محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8265 - 2025 / 2 / 26 - 14:56
المحور:
القضية الفلسطينية
ذات يومٍ مشمسٍ في ستينيات القرن الماضي، وقف الفلسطينيون على أطراف المخيمات يغنّون للعودة، يرفعون البنادق فوق الأكتاف، ويهتفون:
"على القدس رايحين... شهداء بالملايين!"
مضت الأيام، وسارت الثورة كجملٍ عربيٍّ في صحراء الوعود، يحمل على ظهره حلم العودة وحقيبةً مليئةً بالشعارات الثقيلة: "تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني!" يا له من شعارٍ أطرب القلوب وأحيا الأمل، حتى كدنا نقسم أن الجنّ أنفسهم سيلبّون النداء!
ما بين البداية والنهاية، قصةٌ لو كتبها شكسبير لبكى على مأساتها، ولو سمعها المتنبي لأنشد قائلاً:
"إذا أنت أكرمت اللصوص تمرّدوا... وإذا أنت سلّمت الثورة ضاعت!"
فصول المأساة:
في الفصل الأول، كانت البنادق تُزهِر رصاصاً، والقلوب تتسابق نحو الشهادة كأنها عرسٌ جماعيٌّ في حارةٍ فلسطينية.
طفلٌ يحمل حجراً أكبر من كفّه، وعجوزٌ ترفع مفتاح العودة كأنها ستفتح به بوابة السماء. كانت الأيام... كانت تشعّ بالأمل!
ثم جاء الفصل الثاني، حيث دخلت القضية مرحلة المفاوضات، فأصبح المقاوم "إرهابياً" في قاموس العالم الجديد، والمفاوض "حمامة سلام" رغم أنه لا يعرف الطيران! أصبحت الكلمات أكثر طنيناً من الرصاص، والاجتماعات أكثر من أيام السنة، بينما فلسطين... تُقلّم حدودها كما تُقلَّم شجرةٌ عجوزٌ لم تعد تُثمر!
وها نحن في المشهد الأخير، حيث التنسيق الأمني المقدّس! ما أقدسها من خيانةٍ مغلّفةٍ بورق الوطنية! باتت البنادق التي وُجِّهت يوماً نحو العدو تُفتّش اليوم جيوب المقاومين! أصبح ابن الوطن، الذي أقسم أن يكون ظهرك، هو من يطعنك من الأمام... وببطاقة تعريف فلسطينية رسمية!
آلاف الشهداء رحلوا على أمل أن يكون التحرير قاب قوسين أو أدنى.
أبناءٌ رهنوا دماءهم لأرضهم، فسرقت الأرض أحلامهم، وضاع العدل في متاهاتٍ لا نهاية لها.
الجرحى الذين يضعون أطرافهم المبتورة في متاحف الذاكرة، وكلما مرّ الزمان، زادت جراحهم عمقاً.
الأسرى الذين نسيتهم الاتفاقيات في أدراج المفاوضين، وصاروا ذكرى عابرة في فصول السلام المزيّف.
أحقّاً كانت كل تلك التضحيات لنُسلّم للعدو مفاتيح النضال؟
يا أيها الشهيد في قبرك، نعتذر! لقد قتلك العدو برصاصة، أما اليوم، فيُقتل المقاوم بتقارير أمنية ممهورة بختم "المصلحة الوطنية"!
قالوا لنا: التضحية من أجل الوطن شرف!
قلنا: لكن أن يُطارد المقاوم في وطنه، أيُّ شرفٍ هذا؟
قالوا: التنسيق الأمني ضرورة لحماية شعبنا!
قلنا: من مَن؟ من العدو أم من أنفسنا؟
في النهاية، لم نحرّر فلسطين، لكننا حرّرنا الضفة من المقاومين!
لم نرفع علمنا فوق القدس، لكننا رفعناه في مقرات التنسيق!
لم نُحقق الحلم، لكننا أصبحنا خبراء في كتابة بيانات الشجب والاستنكار!
يا ثورةً بدأت بالنار وانتهت بالأوراق...
يا ثورةً كان وقودها الدم، وصارت نهايتها فنجان قهوة في مكتب ضابط احتلال...
سلامٌ على الشهداء الذين لم يروا هذه النهاية المهينة...
وسحقاً للتاريخ الذي سيكتب أننا بدأنا أبطالاً وانتهينا موظفين لدى العدو!
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