انظروا كيف دشن حمدوك نفسه كمبرادورًا بدرجة رئيس وزراء!


خزامي مبارك
2025 / 4 / 11 - 18:49     

أصل لفظ "كمبرادور" جاء من البرتغالية comprador، وتعني "المشتري". لكن الكلمات، شأنها شأن الكائنات الحية، تنمو وتتطور، وقد تطورت هذه الكلمة حتى حملت دلالات وصفية أوسع وأشمل مما كانت عليه في الأصل؛ إذ استُخدمت في البداية في الصين خلال الحقبة الاستعمارية، لوصف السماسرة أو الوكلاء المحليين الذين يعملون مع الشركات التجارية الأوروبية.
أما اليوم، فهو مصطلح سياسي–اقتصادي يُستخدم لوصف الطبقة أو النخبة المحلية التي تتعاون مع القوى الاستعمارية أو الإمبريالية، وتقوم بدور الوسيط لخدمة مصالح الرأسمال الأجنبي على حساب المصلحة الوطنية.
كثير من الناس يرفضون استخدام هذا المصطلح بحجة نظريات المؤامرة أحيانًا، أو بدعوى التخوين أحيانًا أخرى، وهذا لا يعنيني كثيرًا، لأن تلك الاعتراضات غالبًا ما تكون أحكامًا عامة لا تقوم على حجج متماسكة، كما أنها لا تبتعد كثيرًا عن أساليب القمع ومحاولات إسكات الآخرين.
أما حمدوك المعني هنا، فهو رئيس الوزراء السوداني الأسبق، وأحد أبرز زبائن معهد "تشاتام هاوس". و"تشاتام هاوس" – أو المعهد الملكي للشؤون الدولية – مقره لندن، وقد تأسس عام 1920 بعد الحرب العالمية الأولى (أو "الحرب الأوروبية") كمحاولة من النخب البريطانية لتحليل وتفسير النظام العالمي الجديد الذي نشأ آنذاك.
لكن سرعان ما توسعت أعماله ومشاريعه لتشمل "دعم الديمقراطية والسياسات العامة" في دول الجنوب. وقد عُرفت هذه الأساليب في سياق فكر التحرر الوطني بأنها أساليب استعمارية ومحاولات لتقويض السيادة الوطنية للدول. ولتشاتام هاوس رصيد ليس بالقليل في هذا المضمار، حتى بلغ حد إدراجه ضمن المنظمات غير المرغوب فيها من قبل النيابة العامة الروسية.
بالأمس، أطل علينا عبدالله حمدوك بمقال نشره بالإنجليزية في صحيفة Financial Times بعنوان:
"There is no military solution in Sudan" (لا حل عسكري في السودان).
وصحيفة فاينانشال تايمز، كحال تشاتام هاوس، تُعد من أدوات الإعلام الإمبريالي الناعم، وهي غالبًا ما تعبر عن مصالح الشركات الكبرى والمؤسسات المالية الغربية. كما أن خطابها في دعم السياسات التقشفية والخصخصة وتحرير الأسواق ليس بخافٍ.
وقبل مناقشة مضمون المقال وحججه، دعونا نطرح سؤالًا: إذا كانت لكل رسالة إعلامية جهة مستقبِلة أو جمهور مستهدف، فمن هم المستهدفون بهذا المقال؟ من هم القراء الذين يخاطبهم حمدوك؟ هل هم عموم السودانيين والثوار؟ أم أنه يخاطب ما يسميهم "أطراف الحرب"؟ أم أن هناك جهة أخرى يقصدها حمدوك ويحرضها على فعلٍ ما من خلال هذا المقال؟
أولًا: لا يمكن القول إن المقال موجه إلى السودانيين، لأنه من المعروف أن الغالبية العظمى من السودانيين يقرأون ويكتبون بالعربية، أو كما يطلق عليهم في أدب السودان الجديد: شعب "عربفوني" (ناطق بالعربية). ومن النادر جدًا أن تجد من يتابع مثل هذه الصحف كـ Financial Times أو The Guardian أو Wall Street Journal من جمهور السودانيين.
