|
تفسير ما لا يمكن تفسيره بغير هذا في أحوال المنطقة
حافظ الكندي
الحوار المتمدن-العدد: 8266 - 2025 / 2 / 27 - 01:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تفسير ما لا يمكن تفسيره بغير هذا في أحوال المنطقة يبدو ما يجري في المنطقة في الخمسين عاما الأخيرة محيرا، فهي مجموعة من الظواهر والاحداث المتعارضة والمتناقضة وأقرب الى قطع احجية يصعب ان توضع معا لتشكل لوحة معقولة او مفهومة وتخضع لمنطق معين. وكلما وجدنا ما يفسر حدث ما برز المزيد من التساؤلات التي تجعل التفسير ناقصا وصرنا امام المزيد من المعطيات والمعلومات التي لا تفعل سوى اثارة الاستغراب والتساؤلات ...وكل إجابة تطرح اكوام من الأسئلة، وكل معطى يحمل اطنانا من النقائض له بحيث ان المنطق السليم كاد ان يختفي... *** خذ إيران الإسلامية مثلا. هي تشكل أحد الالغاز السياسية الأكثر غموضا ابتداء من الربع الأخير من القرن العشرين. اذ ان تلك الدولة الوطنية ذات التاريخ العريق، والتي تضم سكانا ذوو اعراق مختلفة، غير انهم بصورة عامة متفقين على تبني التقدم الاجتماعي والحكم المدني ونمط الحياة الحديثة وعلى هوية تاريخية تقوم على روحانية دينية ذات نكهة إسلامية طائفية. كل ذلك حتى أواسط السبعينات. بعد ذلك وبصورة مفاجئة تنشط حركات معارضة متنوعة الاطياف والاتجاهات من اقصى اليسار الى اقصى اليمين معظمها تقيم في الخارج وبالذات في اوروبا الغربية، وتعمل على هدف اسقاط الدولة. ويتم اختيار رجل دين متشدد يؤتى به على متن طائرة الخطوط الجوية الفرنسية ليقود ذلك التغيير السياسي. وتتم تصفية تيارات الحشد الثوري الاخرى لينفرد بإقامة سلطة دينية تقليدية. اثناء ذلك "تفشل" كافة محاولات أمريكا لإيقاف هذا المسار. الطلاب يحاصروا السفارة الامريكية لأكثر من عام ونصف، ومحاولات انقاذهم بالقوة العسكرية تفشل وتتساقط المروحيات الامريكية في الصحراء...! ويتم توجيه دفة السلطة بصورة مفاجئة لتبني مشروع تحرير فلسطين. وهو امر لا ريب يبدو مستغربا للشارع الإيراني الذي يدرك ان هذه القضية تخص الشارع العربي حصريا كونه صاحب الأرض المغتصبة. الرابطة الإسلامية وان كانت تمنح تعاطف مع المقدسات الدينية الموجودة على تلك البقعة، ولكن بدون ان يصل الامر الى جعل تحرير كل ارض فلسطين هو المشروع الرئيسي وتقريبا الوحيد للدولة والشعب الإيراني في مواجهة مباشرة مع إسرائيل والمعسكر الغربي برمته. وتتعرض إيران لحرب مفروضة ومسنودة من الغرب تستمر لثماني سنوات، والى ضغوط اقتصادية وحصار خانق معظم تاريخها. ورغم ذلك تواصل دورها كمركز جبهة معادية لإسرائيل وتحتضن قوى في لبنان وفلسطين واليمن والعراق وسورية ضد إسرائيل. *** اما في فلسطين قبل الفورة الدينية في السبعينات فقد كانت منظمات المقاومة الفلسطينية "التقليدية" في اغلبيتها قومية وعلمانية تقوم على اساس الوطنية الفلسطينية وتضع هدف تحرير فلسطين كبوصلة لعملها أمثال فتح والجبهة الشعبية. وهي تضم أطياف الشعب الفلسطيني ومتطوعين من معظم البلاد العربية بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والوطنية والعرقية والقومية والدينية والطائفية. وكانت هذه المنظمات تواجه مقاومة تزداد شراسة بمضي الزمن خاصة بعد نكسة حزيران وتغول الغرب وضعف الأنظمة العربية وازدياد تبعيتها الاقتصادية، وانهيار الإنتاج الزراعي والصناعي فيها اعتمادها على عائدات البترول والمساعدات المالية لتمويل الاستيراد، مما ادي الى استشراء التخلف والانحدار الاجتماعي. ولذا كانت المقاومة التقليدية مثل فتح والجبهة الشعبية تتعرض لضربات وضغوط في الأردن أولا ولبنان ثانيا وكانت تتراجع او يسحب البساط السياسي والمالي والأمني والاعلامي من تحت اقدامها وتتلاشى في غياهب النسيان... بينما كانت حركات المقاومة ذات منحى الإسلام السياسي مثل حماس تحل محلها وتتقدم في غزة والضفة الغربية ...وفي العالم.
