الماركسية ومستقبل الإشتراكية : الحلقة 1/ عظمة فكر ماركس.


أحمد زوبدي
2025 / 4 / 5 - 03:19     

الماركسية ومستقبل الإشتراكية :

الحلقة 1/ عظمة فكر ماركس.

الرأسمالية عرفت تحولا كبيرا اليوم على المستوى التكنولوجي والرقمي والديموغرافي والوعي والثقافة، مما أدى إلى تفكيك المجتمع وطبقاته سواء تعلق الأمر ببنية البورجوازية المعروفة بالكومبرادورية أو الطبقة البورجوازية الصغيرة أو طبقة الفلاحين أو الطبقة العاملة، رحى حزب الطبقة العاملة !
باختصار شديد جدا، على المستوى الماركسي، أرى أن مشروع إعادة بناء هذه الأداة الحزبية لهدف إعادة بناء الطبقة العاملة هو مشروع، بحكم التحولات التي عرفتها ذهنية وديموغرافية والوضع الاقتصادي لهذه الطبقة ولمناضلي الطبقة العاملة الذي يرغبون تحقيق هذا الحلم، هو مشروع يقتضي اليوم من أصحابه فتح أوراش جديدة للتفكير دون القطع مع النواة، كما يقول عالم الابستيمولوجيا الكبير طوماس كون Thoms Khun،
أي دون القطع مع فكر ماركس والمنظرين والسياسيين الكبار الذي أضافوا اجتهادات تاريخية وفقت بين النظرية والممارسة بدءا بلينين وماو وغيرهما، أقول يقتضي ذلك اليوم إنتاج المعرفة من خلال إعادة التأسيس بشكل متميز عما سبق للطبقة العاملة : الانتماء النقابي، مستوى الوعي، مستوى ثقافة العمال، المكتسبات التي تحققت، المشاكل التي تعانيها هذه الطبقة، قانون الشغل، بنية الطبقة العاملة هل هي متجانسة أم لا، بنية هذه الطبقة في ما يخص شكل ارتباطها بالنقابات ( نقابات يسارية أم يمينية أو إسلاماوية ، إلخ.).
"إعادة تحديد أرضية التغيير التي يتعارض فيها المضطهَدون والمضطهِدون وليس البورجوازية والبروليتاريا. إعادة تفكيك المنظور للوطنية و للإشتراكية، بالمعنى الذي يعطيه له غرامشي. الإنطلاق مجددا لتحقيق الحلم القاضي بتحقيق تحرر الوطن في الإطار القاري. بإجمال، هناك حركة سياسية اجتماعية تتبلور اليوم، متعددة، تدمج الحركات الإجتماعية والأيديولوجية، لكن تستوعب بعمق جوهر الإشتراكية أي تملك العمال الفعلي لوسائل الإنتاج الإجتماعية" (راجع E. Corbiere et A. Camps, Pour un socialisme argentin et latino-américain, Revue ActuelMarx, 1994/2 ).
مما يعني أنه قد حان الوقت للقطع مع الماركسية المرتبطة بالنصوص الجامدة وإلا أن المهتم بقضايا الماركسية سيبقى أسير الصنمية والكنائسية، مما يعرض فكر ماركس والماركسية إلى التشويش ويتحول الارتباط الدوغمائي بفكر ماركس الأب إلى إساءة له.
أصبح فكر ماركس اليوم من تاريخ الأفكار (histoire des idées) وبالتالي يجب تجاوزه. تجاوز هذا الفكر لا يعني إلغاؤه بل العمل على استمراره من خلال إنتاج الفكر الماركسي الجديد. أما التشبت بنصوص فكر ماركس فهو اغتيال وإعدام فكر هذا المنظر الكبير. يقول آلان باديو(Alain Badiou) " الماركسية هي ممارسة من خلالها يرى النور إبداع الفكر.[... ]. مهمتنا اليوم هي إعادة اكتشاف الماركسية والعمل على الحفر في ثناياها لتنبعث.[...]. وهذا ليس بالحلم. يجب العمل على انبعاث الماركسية التي لم تنطلق قواعدها بعد. لأن الماركسية، كقدرات فكرية للشيوعية، تستمر في اقتراح الحداثة الوحيدة قطعا، وليس هناك حداثة أخرى، المنافسة للرأسمالية "، ( راجع كتابه Qu est-ce que j entends par marxisme ? Editions Sociales, 2016).

ويقول ستيفانو بيتروسياني Stefano Petrucciani " يجب علينا أن ندرك اليوم أن الطريقة التي تمت بها قراءة ماركس في القرن التاسع عشر لم تكن كافية على الإطلاق. لقد قرأه الماركسيون، في الواقع، كمفكر حاضر ومؤثر وبالتالي يحتاج اليوم إعادة كتابته وتحديثه وإعادة التفكير فيه، حتى يصبح مفيدًا من جديد للتفكير الحاضر. لذلك، من الضروري اليوم التعامل مع ماركس، ليس كمفكر حاضر ومؤثر، لكن اعتبار فكره كمرحلة مهمة في تاريخ الفكر الغربي. تجب قراءته والتنقيب في طيات فكر ماركس بنفس الطريقة التي يعلق بها المرء على العمل الكلاسيكي. بلغة أخرى، من الضروري الاهتمام بفكر ماركس دون إثارة حدود هذا الفكر اليوم والاشكالات والصعوبات التي يطرحها. وبطبيعة الحال، هذا لا يمنع ماركس من أن يُقرأ أيضًا كمفكر مؤثر وحاضر للإجابة على الإشكالت المطروحة اليوم.
في العمق، قد يكون من المهم، لفهم العالم المعاصر، بدلا من الخوض في تنبؤات ماركس القليلة التي أثبتت صحتها، تعميق المشكلات النظرية الموجودة في فكره، لأنها تعكس قضايا الحداثة التي تبقى مفتوحة بشكل كبير.
من وجهة نظري، يسترسل بيتروسياني، إن عظمة ماركس، التي تمنحه المكانة البارزة التي من المهم الاعتراف به، لا ترجع إلى المساهمة التي كان سيقدمها في نظام معين، ولا إلى مجرد تعدد التخصصات. على الرغم من أن ماركس كان له تأثير عميق على العديد من الأطر التخصصية، من الفلسفة إلى الاقتصاد، إلا أن عظمته لا تكمن هنا، بل في حقيقة أنه دشن نوعا جديدا من التفكير لم يكن موجودا قبله: لقد سعى ماركس الأول إلى لإعطاء نقد المجتمع شكلا علميا، أي شكلا يعتمد على المعرفة الأكثر تقدما في عصره: الفلسفية والتاريخية والقانونية والاقتصادية" ( راجع Comment et pourquoi lire Marx aujourd hui ? Les difficultés de la théorie et les antinomies de la modernité, Stefano Petrucciani, Dans Actuel Marx 2011/2 (n° 50) .