التعليم المغربي: حلم يتهاوى بين فوضى السياسة وصمت الجميع
الشهبي أحمد
2025 / 3 / 21 - 00:09
بعد فترة طويلة من الصمت، كنت أتأمل واقع التعليم المغربي بعين قلقة وحماسة متجددة، أحاول فهم هذا القطاع الذي يحمل على كتفيه آمال أمة بأكملها، لكنه يتخبط في متاهة لا تبدو لها نهاية. لم أعد أجد مبررًا للغياب عن مناقشة قضية تتجاوز كونها مجرد ملف إداري، بل هي نبض المستقبل الذي يتشكل بين جدران المدارس، أو بالأحرى، يتشوه تحت وطأة الصراعات التي لا تهدأ. كمحلل تربوي، أرى أن ما يعيشه التعليم في المغرب اليوم ليس مجرد أزمة عابرة، بل حالة معقدة تستحق أن ننظر إليها بعمق، بعيدًا عن الشعارات الجوفاء والخطابات المكررة.
تخيلوا معي مشهدًا يتكرر باستمرار: التعليم، هذا الحلم الجميل الذي يُفترض أن يصنع أجيالاً قادرة على قيادة التنمية، يتحول إلى حلبة صراع سياسي لا هوادة فيها. الحكومات تتعاقب، والمبادرات تُعلن بضجيج كبير، لكن النتيجة تبقى واحدة: واقع يئن تحت ضربات التخبط والارتجال. أتساءل أحيانًا، وأنا أتصفح تقارير مثل تلك التي يصدرها المجلس الأعلى للحسابات، كيف يمكن أن يُترك مصير ملايين التلاميذ معلقًا بين مطرقة الأجندات الحزبية وسندان غياب رؤية وطنية موحدة؟ القلب يتألم وهو يرى المدرسة العمومية، التي كانت يومًا رمزًا للأمل، تتحول إلى شاهد على فوضى تُدار بلا خطة واضحة.
ما يثير الدهشة أكثر هو ذلك التنافس العقيم بين الأحزاب، حيث يصبح التعليم ساحة لتبادل الاتهامات بدل أن يكون مشروعًا مشتركًا يجمع الجميع. كل طرف يسعى لفرض بصمته، يشكك في جهود الآخر، ويرفض أي مبادرة لا تحمل توقيعه، حتى وإن كانت تحمل بذور الخير. المشهد يبدو كلعبة قوى لا تنتهي، لكن الخاسر الوحيد فيها هو التلميذ الذي يقف حائرًا وسط هذا العبث، ينتظر إصلاحًا يُعلن عنه في المؤتمرات، لكنه لا يرى النور على أرض الواقع.
ولا يتوقف الأمر عند السياسيين وحدهم. للأسف، تتسرب هذه التجاذبات إلى داخل المؤسسات التعليمية، حيث نجد أحيانًا مسؤولين وأساتذة ينجرفون في دوامة الولاءات الحزبية أو يخضعون لضغوط تُفرض عليهم. النتيجة؟ إصلاحات تُقدم على أنها حلول جذرية، لكنها في الحقيقة مجرد ترقيعات مؤقتة تتغير مع كل نسمة ريح سياسية. كيف يمكن لنا أن نبني تعليمًا قويًا إذا كانت أسسه تهتز مع كل تغيير في المشهد الحكومي؟
ثم تأتي الصحافة، أو بالأحرى بعض أقلامها التي اختارت أن تكون وقودًا للنار بدل أن تكون شعلة للتنوير. مقالات تُكتب بلغة مبالغة، تهدف إلى تضخيم الأزمات وتوجيه الأصابع نحو هذا الطرف أو ذاك، لا لأجل الحقيقة، بل لخدمة أجندات من يقف خلفها. هذه الأقلام لا تدرك أنها، بتحويلها التعليم إلى مادة للجدل السطحي، تضع طوبة أخرى في جدار الأزمة، وتُبعدنا عن مناقشة الحلول التي نحتاجها بإلحاح.
لكن، دعونا نتوقف لحظة ونفكر: إلى متى سيظل التعليم أسير هذا الوضع؟ الصراع السياسي لم يعد مجرد اختلاف في الرؤى، بل تحول إلى حاجز يقف في وجه أي تقدم حقيقي. نرى مشاريع تُعلن ثم تُلغى، وأخرى تُبنى ثم تُهدم، في دورة لا نهائية من الوعود التي تذوب كالسراب. المدرسة المغربية اليوم ليست فقط في أزمة، بل هي تحتضر، تنتظر من يمد لها يد العون أو من يقرأ عليها صلاة الوداع.
حتى النقابات، التي كان يُفترض أن تكون صوت الدفاع عن المعلمين والتعليم، انجرفت في كثير من الأحيان إلى مستنقع التسييس. بعض قياداتها تحولت إلى أدوات في يد الأحزاب، تبتعد عن الجوهر وتنشغل بالمناكفات التي لا تخدم إلا استمرار الفوضى. إذا أردنا لها أن تكون جزءًا من الحل، فعليها أن تعيد ترتيب أولوياتها، وتضع مصلحة التلاميذ والمعلمين فوق كل حسابات ضيقة.
وأنتم، أيها المواطنون، أصحاب الصوت الحقيقي، لماذا تظلون في موقف المتفرج؟ كل خمس سنوات، تمارسون حقكم في الاختيار، لكن هل تساءلتم يومًا عن الرؤى التي تحملها الأحزاب التي تمنحونها أصواتكم؟ هل فكرتم في أن صمتكم قد يكون تواطؤًا مع من يعبث بمستقبل أبنائكم؟ التعليم ليس مجرد قضية حكومية، بل هو مسؤوليتكم أيضًا. إذا أردتم تغييرًا، فابدأوا بتغيير نظرتكم، بمطالبة الجميع بالابتعاد عن تسييس المدرسة، وبالتفكير في حلول تجمع بدل أن تفرق.
اليوم، المدرسة المغربية تقف على حافة الانهيار، تنتظر قرارًا حاسمًا. هل سنتركها تنهار ونكتفي بالبكاء على أطلالها؟ أم سنتحرك جميعًا – سياسيين، مربين، مواطنين – لنعيد لها الحياة؟ الجواب بين أيدينا، والوقت ينفد.