هذا الامر ملاحظ أكثر في غزة التي هي قفص بشري، وكانت وحتى عام 2005 مستوطنة إسرائيلية. وبقيت بعدها مجرد جيب صغير في جغرافية إسرائيل وتحت اعينها ورقابتها الخانقة. ورغم ذلك تنشأ فيها مقاومة شرسة تتمكن من إخراج إسرائيل من غزة أولا. ثم تتضاعف تلك القدرات الى حد التجهيز العسكري الواسع والذي يتضمن انشاء شبكة انفاق موسعة تحت المدينة مما يصعب تفسيره في ظروف تلك والرقابة الخانقة. ثم يجري ما جرى بعد ذلك من مواجهات حتى نصل الى الطوفان. اين هو التفسير المنطقي لهذا؟ *** اما لبنان، تلك القطعة الصغيرة من المستقطعة من بلاد الشام تبعا لتقسيمات سايكس بيكو والتي تضم العديد من الأديان والاعراق والطوائف فيتميز بانه لم يمر بالهزات السياسية "الاشتراكية" التي تعرضت لها المنطقة مثل مصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان والتي انتجت سلطات اوتوقراطية وشعوب محكومة من أجهزة المخابرات والجيش. لبنان بقي ليبراليا وفيه أحزاب وقوى سياسية علمانية، مثل الشيوعي والقومي السوري، كما انه كان يوفر حرية التعبير خلال تاريخيه. كذلك كان يأوي قيادة المقاومة الفلسطينية التقليدية بعد خروجها من الأردن عام 1970. وعمليا تعرض هذا المسار اللبرالي العلماني الى ضغوط وانكسارات اثناء الحرب الاهلية. ثم أدى الغزو الإسرائيلي في بداية الثمانينات الى افراغ تلك الأرض هي ايضا من المقاومة الفلسطينية التقليدية. عند ذلك مباشرة وعند خروج رموز المقاومة الفلسطينية التقليدية نشأ حزب الله. وحصل ذلك بعد قيام الثورة الإيرانية، بصفته النسخة اللبنانية لها. وقد نشأ ونضج، مثله مثل حركات الإسلام السياسي المقاومة الأخرى، في ظروف استراتيجية دولية تميزت بإحكام قبضة الغرب على العالم وتراجع قوى الشرق والجنوب وبخاصة الاتحاد السوفييتي وغرق الدول العربية في مستنقع التخلف والضعف الاقتصادي والسياسي واستسلام بعضها لإسرائيل والتطبيع معها...غير انه ورغم الحصار والهيمنة المخابراتية والعسكرية والسياسية استطاع تنظيم نفسه والتحول الى قوة إقليمية أخرجت إسرائيل من الجنوب. الا يثير هذا الاستغراب؟ *** وتبرز قطر كواحدة من الرعاة الأهم والاقوى لحماس. وهو امر اخر مازال يثير الحيرة. فهي جزيرة صحراوية تضم منشئات بترولية أقيمت فيها دولة لإدارة تلك المنشئات، وتضم قواعد ومعسكرات ومراكز مخابرات امريكية. وهي وبخلاف شقيقاتها في الخليج تقف مع فلسطين وضد إسرائيل ليس فقط قولا بل فعلا وخاصة بالمال والاسناد الإعلامي والسياسي. لا يجد المحللين والمتابعين المندهشين مما يحصل من تفسير عدا ان قطر تحتاج هذا الانحياز كي تقوم بدور الوساطة ما بين إسرائيل والمقاومة. ولكننا نرى الانحياز واضحا، وهو يتميز عن دورها فيما يخص أفغانستان ومع حركة طالبان حيث تقوم كذلك بدور الوساطة وبدون ابداء انحياز...! *** في قطر نشأت قناة الجزيرة. وحيث ان الاعلام هو الذي يحوك ملابس الامبراطور الوهمية...اي انه هو في الحقيقة هو الذي يشكل الواقع. وهو وبخلاف ما يوصف بانه واحد من عدة عناصر تشكل الواقع منها عسكرية وامنية وايديولوجية فانه عمليا الغطاء لهذه جميعا. هو الشكل الخارجي للمبنى الذي يراه المشاهد. اما حقيقة ذلك المبنى وسواء ان كان صلبا او مجرد هيكل ليس فيه سوى الجدران الخارجية، كما في صناعة الأفلام، فهو امر ليس مطروحا حتى للبحث. ومنذ ولادتها والجزيرة هي الحقيقة لا حقيقة غيرها. هي التي تشكل الواقع الفعلي لمشاهديها. وان كان الواقع (في الشارع والبيوت والمعسكرات وعلى الجبهات والسجون ...) مختلفا فانه سوف يتغير ويصبح مثلما تريد الجزيرة. ان لها القدرة في هذا الزمن ان تشكل ما يجري في الحياة حسب السيناريو الموضوع من قبلها ومن قبل مشغليها، ان تخلق واقعا جديدا ومختلفا عما كان بالأمس. ولا يحصل من شيء لي وحولي انا كمشاهد غير ما تعرضه الجزيرة. على مسرح الحياة هذا، أي على تلك الشاشة، فان هناك اضاءه حادة وقوية على بقعة واحدة، فيها مشهد واحد فيه ممثلون وملابس وموسيقى وإخراج واضاءة...