غياب الفاعل السياسي أودى بالمشروع التحرري الأمازيغي
كوسلا ابشن
2025 / 4 / 16 - 22:11
النضال السياسي ضرورة تحررية, فبدون الفعل السياسي, كأحد اشكال النضالية التحررية, غيابه قد يؤدي الى فشل مشروع التحرر من النظام الكولونيالي و تقرير المصير و بناء مجتمع متحرر و ديمقراطي خالي من التمييز العرقي. فالتجارب المحلية شاهدة عن الفشل الذي مني به المشروع التحرري الامازيغي بسبب غياب العنصر السياسي الامازيغي, فبالرغم من الكفاح المسلح الذي خاضه الامازيغ ضد تواجد نظام الحماية الفرنكو- الاسباني, فالإستعمار الإوروبي عندما حان وقت إنسحابه من بلاد الأمازيغ, لم يحاور قادة الكفاح المسلح, الذين إختفى صوتهم بإنهزام المقاومة المسلحة و إلقاء الأسلحة بالإستسلام لإرادة الإستعمار الفرنكو-الإسباني. غياب العنصر السياسي ( التنظيم السياسي الأمازيغي), إستغلته الأقلية الإستطانية العميلة للإستعمار, في تقديم نفسها على أنها المتحدث السياسي عن المقاومة المسلحة ( الأمازيغية), و المحاور الشرعي في الإتفاق عن عقد إتفاقية إنهاء إتفاقية الحماية و الإنسحاب العسكري. المقاومة المسلحة الأمازيغية قدمت أرواحها دفاعا عن أرضها, و الأقلية الإرتزاقية نالت الغنيمة بالعمالة والإحتيال السياسي.
النضال السياسي شرط في عملية النضال التحرري من الكولونيالية, فالتنظيم السياسي ضرورة لقيادة النضال المسلح, بجانب قيادتها السياسية للجماهير الشعبية في عملية نشر الوعي القومي التحرري كقاعدة شعبية مساهمة في الكفاح المسلح, مع مراعاة الظروف المناسبة لإختيار الإستراتيجي و التكتيكي في تنفيذ الخطط المرحلية.
غياب التنظيم السياسة المتحدث بإسم المقاومة المسلحة الأمازيغية, قدم فرصة العمر للمرتزقة, عملاء الإستعمار, لمصادرة الكفاح المسلح الأمازيغي, و إستغلال تضحيات أبناء الشعب الأمازيغي, للإتفاق مع أسيادهم الفرنسيين في إكاس ليبان و الإسبان في مدريد, على الإنسحاب العسكري مع الحفاظ على التبعية الإقتصادية و السياسية و الثقافية و اللغوية. هكذا وضع الإستعمار الأوروبي بلاد الأمازيغ رهينة في أيدي نظام كولونيالي جديد و من نوع خاص, يجمع بين خصائص الإستعمار القائم على مصادرة أراضي و أملاك الشعب الأمازيغي و الإستلاء على خيراته و ثرواته, و القائم بإعتباره إستعمار إستطاني على تغيير الهوية القومية لبلاد الأمازيغ, و بين خصائص نظام التمييز العنصري, و إنتهاك حقوق الشعب الأمازيغي الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية و اللغوية و السياسية, و هي السياسة الممنهجة التي مارسها النظام الكولونيالي العروبي منذ الإستلاء على بلاد الأمازيغ في أواسط القرن العشرين, لترسيخ أسس النظام الفصل العنصري ( الآبارتهايد) من جهة, و من جهة آخري تكريس سياسة تعريب الدولة الأمازيغية.
سلطة آل علوي نظام كولونيالي, يجمع بين نقيضين تيوقراطي تقليدي و مدني حداثي, يوظف التعصب الديني و التعصب العرقي و الوعي الإيديولوجي المغلوط, في عملية الإستلاب الثقافي و الإستبداد السياسي و الإضطهاد الطبقي. النظام القائم بإعتباره الحاضن للكتلة الإستطانية و قواها الثقافية و السياسية اليمينية و اليسراوية, الفاعلة ضمن النظم الإيديولوجية السائدة المؤيدة لسياسية التعريب و التغيير الهوياتي القومي الممنهج, تعمل السلطة السياسية مع الزوايا السياسية على نشر الإنعزال الديني و التعصب للعروبة الإستعمارية في أوساط الجماهير الشعبية, و ممارسة الإستبداد و الإضطهاد القومي لإسكات الأصوات الحرة المنددة بإنتهاكات حقوق الشعب الأمازيغي القابع تحت نير الإستعمار الإستطاني.
