أي أفق لأزمة البيروقراطية النقابية؟
الناصر بن رمضان
2025 / 4 / 2 - 15:32
1) الأزمة العامة تتعمق وتتوسع
تراوح الأزمة النقابية مكانها منذ انعقاد المجلس الوطني للإتحاد العام التونسي للشغل في 5 ، 6 ،7 سبتمبر 2024 .ومعلوم أن هذه الأزمة المركبة والمستعصية تعود لسنوات من تراكمات سوء الإدارة والتسيير البيروقراطي والفساد المستشري و المتعدد الأوجه ، كما هو معلوم أيضا أنها ناتجة عن الرغبة الجامحة لتدخل السلطة في الشأن النقابي والسعي الحثيث لتحجيم المنظمة النقابية وإلغاء دورها الإجتماعي والوطني شأنها في ذلك شأن كل الأجسام الوسيطة التي صفتها وتصفيها الديكتاتورية الشعبوية في تونس.
وبالتوازي مع ذلك تتعمق الأزمة الإقتصادية والإجتماعية العامة لتنعكس على عموم الشغالين بمزيد التردي والتدهور جراء الغلاء الجنوني للأسعار وتجميد الأجور وتدهور المقدرة الشرائية نتيجة غلق باب التفاوض ، كما تستفحل البطالة نتيجة التسريح العمالي المتأتي من جراء غلق عديد المؤسسات العمالية وفقدان مواطن الشغل والطرد التعسفي والمحاكمات النقابية المصاحبة للإضرابات المهنية ( محاكمات نقابيي السبيخة وأعوان العدلية والثقافة وطرد نقابيي ستيب ..) ، كما تستعر وتيرة الإضطهاد والإستغلال وتتوسع مظاهر العنف والجريمة لتبلغ أرقاما قياسية وتمس فئات شبابية جديدة نتيجة الإختيارات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية الفاشلة المنتجة للإحباط والتدمير الممنهج للشرائح الواسعة من الفئات الشعبية التي ظلت لعقود خلت تستظل بظل الإتحاد وتحتمي به من بطش السلطة وجورها المنفلت العقال.
2) ..وشقوق البيروقراطية النقابية تدخل في لي الأذرع :
أمام عمق الأزمة النقابية المركبة والمعقدة واستدامتها تكشف القيادة البيروقراطية عن انعدام غير مسبوق للمسؤولية تصل الى مصاف الجريمة التاريخية ، إذ لا تتخلى فقط عن دورها في نفض الغبار عن الملفات الإجتماعية المتراكمة ومعالجتها والإشتغال عليها وتأطير التحركات والإضرابات وتسيير شؤون المنظمة ولا تواجه هجوم السلطة حتى بالحد الأدنى للمناعة التقليدية للقيادات النقابية الصفراء حفظا لماء الوجه ، بل تستعيض عن تلك المهام الروتينية بتعميق الصراعات الداخلية الإستباقية بين شقوقها إعدادا للعدة لما بعد المؤتمر الإستثنائي المتنازع حول تاريخ انعقاده ، وتدخل في اعتصامات عقيمة فاشلة بغاية الإنهاك والإنهاك المتبادل لشقوقها ، وهي إذ تقوم بذلك تنتج الإنهاك المضاعف للإتحاد بالحط من منزلته وقيمته الاعتبارية لا أمام الرأي العام الداخلي والخارجي فقط ، بل أمام ما تبقى من الحرس القديم من جمهور المنخرطين الذين يتجرعون مرارة الإنكسار والإحباط ، فخير بعضهم سحب الإنخراط يأسا من العمل النقابي برمته ، في حين خير البعض الآخر " الركشة " الصورية مستظلا " بالشقف " أو الإستقالة من النضال والإلتفات للشأن الخاص، بينما دخل الصنف الثالث في ردات الفعل العقابية بتحويل الوجهة والإلتحاق بالنقابات الموازية الأكثر رداءة وهو ما لم تحلم به البرجوازية العميلة لعدة عقود وقدم في طبق من ذهب للسلطة الديكتاتورية الشعبوية اليوم إذ نجحت فيما لم تنجح فيه سياسات العصا الغليظة وتكسير المنظمة بقوة الحديد والنار .