الخ. اما ما يحصل خارج وحول هذه البقعة ومهما كان ذا أهمية وخطورة ومهما كان حقيقيا فلا أحد يراه او يسمع به. منذ يوم ظهور تلك القناة والأمور تسير تبعا للسيناريو الموضوع للمنطقة وينفذه مخرجوها وطاقمها المبدعون. الخطوط العامة لذلك السيناريو هو ان قناة الجزيرة أصبحت فعليا صوت الحركات الإسلامية وبالذات الأفغانية منها في هجومها على الدول الوطنية وشعوب تلك الدول من أفغانستان شرقا حتى الجزائر غربا. وليس أوضح من موقفها من الهجوم الإرهابي على سوريا... وفي نفس الوقت وهنا يكمن مصدر العجب العجاب فأنها صارت تبين ميلها الواضح تجاه الحركات الإسلامية مثل حماس والجهاد التي حلت محل حركات المقاومة التقليدية في حلبة مواجهة ومقاومة إسرائيل. بل ان الجزيرة عمليا اصبحت صوت تلك الحركات للوصول للعالم. ولولا تغطيتها المثابرة لتلك المواجهات منذ أواسط التسعينات وباللغات العربية والانجليزية والفرنسية والصينية والاسبانية ولغة البلقان لما عرف العالم ما يجري هناك وربما لم تكن المقاومة الإسلامية سواء في فلسطين او لبنان لتسجل أي حضور او انتصار على اسرائيل اصلا. اليس هذا مبعث حيرة؟ هل هي في صف واحد مع جبهة المقاومة؟ وكيف نفسر ذلك وهي تبث من المركز الأمريكي لإدارة العمليات العسكرية في الشرق الأوسط؟ *** اما تركيا التي هي عضو الناتو ولديها ثاني أكبر جيوشه وحيث القواعد العسكرية الامريكية والعلاقات الاقتصادية والأمنية مع إسرائيل. والتي دفعت بمحاربين ارهابيين لا حصر لهم لمهاجمة سوريا والعراق، فهي نفسها التي توفر الحماية والملجأ والمقر للحركات الإسلامية التي تعمل بكل عنفوان وقوة وجهد على مقاومة الدولة الصهيونية وتكبدها اضرارا ليست بالقليلة ...!؟؟؟ *** ويبدو ان هناك ظاهرة لم تثر أي انتباه بل ولعل البعض يعتبرها ثانوية في خضم المواجهات على الأرض وازيز المدافع وقصف الطائرات. اذ وبينما تتصاعد وتتأجج المقاومة ضد إسرائيل وينشأ محور تحرير حول القدس وتتعلق بها الأنظار، الم يتساءل أي منا لماذا تغيب عن الاعلام المقاوم الآداب والفنون ومنها الأناشيد والاغاني الوطنية التي صدحت بها حناجر الشعب العربي على امتداد تاريخه النضالي العريق؟ وطالما ان القدس هي القبلة والهدف لماذا لا نسمع الاصوات التي تتغنى بفلسطين والقدس، والتي ضمت الإرث التاريخي للشعوب العربية في مواجهة الاستعمار والاستيطان. اين مدينة السلام لفيروز، والله زمان يا سلاحي، واشعار إبراهيم طوقان ومحمود درويش واعلام المقاومة الفلسطينية والعربية؟ نظن ان أي حركة تتوجه نحو القدس فان اول ما تفعله هو ان سوف تستلهم تلك الأناشيد وترفع تلك الرايات. ذلك التراث الادبي والفني هي صوت الامة النابع من روحها وتاريخها النضالي وهي تعمل على تحفيز وتجييش الشعوب ودفعها للتضحية. هل الامر هو غفلة ام هو جهل بها؟؟؟ ام هي عملية تعمية وحجب لذلك الموروث التاريخي الوطني ولمسح الذاكرة الجماعية الاجتماعية التاريخية؟ لماذا وكيف يا ترى نفسر ذلك؟ *** من الواضح ان تبني الإسلام السياسي بنسخته الإيرانية للقضية الفلسطينية نقل الصراع مع إسرائيل الى مستوى اخر أصبح فيه ذلك الكيان في الواقع أضعف كثيرا مما كان عليه قبل تلك المواجهة. وبدل ان كان يتغول على دول المنطقة المحيطة بها صارت تلك الحركات تتصرف بندية وترد على ضربات إسرائيل مما دفع هذه الى داخل حدودها والاحتماء بها. ولكن ومن جهة أخرى فان المشروع المقاوم الإيراني خلق واقعا تحول فيه المقاومون الى حلقة مغلقة احتكرت القضية ولم يعد للشعب العربي عموما والفلسطيني خصوصا ممن هم خارج تلك حلقة دور فيها. المقاومة الجديدة قالت لتلك الشعوب أنتم متفرجون...دعونا نقوم بالعمل بدلا عنكم. نار النضال التي تغلي لسنوات طويلة في صدور أبناء هذه الامة انطفأت. حل محلها ارباك وحيرة وتشتت اجتماعي وفكري وعجز عن فهم او متابعة هذه التحولات وما يجري عموما. لذا نفهم موقف الشعوب والدول التي عانت واحترقت بنار الإسلام السياسي في ان تقف وتسند بصورة علنية ومباشرة تنظيمات الإسلام السياسي في صراعها مع إسرائيل، رغم انها تشترك معها في الموقف من العدو المشترك. انها حالة الحيرة والتردد الذي عاشته الدول الوطنية وحتى شعوبها وبخاصة مصر والجزائر ولبنان والمغرب والأردن وحتى السعودية، من المواجهة الأخيرة في غزة. *** النتائج بعيدة المدى والواسعة عن هذا المسار هو ان المنطقة لم تعد تتعرف على هويتها التاريخية ولم يعد من حضور للقوى التقليدية الشعبية والوطنية. عمليا يتم تهديم الواقع القائم واحلال واقع جديد مغترب ومشوه ومعدوم