سلوى زكو والخجل من المصارحة - عن انقلاب الثامن من شباط


قاسم علي فنجان
2025 / 2 / 9 - 22:04     

"لقد حذرت عبد الكريم قاسم من أوضاع مريبة لكنه اخرج قميصه الملطخ بدمه من محاولة الانقلاب الماضية متفاخرا"... زكي خيري.

في كل عام يمر، يتوقف الشيوعيين في يوم الثامن من شباط، ذكرى الانقلاب الوحشي والدموي الذي قاده البعث والقوميين الفاشست ضد حكومة عبد الكريم قاسم، هذا الانقلاب يشكل ذكرى اليمة على كل الشيوعيين والتقدميين في العراق، خصوصا من عاش اهوال وفواجع ذلك اليوم المشؤوم، في ذلك اليوم قام حلف دنس وقذر بين القوميين والبعثيين ورجال دين، تقودهم المخابرات الامريكية والبريطانية، تخطيطا واشرافا ورعاية وتسليحا، ليقوموا بأخس واقذر الاعمال الوحشية، عمليات قتل وسحل بالشوارع واغتصاب وترويع وتنكيل ومطاردة، مشاعر كراهية وحقد قلما تجد لها مثيل في التاريخ.

في كل ذكرى لهذا اليوم البغيض تكتب مقالات واستذكارات وتطرح أسئلة ممن عاشوا تلك الأيام، السيدة الفاضلة سلوى زكو هي احدى الشيوعيات والصحفيات اللواتي عشن تلك الفترة المظلمة، بكالوريوس اللغة الإنكليزية 1956 من دار المعلمين العالية، ودكتوراه في الصحافة من جامعة موسكو، اعتقلت عام 1979 بسبب انتمائها للحزب الشيوعي العراقي، كتبت قصصا قصيرة ونصوصا مسرحية، قسم منها ترجم الى الإنكليزية والروسية.

نشرت على صفحتها الشخصية تساؤلا في ذكرى الثامن من شباط هذا نصه:

((في كل 8 شباط هناك سؤال ينبغي ان يسأل:
كيف أمكن لدبابتين اخترقتا شارع الرشيد وطائرة قصفت مبنى وزارة الدفاع اسقاط نظام كان يحظى بكل تلك الشعبية الجارفة؟
حتى اليوم وبعد مرور أكثر من ستين عاما ستجد من جيل 8 شباط من يتغزل بعبد الكريم قاسم.
لو سألت رجل الشارع يومذاك لقال لك ان 8 شباط قادم بكل دمويته بمعنى ان الانقلاب لم يكن مفاجأة اخذت القوم على حين غفلة.
كيف امسك الانقلابيون برقبة العراق بكل تلك السهولة؟
هذا هو السؤال)) ... انتهى الاقتباس من السيدة سلوى.

في البدء هذا ليس تساؤلا واحدا فقط، انها مجموعة تساؤلات، هذه التساؤلات تحمل ضمنا أجوبة تخجل السيدة سلوى زكو من التصريح بها، حالها كحال الشيوعيين الذين الى الان لا يجرؤون على الكتابة عن تلك الاحداث بروح نقدية صريحة، اغلبهم يكتفي بالنواح واللوم ويكتب عن ذكريات مرة عاشها او عاصرها، ما يميز السيدة سلوى هذه المرة هو طرح هذه التساؤلات، لكن المشكلة انها لم تجب عليها، وتركت السادة المعلقين في حيرة من امرهم، كل يدلو بدلوه، رغم انها عاشت تلك الحقبة بكل تفاصيلها، اكتفت فقط بالإشارة الى ان الانقلاب لم يكن مفاجئا!

