نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1790 - 2007 / 1 / 9 - 11:47
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
حين يفترض بك كمواطن أن تفتش عن خيار بين إثنين لنهاية العمر فحتما تفكر في وطن تستقر فيه رؤاك وتنشغل بصباحات عصافيره وهي تزقزق فوق رأسك بذكريات مامر وذهب . فالحاجة الى وطن لا تستقر مع الحياة ومصائرها ، فلموتنا ايضا ينبغي أن يكون هناك وطن .
ولهذا تجدني أتالم حزناً حين اقرأ مثلا كتاب للمنقب الآثري ( ماكس مالوان ) وهو يتحدث بفخر عن جهد البعثة الاثرية التي ارسلتها جامعة بنسلفانيا في 1920 برئاسة العلامة الاثاري ( ليوناردوو وولي ) في نبش أقبية مقبرة آور المقدسة والتي ضمت رفاة وكنوز أمراء وملوك سلالة أور الثالثة والتي حملت بالكامل على ظهر دواب ومراكب لتصل الى متاحف أوربا حتى مع الهياكل العظمية لإولئك الملوك والامراء الذين صنعوا مجد أور وحضارتها ومنهم الملك المشرع اور ــ نمو باني الزقورة والأميرة بو ــ آبي ( شبعاد ) عازفة القيثارة الشهيرة ، وغيرهم من ملوك ومشرعين وكهنة وأمراء وقادة جيش .
مرات أتساءل عن القيمة الإخلاقية التي تفسر أن يبقى هؤلاء منتصبون في واجهات الزجاج في متاحف أوربا وامريكا دون أن يعادوا الى اللحد الطبيعي لكل إنسان ويدفنوا في أوطانهم حسب القياس الاخلاقي والديني لنهاية البشر كما جاء في الديانات والشرائع . لكن لااحد يطلق مثل هذه الرؤية الشجاعة ويصرخ في وجه اليونسكو مثلا نداء عودة هذه الهياكل والرفات لتعود الى أقبيتها كما يحدده الشرع والأخلاق .
هذا على مستوى رؤية الأثر . تقابلها مستويات أخرى في موت العراقيين خارج حدود أوطانهم ويدفنون هناك في غربة النأي . لابسبب البعثات الاثرية بل بسبب الحروب والأنظمة وحرية الرأي والخوف من الموت بمعمعة الجندية .
وهكذا توزعت قبور العراقيين بين شتات أمكنة الأرض ومنها ماهو يضم رفاتاً لأعلام عالية كما في مقبرة الغرباء في السيدة زينب حيث يرقد الجواهري ومصطفى جمال الدين وهادي العلوي وغيرهم من أولئك الذين أدركتهم منية العمر على وسادة المنفى .
الآن ، والموت العراقي لازال يستعر مثل نار لاتخمد يتكرر موت الهجرة والمنفى ، فيما يعلن كل يوم من مشارح الطب العدلي عن دفن جثث مغدورة لم يأت أهلها ليتعرفوا عليها .
وهكذا تتعدد الأسباب والموت واحد ..
يتعدد الألم العراقي والنهاية واحدة . مشهد يتكرر في دوامة عنف لم ينتهي اوارها ، وأتمناه أن يقف يوما لندرك الموت بطبيعته المعروفة ، المقترنة بعمر او بطارئ آخر غير الرصاصة الغادرة التي تطلق على الرأس من الخلف ، وغير الموت الذي ترتعش فيه أجفانك للمرة الاخيرة في مهجرك أو منفاك وغربتك .
أتمناه وطناً لرغبة البقاء والثبات وتأسيس الحلم . وطن لاتؤرقه النعرة المذهبية والطائفية ولايخدعه مستعمر . وسوية مع ابناءه يمسك ضوء الشمس ويصنع من ضوءها إرجوحة لعيد يذكرنا بكل أزمنتنا الحلوة ..وليتها تعود ..
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