الجذور والهوية يقوم على أسس دينية وطائفية مصاغة في الخارج ومن قبل قوى معادية ومخربة... وفي النشوة المرافقة لتلك الفورة الدينية لم يثار تساؤل من قبيل أي نموذج يطرح لبناء المجتمع او الكيان الاجتماعي الذي ينحو اليه أولئك المقاومون في اليوم التالي. ففي النماذج الثورية الأخرى التي برزت في القرن العشرين مثل روسيا الصين وفيتنام وكوبا. كانت المقاومة العسكرية هي عمليا الفصيل المحارب لحركة حزبية سياسية لها ابعاد واعماق اجتماعية وجماهيرية. وتلك الحركة تعمل لتنفيذ مشروع اجتماعي يمتلك أيديولوجيا وفكر لإقامة نموذج يطمح لاعتماد أسلوب حياة فيه عدالة لتوزيع الثروة ويبشر بالكرامة والمساواة والاستقلال الوطني والاعتماد على النفس وبحياة اجتماعية لا تحكمها المادة والصراع عليها بين الناس. فما هي منظومة القيم والمحددات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية والثقافية التي سوف تنشأ بعد ان تغلب تلك الحركة الإسلامية المقاومة؟ ما هو الموقف من نمط الحياة الغربي ومنتجاته المادية والثقافية والأيديولوجية والإعلامية؟ وماذا عن الزراعة والصناعة والسكن والنمو السكاني والمواصلات؟ وكذلك من الاقتصاد والتبعية الاقتصادية؟ من الحريات الاجتماعية؟ من التكنولوجيا؟ من الغرب وقيمه؟ يبدو فيما هو قائم ان هذه المقاومة ليست سوى فصائل عسكرية له مهمات محددة وهي مقاومة الوجود الاستيطاني من جهة، والقضاء على الأنظمة الوطنية ذات التوجهات المدنية والعلمانية في المنطقة من جهة اخرى. وفي هذا يتفق كلا تياري الإسلام السياسي في غياب أي تصور لليوم التالي. كلاهما تقدم وصفة لهدم الهيكل القائم ...ولكن ليس لها نموذج لبناء هيكل بديل. يبدو لنا ان التجربة الأفغانية هي النموذج الوحيد الذي تقدمه...!
الجزء الثاني سيناريو خيالي لتفسير واقع غير عقلاني مهما حاولنا ان نفسر هذه المجموعة من الضواهر المتناقضة يصعب ان نجد تفسيرا عقلانيا حتى لواحد منها. فما بالك بإيجاد سيناريو يخرجنا بصورة كاملة من حالة التخبط والحدس والتخمين والامنيات ودفن الرأس في الرمال التي نعيشها، ويضع القطع بتناسق مع بعض بحيث تخلق صوره او لوحة فيها شيء من الوضوح وتبدو معقولة. وحيث ان الواقع خارج عن أي إدراك يقبل به العقل والمنطق السليم فلا أجد غضاضة في تقديم تفسير حتى لو بدا خارج عن العقل والمنطق ما داما عاجزان عن تفسير ما يجري؟؟؟ *** فاذا أنعشنا الذاكرة وعدنا بها الى الوراء قليلا أي الى ما بعد الحرب الثانية. أي عندما دخلنا العصر الجديد حين تراجع الاستعمار التقليدي المتميز بالهيمنة الجغرافية على الشعوب، وحل النمط الجديد الذي فرضته القيادة الأمريكية للمعسكر الغربي. في ظرف بضع سنوات تحررت معظم المستعمرات وحصلت على استقلالها. غير ان اغلبها وبعد بضع سنوات صارت تعيش أوضاعا أسوأ بكثير من أيام الاحتلال المباشر. المرحلة الجديدة صارت تتميز بحروب أهلية وسلطات قمعية واعمال إبادة جماعية للسكان ومجاعات وهجرات... اذ ان منح الاستقلال لم يكن من الاعمال الخيرية بل كان عمليا انتقال من نوع مباشر من التبعية الى اخر غير مباشر وغير محسوس ومن ثم فهو غير قابل للمقاومة الشعبية. كانت الشعوب ضمن الوضع السابق تمنح فائض قوة عملها للمستعمر اما بالمجان كونه القوة القاهرة او بمقابل بسيط، ولذا كان يتم تبادل غير متكافئ. مما يعني ان تلك الكتل السكانية كانت من الفقر وضعف القوة الشرائية بدرجة لا تمكنها من بلوغ المنتجات الرأسمالية، ولذا كانت تحفظ بناها الإنتاجية التقليدية لتلبية احتياجات حياتها اليومية. لم يكن هذا الوضع يناسب القوة الرأسمالية الصاعدة ذات الإنتاجية الفائضة. هي الان بحاجة الى أسواق استهلاكية غير محدودة وراء البحار، وبالذات الشعوب التي تحررت حديثا. كان الامر يتطلب فتح بوابات الدول المستقلة حديثا لاستقبال المنتجات الصناعية والزراعية الجاهزة، وإزالة العقبات التي تقف في وجهها. من تلك العقبات وجود أنماط عمل وإنتاج تقليدية. تم تهشيم هذه بالقوة المخابراتية وتنصيب سلطات قمعية فاسدة. وتم حقن القوة الشرائية للسكان اما بالقروض من المؤسسات الدولية او ببيع المواد الأولية ان توفرت. وتم تطوير المواصلات من موانئ وطرق وجسور ومطارات وشبكات الكهرباء وتوزيع الوقود كي تستقبل وتوصل المنتجات المستوردة الى كل نقطة في تلك المناطق. ومنذ نهايات الستينات من القرن العشرين استتب الامر وخضعت اغلب المستعمرات السابقة الى السيد الجديد. تقريبا جميعها...