لأجل يسار اليسار .


أحمد زوبدي
2025 / 3 / 20 - 22:47     

لأجل يسار اليسار /

اهتمامات و أجندات اليسار تحولت من سؤال ما العمل ؟ ( ? Que faire ) ؟ إلى سؤال كيف العمل ؟ ( ? Comment faire )؟ وبذلك يكون أنه قد ظل عن الطريق لأنه تخلى عن الثورة حين تخلى عن سؤال ما العمل ؟ ولم يتمكن من تهيء ظروف وشروط الإصلاح حين اختار سؤال كيف العمل ؟
في هذا الوضع المعقد والعسير، فإن اليسار مدعو أن يقوم بنقد ذاتي ليعود إلى نقطة الانطلاق أي إلى سؤال ما العمل ؟ متكئا في ذلك على البحث في اركيولوجيات الثورة بنجاحاتها واخفاقاتها، أو عليه أن يعمل على الاستمرار في التشبت بسؤال كيف العمل ؟ شرط أن ينكب على العمل للتغيير من الداخل أي من داخل المؤسسات على أساس النزول الى الشارع. النزول إلى الشارع هو الأداة الاستراتيجية وليس التاكتيكية ليتمكن اليسار من تحقيق أهدافه أي التغيير و الإصلاح الجذريين وبالتالي يقفز إلى صف يسار اليسار بالتخلص من اليسارات المهترئة، منها الإصلاحية العقيمة أو الانتفاعية المستفيدة من الوضع السائد.
مغربيا، بناء يسار اليسار لتغيير موازين القوى أي القضاء على تغول المخزن المتصهين يقتضي بناء تحالف فيدرالي يساري موسع( alliance fédérale de gauche élargie) يضم فدرالية اليسار الديمقراطي والحزب الاشتراكي الموحد والنهج الديموقراطي و الفصائل الحزبية اليسارية الناشئة ( groupuscules) الأخرى مع إقصاء طبعا الاتحاد الإشتراكي والتقدم والاشتراكية على أساس أن هذين الحزبين قدم تم تفكيكهما من طرف المخزن وتحولا إلى حزبي الأعيان وخدام الدولة والدليل مشاركتهما في تسيير الشأن العام وتزكيتهما سياسة النظام وجل أعضائهما اليوم اغتنوا على حساب تفقير المغاربة.
المثقف الملتزم أكان حزبيا أو مستقلا له الدور الريادي الكبير داخل حركية السياسي لخلخلة بنيات مكونات هذا التكتل المنتظر أي التحالف الفدرالي اليساري الموسع و العمل على إيقاظ الطاقات الكامنة في التكتل إياه وبالتالي بلورة أفكار ولو في نسختها الإجمالية في أفق صبر أغوار وحفريات الفكر التنويري لبناء تصورات و نظريات قابلة للتطبيق تكون طبعا نابعة من ايديولوجيات مختلف المشارب المكونة ليسار اليسار. من بين المواضيع الآنية الهامة التي يجب الانكباب عليها هي نقاش شروط إسقاط نمط الحكم السائد أي إسقاط الأوليغارشيات وتغول المخزن بشكل غير مسبوق الذي جوع الطبقات الشعبية والفقيرة و الرثة وزرع سلوكات تفكيك قيم التضامن والتآزر في ما بينها من خلال تعبئة شباب الضباع والعياشة.. هذا التفكيك والتفكك في القيم والأخلاق الذي عرفه الشعب هو مسؤول عنه كذلك بل ومتواطؤ فيه وبالتالي تجب محاربته. هذا الوضع يتطلب إسقاط تغول المخزن ونمطي السيبة والاقطاع الملازمين له لإزعاج النظام السائد من خلال الخروج إلى الشارع. الخروج إلى الشارع من خلال تكثيف الاحتجاجات في كل جهات المغرب وبشكل مستمر حتى يسقط العبث الذي أوصلت له حكومات مشلولة وحكومات الواجهة التي تفتقد للكفاءة بل إنها حكومات العصابات (bandocrates).
