واقعنا المتخلف بين القطيعة والاستمرار
عبدالرحيم قروي
2025 / 3 / 23 - 18:49
معروف في نظرية الصراع الطبقي أن الواقع الاجتماعي هو الذي يعكس الوعي الاجتماعي لكن بشكل جدلي وليس ميكانيكي . يعني أن البنية التحتية من اقتصاد وعلاقات انتاج ......وكل ما يرتبط بما هو مادي والبنية الفوقية التي تعني كل العلاقات الفكرية بما في ذلك أجهزة الدولة ومؤسساتها التسييرية والسياسية ......تكون في تفاعل وعلاقة تأثير وتأثر . ومعروف أن الوعي لايعكس بالضرورة الواقع المادي كما تفرز الكبد الصفراء مما يجعله يتأخر عن شرطه الموضوعي خصوصا في مجتمعاتنا ذات نمط الانتاج ما قبل الراسمالي حيث تتعايش كل الأنماط من العبودي والإقطاعي والبرجوازي الهجين بل حتى بعض الشذرات من الاشتراكية البدائية كالأنشطة الجماعية مثل التويزة التي لازالت قائمة في بعض المداشر والقبائل في ريفنا المهمش. وبما أن المجتمعات العربية-الاسلامية لم تنتقل انتقالا طبيعيا نتيجة للتناقضات الذاتية بل فقط بسبب الاستعمار الذي عمل على تفكيك الهياكل الاقتصادية - الاجتماعية العتيقة وزرع نوعا من الآليات التي تخدمه في إطار استراتيجية نهب المستعمرات فأوجد بنية تحتية من قناطر وطرق وضيعات ومنشآت صناعية ....إضافة إلى إدارة ينظم بواسطتها عمليات النهب هذا . فلم يتم التحول الذاتي بشكل طبيعي مما يترتب عنه ذلك التطور الطبيعي للوعي الاجتماعي كما هو معروف والذي سيعكس الواقع بذلك الشكل المشوه الذي تتداخل فيه كل أنماط التفكير بما في ذلك التفكير البدائي. من هنا يمكن أن نجد شخص مثلا بربطة العنق والبذلة الأنيقة التي توحي بالمدنية المرتبطة موضوعيا بنمط انتاج برجوازي ويسوق سيارة من آخر ما أنتجته التقنية المعاصرة لكنه يعلق في مكان ما منها حذوة حمار أو جلد قنفوذ أو في احسن الأحوال خصلة من الصوف درءا للعين .لنلاحظ التعارض بين نمطين سلوكيين متعارضين بشكل جوهري . تفكير بدائي لازال يؤمن بتناسخ الأرواح . ونمط تفكير ليبرالي لايؤمن بغير التقنية والربح وما هو ملموس . وجاليتنا في أروبا سافرت بحمولة تعكس نفس نمط التفكير المزدوج والمتناقض هذا . فتصطدم كأقليات بحمولة فكرية وسلوكية واعتقادية بواقع مختلف بكل المقاييس . لتنبهر وتحس بالدونية والقهر الاجتماعي - الثقافي . فلا تجد كسلاح لاشعوري غيرالتقوقع حول نفسها . فتتمركز حول الذات لتجد الملاذ والخلاص مما تحس به من قهر ثقافي ذلك خصوصا كما أسلفنا . نتيجة لتعارض تلك الحمولة مع حضارة مغايرة . في ردة فعل تلبس لباس الفكر الديني والخرافي .....البدائي . وطبعا فالأبناء من الأجيال المزدادة في المهجر تحشر في هذا التعارض لتصاب بنوع من التمزق نتيجة للتجاذب هذا بين حمولتين فكريتين متناقضتين ومتعارضدتين تماما . فتلتجئ كمحاولة للدفاع الوجودي وفي ردة فعل لاشعوري نثيجة لهذا الضغط إلى التطرف . فهذا السخط المتولد عن ظروف العيش في المجتمع الرأسمالي وما يصحب ذلك من استغلال يجد مبرره في الالتجاء إما إلى المخدرات والانحراف بكل أشكاله بما في ذلك السرقة والإجرام والميوعة والدعارة ...... وإما إلى التطرف الديني الرافض لكل مظاهر الحضارة التي سيوجه لها كل الاتهام ليخلص إلى أن سبب كل الكوارث والآفات الاجتماعية والأخلاقية والهزائم السياسية والأزمات الاقتصادية .....إنما سببها هو الخروج عن الدين وأهل السنة والجماعة . وهنا يأتي دور الاستقطاب الذي يقوم به الفكر الوهابي التكفيري الارهابي والذي ترعاه بالطبع أوروبا الأمبريالية نفسها لتوظفه في نهب المستعمرات السابقة ليصبح التفكير الخرافي البدائي ينتج نفسه بآليات ترتبط بآخر ما أنتجته الحضارة الانسانية ليتحول من وسيلة لسعادة الانسان إلى ترسانة من أسلحة الدمار للحضارة والانسان .