إذن، من هم المستهدفون؟ إنهم – وبكل تأكيد – حكومات الدول الغربية ومؤسساتها وشركاتها، ومن يساندهم، ممن يسميهم حمدوك بـ "المجتمع الدولي". وهذه جهة غير محايدة، وليست بريئة في هذا العصر، وتاريخها القريب في التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتفكيكها ليس قليلًا، مما يجعلها تستحق لقب "قوى الإمبريالية". والحديث طويل في هذا الشأن.
فلننظر إذًا إلى ما قاله حمدوك، وماذا يريد منهم أن يفعلوا.
بدأ مقاله بالقول:
"يمر السودان بمرحلة حرجة. لقد شردت الحرب التي اجتاحت أمتنا الملايين، ودمرت مؤسساتنا، وتركت شعبنا في حالة من المعاناة لا تُوصف. ومع ذلك، فإن المأساة التي تتكشف أمام أعيننا ليست حتمية."
لو حاولنا فهم هذه الفقرة، نلاحظ أن حمدوك – رغم إشارته إلى الحرب – يتجنب ذكر من أشعلها ومن يمولها، وكأن هذه الحرب التي تدور في السودان نزلت علينا من السماء بلا فاعل. وهذه روح من الاستهبال والتدليس، فلا توجد حرب في هذا الكون تقوم على المجهول.
وإذا تابعنا الفقرة إلى نهايتها نجد أنه يقول:
"إنها نتيجة عقود من الإقصاء والتفاوت الاقتصادي والتدهور المؤسسي. وهي أزمة لا يمكن، ولن تُحل، بقوة السلاح."
هنا، يحاول حمدوك – بصورة ما – أن يُسقط الحرب الجارية على سرديات الحروب القديمة في السودان، كحرب الهامش والمركز، والتمردات في دارفور وجبال النوبة وشرق السودان. وهذا يعني، في نظره، أن قوى الإمبريالية بريئة، وليست هي من أشعلت هذه الحرب.
وهذه السردية نفسها يتبناها الجنجويد، عندما يقولون إنهم يحاربون "دولة 1956"، وإنهم امتداد لتمرد قوى الهامش، وهي سردية كذّبتها الوقائع والتجربة، والدليل الأكبر على ذلك هو جلسات المحاكم الدولية التي تحاكم الإمارات – زعيمة هذه الحرب وممولها.
أما الأكثر إثارة للدهشة فهو ما ورد في مقال حمدوك بشأن "اجتماع الأسبوع المقبل في لندن"، حيث قال:
"يُمثل الاجتماع المرتقب لوزراء الخارجية في لندن لمناقشة الوضع في السودان فرصة نادرة وحاسمة للعالم لتكثيف جهوده. أرحب بهذه المبادرة البريطانية، التي تُظهر قيادة مُلحة في لحظة محورية. يجب أن يكون هذا الاجتماع نقطة تحول – لحظة يتجاوز فيها المجتمع الدولي التعبير عن القلق نحو عمل جماعي ملموس. لا يمكن للعالم أن يدير ظهره."
بعيدًا عن هذه اللغة الشاعرية والمليئة بالاحتيال اللغوي، فإن هذا الاجتماع المذكور لا تُشارك فيه حكومة السودان، مما يعني أنه اجتماع لدول أجنبية لمناقشة شأن داخلي لدولة أخرى ليست طرفًا فيه. فكيف يُعقد اجتماع يزعم السعي لإيقاف الحرب دون حتى إشراك الدولة التي تدور فيها الحرب؟ أي نوع من الاستهبال هذا؟
عمومًا، يتضح من هذا المقال أنه تحريض مباشر لتلك الدول للتدخل في الشأن السوداني، وترويج لسردية الجنجويد التي يستخدمونها كمبرر لتفكيك مؤسسات الدولة وقتل النساء والأطفال، كما أنه تبرئة صريحة للجهات التي أشعلت الحرب ومولتها.
فإذا كانت "الكومبرادورية" تعني الوكيل المحلي الذي يخدم الاستعمار، فليس بوسعنا إلا أن نقول إن عبدالله حمدوك كمبرادور برتبة رئيس وزراء.
Khouzami Mubarak
11/أبريل/2025