الرأسمالية الأوروبية سلاحها العنصرية!


ادم عربي
2025 / 3 / 16 - 14:27     

بقلم : د . ادم عربي

شهدنا كيف انحسرت "العنصرية" لفترة، لكنها سرعان ما عادت بقوة، ورأينا أحزاباً وهيئات سياسية تسارع إلى توظيف رصيدها الأيديولوجي والسياسي العنصري، طمعاً في تحقيق مكاسب جماهيرية وانتخابية كبيرة. فالسعي وراء "الشعبية السهلة"، أي تلك المستمدة من التعصب العرقي ومثيلاته، يشكّل سمة أساسية لكل كيان سياسي يجد نفسه عاجزاً، بسبب مصالحه أو مصالح من يمثّلهم، عن اكتساب تأييد واسع قائم على أسس أكثر نضجاً.

في الماضي، لم يكن وعي العامل الأوروبي يتجاوز حدود "الغريزة"، فكان يرى في الآلة سبب شقائه، ويُرجِع إليها معاناته، حتى بدا له أنَّ تدميرها هو السبيل الوحيد للخلاص من بؤسه.

أما اليوم، فقد أصبحت بعض المنظمات السياسية تبرع في تحريف أسباب معاناة العمال، فلم تعد "الآلة" هي المتهمة، بلْ وُجِّهت أصابع الاتهام نحو "العامل الأجنبي" الذي يختلف عن زميله الأوروبي في الأصل أو العرق أو اللون أو الدين. فبسبب تدني أجره، واستفادته من الدعم الحكومي المالي والمعيشي، يُنظر إليه على أنه أحد الأسباب أو على الأقل جزء منها في تفشي البطالة وتفاقم الفقر النسبي وتدهور مستوى المعيشة بين العمال الأوروبيين.

بمجرد أنْ يصدق العامل الأوروبي هذا التفسير البعيد عن الحقيقة الموضوعية لمعاناته، يصبح اختلاف العامل الأجنبي عنه في العرق أو اللون أو الدين أو الثقافة أو العادات والتقاليد دافعاً لتعزيز مشاعر الكراهية والعداء العنصري، أو على الأقل سبباً في تصاعدها. فكثيراً ما شهدنا صراعات المصالح الاقتصادية تتخذ شكل العنصرية وأشكال التمييز المشابهة لها.

تقدم الدول الأوروبية ظاهرة وجود المهاجرين على أراضيها باعتبارها نتيجة طبيعية لالتزامها بمبادئ حقوق الإنسان على الصعيد العالمي. وتُصور الأمر وكأنه الثمن الذي تدفعه نظير دفاعها عن القيم الإنسانية، فلو لم يكن هذا "الدافع الأخلاقي والإنساني" حاضراً، لما أصبحت الهجرة إلى أوروبا واقعاً ملموساً.

إنَّ هذا الادعاء يحمل في طياته ميلاً واضحاً للكذب على حساب الحقيقة، إذْ إنَّ هجرة الأجانب، سواء كانوا من آسيا أو إفريقيا أو من الدول العربية، تشكل استجابة لحاجة متزايدة ومتعمقة لدى النظام الرأسمالي الأوروبي.

يعتمد أصحاب العمل في أوروبا على العمالة الأجنبية منخفضة التكلفة، التي لا تحظى بنفس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والنقابية التي يتمتع بها العامل الأوروبي. إنَّ تراجع الأرباح من حيث الحجم والنسبة هو ما يدفع أرباب العمل إلى البحث عن عمالة رخيصة من آسيا وأفريقيا، وهي عمالة تفتقر إلى الحماية القانونية في الغالب.

عند ربط العمالة الأجنبية منخفضة التكلفة بالبطالة في أوروبا، يتمكن أصحاب العمل الأوروبيون من تقويض جهود العمال الأوروبيين الرامية إلى رفع أجورهم، مما يؤدي إلى تقليص الأرباح من حيث الحجم والنسبة.

هناك وظائف أساسية لا يرغب العمال الأوروبيون في القيام بها، مما يزيد من الحاجة إلى استقدام عمال أجانب، الذين يجدون في ظروف حياتهم في بلادهم الأصلية ما يدفعهم إلى قبول هذه الأعمال.

تواجه الرأسمالية الأوروبية حاجة مُلحّة لاستقطاب العديد من العقول من آسيا وإفريقيا والعالم العربي، حيث أنَّ أصحاب هذه العقول لا يجدون ما يدفعهم للبقاء في بلدانهم الأصلية. ونحن في العالم العربي، نعتبر من أبرز المساهمين في تزويد أوروبا والولايات المتحدة بالموارد الأولية، النفط، الغاز، بالإضافة إلى العقول المبدعة .

إنَّ "الشيخوخة" التي تعاني منها المجتمعات الأوروبية بتداعياتها الاقتصادية تعد أيضاً دافعاً لزيادة استقدام المهاجرين الشباب، وخاصة أولئك الذين لم يتراجع لديهم الرغبة في الإنجاب، مثل المهاجرين المسلمين.

عندما تواجه الرأسمالية أزماتها الاقتصادية الحتمية المتكررة، يصبح من الضروري بالنسبة لطبقاتها الحاكمة وجود المهاجرين الأجانب، الذين يشكلون عاملاً يعزز ويغذي المشاعر العنصرية. ففي ظل هذه الأزمات، يزداد الوعي الطبقي بين العمال الأوروبيين، وهو ما يمكن أنْ يتطور ويقوى. لذا، من الضروري إضعاف هذا الوعي وإفساده عن طريق نشر الأفكار العنصرية في أذهان هؤلاء العمال.

إنَّ أفضل خدمة يمكن أنْ يقدمها العمال الأوروبيون لأنفسهم هي أنْ يناضلوا ليس ضد العمال الأجانب، بلْ من أجل ضمان مساواتهم في الأجور والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والنقابية. فلو خاضوا هذا النضال وحققوا النجاح فيه، لساهموا في تقليل حاجة أصحاب العمل الأوروبيين لجلب مزيد من العمال الأجانب إلى بلادهم.

لو شاركوا فيه وحققوا نجاحاً، لكنا شهدنا تدفقاً أكبر لرؤوس الأموال الأوروبية التي تترك بلادها وتستقر في "بلدان المهاجرين"، تلك التي تمثل مصدراً لا ينفد للعمالة منخفضة التكلفة.

تعد ظاهرة الهجرة العمالية من آسيا وإفريقيا والعالم العربي إلى أوروبا ظاهرة يصعب تفسيرها إلّا باعتبارها حلاً مزدوجاً لأزمتين متوازيتين: الأولى تتعلق بتراجع الأرباح في أوروبا من حيث الحجم والنسبة، أما الثانية فتتعلق بالعجز الذي تواجهه الرأسمالية في البلدان الأصلية للمهاجرين في توفير فرص العمل والتوظيف.