ولم يبق غير مناطق الاستعمار الاستيطاني حيث يحكم الرجل الأبيض بصورة مباشرة، وحيث نشأت دول بيضاء عنصرية ذات أنظمة وتشريعات ونمط حكم وحياة تمثل امتدادات من اوروبا في قارات أخرى. من هذه روديسيا وجنوب افريقيا...و...اسرائيل. هذه الأنظمة ليس فقط تحرم السيد الجديد من الأسواق، ولكنها وبنفس الأهمية تملك قدرات إنتاجية تنافس الغرب الأمريكي والاوربي على الأسواق المحلية. وكان لابد من ازالتها. وانتفض ضمير الغرب بصورة مفاجئة وعمت التظاهرات والاحتجاجات على التمييز العنصري واضطهاد الشعوب الاصلية. ومنحت المعونات السياسية والأمنية والمالية والإعلامية للسكان الاصليين وتم تحشيد الراي العام التقدمي لشن حملات قاسية للتشهير ورفض تلك الكيانات. وفعلا وفي ظرف بضع سنوات انهار الحكم العنصري في روديسيا وجنوب افريقيا. تبقى لدينا إسرائيل. تلك الشوكة في الحلق. اذ ان ذلك الكيان ولأسباب معروفة يبقى محميا ومحتضنا مثل الابن المدلل للغرب، ولذا يبقى عصيا على ان يعامل بنفس الطريقة. صحيح ان الراي العام التقدمي في الغرب لم يفتأ ان يحتج ويتظاهر ضد ممارسات ذلك الكيان منذ السبعينات من القرن الماضي. غير ان الامر لم يصل الى حد هز ذلك الكيان او اضعافه. *** وهنا يدخل الخيال في العرض والذي نتمنى من القارئ، ان وجد، ان يتحملنا ان سرحنا فيه قليلا او كثيرا...في الحقيقة ان فترة السبعينات شهدت تطورا اخر على صعيد جيوسياسي، وهو بدء ضعف وتراجع الكتلة السوفييتية او حلف وارشو كقوة عظمى مناوئة لحلف شمال الأطلسي. مثل هذا التطور يمثل كابوسا للصناعات العسكرية الغربية التي وضعت كل رهاناتها على تطوير الأسلحة وخاصة العابرة للقارات والفضائية والقاذفات وحاملات الطائرات وغيرها لمواجهة القوة الشرقية. فأي مبرر يا ترى يتبقى لها لإبقاء سباق التسلح ذاك ان اختفت تلك القوة؟ للوقاية هذا المأزق كان لابد من إيجاد بديل لتلك القوة الآفلة يشكل عدوا لدودا للغرب يصعب السيطرة عليه ويبرر مواصلة حالة الإنذار والتأهب الامني ومواصلة بل وزيادة الانفاق العسكري. مبدئيا علينا ان نتفق باننا نتحدث عن وقت كانت فيه القدرات الغربية السياسية والمخابراتية والاقتصادية والفكرية وسيطرتها شبه المطلقة على المقدرات والامكانيات والتي تتيح لها استنباط الأفكار والتخطيط والانتقال الى تنفيذها هي تقريبا بدون حدود. وحيث المواهب الفكرية والتحليلية ومراكز البحوث والجامعات مسنودة بموارد مادية وتكنولوجية كبيرة في خدمة المؤسسة الامريكية، وعلى الأخص حين كان السوفييت في تراجع والصين بالكاد تخرج من شرنقتها. أي ان تلك المؤسسة كانت تختلي بالساحة بدون أي معارض حقيقي او حتى وهمي. في هذا الوقت تفتق ذهن دهاة الفكر السياسي الأمريكي عن مخرج يتمثل في تشكيل الإسلام السياسي كعنصر تهديد للكيان الغربي. وبالفعل ومنذ أواسط السبعينات انتعشت وبصورة مفاجئة النعرة الدينية على امتداد العالم الإسلامي. واخذت حركات الإسلام السياسي بمختلف اطيافها منذ ذلك الوقت تصول وتجول في الشارع العربي والإسلامي. وقد تشكلت فرقتين من الإسلام السياسي تبعا للانقسام الطائفي في الإسلام. الفرقة السنية او ما يمكن تسميته الإسلام (الافغاني) الذي نشر الإرهاب اقليميا وبخاصة في الدول الوطنية المعادية لإسرائيل مثل الجزائر وسوريا والسودان وليبيا ومصر وسوريا. ولفترة طويلة كانت تلك الدول وأجهزتها الأمنية والمخابراتية تعجز عن كبح ذلك المد اذ انه من الواضح كان يحظى بحماية من جهات أكبر من أي من هذه الانظمة. استمر ذلك الضغط حتى توصل الى اسقاط اخر دولة وطنية عربية في حالة صراع، ولو مجمد، مع إسرائيل وهي سوريا بعد هجوم عليها دام لثلاث عشر عاما. هذا الفرع نشر الإرهاب عالميا كذلك من خلال عمليات كبيرة في انحاء أوروبا وحتى أمريكا الشمالية. وهو ما ينسجم مع هدف انشائه اي زيادة التسلح لمحاربة العدو الجديد العابر للقارات المقتدر وهو الإرهاب. الفرقة الافغانية نشأت كما تدل الظواهر والمؤشرات في اقبية المخابرات ومراكز البحوث والجامعات وتولى كتابة شعاراتها وتوجيهها وخلق أدبياتها خبراء الاسلاميات في مراكز وجامعات غربية. ولذا نرى شعراتها وأسماء قادتها مأخوذة من كتب التاريخ والتراث الإسلامي وكتابات المستشرقين. فهي لا تنتمي باي صورة الى البيئة المحلية... الفرع الثاني، او الشيعي، او ما يمكن تسميته الإسلام الإيراني، كان يراد منه ان يقيم دولة معادية تحل بالفعل محل الدولة السوفييتية أي انها تجهر بالعداء، ومنذ اليوم الأول لقيامها، لأمريكا والغرب عموما. ولكن ما هي الأسباب المعتقديه التي تفرض عليها منحى من هذا النوع؟ وهنا تدخل إسرائيل على الخط. اذ ان مدينة القدس هي أولى القبلتين وثالث الحرمين وهي احدى اهم مقدسات الدين الإسلامي ومن ثم فان العمل على تحريرها يقع كفرض وواجب على عاتق المسلمين بغض النظر عن انتمائهم الوطني. ان تنشأ دولة بحجم إيران ومكانتها الإقليمية وهي تجاهر بالعداء لإسرائيل وأمريكا لهو بالتأكيد مبرر كاف من قبل الغرب لمواصلة سباق التسلح ورفع معدلاته لمواجهة هذا العدو الجديد. ونحن هنا نتحدث عن فترة احتكار أمريكا للقوة أي فترة الثمانينات والتسعينات على الأقل. ولم توجد آنذاك حتى دولة واحدة تناطح امريكا ربما باستثناء كوبا وكوريا الشمالية وهي دول كانت مهمشة. وروسيا كانت آنذاك في حالة انهيار وضعف وكادت ان تسلم بتفوق أمريكا والغرب، وكانت تداعب فكرة الانضمام للسوق الاوروبية المشتركة وحلف الأطلسي، بعيدا عن اسيا وعن الجنوب العالمي. أي ان الغرب كان قد "خسرها" عمليا "كعدو" لدود يصلح كمبرر لسباق التسلح. (وهذا بالطبع قبل التغييرات التي تلت ذلك والتي أبعدت روسيا عن الغرب بل وجعلتها في صدام معه). إيران هي العدو الان، وينبغي الحفاظ على هذا الوليد وان ينشأ ويتربى ويزداد منعة وقوة بإدخاله في صراعات وحروب عابثة مع جيرانه من اجل التركيز على الطابع العسكري للوضع الجديد وتجهيزه وتمرينه وتقوية الشخصية المقاتلة فيه ودفعه نحو التسلح والتهيؤ للمنازلات القادمة. مع الحفاظ على الكيان من الهزات الاجتماعية والسياسية ما أمكن. ونلاحظ ان إيران لم تتعرض لاي عملية إرهابية من الإرهاب الدولي السني مثلما حصل في المناطق المحيطة بها او القريبة منها وحتى أجزاء أخرى من العالم. إذا سرحنا في الخيال قليلا، فإننا نلاحظ ان السلطة الايرانية الجديدة اخذت دورها هذا على محمل الجد الكامل وأصبحت العدو اللدود الاول لإسرائيل وتحولت بالفعل الى قلعة او معسكر معادي وكرست طاقاتها وقدراتها الاقتصادية والأمنية والسياسية لهذا الهدف وقامت بتأسيس قوى جديدة تقوم على النموذج الإيراني مثل حزب الله او بمساعدة منظمات المقاومة حتى تلك القائمة على أسس الفرقة الأخرى من الإسلام السياسي، مثل حماس والجهاد الاسلامي. وتحملت في هذا ضغوط اقتصادية وإعلامية عاشها البلد لأكثر من أربعين سنة أنهكت الشعب تماما. ذكرنا ان إيران دخلت في الخارطة السياسية كفزاعة حيث ان التحولات الثورية فيها هدفت لتحويلها الى قوة معادية للغرب للتعويض عن خسارة المعسكر الاشتراكي. وان عسكرتها تمت تحت شعار او تبرير مواجهة إسرائيل بصفتها تحتل القدس. غير ان الحقيقة هي ان هذا ليس فقط هو مبرر شكلي، ولكن الواقع ان المؤسسة الغربية العميقة كانت تنحو فعلا لمنح هذا الدور لإيران. وتكون بهذا قد ضربت عصفورين بحجر واحد. اذ وكما قلنا فان التوجهات الغربية بعد الحرب الثانية للتخلص من الاستعمار الاستيطاني هي جزء بنيوي من التكوين الناشئ للجسد الغربي. ومهما تقدم الوقت فانه لا يسقط بالتقادم ولا تحده او تكبحه علاقات عائلية او عاطفية. فالرأسمال لا قلب له ولا مشاعر. والدول كما الشركات اما ان تتوسع وان تحقق أرباح بمعدلات تتفق مع النمو الاقتصادي العالمي او انها تتعرض للضعف وتسقط امام منافسيها. مما يعني ان الغرب لم يتخلص حقا من حلم الخلاص من إسرائيل بقدر ما انه يسعي لإيجاد الأدوات الملائمة التي لا تكشف نواياه بصورة مباشرة ولا تثير حفيظة إسرائيل وأصدقاءها وحلفائها يدافعوا عنها بكل قوتهم وهم الذين عمليا يحكموا عالم المال والاعمال والاعلام... وعندما يجمح بنا الخيال كثيرا نرى انه كان ولابد في هذه الحالة من استنباط أدوات تبدو محايدة، وهنا يأتي دور قطر التي توفر المعونة للمقاومة الإسلامية الفلسطينية وتمنحها الملجأ ومقرات الإقامة وإمكانية التحرك وإدارة المستلزمات اللوجستية لها. هي تفسر ذلك بانه لحاجات دورها