يوم العدالة الاجتماعية ، هل توجد عولمة عادلة؟
جهاد عقل
2025 / 2 / 20 - 22:17
تحيي الأمم المتحدة ومعها العديد من مؤسساتها الأيام العالمية التي يخصص لها مواضيع محددة ، ووفق ما أكدته الأمم المتحدة ، بأن هذه الأيام أو المُناسبات العالمية تُعد " فرصًا مواتية لتثقيف الجمهور العام بأأن القضايا ذات الاهتمام، ولحشد الإرادة السياسية والموارد اللازمة لمعالجة المشكلات العالمية، وللاحتفال بإنجازات الإنسانية ولتعزيزها. وأحتُفل ببعض هذه المناسبات الدولية قبل إنشاء منظمة الأمم المتحدة، إلا أن الأمم المتحدة إحتضنت تلك المناسبات واعتمدت مزيداً منها بوصفها جمياً أدوات قوية للدعوة”. ضمن هذه المناسبات الهامة "،اليوم العالمي للعدالة الإجتماعية"، الذي يصادف في 20 شباط / فبراير من كل عام ، حيث تجري العديد من العاليات التي تخصص لها مواضيع مختلفة تتعلق بموضع العدالة الإجتماعية.
لمحة تاريخية
كانت الأمم المتحدة قد أقرت اليوم العالمي للعدالة الإجتماعية ، وربطت ذلك بموضوع العولمة العادلة ، ومن جهتها أقرت منظمة العمل الدولية وهي هيئة منبثقة عن الأمم المتحدة / تعنى بقضايا العمل والتشغيل والعدالة وغيرها من المواضيع المتعلقة بعالم العمل ، قد إعتمدت قرار الأمم المتحدة بموضوع العدالة الإجتماعية ، في مؤتمرها العام المنعقد في العاشر من حزيران عام 2008 ، ومما جاء في بيانها بهذا الخصوص:" قررت منظمة العمل الدولية بالإجماع إعلان بشأن العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة . وهذا هو بيان المبادئ والسياسات الرئيسي الثالث الذي اعتمده مؤتمر العمل الدولي منذ صدور دستور منظمة العمل الدولية لعام 1919. و يبنى هذا البيان على إعلان فيلادلفيا لعام 1944 والإعلان المتعلق بالمبادئ والحقوق الأساسية في العمل لعام 1998. ويعرب إعلان 2008 عن رؤية معاصرة لولاية منظمة العمل الدولية في حِقْبَة العولمة”. بعدها قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإتخاذ قرار رقم 199/63 بتاريخ 19 كانون الأول / ديسمبر 2008 بعنوان "إعلان منظمة العمل الدولية بشأن العدالة الإجتماعية من أجل عولمة عادلة"،وهكذا تمت عملية مأسسة هذا القرار .
العدالة الإجتماعية ضرورة
أن موضوع العدالة اّلإجتماعية يشمل الكثير من القضايا والبنود ،مثل توفير العمل المنتج لكل طالب عمل ، والعمل اللائق مع جميع الحقوق ، والحد من الفقر ، والحق بالضمان الإجتماعي وغيرها من الحقوق ، لكن الواقع الذي تعيشه الطبقة العاملة في مختلف أرجاء المعمورة ، ما زال بعيداً عن تحقيق كامل العدالة الإجتماعية ، في ظل مواصلة الأثرياء إستغلال العمال خاصة في دول تعاني من هشاشة اٌقتصادها وتخضع "للإستعمار الإقتصادي" لقوى تسيطر على خيراتها.
ليس صدفة أن الإتحادات النقابية العالمية تطالب منذ فترة غير بعيدة بضرورة التوقيع على عقد (ميثاق) إجتماعي جديد ، تود من خلاله ملائمة مطالبها لعالم العمل في حقبتنا هذه ، لكن هذا المطلب لم يتحقق بعد في ظل مماطلة الحكومات الرأسمالية عامة.