إن السلطة آل علوي القائمة على الإستبداد الفاشستي ضد الشعب الأمازيغي, فكل تنازلاتها الصورية الحالية ليست سوى غطاء للتستر في المحافل الدولية عن سياسة التمييز العنصري و إنتهاك حقوق الشعب الأمازيغي. حقيقة السلطة آل علوي بإعتبارها تمثل النظام الكولونيالي من نوع خاص, فكل مؤسساتها التنفيذية والتشريعية و القضائية, و كل القرارات و القوانين الصادرة عنها, تخدم فقط مصالح النظام الكولونيالي بإعتباره الطرف الوحيد المتحكم في تسيير البلاد بيد من حديد و الجامع بين السلطة الدينية ( إمارة المؤمنين) و السلطة السياسية القائمة على الخصائص العرقية (القومية العربية). كل "دساتر" النظام آل علوي منذ 1963, قامت على أساس سيادة دكتاتورية الحاكم الإستعماري ( عبادة الفرد), و سيادة النزعة الدينية ( آمارة المؤمنين) و النزعة العرقية ( القومية العربية) و الإنتهاك الشامل لحقوق الشعب الأمازيغي. في ظل الأزمة الهيكلية للنظام الفاشل, رغم ما يدعيه بيادقه السياسية و الإعلامية من أكاذيب حول التنمية المستدامة, إلا أن الواقع الموضوعي يظهر التناقض بين ما هو معلن و ما هو وقعي و حقيقي, و هذا ما يبين من جهة تصيعد الإحتجاجات الجماهيرية, و من جهة آخرى غطرسة أجهزة القمع البوليسي و أجهزة القمع الإيديولوجي و السياسي و الإعلامي و الدعوي ( مروجي صكوك الجنة الإسلامية و الجنة القومية العربية), و تشكل فيه الدعاية التضليلية و التخريبية مكانة مهمة في الصراع الإجتماعي و القومي..
هذا الواقع المأساوي الذي أنتجته سياسة النظام الكولونيالي القائم على النهب و الإستغلال و الإستبداد, تشكل فيه العداء للأمازيغ الأساس الإيديولوجي و السياسي للكتلة العروبية الهادفة الى آبادة الهوية الأمازيغية. في ظل إزدياد التناقضات بين المضطهدين الاستعماريين والمضطهدين المستعمرين ( فتح الميم) أكثر حدة. و حيث يعيش النظام الاستعماري أزماته الهيكلية التي يترجمها الى إزدياد وتيرة القمع تحركات الحركة الأمازيغية المناضلة, و إحتدام القهر الإجتماعي و الإستبداد السياسي و الإستلاب الثقافي و الإغتراب الذاتي, و في ظروف إخفاقات الحركة الإحتجاجية العفوية و الغير المنظمة, التي تنتهي بقمعها بوحشية و الزج بقاداتها في معتقلات التعذيب و يحكم عليها بأحكام قاسية لا يراعى فيها شروط المحاكمة العادلة و لا حق المحكومين في الدفاع عن حقوقهم المشروعة. في ظل هذه الظروف القاسية على الحركة الأمازيغية المناضلة الإدراك أن التحرر من نير النظام الكولونيالي لا ينجح إلا من خلال الترابط الجدلي بين النضال السياسي المنظم بما فيه النضال الميداني و بين الكفاح المسلح إن إدعت الضرورة الى ذلك.
الإنتصار ضد الكولونيالية الجديدة, يتطلب تأسيس قوة سياسية أمازيغية منظمة, قادرة على قيادة النضال التحرري الأمازيغي, قوة الطليعة الثورية بمبادئها و مواقفها السياسية و الإيديولوجية و ببرنامجها المرحلي و أهدافها الإستراتيجية. للضرورة التاريخية و المرحلية يتحتم تأسيس تنظيم سياسي تحرري مناهض للإستعمار الإستطاني, يتحدث بإسم الشعب الأمازيغي, يعبر عن آلام الشعب و آماله في المحافل الدولية, تنظيم سياسي ثوري يناضل ضد الإضطهاد القومي و الإجتماعي.