إن البيروقراطية النقابية الجاثمة على صدر الإتحاد لا توحي من خلال سلوكاتها وتصريحاتها وممارساتها بأنها ماضية في معالجة الأسباب العميقة للأزمة النقابية الداخلية والمتعلقة بمسار سنوات طويلة من ضرب الديمقراطية والإستقلالية والنضالية للمنظمة حتى تصل الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم إلى أسفل الدرك ، وهي لا تعير اهتماما للنداءات والمبادرات ولوائح المؤتمرات وتوصيات الندوات ولا للوقفات الإحتجاجية والإعتصامات التي لم تخل منها أي فترة ما لم تكن بالقوة التي تزعزع عرشها ، ثم هي بعيدة كل البعد عن التفكير في واقع ومستقبل العمل النقابي وهو ما يبدد كل الوهم المزروع حول حلول جدية من داخل شقوقها ، وكل ما تضطر إلى فعله هذه القيادة الهجينة في فترة الأزمة هو المناورة والتظاهر – تحت ضغط الأحداث - بحل الأزمة من خلال معالجة النتائج والمسائل الشكلية والتقنية التي تدور حول تاريخ المؤتمر ومكانه ووصفه بالإستثنائي أو العادي في حين تظل مشتغلة بكل ما تملك من " خباثة " ودهاء على الإلتفاف على مطلب العودة للفصل 20 في مؤتمر إنقاذ ديمقراطي فعلي ذي مضمون تحرري مستقل ومناضل عبر دعوة المجلس الوطني باعتبار تمثيليته الواسعة لا الهيئة الإدارية عماد قوة تمركز البيروقراطية ، كما تشتغل من وراء القواعد النقابية على حياكة التشريعات الجديدة والتنقيحات المعدة سلفا حول شروط من سيفوز بدفة الحكم ومن سيخلفها ومن يجب التخلص منه من المعارضين لنهج التطبيع مع الحاكم بأمره ، ومن سيؤمن استمراريتها من الأتباع والتبع والتابعين وأي مسافة لهم من السلطة التي لا يجب المساس بمصالحها الحيوية داخل المنظمة مهما نكلت بهم وقطعت عليهم حنفية العطايا والهدايا والسخاء لفترة عابرة .
3) معارضة نقابية دون الإنتظارات
في ظل هكذا وضع سياسي واجتماعي – نقابي وصلت أزمته الحادة إلى عنق الزجاجة وأمام أزمة استثنائية للقيادة البيروقراطية تقف المعارضة النقابية بمفهومها الشامل هي الأخرى عاجزة ومشلولة جراء مواقفها المتباعدة جدا والمتباينة بل المتعارضة من السلطة والبيروقراطية النقابية في نفس الوقت علاوة على ضعفها وتذررها وطغيان الريبة والإلتباس وانعدام الثقة في بعضها البعض وعدم قدرتها على التوحد لتغيير موازين القوى النقابية . لقد اثبتت حركة الإعتصامات الأخيرة في بطحاء محمد علي كثيرا من العفوية والإرتجال والطفولية الفوضوية ، وكما كشف شعار " نظافة اليد " لأعلى هرم السلطة عن العجز والفشل في إدارة الحكم ، كشفت تبريرات " النوايا الطيبة والنزاهة " لدى بعض قيادات المعارضة عن الفشل في التحشيد والتوحيد ، فلا هي حشدت ولفت عموم النقابيين المناصرين للديمقراطية النقابية ولا هي وحدت المكونات النقابية الديمقراطية المتماسكة في أرضية نقابية ديمقراطية مناضلة راسمة لخطوط التعارض المبدئي الصريح وغير القابل للتأويل حيال السلطة الشعبوية ناهيك عن البيروقراطية بجميع شقوقها .
ومرة أخرى يتضح جليا للعيان أن عملية تغيير موازين القوى النقابية داخل الإتحاد لازالت مطروحة على بساط الحل وأن الحل الديمقراطي المنشود ليس بالسهولة والنظرة التسطيحية المرتجلة أمام ضغط الآجال والأجندات ويتطلب الكثير من عمق النقاش والوضوح والعمل المبدئي الجاد مع كل المكونات النقابية الثورية المعنية والإطارات المستقلة وبتكثيف كبير من الإتصالات والمشاورات والفرز لا على قاعدة التصريحات والبيانات المجردة بل على قاعدة المواجهة والمقاومة لطرفي الصراع في الميدان لتحسين موازين القوى المختلة على درب تفكيك البيروقراطية النقابية بالمراكمة وطول النفس .