هل توجد عولمة عادلة؟
بعد اقرار منظمة العمل الدولية موضوع "العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة" ، قامت بعقد مؤتمرات في مختلف أنحاء العالم ، بإشتراك ممثلين عن الحكومات وأصحاب العمل والنقابات ،من أجل التوصل الى تفاهمات وصيغة عمل مشتركة لتحقيق تلك العدالة الإجتماعية بعولمة عادلة ، وكنت قد شاركت في إحدى تلك المؤتمرات ،التي قدم خلالها ممثلون عن منظمة العمل الدولية أبحاثهم وما يتوقون له من تحقيق العدالة الإجتماعية في عولمة عادلة ،يومها وخلال مداخلتي كنقابي طرحت العديد من الإسئلة ، لاحظت أنها أربكت وفد منظمة العمل الدولية ، خاصة عندما طرحت السؤال "هل توجد عولمة عادلة؟" ، في ظل ما نشاهده ونعيشة من إستغلال تقوم به قوى تلك العولمة من شركات وحكومات للطبقة العاملة في العالم ، وقيام ممثليها بضرب حقوق العمال من خلال إلغاء اتفاقيات العمل الجماعية والإستغلال الذي يتعرض له العمال في مختلف دول العالم من قبل الشركات العولمية ، وما يعانيه العمال من إستغلال في مناطق النزاع ، وقدمت مثال عن وضع العمال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لقد أثارت مداخلتي هذه نقاشاً حاداً مع ممثلي أصحاب العمل والحكومة ، لكن ما لفت إنتباهي إنحياز ممثل من وفد منظمة العمل لما جاء في مداخلتي تلك ، بتأكيده أن المطلب بالعدالة الإجتماعية ، مطلب عادل ، لكن تحقيق هذا المطلب في ظل سيطرة قوى رأس المال القائمة في عالمنا المعولم تحتاج لوقت طويل ، وتغيير حقيقي في المبنى الإجتماعي والإقتصادي القائم في عالمنا اليوم.
أهم القضايا التي تطرحها منظمة العمل لمناسبة هذا العام
وفق بيان منظمة العمل الدولية بهذه المناسبة للعام الحالي 2025 جاء ما يلي:”ستحتفل منظمة العمل الدولية بهذه المناسبة هذا العام بسلسلة من خمس فعاليات تقام في المدن الكبرى حول العالم. وستجمع الفعاليات متحدثين رفيعي المستوى من مختلف أنحاء عالم العمل لمناقشة كيفية وضع العدالة الاجتماعية في صميم أجندات السياسات الدولية والوطنية والإقليمية”. وتشمل الفعاليات الخمس ما يلي:
- تحقيق الحماية الصحية الاجتماعية الشاملة من أجل العدالة الاجتماعية في آسيا والمحيط الهادئ.
- العدالة الاجتماعية في العصر الرقمي: تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل.
- العمل اللائق في أفريقيا: عنصر أساسي في العدالة الاجتماعية.
- العدالة الاجتماعية في مجال العمل: عقد اجتماعي جديد لأميركا اللاتينية.
- تعزيز التحول العادل من أجل مستقبل مستدام.
واضح أن البند الأول من هذه الفعاليات مهم لتعلقه بموضوع تأثير الذكاء الإصطناعي على سوق العمل ،وهذا الموضوع بحد ذاته هو تطور خطير لقضية العولمة في السنوات الأخيرة ، ليس بما يتعلق بجانبه التقني ، بل بما يُحدث من تأثير سلبي استغلالي على سوق العمل وكل ما يتعلق بالعمال وحقوقهم.
أعود وأؤكد بأنه من الصعب تحقيق العدالة الإجتماعية بمفهومها الحقيقي ،في ظل سياسة عولمة إستغلالية ، تؤدي الى جني ثروات طائلة من قبل الرأسماليين أصحاب الشركات العولمية ، على حساب العمال الكادحين في عالمنا ،فلا بد من إستنهاض الحركة النقابية العالمية بجميع توجهاتها لتحقيق مطلبها/ مطلبنا، الا وهو عقد إجتماعي جديد ، يضمن للعمال الحقوق والعدالة الإجتماعية في عالمنا . من هنا لا بد من مواصلة النضال لتحقيق مطالبنا كعمال وكحركات نقابية .