الماركسية و مستقبل الاشتراكية/ الحلقة 2 : في الحاجة لتفكيك فكر ماركس لتملك الواقع الجديد.


أحمد زوبدي
2025 / 4 / 12 - 04:52     

الماركسية و مستقبل الاشتراكية.
الحلقة 2 : في الحاجة لتفكيك فكر ماركس لتملك الواقع الجديد.

أعتقد أن أصحاب الماركسية الجديدة مدعوون للانغماس في مناخ العصر الذي يتميز بتحول في الديموغرافيا وعقلية البشر والظاهرة الإنسانية بشكل عام، وبالتالي، فإن مشروع الماركسية أو قل مشروع ماركس في حاجة للتكيف مع هذا الوضع الجديد بإنتاج المعرفة ليطرح المعضلات الكبيرة ويحاول الإجابة عنها لتجاوز العقبات التي تعرقل التطور البشري ومنها الهيمنة الطبقية التي كانت ولا تزال العائق بامتياز في ما يخص مشكلة التحرر. مما يعني أن المعرفة الجديدة ماركسيا، ليس هي إدماج نصوص وأفكار قريبة أو برانية عن فكر ماركس، لكن بإنتاج فكر من داخل فكر ومنهج ماركس. الطبقات الإجتماعية الفقيرة ( العمال، العاطلون عن العمل، الفلاحون والتجار الصغار، إلخ.)، بما فيها الطبقة الرثة، هي طبقة ليست مدعوة للاندماج في المنظومة السائدة، لأنها طبقات مقصاة، تعيش في الهامش تحت سيطرة الطبقة الحاكمة. هي طبقات لا تملك موردا ماليا ولا تتوفر على شروط الحد الأدنى للعيش وبالتالي هي مدعوة لبناء فضاء خاص بها في ما يخص الإنتاج والخدمات وتتمتع بالاستقلالية أي أنها مدعوة للتضامن فيما بينها لتكون كتلة مستقلة تفرض برنامجها وتتفاوض لأجل التغيير الجذري لصالحها. معنى ذلك أن الطبقات الشعبية والفقيرة وعموم العمال والفلاحين وكل الطبقات المذكورة أعلاه مدعوة للعمل في إطار فضاء اقتصادي مستقل ولو في شكله البدائي لكن المتقدم. هذه الفرضية أي أن الطبقات المغلوبة على أمرها، في إطار الحركية الإجتماعية، مدعوة إلى بناء نمط عيش خاص بها مستقلة عن الهيمنة الطبقية، سيؤهل هذه الطبقات لتكون مستقلة عن الطبقات المسيطرة وستوفر فضاءا خاصا بها وبالتالي ستتمكن من بناء، إن صح القول، شكلا من أشكال السلطة المضادة. هذه طوباوية أكيد، لكنها تبقى إجراءا عمليا سيتحول إلى واقع في المستقبل. هذه الحركية الإجتماعية تسمح لهذه الطبقات المنضوية تحت لواء السلطة المضادة من فرض أجندتها في أفق التفاوض مع الطبقة النقيض لأجل بناء مجتمع تسود فيه حقوق الإنسان والديموقراطية والحرية.
السؤال العريض هو : من سيعمل على تسيير هذا الإتحاد أي اتحاد الطبقات النقيضة للطبقات المسيطرة؟ هنا تجب تعبئة الفكر وإنتاج المعرفة الماركسية من قبل المثقف الحزبي وغير الحزبي الملتزم لتفسير الواقع ومحاولة العمل على تغييره.
للإجابة على هذا السؤال الكبير، لا بد من تفكيك الماركسية ومحاربة الماركسية الكنائسية والتخلص من شوائبها والعمل على طرح الأسئلة الجوهرية الراهنة مع نقد صريح لماضي اليسار في أفق إنتاج معرفة ماركسية متنورة أو على الأقل التنبيه إلى المعيقات التي حالت دون تحقيق الأهداف المنشودة ومنها النجاح في توسيع القاعدة الشعبية والعمل على تأطير الطبقة العاملة لأجل تحقيق مكتسبات منها مكتسبات الدولة الإجتماعية على غرار الغرب فضلا على مد شروط الثورة.
كارل ماركس وكل الذين عاصروه والذين جاؤوا من بعده، كلينين أو لوكسمبورغ أو ماو وآخرين، كل هؤلاء الكبار قاموا بثورات كبيرة و اجتهدوا فكرا وممارسة في علاقة ذلك مع مشاكل روح عصرهم. كل هؤلاء الكبار يرفضون الارتباط بالفكر الصنم والفكر الجامد حتى لا يتحول إلى فكر كنائسي. كل هؤلاء الكبار لم يكونوا رسلا أو أنبياء ولم يكونوا يمارسون الرسولية أو النبوة، بل كانوا يمارسون السياسة بالفكر وليس بالشعوذة. هم أبناء عصرهم، وكل عصر له مشاكله وله بدائله. مما يفرض تجاوز فكرهم و شكل ممارستهم بحكم التحولات الجارية، دون القطع معهم، طبعا، أي الإنطلاق من حفريات فكرهم لتطويره ومحاولة الإجابة على مشاكل الوقت الحاضر.
مهما كانت عظمة ماركس كمفكر ومهما كانت عظمة لينين أو ماو كمفكران وكممارسان ومهما كانت مجلدات هؤلاء، حتى لا أذكر إلا هؤلاء الثلاثة الكبار على سبيل الاستأناس، فإن فكرهم وممارستهم في حاجة لتطوير ومن لم يتمكن من إنتاج المعرفة الماركسية ومحاورة الفكر الماركسي، فعلى الأقل عليه أن يكف عن تحويلهم و معهم الماركسية إلى معبد كنائسي يسيء للماركسية ومعها البولشفية والماوية وكل الفكر اليساري الكبير التحرري.
عن ماركس والماركسية، يقول سمير أمين" أن يكون المرء ماركسيا يعني استكمال العمل الذي بدأه ماركس، حتى وإن كانت تلك البداية في منتهى القوة. ذلك لا يعني التوقف عند ماركس بل البدء من فكره. ماركس ليس نبيا، استنتاجاته ليست جميعها "صحيحة" و" نهائية "، وعمله ليس نظرية مغلقة. فماركس " بلا ضفاف"، لأن الانتقاد الذي بدأه بلا ضفاف، يحتاج دوما للاستكمال والانتقاد. الماركسية كما تتشكل في لحظة معينة يجب أن تخضع للانتقاد الماركسي. الماركسية يجب أن تغني نفسها بالانتقاد الجذري، وأن تعتبر أي تغيرات ينتجها النظام كميادين جديدة للمعرفة الإنسانية."( راجع سمير أمين، ثورة أكتوبر المجيدة، دار الفارابي، بيروت، 2017).