تنديد بتجار الموت – التحذير النبوئي للدكتور مارتن لوثر كينغ
سعيد مضيه
2025 / 1 / 21 - 14:57
ت
كاثي كيلي - رئيسة مجلس إدارة عالم ما بعد الحروب ومشاركة في تنسيق محكمة تجار الموت في جرائم الحرب. وهي مؤلفة كتاب "بلدان أخرى لها أحلام من منشورات كاونتر بانش. نشرت مقالتها في 25 يناير الماضي
على مدى السنوات الثلاث الماضية، أنشأت مجموعة من الباحثين والمحامين والمعلقين المتطوعين محكمة "تجار الموت في جرائم الحرب"، المكرسة لمحاسبة أربع شركات لتصنيع الأسلحة مقرها في الولايات المتحدة. وقد جمعت محكمتهم أدلة وفيرة لإثبات أن شركات بوينغ لوكهيد مارتين (حملت سابقا الاسم رايثيون) وجنرال أتوميكس (الشركة المنتجة لمسيرات تحمل أسلحة)
RTX (Raytheon سابقًا) وشركة General Atomics (الشركة التي تصنع طائرات مسيرة
مدانة بارتكاب جرائم حرب. في 15 يناير/كانون الثاني 2025، بينما يحتفل العالم بميلاد القس الدكتور مارتن لوثر كينغ، سيُعقد مؤتمر صحفي للإعلان عن أحكام المحكمة وإصدار تقرير عشرة محلفين دوليين قاموا بتقييم الأدلة المقدمة إليهم.
بالضرورة، تم اختيار الأدلة من دراسة مجموعة محدودة من "الحروب ا الى الأبد" الإجرامية المدمرة للولايات المتحدة، من الحروب الوحشية التي لا داعي لها وتمت بمحض اختيارها. وركزت المحكمة على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية محددة ارتكبتها الولايات المتحدة في عمليات الغزو والاحتلال والهجمات الجوية التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001.
ماذا لو تمكنا من توسيع المحكمة، بحيث نعرض عليها جرائم الحرب الجارية في الوقت الحالي والمذابح التي ترتكب بمساعدة الولايات المتحدة والتي نشاهدها في الوقت الحقيقي على شاشات هواتفنا وأجهزة الكمبيوتر.
من المؤكد أن أحد الشهود الذين نطلب حضورهم للإدلاء بشهادتهم هو الدكتور حسام أبو صفية، الذي كان مديرًا لمستشفى كمال عدوان في غزة عندما كان هذا الموقع قائما. المحكمة سوف تريد أن تسهب في الشهادة لتشمل أسابيع الحصار المروعة التي أخضعت خلالها إسرائيل المستشفى الذي يعمل فيه أبو صفية للقصف المدفعي والجوي. سيساعدون في تسجيل قصته بصدد مشاهداته للاغتيالات التي استهدفت الطاقم الطبي، وعمليات إعدام ميدانية لأشخاص كانوا يحملون أعلامًا بيضاء كناية عن الاستسلام، ثم الإخلاء القسري للمستشفى مع إذلال النساء والفتيات تحت تهديد السلاح. أدت الهجمات الأولية إلى تعطيل القدرات التشغيلية للمستشفى من خلال استهداف مولدات الطاقة ومعدات إنتاج الأكسجين، ولكن الآن تظهر صورة أيقونية للدكتور أبو صفية وهو يسير باتجاه دبابة إسرائيلية عبر المباني المنهارة والأنقاض. ترغب المحكمة في إجراء مقابلة معه، لكنه محتجز من دون تهمة لدى الجيش الإسرائيلي.
محكمتنا بالتأكيد ستطلب شهادات ثلاث من أهم مجموعات حقوق الإنسان الدولية في العالم
في 5 ديسمبر/كانون الأول 2024، خرجت منظمة العفو الدولية بالاستنتاج الذي يدين إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة. ويوثق بحثها كيف أن إسرائيل، خلال هجومها العسكري الذي شنته في أعقاب الهجمات القاتلة التي قادتها حماس في جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، "أطلقت العنان للجحيم والدمار على الفلسطينيين في غزة بوقاحة ومستمرة مع الإفلات التام من العقاب"
تجد شهادة العاملين في مجال الرعاية الصحية والمدافعين عن حقوق الإنسان في غزة تأكيدها في رسالة البابا فرانسيس وجهها في 9 يناير 2025 إلى الدبلوماسيين الدوليين. أدان البابا فرانسيس الحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة، ووصف الوضع الإنساني في القطاع الفلسطيني بأنه “خطير للغاية ومخز”. وأشار البابا فرانسيس إلى وفاة الأطفال الذين تجمدوا حتى الموت بسبب تدمير إسرائيل للبنية التحتية: “لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نقبل قصف المدنيين. لا يمكننا أن نقبل أن يتجمد الأطفال حتى الموت بسبب تدمير المستشفيات أو ضرب شبكة الطاقة في بلد ما”.
