اربعون عاماً بدون وجود أختنا الصغرى سحر
أمير أمين
2025 / 4 / 12 - 15:43
لم يخطر على بالي أبداً ان لقائي بأختي الصغرى الشهيدة سحر يوم 21 نيسان عام 1979 في مدينة النجف سيكون هو اليوم الاخير من حياتي معها , ولو كنت أعرف ذلك لبقيت أتكلم معها وأضحك لعدة ساعات لما تطرحه من تساؤلات وأمور تخص العائلة ..للأسف كان نهاراً حزيناً حيث كنا في يوم اربعينية جدتي والدة أمي والذي أحييناه قرب قبرها وقبر جدي في النجف وكانت تقريباً بحضور جميع افراد الاسرة صغاراً وكباراً نساءً ورجالاً ..كنت أمازحها وهي تضحك وقمت بتقبيلها وهي تصعد السيارة مع والدتي ومن جاء معهم عائدين الى الناصرية..آه لو كنت أعلم انني سوف لن اراها مرة أخرى والى الابد لأبقيتها معي ومع أختي الكبرى الشهيدة موناليزا والتي حضرت معنا وجاءت من بغداد التي كانت قد إختفت فيها عن انظار جلاوزة النظام المباد للمشاركة في المراسيم , ودعنا حبيبتنا وهي آخر العنقود سحر بالاحضان وكنا نتصور أننا سوف نلتقيها بعد اسابيع او شهور ..! وتفرق شملنا , كل واحد ذهب الى جهة ينقذ بها نفسه من الملاحقة والتي إشتدت بعنف تلك الايام , وإنقطعت سبل معرفة أخبار بعضنا مع البعض الآخر .وفي بداية عام 1985 حيث كنت في مدينة عدن اليمنية علمت أن أختي سحر تم القبض عليها بعد مقتل زوجها الشهيد صباح على ايدي رجال أمن النظام وثم عرفت بعض التفصيلات كونها التقت عن طريق منظمات حزبنا بالشهيد صباح الذي استلم مهمة سكرتير محلية الناصرية بعد الامساك بسكرتيرها الشهيد صاحب ناصر ابو جميل وتصفيته ..التحقت سحر بصلة مع الشهيد صباح وهو إبن منطقتنا وصديقنا ورفيقنا ومن خلال العلاقة الحزبية أحبوا بعض وتزوجوا بشكل سري اي دون حفل زفاف وسيارات وحضور الاهل والمعارف حيث كانوا يختفون في ظروف غاية بالقساوة وعملوا حفل صغير في غرفة في بيت والد الصديق الفقيد علي حسين لفتة بالناصرية ..ومن خلال العمل الحزبي إستأجروا بيتاً صغيراً في المدينة وكان يتردد عليهم الشهيد مهدي لأمور حزبية تخص التنظيم ومن خلال وشاية تمت مداهمة البيت وإستشهد زوجها صباح وكانت حامل في الشهور السبعة الاولى وهي قد جرحت وجرح الشهيد مهدي الذي تم اعدامه لاحقاً والشهيدة سحر ولدت ابنها محمد يوم 16 تموز عام 1984 في الخدج في مستشفى بالناصرية وسرعان ما ولدته تم انتزاعه من صدرها على عجل وزج به في احدى المستشفيات ثم بدأت رحلة العذاب والتنقل ما بين غرف التعذيب والمستشفيات وخاصة حينما تم نقلها الى بغداد وزجها في سجن الرشاد للنساء هناك , وكانت مرحلة التعذيب بحقها تتم من قبل زمر همجية من عصابات النظام السابق يرأسهم المجرم المقبور عواد البندر وكانت آخر إقامة لها هو في سجن ابو غريب ببغداد والذي أعدمت فيه وخلال كل فترة مكوثها في السجن , لم تتم زيارتها من قبل العائلة او أحد الاقارب حتى حينما سربت رسالة الى والد زوجها تدعوهم لزيارتها , لكن الخوف من البطش بمن يأتي اليها كان هو العامل الرئيسي في عدم تحقيق رغبتها الاخيرة في ان ترى اي قريب حتى توصيه خيراً بسلامة إبنها والاعتناء به ..