العمل السياسي الأمازيغي سيوقف نزيف الكادر السياسي الأمازيغي, خاصة المغرور به, من طرف الزوايا اليمينية و اليسراوية ( العروإسلام), بإسم الدين أو الإشتراكية العربية ( الجنة السماوية المتخيلة و الجنة الدنيوية النازية). من أجل وقف هذا النزيف, فمن الضروري إيلاء الإهتمام الكافي للعمل السياسي و الدفع بالجماهير الشعبية للعمل السياسي الأمازيغي المنظم و المستقل عن البنية العروإسلام, إن كان لدى هذه الجماهير إرادة في تقديم تضحيات من أجل التحرر من القهر الكولونيالي, ففي الاخير, ما ستخسره هو قيودها و عبوديتها و ستحرر قيم الكرامة و الحرية من براثين الظلامية و الشوفينية الإستعماريتين.
النظام الكولونيالي يدرك جيدا أهمية النضال السياسي في تحرر الشعوب وبناء الدول المستقلة, و لهذا فالتنظيم السياسي الأمازيغي, هو ما يتخوف منه النظام الكولونيالي, كما يزعزع هياكل الزوايا السياسية الإسلامية و القومية (العروإسلام), القائمة على أدلجة العقل الأمازيغي, و إستقطاب الشباب الأمازيغي الى الزوايا المعادية للذات الأمازيغية ( قتل الهوية الأمازيغية بأيدي الأمازيغ المرتزقة). منع وجود تنظيم سياسي أمازيغي, كان و راء إصدار المادة الرابعة من القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالزوايا السياسية, و التي تستهدف العمل السياسي الامازيغي المنظم فقط, كيفما كانت توجهاته السياسية والايديولوجية. فالعمل السياسي المناهض للعروبة الإستعمارية و المناهض لإنتهاكات الجسيمة لحقوق الأمازيغ, هو المستهدف أولا وأخيرا,فالمادة الرابعة لا تسري و لا تمس الزوايا العروبية المؤسسة على أساس ديني أو عرقي أو الهادفة الى المساس بالوحدة الترابية, على سبيل المثال لا الحصر ( العدالة و التنمية) و ( السيار الإشتراكي) و ( النهج), وهي قوى إسلامية و عروبية تجمعها البنية الشوفينية القهرية.القانون الكولونيالي المنظم للعمل السياسي يعمل على أساس تمتين التمييز العرقي و مصادرة حق الشعب الأمازيغي في حرية التنظيم السياسي و مصادرة حقه في حرية التعبير و الرأي.
الشعب الأمازيغي يحتاج اليوم الى تنظيم سياسي أمازيغي, يدافع عن الحق الشعب في الإستقلالية في تحديد تقرير مصيره, تنظيم يدافع عن حق الشعب في الإستنفاع من ثروات بلاده بالإنصاف. الشعب يحتاج لتنظيم أمازيغي يدافع عنه من أجل حقه في العيش الكريم و التعبير عن آرائه بحرية و من دون خوف أو إكراه, و هذا التنظيم لا يمكن أن يكون إلا من صفوف الشعب و من تربة أرضه التاريخية بلاد الأمازيغ ( تمازغا).
التنظيم السياسي الأمازيغي المقترح ليس تنظيما عرقيا, كما أراد النظام و بيادقه السياسية و الإعلامية تصويره للشعب و للقوى الحقوقية الدولية, فأمازيغية التنظيم السياسي الأمازيغي نابغة من مجاله الترابي الممتد في تاريخية الجغرافية و نشأة الشعب و تطوره في أرضه شمال افريقيا المعروفة الحدود و الهوية. تنظيم يتميز عن المكون السياسي الكولونيالي و يختلف عنه قطعيا, بكونه يناهض الإستعمار و يناهض التمييز العنصري, و يناهض إنتهاكات حقوق الإنسان و يناهض إنتهاكات حقوق الشعوب الرازخة تحت الحكم الأجنبي, و يدعوا الى تحرير الشعوب من الإضطهاد القومي و الإجتماعي.