تضمنت توصيات المحلفين في محكمة تجار الموت لجرائم الحرب الدعوة لإلزام كبار صانعي الأسلحة بدفع تعويضات عن المعاناة التي تسببوا فيها. والتوصية ترديد صدى كلمات البابا فرانسيس، تضمنت رسالته إلى جمع الدبلوماسيين هذا النداء: "مع الأموال التي تنفق على الأسلحة والنفقات العسكرية الأخرى، دعونا ننشئ صندوقا عالميا يمكنه أخيرا وضع حد للجوع ودعم التنمية في العالم". في معظم البلدان الفقيرة، حتى لا يلجأ مواطنوها إلى حلول عنيفة أو وهمية، أو يضطرون إلى مغادرة بلدانهم بحثاً عن حياة أكثر كرامة.
نظرا لهذه الشهادات من مصادر المتنوعة عديدة، ربما يتوقع المرء من المشرعين الأمريكيين إعادة النظر في دعمهم بلا تردد لإسرائيل التي تغتال الفلسطينيين. بدلاً من ذلك، فرض مجلس النواب الأميركي في التاسع من كانون الثاني (يناير) 2025، العقوبات على المحكمة الجنائية الدولية لإصدارها أوامر الاعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق.
من هم المجرمون؟ أبدا لم تلمح التغطية الإخبارية الأميركية لخمسة رؤساء سابقين أو حاليين اجتمعوا لحضور جنازة الرئيس جيمي كارتر إلى أن حروبهم الاختيارية البشعة وكذلك الزيادات الهائلة في مبيعات الأسلحة هي ما ميز إدارة كل من الرؤساء الخمسة. لم يرد أي ذكر لأمر الرئيس بايدن إرسال أسلحة بقيمة ثماني مليارات دولار إلى غزة. أشير الى لقاء هذا التجمع من رؤساء الولايات المتحدة باسم "النادي الأكثر تميزًا في العالم"، حقا متميز، فأي ناد غيره تسبب بهذا الكم من المعاناة للعديد من الناس ؟
في 7 أبريل 1967، ألقى الدكتور مارتن لوثر كينغ جونيور خطابه الشهير بالنظرة الثاقبة والتنبؤ بصدد حرب أمريكية غير مشروعه تنشب بمحض الاختيار – "بعد فييتنام : زمن لكسر الصمت" - حيث قال الدكتور كينغ: "على نحو متزايد: سواء بالاختيار أو بالصدفة، فهذا هو الدور الذي اضطلع به بلدنا ، دور أولئك الذين يجعلون من المستحيل اتخاذ قرارات سلمية عن طريق رفض التخلي عن الامتيازات والمباهج الواردة من الأرباح الهائلة للاستثمارات الخارجية."
جاء بيان الدكتور كينغ، في هذا الخطاب، في الذكرى السنوية الأولى المهمة لاختطافه من بيننا، هو أن "هذا البيزنيس المنوط بحرق البشر بالنابالم، وملء بيوت دولتنا بالأيتام والأرامل، وحقن سموم الكراهية في عروق الناس، وهم بشر كما هو معروف. إن إر جاع الرجال إلى أوطانهم من ساحات القتال المظلمة والدموية، معوقين جسديًا ومختلين نفسيًا، لا يمكن ان يتوافق مع الحكمة والعدالة والحب. إن بلدا يمضي عاما تلو عام ينفق المزيد من الأموال على الدفاع العسكري أكثر من برامج الارتقاء الاجتماعي يقترب من الموت الروحي.
من المؤكد أن المتهمين الأربعة أمام محكمتنا قاموا بدورهم في الضغط على المدانين الآخرين الخمسة بسبب جرائمهم المتنوعة؛ لكن امامنا جميعًا خيار محاسبة أنفسنا في مواجهة تحذير الدكتور كينغ من أننا نقترب من الموت الروحي. خطوة واحدة للتصالح مع الحكمة والعدالة والمحبة تتتمثل في المطالبة بإطلاق سراح الدكتور حسام أبو صفية من سجن إسرائيلي لكي نعلم منه بكل تواضع عن جرائم الحرب والتعويضات.