المنوط بها من العالم بصفتها الوسيط ما بين أطراف النزاع. وقليل ما سمعنا باعتراض او تساؤل او استغراب. وينطبق الامر نفسه على بقناة الجزيرة حيث انها تمارس اعمالها ضمن "حدود الحيادية" في نقل الاخبار، وتدعي عدم الانحياز لطرف وتتبع حرفية القانون في عملها الاعلامي. على الرغم مما هو معروف انها في الواقع تأخذ جانب المقاومة الاسلامية وتتحدث باسمها. بالنسبة للقوة الامريكية المهيمنة، فان أي من هاتين الوحدتين سواء قطر او الجزيرة ليسا أكثر من كيانات هامشية لا حول لها ولا قوة، تستطيع تلك القوة بكل يسر ان توقفهما عن العمل وتكتم انفاسهما متى ما شاءت. وهو ما تفعله على الدوام تجاه دول وقوى عظمى مثل روسيا والصين والهند والبرازيل وحتى الاتحاد الأوربي اذا ما تخارج عن ارادتها... اما تركيا التي تحتضن هي كذلك قيادات المقاومة الإسلامية من دول مختلفة وبضمنها الفلسطينية منها، والتي تفسر ذلك من منطلقات معتقديه وايديولوجية بصفتها تعمل على انشاء دول على نموذجها الديني، فإنها بالطبع لم تكن لتستطيع إبقاء ذلك الحبل السري ولو ليوم لولا غض الغرب النظر عن دورها، وهي على ما هي من تداخل وتقارب اقتصادي وسياسي وعسكري مع الغرب لا نستغرب من ثم ان تغيب فيروز عن الاسماع والذاكرة. اذ ان كل نتاج مصنوع يعكس شخصية صانعه. وكما يقولون "على الأصل دور" أي ابحث عن الأصل. تلك الحركات نشأت لهدف معين وهو تهديم البنى الاجتماعية القائمة في المنطقة ولا نستثنى منها إسرائيل. وعملية التهديم تستدعي مسح الذاكرة التاريخية للشعوب فلا تعود تعرف نفسها ولا هويتها. انقطاعها وإدارة ضهرها للإرث الادبي والفني والابداعي للمنطقة هو أكثر ما يشي بالأصل المغترب لهذه الحركات الإسلامية، سواء كانت مقاومة لإسرائيل او لم تكن، وسواء كانت سنية ام شيعية *** كل قطعة من تلك الالغاز عندما تنضم الى الأخرى في انتظام معقول لا يعود ما يجري يحيرنا ويدهشنا ولن يعود هناك من الغاز ولا غموض...ونستطيع فهم وتفسير ما يجري بل وحتى التنبؤ بالأحداث حتى قبل وقوعها... غير ان هذا كله خيال علمي ارجو ان يستبعده القارئ، ان وجد، وان لا يأخذه على محمل الجد... *** الجزء الثالث ابعد من الخيال المواجهة الأخيرة في غزة اخذ فيها المشروع الإيراني يتعرض لضربات قاصمة منها فشله في حماية قادته في لبنان، وتردد الدولة الإيرانية في الرد على الاستفزازات، ولكن اكثرها ايلاما كان خروج سوريا من المواجهة بعد انهيار النظام وسيطرة الإسلام ذو الجذور الافغانية على السلطة. ذلك المشروع لم يفشل فقط في حماية سوريا، بل انه وهذا هو الأهم، فشل في تقديم تفسير واضح ومقنع ومتسق لهذا الحدث. هناك تلجلج وتجنب في التعليق وتهرب من الإجابة الواضحة والدقيقة والمباشرة. بل وميل للاتفاق مع التفسيرات الشعبوية التي سادت من قبيل ان أخطاء النظام وطريقة الحكم والانفراد بالسلطة وعدم اشراك المعارضة وعدم لقاء اردوغان والاستبداد والفقر والحصار والسجون المليئة والمدن المدمرة والحصار الخانق ...الخ. رغم ان المشروع الايراني كان طيلة الفترة شريكا مباشرا في تلك التجربة وقد تابع بوضوح المسيرة التاريخية التي نقلت الحياة في سوريا من حالة ازدهار ورفاه نسبي وليبرالية وتعددية اجتماعية الى ان أوصلت الأوضاع الى ماهي عليه نتيجة الهجوم الوحشي الإرهابي على ذلك الشعب والمسنود من الغرب وإسرائيل. وان النظام السابق حاول ورغم حطام الهيكل ان يبقى وفيا للمقاومة ولهوية سوريا التاريخية. وهي محاولة لم يكن ان يكتب لها النجاح بسبب تكاتف قوى الغرب لإفشالها، والحصار الخانق وتخلي الحلفاء والأصدقاء. النتيجة لا تشير فقط الى ضعف ذلك مشروع المقاومة الإيراني من الناحية العملية وانما الى فقر وهشاشة البنية الأيديولوجية له، والذي بدى اشبه بضباب بدده نور الشمس او سراب لا ماء فيه. حيث لا بوصلة هادية تدل على الطريق، ولا مصباح ينير الظلام لجماهير ذلك المحور عند حدوث مطبات او انتكاسات. بخلاف الامر لنماذج حركات مقاومة أخرى ناضلت ضد الهيمنة الغربية مثل الصين وفيتنام التي واجهت عقبات ومطبات كثيرة اثناء صراعها الطويل غير انها حفظت بوصلتها وواصلت طريقها كونها تملك الوضوح الأيديولوجي والفكري... وهنا لا نملك الا الاشارة تجربة حزب الله اثناء قيادة السيد حسن نصر الله لها. اذ وللأنصاف والتاريخ يجدر بنا ان نقف تحية لذلك القائد ولتلك التجربة التي نشأت كثمرة لشجرة نضالية متجذرة في تلك الأرض ومثلت نموذج صادق للتوفيق بين الانتماء الإسلام السياسي وبين الانتماء الوطني والقومي. *** لاريب ان المشروع الإيراني خلال فتره تصدره المشهد كان يعمل كمنطقة عازلة او كحاجز ما بين إسرائيل والمنطقة عموما سواء كانت أنظمة او حتى شعوب. فهو، كما قلنا، كان يقول للجميع قفوا على جنب ونحن سوف ندير المواجهة. المجتمعات العربية التي كانت مغيبة اثناء العصر الإيراني لم تتخلى في الواقع عن القضية الفلسطينية الا ظاهريا وكرد فعل لحظي وانفعالي على الاستقطاب الطائفي وعلى التفرد بالمقاومة. بينما الأنظمة الحاكمة وجدت في ذلك تبريرا لتخليها عن القضية. ولذا فعندما يتراجع ويختفي ذلك الحاجز الفاصل لن تملك المنطقة سوى ان من تظهر في الواجهة، اذ لن يعود من شيء يحجب بينها وبين إسرائيل شيء. مصر وتركيا والسعودية والأردن ولبنان وحتى سوريا الجديدة صارت هي الان على الخط الأول في المواجهة. وهذه المجموعة وان كانت مترددة وبدون إرادة ولا نشاط غير انها ليست مجرد فصيل واحد او طائفة او حزب واحد بل هي أنظمة حكم ودول تمثل مجتمعاتها بمختلف اطيافها. ولذا فلا ريب ان طاقات تلك الدول تكون أكبر بكثير من فصائل سياسية منفلقة. وهي على الأقل تستطيع الارتكاز الى موقف شعوبها إذا ارادت التأثير على مجريات الاحداث ولا تستطيع تجاوز ارادتها، كما يحصل في الأردن ومصر ضد التهجير مثلا. عندما حدثت التغييرات الأخيرة في سوريا وسيطرت هيئة تحرير الشام على الحكم كان هناك توقع ان يحمل الواقع ملامح النموذج الافغاني. ولكن وبخلاف التوقعات فان الامور تميل نحو الاستقرار والانضباط والتحول الهادئ نحو حكم مدني بدون تشظي سياسي وطائفي وعرقي ولا ارتجاجات عنيفة. مما يشير الى ان سوريا تصير تدريجيا امتداد للفضاء التركي وتتبع النموذج والإيحاءات التركية ربما لجعلها مهيئة لدور المواجهة المستقبلية مع إسرائيل، ولكن ضمن المحور الإسلامي الذي تقوده تركيا وقطر؟؟؟ هل ان هذا المحور الجديد والأوسع والأكثر جماهيرية وشعبية سوف يخلف المشروع الإيراني المقاوم والذي فقد زخمه وبات محدود القدرة على المواصلة؟ وهنا نشطح بالخيال كثيرا، فهل يا ترى نحن على أبواب تشكل محور "مقاومة" جديد يكون رأس الحربة فيه سوريا ومن ورائها تركيا، وكذلك مصر ومن ورائها السعودية؟ الا تتفق هذه التطورات مع الاتجاه الثابت للمؤسسة العميقة الغربية لإعادة تشكيل المنطقة باستبدال الدول الوطنية بكيانات مشوهة لا هوية قومية او تاريخية لها. وكذلك مع اتجاهها للتخلص من الإرث الاستعماري والاستيطاني واخره إسرائيل من جهة أخرى؟ ومن ثم فان ذلك الاتجاه او من يمثله في المؤسسة الغربية العميقة سوف يواصل من وراء الكواليس دعم او على الاقل غض النظر عن نشاط القوى التي تعمل نحو هذين الهدفين، امتدادا لما يحصل مع قطر وقناة الجزيرة وتركيا وحركات المقاومة الإسلامية على مر العقود الماضية؟ من يعلم؟ فالخيال لا حدود له. والأيام حبلى...
#حافظ_الكندي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسألة العراقيه - 2 : العراق - الارض الخراب - لماذا؟
-
المسألة العراقية - او العراق بين الحقيقة والخيال
-
الغرب - اين يقود العالم؟
-
العوده الى الجنه - القسم الاول
-
العوده الى الجنه - القسم الثاني
-
ظاهرة الانسان: الكمال في النقص
المزيد.....
-
بدأت قصّته في مرآب قبل الوصول إلى القمّة.. هذا هو أفضل مقهى
...
-
مدون سفر يزور سويسرا 9 مرات بأدنى تكلفة..هذا الطعام الذي كان
...
-
-دونالد قادم لتحريركم-.. استمع إلى كلمات أغنية فيديو ترامب ع
...
-
-حماس- تؤكد إتمام المرحلة الأولى من الاتفاق مع إسرائيل وتتهم
...
-
سالفيني: الدفاع الأوروبي المشترك كارثة محققة ونهايته الفشل
-
الاقتراب من فك شفرة توقيت انقطاع الطمث وتأثيره على الخصوبة
-
مباحثات روسية أمريكية في إسطنبول لتطبيع عمل السفارتين
-
هل توافق روسيا على استخدام الغرب لأصولها المجمدة لإعادة إعما
...
-
مذكرة: الخارجية الأمريكية تمنع المتحولين جنسيا من السفر إلى
...
-
إيران تزيح الستار عن زورق فائق السرعة لإطلاق الصواريخ (فيديو
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|