طيب، إذا لم يكن مفاجئا، وان احداث شباط قادمة بكل حال، فلماذا لا تقول لنا السيدة سلوى شيئا؟ وهي شخصية صحفية مرموقة جدا، تستطيع ان تشخص الأسباب، او على الأقل ان تعطي رأيها بتلك الاحداث والوقائع، ولا تكتفي بتكرار السؤال "كيف امسك الانقلابيون برقبة العراق بكل تلك السهولة"؟

ثم هي تسأل-وهذه اول مرة تخرج أسئلة كهذه من انسان انتمى للحزب الشيوعي العراقي، لأنها هي ذاتها تغزلت يوما ما بشخصية عبد الكريم قاسم- نقول تسأل انه "حتى اليوم وبعد مرور أكثر من ستين عاما ستجد من جيل 8 شباط من يتغزل بعبد الكريم قاسم". ومن المعروف للقاصي والداني ان أعضاء الحزب السابقين واللاحقين لا يسمحون مطلقا بتوجيه أي كلام-ولا نقول نقد-لفترة حكم عبد الكريم قاسم او لشخصه، بل ان صوره تعلق على جدران بيوتهم أكثر حتى من قيادات الحزب من الخط الأول.

عبد الكريم قاسم شخصية مقدسة لدى الحزب الشيوعي العراقي، لا شك ولا كلام في ذلك، انهم يربون أجيال شابة على تقديسه، وعلى مرحلة حكمه، رغم انهم الأكثر تضررا من فترة حكمه؛ لم نسمع او نقرأ يوما مقاله او كتاب او ذكريات تنتقد فترة حكمه، بل شعراء الحزب تغنوا به، وعاتبوه بمرارة، من انه كان سبب تلك الاحدث، خصوصا قصيدة الشاعر عريان السيد خلف "منك كلها منك" والتي يقول في مطلعها:

"منك.. كلها منك.. طب حراميها.. ولعب بيها وخبطها وشرب صافيها"؛ الى ان يقول له "يا شاطر غلطتك كلفتنا أرواح.. والغلطة الچبيرة اشلون نمحيها".

يقتبس الفيلسوف الإنكليزي فرانسيس بيكون وصفا مشهورا لفلسفة افلاطون بأنها "حديث عجائز عاطلين إلى شباب جاهلين"، وهذا ما نراه من ذكريات البعض ومقالاتهم واسئلتهم حول تلك الاحداث الاليمة، تفتقد لأية ثمرة، تفتقد "للروح" النقدية الصارمة، تفتقد للمكاشفة والصراحة.

السيدة سلوى زكو طرحت فقط ما كان يعتمل بصدرها من أسئلة، وقد يكون لديها الكثير، لكنها للأسف تجنبت –كما الاخرين- الحديث عن تلك الحقبة والاجابة عن الأسئلة، وقد يكون بسبب انها لا تريد ان تجرح جيل 8 شباط، او لا تريد ان تدخل في معمعة في ذلك التاريخ الملعون.

صورة من صور التعذيب والوحشية التي مارسها البعث والقوميين برعاية أمريكا وبريطانيا كما ينقلها لنا الراحل طارق يوسف إسماعيل في كتابه "صعود الحزب الشيوعي العراقي وانحداره":

(في عام 1963 زرت في قصر النهاية عمار علوش وكان مشرفا على التحقيقات، فرأيت عنده عبد الكريم الشيخلي "وزير الخارجية فيما بعد"، وأيوب وهبي وخالد طبره، وفوجئت بالصحفي عبد الجبار وهبي ممدودا على الأرض وكان على وشك الموت ويطلب الماء، ويجيبه خالد طبره "مدير عام فيما بعد": "ها گواد تريد مي"، ولم يعطه.

وكان الدكتور فؤاد بابان قد أخبرني بمدينة السليمانية 2001 قائلا:

"كنت معتقلا في قصر النهاية، فرأيت عبد الجبار وهبي "أبو سعيد" منشور الرجل من تحت الركبة بآلة نشر خاصة، والى جانبه شخص آخر لديه يد واحدة معلق منها)).