وفي يوم 31 تموز عام 1984 أي بعد اسبوعين من ولادتها , حكمت ما تسمى (محكمة الثورة ) عليها بالاعدام الذي كان في بدايته كحكم بالمؤبد والذي سرعان ما أستبدله المجرم عواد البندر الى الاعدام شنقاً حتى الموت إرضاءً لسيده المجرم صدام وأيضاً لنزعته السادية في ازهاق روح شابة أكملت العشرين من عمرها يوم 9 آب عام 1984 في السجن وكانت مكلومة بمقتل زوجها قبل أسابيع وتنتظر مولودها البكر بألم ولهفة ..لكن المجرمين البعثيين لا يرتوون من شرب دماء الشيوعيين الابرياء .أكيد المجرم المعدوم عواد حصل على شكر خاص من ولي نعمته صدام وبضعة آلاف من الدنانير ..اربعون عاماً مرت ثقيلة مليئة بالهموم والاحزان كنت وبقية افراد الاسرة نتذكر فيها اختنا الحبيبة سحر بشكل دائم , وبعد سقوط النظام الساقط أصلاً تابعت عائلتنا كما بقية عوائل الضحايا أخبار الشهداء وعرفنا أن إسمها الثلاثي موجود في مقبرة محمد السكران في بغداد وهي مع جمع كبير من الضحايا ولا يمكن تفريق عضامها عن البقية, فقد تم زج عدد منهم في قبر جماعي..ماتت سحر حرة أبية ورفعت عالياً إسم حزبها وعائلتها بينما ذهب صدام وعواد وبرزان وطه الجزراوي وغيرهم الى المزبلة تلاحقهم لعنات شعبنا العراقي ....المجد للشهيدة الحبيبة أختنا الصغرى سحر والمجد لزوجها الشهيد صباح طارش وكافة الشهداء الميامين ..
ملاحظة ..بعد مدة من الزمن قامت أخت الشهيد صباح وهي عمة إبنها محمد بانتشاله وتربيته الى أن كبر وتزوج وهو الآن يعمل مفوض شرطة وله إبن إسمه فهد ..
وحول المجرم عواد البندر فقد اختاره صدام لهذه المهمة لأنه كما كان يعتقد أقذرهم من البعثيين الشيعة الذين قدموا خدماتهم لصدام ونظامه وحصلوا على ما يسمى المكرمات ..( مكرمة الرئيس ) وهي عبارة عن بضعة دنانير من السحت الحرام لاشباع نفوسهم المريضة في سفك دماء بنات وابناء شعبنا الابرياء ..ولد عواد المقبور في عام 1944 في البصرة وهو مسلم شيعي مثل نعيم حداد ومزبان خضر هادي وجاسم الركابي وعزيز صالح النومان وغيرهم من الشيعة الذين تحمسوا بقدر كبير جداً لتقديم الخدمة لصدام شخصياً ولنظامه حتى أن صدام تمنى أن يكون قبر عواد البندر قرب قبره في حالة تنفيذ حكم الاعدام بحقهما وكان عواد يتمنى ان يكون يوم اعدامه مع يوم اعدام صدام اي في 30 ديسمبر عام 2006 لكنه تأخر الى يوم 15 كانون الثاني عام 2007 بعد ان اصدرت المحكمة الجنائية العراقية حكمها باعدامه بتاريخ 5 تشرين الثاني عام 2006 وبعد تنفيذ الحكم بحقه , اتصلت ابنة صدام رغد من الاردن تلفونياً بنائب محافظ صلاح الدين وقتذاك عبد الله جبارة وطلبت منه ان يتم دفن عواد البندر قرب قبر والدها صدام وقالت له ..أن هذه وصية والدي والتي كانت هي ايضاً وصية عواد البندر ( شلون اثنين !!) وكان عواد البندر رجل مريض نفسياً لا يرتضي لأي محكوم بالمؤبد أن يبقى على حكمه ما لم يغيره بسرعة الى الاعدام وقد ازهق ارواح مئات السياسيين دون رحمة وكان ينال الجزاء والشكر من سيده وولي نعمته صدام بالاضافة الى الاموال ..وقبل سنوات حدثتني إحدى الرفيقات والتي مكثت فترة في السجن بأن عواد كان يعذبهم بالكي بالكهرباء وكان يطلق عليهم لقب العاهرات ويؤكد لهن من خلال كلامه ..ان القحاب هن أشرف من الشيوعيات .!.أحيي قضاة المحكمة الابطال الذين أثلجوا صدورنا بإعدام عواد وصدام وشلتهم الباغية وانقذوا الشعب من شرورهم وثأروا لدماء الشهداء الابرار ..