شروط الوضع الراهن، حيث تتطور فاشية النظام العميل وتتعمق تناقضاته، ويتزايد انحلال وتفسخ البرجوازية الوطنية، واندحار الجناح البلانكي البرجوازي الصغير، ونمو الحركة الجماهيرية الذي أصبح يتطلب شروطا جديدة في أساليب عملنا الثوري. وواضح أننا ما لم نستطع توفير هذه الشروط الجديدة، وفي مقدمتها بناء الحركة الماركسية-اللينينية كقوة متراصة ومتماسكة وبوضوح كامل في الأهداف القريبة والبعيدة، وبالتحام عضوي بالجماهير، لا بروابط وهمية فوقية سرعان ما تتلاشى في ظل القمع، فإننا لن نستطيع تأدية مهامنا الثورية بالصورة التي يفرضها علينا واجبنا تجاه شعبنا وتجاه القضية العربية التي نشكل مركزها الغربي.
يجب أن تنتظم هذه الجماعة الصغيرة التي تشكل اليسار الماركسي-اللينيني، والتي يحاصرها الأعداء من كل جانب، في شكل جيش صغير، ولكنه قوي وعنيد، ذو إدارة صلبة وعزيمة لا تقهر، يغير أشكاله النضالية بمرونة فائقة وفقا لتغييرات ظروف النضال، اليوم ببناء قواه ولحم صفوفه واستخلاص الدروس من المعارك السابقة، وغدا يهجم وفق شروط جديدة ويقاتل بشراسة وبراعة، إن هذا الجيش صغير وصغير جدا، ولكنه ما أن ينتظم أشد تنظيم ويلتحم بأشد الروابط مع حركة الجماهير، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، متسلحا بخطة مضبوطة واستراتيجية سديدة، حتى يصبح جيشا قويا، قادرا على مواجهة الإرهاب الفاشي الشديد، الذي لن يزيده إلا إصرارا وعزما على النضال، والقيام بمهامه في تطوير حركة الجماهير، وبناء الحزب البروليتاري الثوري، الذي لا ينمو إلا من خلال كفاح الجماهير الثورية نفسها من أجل القضاء على النظام العميل المتعفن وأسياده الإمبرياليين، وبناء الجمهورية الديمقراطية الشعبية : جمهورية مجالس العمال والفلاحين والجنود الثوريين.
منظمة ”إلى الأمام“
6 أبريل 1973
--------------------------------------------------------------------------------
هوامش :
1- البلانكية تيار نشأ في بداية الحركة العمالية يرى أن الثورة هي من عمل أقلية نشيطة وواعية تنوب عن الجماهير في الاستيلاء على السلطة.
2- بدأ اكتشاف البترول في إقليم طرفاية على أيدي الإيطاليين في زمن "ماتيي" ابتداء من سنة 1960، ثم تخلوا عنه لشركة إيسو ESSO - في إطار مساومة بينهما - التي أعادت التنقيب منذ 1965 وأدى ذلك إلى اكتشاف حقول ضخمة يبلغ طول أحدها 10 كيلومتر داخل ساحل البحر وتمتد إلى داخل الصحراء الغربية. ورفضت إيسو البدء في هذا الإستخراج سنة 1968 إلى أن يتم التسوية السياسية لوضع المنطقة، في الوقت الذي يتقدم فيه التنافس حول مناجم الفوسفات في بوكراع.
3- ساهم البشير الفيكيكي الذي يدعي لنفسه ”الماركسية“، وكذلك سعيد بونعيلات وآخرون في عملية التأسيس هاته.