الخروج إلى الشارع، ليس بالضرورة الخروج السلمي والذي يمكن أن يؤدي إلى الاصطدام مع قوات النظام، وهو أمر يجب أن يدرس مسبقا في أجندات برامج الاحتجاج والنضال، بما فيه الدعوة للعصيان المدني إذا اقتضى الحال، على أساس أن النوايا ليست هي خلق البلبلة والفوضى بل الهدف هو إشعار النظام إياه على أن الدولة أصبحت فاسدة بشكل مقلق جدا وأن البلاد تمشي في اتجاه الخراب الذي تقترفه العصابات المسيطرة والذي وصل الى المس بالقوت اليومي للفئات الفقيرة والشعبية فضلا عن تصهين الدولة وتكريس هيمنة الامبريالية؛ وبالتالي إرغام النظام إياه عن التراجع عن سياسات العبث و الاستهتار بأحرار المغرب.. على المستوى العملي تفتح هذه الصيغة أي الخروج إلى الشارع وتعبئة السكان من التواصل مع الأجهزة القائمة لوضع آليات و هيئات ومجالس الأحياء والقرى والدواوير لتشارك في تسيير الشأن العام على المستوى المحلي وتعمل على تمكين مساهمة أكبر عدد من الساكنة. بلوغ هذا السقف من التعبئة الجماهيرية يوفر شروط التفاف السكان حول برنامج التكتل الفيدرالي اليساري الموسع للمشاركة في الانتخابات التشريعية وبالتالي توفير شروط حصد مقاعد مهمة في المجالس البلدية و في البرلمان. كل هذا يهيء لنقلة نوعية في مجال تطوير مناخ الديموقراطية التشاركية على عللها محل وصفات الديموقراطية التمثيلية التي أبانت عن زيفها؛ العمل على مد جسور هذه اللجان الشعبية( comités populaires) في غياب توفر شروط ونضج الثورة..الثورة التي تقتضي القيام بها ثقافيا من خلال توظيف الثورة العلمية والتقنية لفتح الباب للثورة السياسية.
مشروع يسار اليسار، وعودة الى المثقف الملتزم إن لم أقل المثقف الرسولي، يقتضي من هذا الأخير أن يكون عمودا فقريا ومن الأركان الأساسية ليسار اليسار عبر إنتاج المعرفة والفكر، تأكيدا على أن مشكلة الأحزاب اليوم بكل تلاوينها هي أنها تفتقد للفكر وانتاجه من خلال الممارسة. السياسة اليوم لدى اليسار هي سياسة مبتورة لأنها تمشي على رجل واحدة مما يجعلها ممارسة عقيمة لا تجيب على مشاكل روح العصر. السياسة تفتقد للثقافة وبالتالي تبقى سياسة المصالح الطبقية (وفن الممكن !) وليست سياسة تسيير شؤون المجتمعات.
كما أن بناء عمران يساري من عيار يسار اليسار يقتضي ربط علاقات مع قوى التحرر العالمية بكل مشاربها أكانت أحزابا أو نقابات أو جمعيات أو مراكز بحثية شعبية. كما أن التكتل الفيدرالي اليساري الموسع يتطلب توفير شروط بناء مراكز بحث جماهيرية تقوم بتأطير وتكوين الشباب المؤهل وغير المؤهل من المنتسبين لهذا التكتل واستقطاب الشباب غير الحزبي، حيث يلعب المثقف الملتزم والمتملك للجرأة السياسية دور الرحى لمد جسور الثقافة والثقافة السياسية بتنظيم ورشات ولقاءات عبر مراكز البحث الجماهيرية المذكورة ومعها الإعلام الهادف لنشر ثقافة التحرر وفضح ثقافة الارتزاق.
المثقف العضوي مدعو للعب دور المستشار والخبير( على حد تعبير ماكس فبير) لدى السياسي المتميز - وليس السياسي الزعيم الذي ولى دوره -، أي ذلك الذي تكون ملقاة على عاتقه هو وزملاؤه ورفاقه لعب دور التسيير الجماعي( -dir-ection collégiale) للمؤسسة الحزبية أفقيا وعموديا للتخلص من القرارات التسلطية للمكاتب والدواوين السياسية ومعها طبعا اللجان المركزية و إعطاء القواعد الحزبية الدور المحوري في التنظيم والتدبير الحزبيين.